• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أي منطق يحكم عملية الاستـوزار في المغـرب؟ .
                          • الكاتب : محمد المستاري .

أي منطق يحكم عملية الاستـوزار في المغـرب؟

بعد مخاض طويل من المشاورات والمفاوضات المتعثرة، التي تجاوزت مدة ستة أشهر، تشكلت في المغرب أخيرا حكومة هجينة، من أطراف إسلامية وشيوعية وليبيرالية ومخزنية، تحت مسميات مختلفة، «التوافق السياسي» و«الإرادة الوطنية الصادقة»، علما أنه إذا عدنا إلى الفيديوهات التي توثق لخطابات هؤلاء الأطراف المتحالفون في الحكومة الحالية، أثناء الحملات الانتخابية والمهرجانات الخطابية، لوجدنا أنها تفضحهم وتعريهم قطعة قطعة، ولكشفت لنا حقا أن هؤلاء ليسوا سياسيين في حكومة بل مجرد جوقة من الانتهازيين والوصوليين الذين يقدمون الوهم لمن صوت لصالحهم، بما أنهم يبدلون مواقفهم وأفكارهم وقناعاتهم بالبساطة نفسها التي يبدلون بها ملابسهم، -هذا طبعا إذا كنا نتفق أصلا وأساسا حول أن الانتخابات هي التي تفرز هؤلاء الأشخاص في بلادنا-، ويتعلق كل هذا الاستغراب بجملة من الاعتبارات: 
أولها: جعـل الاستـوزار فـوق اختـلاف الإيديولوجيـات والمنطلقـات:
ذلك أنه رغم التعددية الحزبية في المغرب، والاختلافات الإيديولوجية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح المتمثلة في الحقائب الوزارية، التي يتيحها ما يسمى بـ «البحث عن التحالفات» لتشكيل أغلبية حكومية، فإنها تتساقط أقنعة السياسيين، وتنتفي المواقف والمبادئ والقيم وتنصهر كل الاختلافات الإيديولوجية في المنطلقات، رغم أن هذه المسألة تشكل عقيدة مقدسة في البلدان الديمقراطية!
ولتبرير ذلك، طبعا، فإن السياسيين في المغرب، يلجؤون إلى مفاهيم من قبيل «الإرادة الوطنية الصادقة» و«التوافق السياسي»، التي هي فقط من باب المراوغة والتبرير والمكر... لأنه أليس مجرد افتراء أن نتحدث عن توافق سياسي، في إطار يرى فيه كل طرف من هذه الأطراف أن إيديولوجية ومنطلقات الطرف الآخر، تقليدية وظلامية ورجعية؟ بأي منطق يمكن أن نتحدث عن توافق بين «الشيوعي» و«الخوانجي» و«الليبيرالي» و«المخزني»؟
إن الإجابة عن هذا السؤال، تكشف عن حقيقة واحدة، وهي أن ملة الأحزاب السياسية في المغرب ملة واحدة، ألا وهي الحقائب الوزارية، فلا اليساريون عندنا في المغرب يجسدون قيم «شيغيفارا» الذي كان يقول: «إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى وجه مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو موطني»، ولا الإسلاميون، يجسدون قيم الشهيد «حسن البنا»، الذي كان يقول: «أيها الإخوان: هل أنتم مستعدون أن تجوعوا حتى يشبع الناس، وأن تتعبوا حتى يستريح الناس، وأخيرا أن تموتوا كي يحيا الناس»، أفليس اليساريون والاشتراكيون من أكبر الإقطاعيين والملاكين في المغرب؟ وبالمقابل، ألم يشبع المحسوبون على المرجعية الإسلامية، حتى جاع الناس، وألم يستريحوا على الأرائك المكيفة حتى أرهق الناس، وألم يتمكنوا ويسودوا حتى ساروا يضحكون على الناس؟ ألم يكونوا في سابق عهدهم مجرد حفاة عراة ثم ساروا يعيشون في الفيلات وأصحاب استثمارات؟
ثانيها: جعـل الاستـوزار فـوق كـل الاتهـامـات المتبادلـة بيـن الأطـراف السياسية:
ذلك أنه يصعب كثيرا إيجاد أي تحليل أو تأويل لممارسات الأطراف السياسية بالمغرب، ما يدل على أنهم شخصيات متفردة تنأى عن أي تأويل، فحتى المحللون السياسيون والمهتمون، كثيرا ما يقدمون لوسائل الإعلام تحليلات عن المشهد السياسي، بناء على حدة الصراع والخلافات والاتهامات المتبادلة بين هذه الأطراف، تحت قبة البرلمان أو من خلال تتبع المهرجانات الخطابية، لكن سرعان ما نجد تحالفات تحصل بين هذه الأحزاب بمجرد طرح موضوع الحقائق الوزارية، وفي هذا السياق، سنقدم نموذجا من ضمن نماذج كثيرة، تكشف حجم هذه السكيزوفرينية.
ألم يقل إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك الآن في الحكومة، بلغة قوية أثناء الحملة الانتخابية: «إذا قدر الله واستمر حزب العدالة والتنمية في سدة الحكم لولاية ثانية، فتأكدوا، أن أوضاعنا ستكون أسوأ من أوضاع بلدان الشمال، فقط هم يملكون البر للفرار أما نحن فليس أمامنا إلا البحر»، وفي هذا السياق، كان يقصد أن فوز الحزب الحالي المترئس للحكومة يمكن أن يفضي بالمغرب إلى مثل ما يقع في سوريا وغيرها... وبعد أن تمت دعوته للمشاركة في الحكومة التي كان ينتقد من قبل، يقول في ندوة صحفية بمقر حزب العدالة والتنمية، «نحن بكل مسؤولية، نعلن أننا سنعمل على تيسير مهمة حزب العدالة والتنمية، وعلى أن ينجح في مهمته...». 
ثالثها: جعـل الاستـوزار فــوق مصلحـة الوطــن وثقـة المواطنيـن:
لعل معضلة غياب الكفاءات العالية والصادقة والأمينة التي من شأنها النهوض بالقطاعات والمجالات الحيوية في البلاد، شأن التربية والتعليم والبحث العلمي، والصحة والعدل... إذ يتم تنصيب أشخاص لحقائب وزراية فقط بناءً على توافق الأطراف السياسية في تشكيل الحكومة، دون الأخذ بالاعتبار حجم المسؤولية، لعلها خير مثال يعبر على أن الحقيبة الوزراية تبقى فوق مصلحة الوطن وثقة المواطنين، وهكذا تبقى حكوماتنا حكومات تسيير لا حكومات تدبير، رغم الوعود التي تقدم بخصوص إصلاح التربية والتعليم والقضاء والصحة...
وبناء على كل هذه الاعتبارات، التي تنم عن فساد سياسي مستشري وغياب ضمير ووعي أخلاقي يكون مدركا لحجم المسؤولية الملقاة على العاتق، نطرح السؤال التالي: أين هو دور المؤسسة الملكية التي تدعو المواطنين إلى تجديد الثقة في هؤلاء السياسيين؟
-----------------------------
**باحث في علم الاجتماع 
med.mestari@gmail.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=92032
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28