• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإنجازات التي حققها السيد الشهيد محمد باقر الصدر .
                          • الكاتب : اعلام د . وليد الحلي .

الإنجازات التي حققها السيد الشهيد محمد باقر الصدر

الإنجازات التي حققها السيد الشهيد محمد باقر الصدر لم تكن على مستوى العراق والدول العربية ودول العالم  فحسب ، وانما شملت التحديات في الجوانب الفكرية والعقائدية الدينية والسياسية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية والاستقرائية والمالية والتاريخية وغيرها من الجوانب التي تصدى لها لحاجة العالم لمثل هذه الافكار والنظريات والمشاريع وباسلوب علمي رصين.
 
وفِي داخل العراق، تصدى السيد الشهيد الصدر على تحريم حزب البعث، والتصدي لاسقاط هذا النظام  على المستوى الفكري والثقافي والسياسي ، وعمل على تأسيس حزب الدعوة الاسلامية في عام 1957 مع اخوانه الدعاة، واشترك مع كبار مراجع الدين وعلمائها في تأسيس جماعة العلماء عام 1958، وقام بوضع اطروحة جديدة لاعداد طلبة العلوم الدينية في الحوزات العلمية، ووضع اسس مشروع لجمع كل المرجعيات الدينية في العالم لتأسيس المرجعية الدينية الموضوعية الرشيدة والصالحة، وغيرها من المشاريع الجديدة التي طرحها.
 
بداية التحدي :
 
كانت البداية في الأيام الأولى من خمسينيات القرن الماضي التي عاشها السيد محمد باقر الصدر حينما بدأ التفكير وهو في سن الشباب المبكر بوضع خطة للتحدي شرع بعدها بكسر حاجز الجمود وهاجس الخوف من العمل السّياسي الاسلامي .
 
فانتفض على العديد من العادات والصيغ السائدة في ذلك الوقت. فكان يجتمع بالكثير من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية لمناقشتهم واقناعهم بضرورة التحرك السياسي الإسلامي وتغيير حال الأمة منبها على اهمية التصدي وعلى اعلى المستويات للتهديدات التي تحيط بالأمة الاسلامية من الجوانب العقائدية والسياسية والفكرية.
 
وعد ذلك ضرورة شرعية وحاجة ميدانية ملحة للتغيير في المجتمع ومطلبا مهما لمواكبة التطور الحاصل في اساليب التنظيم التربوي التغييري في عدد من دول العالم .
 
التصدي الحركي :
 
نشط السيد الصدر في الحث على الانتماء لحزب الدعوة الإسلامية في الجامعات العراقية وفي مختلف الاوساط الطلابية والمهنية والعشائرية. وبالنظر لطبيعة النشاط الواسع الذي قام به تعرض لحملة مضادة خاصة من بعض المؤسسات الدينية والاجتماعية في النجف الاشرف وبقية المدن المقدسة. 
 
بدأت الحملة ضد السيد الصدر تأخذ أبعادا أخرى أشد قسوة عندما تسلط حزب البعث على السلطة بالعراق عام 1968، ولكن ذلك لم يثن السيد الصدر من الاستمرار في نهجه التغييري رغم الظروف القاهرة والتصفيات الجسدية التي طالت معظم طلبته في الحوزة العلمية.
 
جند السيد الصدر اتباعه للبدء بعدة مشاريع تغييرية لاحداث التغيير المنشود في اوساط الأمة واستخدم سياسة التدرج في طرح متبنياته، وعلى عدة مستويات ومن ضمنها مشروع لتطوير الحوزة العلمية ومشروع لتطوير العمل السياسي للجمهور ومشروع مستقبلي لقيادة العمل .
 
وتميز السيد الصدر بأنه قاد المشاريع ونظّر لها فكريا، ووضع اٌسسَ التحرك فيها، ومارس التنفيذ بنفسه من دون كلل او ملل او خوف او تباطؤ حيث كان جريئا في طرحه لا يخاف لومة لائم لأنه كان يعلم انه يسلك طريق الحق .
 
وعلى الرغم من وجود العديد ممن تصدوا لمثل تلك المشاريع في التأريخ ، إلا اننا قلما نجد مثيلا لمشاريعه التي امتازت بسعة تحّركه وتنوعه وبلوغه العلمي في الكثير من المعارف إضافة إلى انتهاء حياته بالشهادة في سبيل الله ومن اجل الوطن وعلى يد أعتى نظام دكتاتوري دموي عرفه التاريخ الحديث.
 
كان السيد الصدر مرجعا دينيا ومفكرا اسلاميا وفيلسوفا ومؤسسا وقائدا لحزب الدعوة الاسلامية ومرشدا لحركات أخرى وكان منفتحا على الحركات السياسية إضافة إلى كونه كان قائدا للثورة على نظام حزب البعث في كل المجالات الجهادية والفكرية والسياسية.
 
ومن مشاريعه ما يأتي :
 
أولا : تأسيس حزب الدعوة الاسلامية 
 
أسس السيد محمد باقر الصّدر مع مجموعة من علماء الدّين والرّساليين حزب الدّعوة الإسلامية في 17 ربيع الاول 1377 هـ (12/ 10/ 1957) و كان عمره 24 عاماً، ووصف السيد الشّهيد العمل الحزبي في الدعوة كما نشر في نشرة داخلية للحزب بما يأتي: (إن اسم “الدّعوة الإسلامية هو الاسم الطّبيعي لعملنا والتعبير الشّرعي عن واجبنا في دعوة الناس إلى الإسلام ولا مانع ان نعبر عن أنفسنا بالحزب والحركة والتنظيم، فنحن حزب الله، وأنصار الله، وأنصار الإسلام ونحن حركة في المجتمع وتنظيم في العمل، وفي كل الحالات نحن دعاة إلى الإسلام وعملنا دعوة إلى الاسلام. والشّكل التنظيمي الّذي اخترناه في دعوتنا، هو تطوير للشكل الشّائع في التنظيمات المعاصرة مع ملاحظة ما تقتضيه مصلحة الدّعوة إلى الاسلام. وسبب اختيارنا له يعود إلى مشروعيته اولاً، وفائدته ثانياً (نشرة داخلية لحزب الدّعوة الإسلامية). وفي نشرات اخرى وصف السّيد الصدر أسلوب عمل الدّعوة بأنه تغييري لأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه المبين: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ظل السيد الصدر قائدا لحزب الدعوة الإسلامية منذ تأسيسه عام 1957 إلى عام 1962، حيث استبدل علاقته التنظيمية بقيادة الحزب ليكون مرشدا لحزب الدعوة الاسلامية ولم يترك علاقته بحزب الدعوة الاسلامية الى اخر يوم من حياته .
لقد رعى السيد الصدر بكل ما يستطيع الحزب في مختلف الميادين، حيث اشترك بكتابة النشرات الداخلية الحزبية وترأس مؤتمرات الدعوة ودفع الأموال وعمل جاهدا لإقناع من يستطيع إقناعه للانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية، وشمل ذلك علماء الدين وطلاب الحوزات العلمية وشخصيات العراق والمثقفين وأساتذة الجامعات والمعلمين والمهندسين والطلبة وغيرهم .
كان السيد الصدر مؤسسا وقائدا ومنظرا وداعما لحزب الدعوة الإسلامية طيلة حياته الشريفة .
ومن وفائه الذي اشتهر به للدعوة والدعاة انه آثر الشهادة في سبيل الله ولقاء الله مخضبا بدمه الطاهر على ان يكتب فتوى ضد حزب الدعوة الاسلامية بعد ان خُير بين نعيم الدنيا ودعم الطاغية صدام له أو الموت إعداما في حالة عدم الاستجابة لواحدة من مطالب صدام فاختار الشهادة (كان ذلك عبر وسيط عضو في حزب البعث وهو عالم لبناني حيث طرح على السيد الصدر بعد رفضه شروط صدام السابقة الموافقة على واحد فقط من الشروط الثلاثة ليتخلص من الاعدام ويكون مقربا لصدام، والشروط هي :
1 - فتوى حرمة الانتماء لحزب الدعوة الاسلامية .
2 - فتوى جواز الانتماء لحزب البعث .
3 - برقية ضد الجمهورية الاسلامية .
و لم ينته وفاء السيد الصدر لحزب الدعوة الإسلامية بقبوله الشهادة على عدم الاستجابة لطلب صدام بتحريم الانتماء للحزب، وإنما تعدى ذلك إلى ما بعد استشهاده حيث ارسل وصيته الخالدة الى حزب الدعوة الاسلامية كما نقلها لي اية الله السيد حسين إسماعيل الصدر الذي كان حاضرا وشاهدا لوصيته في منزل عمه (اب زوجة) السيد الشهيد الصدر، ونقلها لي ايضا الشيخ محمد رضا النعماني الذي كان محتجزا مع السيد الشهيد أثناء فترة احتجازه من قبل البعثيين اوائل عام 1980عندما أمره السيد الصدر بإخبار السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) بهذه الوصية لنقلها إلى خارج العراق .
والوصية هي : (أوصيكم بالدعوة فإنها امل الأمة).
وقد نقل السيد عبد العزيز الحكيم هذه الوصية للدعوة في سوريا وإيران ونقلها لي شخصيا اوائل عام 1981, ونقل لي سماحة اية الله السيد حسين اسماعيل الصدر عندما زرته لاول مرة بعد ايام من سقوط الطاغية في نيسان عام 2003، ان السيد الشهيد الصدر كتب وصيته بالنص (أوصيكم بالدعوة فإنها امل الأمة).
وسألت سماحة السيد حسين الصدر  هل ان الشهيد الصدر كتب وصية اخرى قال : لا ، لم يكتب اي وصية اخرى.
وفي هذه الوصية إلى الأمة أكد المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر على الجماهير المؤمنة ان تكون مع حزب الدعوة الاسلامية لأنه سيكون امينا على حمل الأمانة وفي عمله وأطروحاته وسيرته ضمان لمستقبلها، لان الدعوة هي النبتة التي ترعرعت بفكر الشهيد الصدر ومارست دورها التغييري في زمن المعارضة لـ 23 عاما اثناء حياة الصدر وبعده، وخبر فكرها وجهادها والتزامها بالقيم والمبادئ.
فقامت قيادة حزب الدعوة الاسلامية والدعاة والجماهير العراقية المحبة للسيد الصدر بالتحرك جهاديا وسياسيا وإعلاميا وفق توجيهات ومنهج وقيادة السيد الصدر عام 1978 ، وكانوا أوفياء له وقدموا عشرات الالاف من الشهداء من اعضاء الحزب وأنصاره ومؤيديه والسائرين على نهجه قرابين لله لنصرة وطننا الحبيب العراق .
وشاءت قدرة الله ان تجعل من 9 نيسان تاريخا لشهادة الصدر واخته العلوية بنت الهدى وسقوط الطاغية صدام حسين وحزبه البعث البائد في 9 نيسان عام 2003.
وهنا تصدى الدعاة لحمل المسؤولية، وبناء العراق من جديد، وجابهوا كل التحديات التي اوجدها حزب البعث ومن معهم من ارهاب القاعدة الى الفتن الطائفية والعنصرية الى ارهاب داعش الذي عاث في الارض فسادا على نهج قياداته التي تربت في حضن حزب البعث الاانساني .
تحدى السيد الصدر حزب البعث وفكره ونظامه تحديا فكريا وسياسيا وجهاديا، محذرا أزلام البعث بالقول “ دمي يكلفكم نظامكم “ فكانت شهادته في 9 نيسان عام 1980 وسقط البعث وطاغيته في 9 نيسان 2003.
تنبأ السيد الشهيد بسقوط الطغاة عندما قال “الجماهير اقوى من الطغاة وقد تصبر ولكنها لن تستسلم “ فسقط الطغاة عندما انتفضت الجماهير التي تبقى هي الأقوى والتي لم تستسلم لهم ( كما وصفها ).
لم يؤلف السيد الشهيد الصدر الكتب بهدف التأليف فحسب وإنما ألفها وكتب المقالات وأعلن النداءات لمعرفته بحاجة الأمة لهذا الفكر وتلك المواقف .
فكان يكتب دفاعا عن الإسلام وعن القيم والمبادئ،  يكتب للإنسانية، وينظّر للتصدي ضد الطغاة ويتحدى الأشرار لم يخف التهديد والإرهاب وكان مصمما على الشهادة فنالها .
لم يتوان حزب الدعوة الإسلامية في كل صراعه مع الطواغيت والأشرار التي امتدت 60 عاما على نصرة الشعب العراقي والأمة الإسلامية وعانى أعضاؤه وأنصاره ومؤيدوه من كل أنواع التعذيب والقهر والحرمان والهجرة والاعتقال والإعدام، وعانت عوائلهم كذلك أشكال التعسف والتهجير والحجز والمطاردة والتضييق على معيشتهم وطردهم من دوائر عملهم أو محاربتهم اقتصاديا واجتماعيا.
 
 
ثانيا : تأسيس جماعة العلماء في النجف :
 
تمكن السيد الصّدر من إقناع خاله آية الله الشّيخ مرتضى آل ياسين ليقوم بطرح مشروع تأسيس جماعة العلماء عام 1958 (أو 1959) على المرجع الدّيني الراحل الإمام السّيد محسن الحكيم ومجموعة من المراجع وعلماء الدّين، رحمهم الله برحمته الواسعة.
وقد تشكلت الجماعة فعلاً، واختارت المرجع الأعلى السّيد محسن الحكيم مشرفاً لها، وآية الله الشّيخ مرتضى آل ياسين معتمداً لها وحجة الإسلام والمسلمين السّيد محمد تقي بحر العلوم ممثل اللجنة التنفيذية.
ولم يكن السيد الصّدر عضواً في الجماعة لصغر سنه (25 عاما)، ولكنه كان لولب حركتها واعتمد على قيادات حزب الدّعوة الاسلامية وكوادره في انجاح التجربة وديمومتها لبعض الوقت.
ومارس الشّهيد مهمة كتابة المنشورات الصّادرة من الجماعة والّتي بدورها تذاع في الرّاديو وتوزع على المدن والقرى عبر الوكلاء وزوار المدن المقدسة كما كان يقوم بكتابة افتتاحية مجلة الاضواء (رسالتنا)، والقيام بأعمال عديدة أخرى.
وكان تأسيس مثل هذا التنظيم المتقدم على طريقة الطرح السائد انذاك في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف هو أمر مهم جدا، لم تتعود عليه الاوساط العلمية في المدن المقدسة.
ولذلك تعرضت الجماعة لعدة حملات مضادة، وكان الشّهيد المدافع والمحامي الميداني للجماعة، ولو قدّر لمثل هذه الجماعة استمرارية العمل لتغيرت الكثير من الأحداث السّياسية في العراق.
 
 
ثالثا : أطروحة المرجعية الموضوعية الصّالحة والرّشيدة :
 
قدم السيد الصدر أطروحة المرجعية الموضوعية بهدف تحويل العمل المرجعي الى مؤسسة تستفيد من تجارب المرجعيات السّابقة كما شرح ذلك احد ابرز تلاميذ السيد الصدر وهو آية الله السيد كاظم الحائري في كتابه (مباحث الأصول) الذي وصف اطروحة المرجعية بانها “ تتطلب وجود قاعدة قد آمنت بشكل وآخر بهذه الأهداف في داخل الحوزة وفي الامة، واعدادها فكرياً وروحياً للمساهمة في خدمة الاسلام، وبناء المرجعية الصّالحة “.
ولتحقيق الاسلوب الجديد في تطوير المرجعية وواقعها العملي فقد كتب السيد الصدر أسس بنائها وفقا لما يأتي :
1 - : إيجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي يقوم على أساس الكفاءة والتخصص، وتقسيم العمل، واستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرّشيد في ضوء الاهداف المحددة. ويقوم هذا الجهاز بالعمل بدلاً من الحاشية الّتي تعبر عن جهاز عفوي مرتجل يتكون من أشخاص جمعتهم الصّدف والظّروف الطّبيعية لتغطية الحاجات الآنية بذهنية تجزيئية، وبدون أهداف محددة واضحة، ويشتمل هذا الجهاز على لجان متعددة، تتكامل وتنمو بالتدريج الى ان تستوعب كل امكانات العمل المرجعي.
2 -: إيجاد امتداد أُفقي حقيقي للمرجعية يجعل منها محوراً قوياً، تنصب فيه قوى كل ممثلي المرجعية والمنتسبين إليها في العالم.
3 - : امتداد زمني للمرجعية الصّالحة لا تتسع له حياة الفرد الواحد. فلابد من ضمان نسبي لتلك المرجعية في الإنسان الصّالح المؤمن بأهداف المرجعية الصّالحة، لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية الى من لا يؤمن بأهدافها الواعية..
ويؤكد السيد الصدر في أطروحته، استمرار العمل المرجعي من خلال مؤسسة المرجعية وليس من خلال المرجع نفسه. فواقع الحوزة هو انّه اذا مات المرجع الدّيني، تعطل جهازه المرجعي، اما اذا مات المرجع وهو ضمن المؤسسة المرجعية، فان الجهاز المرجعي، يقوم بدوره من دون توقف لحين ترشيح المرجع الجديد.
ويضيف السيد الصدر هذه الحالة بأن شخص المرجع هو العنصر الّذي يموت، وأما الموضوع فهو ثابت، ويكون ضماناً نسبياً الى درجة معقولة بترشيح المرجع الصّالح في حالة خلوّ المركز، وللمجلس والجهاز بحكم ممارسته للعمل المرجعي، ونفوذه وصلاته وثقة الأمة به القدرة دائماً على اسناد مرشحه، وكسب ثقة الأمة الى جانبه”.
وكان السيد الصدر يشعر وهو بكامل الثقة والوعي في إمكانية تطبيق أطروحاته، وكان يعيش في زمان سبق فيه من عاصره في مسائل الوعي الحركي والتنظيمي للحوزة. وكان يعيش المستقبل في نظرة واقعية.
 
 
رابعا : القيادة النائبة :
 
لما تجلت معالم إصرار حزب البعث على إعدامه، خطط السيد الصدر لمشروع (القيادة النائبة) لتقوم بدوره في حال استشهاده وخلو الساحة العراقية من قيادة ليستمر العمل والبناء للانقضاض على صدام ونظامه.
وكان السيد الصدر يعلم ان وجود القيادة الفاعلة في الميدان مهم جداً لاستمرار الثورة وحصولها على النتائج الإيجابية وان بإمكانها استثمار دم السيد الصّدر في حالة استشهاده لإبقاء الشّعلة موقدة لحين الاقتصاص من القتلة وتحكيم العدل في  العراق.
صمم السيد الصدر جهاز القيادة النائبة المتكون من قيادة علمائية رباعية ابتداءً، وأعطى لها صلاحية اضافة اشخاص معها من خلال مجموعة من الاسماء الّتي وضعها ووصفت بأنها أكثر من عشرة أسماء.
وخطط السيد الصدر كيفية تحصيل الدّعم الكافي لهذه القيادة من أئمة المسلمين، ومن الشعب العراقي ومن محبيه ومقلديه في كل العالم من خلال تسجيل نداءات بصوته موجهة لهم يدعوهم فيها إلى الالتفاف حول القيادة النائبة وإطاعتها وإسنادها في تحقيق الأهداف العليا.
كما انّه خطط للخروج بنفسه الى صحن الإمام علي (عليه السلام) في النجف الاشرف في الوقت الّذي يكون فيه الصّحن مملوءا بالناس ليلقي خطاباً على المصلين ويعلن عن القيادة النائبة ويطلب من العراقيين اسنادهم والسّير على خطاهم .
لقد بلغ تحدي السيد الصدر إلى مرحلة جعلت منه مضحيا بنفسه ليكشف للعالم طبيعة القمع والإرهاب البعثي الصدامي الذي يعاني منه الشعب العراقي مع الانعدام الكامل للحريات في العراق. وكان يتمنى ان يموت شهيداً مضرجاً بدمه وأمام الجماهير في الصّحن الشّريف على ان يقتل أو يعدم في السّر وبمعتقلات البعث وأقبية الأمن الصدامي .
وكان السيد الصدر قد انجز مشروعه التخطيطي للقيادة النائبة وهيأ نفسه للبدء بالمشروع، واختار أربعة أسماء من العلماء العراقيين البارزين والمعروفين في السّاحة العراقية. وكان ثلاثة منهم في خارج العراق وقتئذ، اما الرّابع فقد كان في النجف الاشرف.
فأرسل اليه السيد الصدر ليتكفل بهذه المهمة ويغادر العراق وينسق الوقت الذي يصل فيه إلى خارج العراق ليذهب السيد الصدر إلى حرم الإمام علي (عليه السلام) ويعلن المشروع للجماهير والعالم إذ سيكون الإعلان في النجف وفي خارج العراق بوقت واحد.
وفوجئ السيد الصدر بأمر لم يكن يتوقعه إذ رفض العالم الموجود في النجف الاشرف الاشتراك بمشروع القيادة النائبة، مما جعل السيد الصدر يحزن ويتألم كثيراً جدا لذلك لأنه لم يكن يتوقع الرفض منه بأي شكل من الأشكال .
وذكر الشّيخ محمد رضا النعماني الّذي كان مرافقاً للسيد الصدر أثناء فترة احتجازه وعاش مخاضات القيادة النائبة (في صفحة 310 من كتابه الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار) ما نصه “وفشل مشروع القيادة النائبة واصابت السّيد الشّهيد خيبة امل قاتلة وهم دائم، فتدهورت صحته، وأصيب بانهيار صحي، وضعف بدنه، حتى كان لا يقوى على صعود السّلم إلاّ بالاستعانة بي، وظهرت على وجهه علامات وحالات لا أعرف كيف أُعبر عنها”.
والحقيقة أن السيد الصدر، كان يريد ان يبني في اطروحته هذه ويخطط المستقبل لأجيال قادمة، وان عدم تحقق هذه الاطروحة شكل خيبة أمل كبيرة له، اذ انّه كان يتوقع ومن خلال تركيبة الاطروحة أن يصيبها النجاح وتحصل على التأييد الكافي لديمومتها، وكان لسان حاله انه إذا كان العالم الديني الذي بجنبي يرفض هذا المشروع فما بال الآخرين الثلاثة من علماء الدين الذين هم خارج العراق، ولم يكن قد ناقشهم في المشروع ليعرف رأيهم.
ويبدو أن السيد الصدر بعد هذا الحادث أسدل الستار على مشروعه نتيجة المعارضة التي واجهته من قبل هذا العالم الديني الذي كان موجودا في النجف الأشرف !.
 
 
الخلاصة :
 
- الانتاج الفكري للسيد الشهيد الصدر اصبح مصدرا لكثير من جامعات العالم .
- كما ان تصديه للطاغوت الصدامي كونه مرجعا دينيا كبيرا وعالما مجددا وقائدا للحركة الاسلامية جعله من الاوائل الذين تصدوا لطاغوت في زمن مبكر قبل ان ترفع كثير من دول العالم دعمها  لصدام حسين ونظامه البعثي .
- ان التشخيص المبكر من قبل السيد الشهيد الصدر لطبيعة هذا النظام الاجرامية ، وقبل ان تعرف اكثر دول العالم بذلك، وإصرارها على دعم  صدام ونظامه تسبب في عدة حروب خليجية دخلت فيها العشرات من  دول العالم والامم المتحدة في المجابهة فيها مع نظامه وتسببت في كوارث على الشعب العراقي وشعوب دول الجوار وضحايا وخراب وحصار اقتصادي وظلم لا زال العراق يعاني منه .
-  وفِي تصديه لعملية التغيير في العراق ، ومن خلال استعراض الاطروحات الاربع الّتي عمل السيد الصّدر على ايجادها في أجواء النجف الاشرف وبقية المحافظات الأخرى، نجده نجح في التحدي الذي التزم به طول عمره في كسر حاجز الخوف من العمل السّياسي، واستطاع باعتماده على الله وعلاقته الحميمة بالجماهير وقدراته أن ينجز التغيير السّياسي الصّعب..... واليوم ننعم ببركات الله في التخلص من الطاغوت والدكتاتورية، ونال صدام ومن عمل معه جزاءهم بما عملوا من ظلم وجرم وفساد واضطهاد في العراق .
- وتمكن الشعب العراقي من التخلص من الفتنة الطائفية التي كادت أن تعصف به نتيجة أعمال بقايا نظام صدام وحزب البعث والتكفيريين، وأعلن الشعب العراقي حربه على الإجرام والخرافات الداعشية والقاعدية.
- لقد اختار الشعب الآليات الديمقراطية في الدستور لبناء عراق حر كريم تسوده العدالة وكرامة الإنسان كما أراد السيد الشهيد الصدر في ندائه الأخير.
- وجاءت ذكرى 9 نيسان لتجيب على تحذير السيد الصدر لحزب البعث وصدام عند شهادته في 9 نيسان عام 1980: ( إن دمي يكلفكم نظامكم ) و ( لـو كان أصبعـي بعثيا لقطعته).
- نعم إننا نعيش نعمة التخلص من طاغوت صدام وحزبه، فها هو الشعب العراقي تحرر من طاغوته، وبدأ يمارس حرياته وأعماله وعباداته بحرية، ولذلك فإن التحديات التي تواجهنا اليوم في العراق هي بشكل أو باخر على نسق تلك التحديات التي جابهها السيد الشهيد الصدر .
- اننا نواجه اليوم بقايا البعث وعصاباته وتحالفهما مع الأشرار والطائفيين وإرهاب القاعدة وداعش المستورد من الخارج الذي غزى العراق عبر أبواب الحدود التي كانت مفتوحة ابان الاحتلال وبعده، كما نحصد اليوم بقايا اثار التربية الخاطئة التي استخدمها صدام ونظامه طيلة 35 عاما وتركت بصماتها على إداراتنا ومؤسساتنا متمثلة بالفساد بمختلف إشكاله وانواعه والذي انتشر منذ العهد البائد ولم ينته بعد، يضاف اليه التدخل الخارجي الذي ما زال موجودا، وضياع الأهداف الستراتيجية عند بعض المتصدين، مع بقاء أمراض النفس الامارة بالسوء مستديمة في المجتمع .
- ورغم كل التحديات التي تواجه البلد، الا إن إرادة شعبنا العراقي الأبي ستبقى هي الأقوى ولم تستطع الضربات الإرهابية التي وجهت من القاعدة وداعش وعصاباتهم الى الشعب العراقي الابي من إضعاف عزيمته وقدرته على للتصدي لها. كما إن الجماهير التي أسقطت صدام وحزبه، وتحدت الإرهاب وشاركت في الانتخابات وانتخبت مجالسها التشريعية، وساهمت في الاستقرار الأمني للبلاد، وتعاونت للقضاء على التمييز بكل أشكاله والتي تعمل لبناء البلاد ستظل أقوى من طواغيت الإرهاب والعصابات والتآمر والفساد ايا كان مصدرها.
- ان ثقتنا بشعبنا الابي وقيادته المبدئية المضحية وبدعم المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف هي من هيأت الابطال في القوات المسلحة من الجيش والشرطة والمخابرات والاستخبارات والقيادة الجوية والدفاع الجوي وجحافل الحشود الشعبية البطلة التي حررت آمرلي وجرف النصر ومناطق ديالى وتكريت وصلاح الدين واخرها الموصل في نهايتها.
- هذه الثقة تجعلنا نؤمن بان النصر آت بإذن الله وعونه، فكما اعتقدنا بان دماء السيد الشهيد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى وشهداء العراق كانت الكفيلة بإسقاط البعث وقادته، فنحن اليوم اكثر عزما واعتقادا على اسقاط الظلم والفساد والإرهاب الداعشي البعثي بعون الله تعالى .

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : احمد رشيد الشيحاني ، في 2017/04/13 .

الاسلام بالنسبة للاسلاميين ليس مجموعة من المعتقدات والتعاليم والطقوس والتقاليد فقط الاسلام يتضمن فضلا عن ذلك منهاجا سياسيا واجتماعيا ونظاما سياسيا صالح في كل زمان ومكان وذلك بسبب اصوله الالهية .... رحم الله السيد الشهيد محمد باقر الصدر وكل الشهداء ممن ساروا على نهج الاسلام الحقيقي والدعوة المباركة وحفظ المخلصين ممن يعملون لله بشكل منقطع ...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91986
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29