• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيد المسيح والصليب .
                          • الكاتب : فلاح العيساوي .

السيد المسيح والصليب

 منذ مدة طويلة ونفسي تحدثني وتسألني دوما،، لماذا اتخذ أتباع نبي الله عيسى بن مريم العذراء البتول (عليهما السلام) الصليب شيئًا مكرمًا ومقدسًا في فكرهم وعقيدتهم؟،، ورغم أننا كمسلمين لا نعتقد بقصة موت السيد المسيح (ع) وقتله مصلوبًا فوق آلة القتل (الصليب)، وذلك لإيماننا بالقرآن الكريم الكتاب المنزل على نبينا الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله عز وجل أخبرنا بقصة نبيه المسيح (عليه السلام) بآيات كريمة، في قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ). سورة النساء: الآيات 157 - 159. وهذه الآيات الكريمة تناقض ما جاء في كتاب العهد الجديد (الإنجيل) من قصة صلب السيد المسيح (ع)، الواقع أنني لم أجد الجواب الشافي لمسألة تكريم وتقديس الصليب من قبل أتباع السيد المسيح (ع) حتى أنّ أغلب الإجابات التي طرحت عليهم كان جوابها : (أنّ الصليب هو رمز قوة صبر وتحمل المسيح أذى الصلب والتعذيب، فالسيد المسيح صلب فوق الصليب وثبتت يداه الطاهرتان بالمسامير على الصليب وسالت دماؤه المقدسة حتى قضى نحبه فأتوا بجسده الطاهر إلى مرقده، وقام منه وصعد إلى الملكوت الأعلى، كما تروي الأناجيل )!...
 
والإشكال في هذا الجواب، أن العقل والمنطق لا يجدانه حجة صحيحة أو دليلاً وبرهانًا مقنعا!، لكون أنّ الصليب هو أداة تعذيب جسدية مهينة للإنسان وكرامته وإنسانيته المحترمة، وهو أيضا أداة قتل قاسية، وعلى ما أعتقد أن الرومان ليسوا أول من اخترع الصليب واستعمله لتعذيب وقتل الإنسان، فهو ضاربٌ في التاريخ حيث أنّ المصريين القدماء كانوا يستخدمونه في تعذيب وقتل الجناة، كما يدل قوله تعالى: ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ). سورة يوسف: الآية 41. لهذا أستغرب جدا اتخاذ هذه الآلة التي أُعِدَّت لأهانة الإنسان والمس بكرامته وتعذيبه وإزهاق روحه الغالية والكريمة عند الله تعالى، رمزا مقدسا ومكرما يحمله أتباع المسيح في أيديهم وأعناقهم ويضعوه داخل كنائسهم وفوق أبنيتها ويستعمله القساوسة في كثير من الطقوس الدينية داخل الكنيسة كالتعميد والمباركة وغيرها، ولا أعلم كيف اتخذ قسمٌ من الناس آلة القتل امرًا مقدسا ومكرما، وكيف ارتضت عقولهم هذا الأمر؟...
 
كان نظام الطاغية صدام في العراق يقتل الجندي المتخلف أو الهارب من ساحات القتال أيام الحرب العراقية الإيرانية، وكان الجندي يعدم رميًا بالرصاص في بيت أهله وأمام أنظار عائلته المسكينة، وكان المنفذون يأخذون ثمن الرصاصات من أهل المعدوم ويعطونهم (ظروف الرصاص)!، فهل يقبل الأب والأم أن يتخذوا (ظروف الرصاص) الذي أزهق روح ابنهم المسكين، قلائد يضعوها في أعناقهم وهي الأداة التي ذبحت ابنهم الغالي، وهل العقل يقبل هذه الفكرة!!!...
 
ولماذا لم يتخذ الرهبان والقساوسة (المسمار) الذي استخدم في تثبيت يدي السيد المسيح على ألواح خشب الصليب رمزا مقدسا ومكرما، و المسامير قد ثقبت يديه الطاهرتين، وأجرت دماءه المقدسة - حسب اعتقادكم - ولا ريب عندي أن المسامير كانت أكثر ألما ووجعا من الصليب نفسه على المصلوب، وكان الأولى تقديس المسامير وتكريمها واتخاذها قلائد توضع في الأعناق والكنائس بدل الصليب الذي هو آلة قتل وتعذيب، والمسامير رغم استخدامها في تعذيب المصلوب، إلا أنها لا تعد من آلات التعذيب والقتل!!!...
 
وكذلك إني أستغرب جدا استخدام آلات القتل (الصليب)، داخل الكنيسة في طقوس دينية وأجواء روحانية، ومنها (التعميد) وغيرها، ولا أفهم كيف ارتضى الرهبان والقساوسة اتخاذ هذه الآلة الوحشية في الطقوس الروحانية، والتناقض واضح وضوح الشمس في رابعة النهار!!!...
 
ونحن كمسلمين فقدنا شخصيات عظيمة ومقدسة قتلوا مظلومين، وثاروا للإصلاح في أممهم وشعوبهم، في سبيل إحقاق الحق والعدل، وإنهاء الظلم والجور، ومنهم سبط رسول الله محمد (ص) وريحانته الإمام الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة وشهيد واقعة كربلاء، تلك الواقعة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، وقد استخدمت في قتله عدة آلات، منها (السهم) وكان هذا السهم فريدا من نوعه، ويروى أنّ له ثلاث شعب مثلثات الشكل، حتى الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أصابه السهم في صدره الشريف أراد نزعه لكنه لم يتمكن، فغرزه إلى إن أخرجه من ظهره بعد كسر النصل، واستخدمت أيضا آلات القتل (السيف) الذي حز نحره الشريف، وبعدها حملوا رأسه المقطوع على آلة القتل (الرمح) من أرض كربلاء إلى أرض الكوفة ومنها إلى بلاد الشام ومدنها الكبرى وصولا إلى دمشق عاصمة ملك بني أمية، وبعد هذا كله فهل يرضى أتباع الإمام الحسين (عليه السلام) وشيعته ومحبّوه، أن يتخذ أحدهم السهم أو السيف أو الرمح على شكل قلائد يتقلدونها لكون أنها آلات قتل بها إمامهم وسيدهم ومست جسده الطاهر، أو يعتبروها رمزًا مقدسًا ومكرمًا لديهم!، والمؤكد أنّ عقولهم ونفوسهم تأبى ذلك وترفضه رفضا قاطعا!...
 
ولا ننسى الثائر على طغيان بني أمية زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ذلك الإنسان العالم العابد الزاهد الذي لم يقر على ظلم وضيم، فانتفض على ملك زمانه من ملوك بني أمية، وقد أفتى إمام المذهب الحنفي أبو حنيفة النعمان بوجوب الجهاد مع زيد بن علي، وقصة زيد الشهيد معروفة وسجلها أرباب التاريخ في كتبهم، وذكروا أنّ زيدا قتل فدفنه بعض أنصاره في وسط جدول ماء، لكن أفشى أحد عيون السلطة الحاكمة مكان دفنه، فأخرجوا جثمانه وصلبوه في الكوفة، في منطقة معروفة بالكناسة، وبقى جثمانه الطاهر أربع سنوات مصلوبًا على جذع نخلة وخشبة على شكل الصليب، وبعدها حرقوا جثته وذروا رمادها في الهواء، ولزيد الشهيد مذهب فقهي معروف وله اتباع كثر، يعرفون بمذهب الزيدية، أقول لماذا لم يتخذ أتباع المذهب الزيدي الصليب رمزا مكرما ومقدسا وإمامهم زيد الشهيد صلب أربع سنوات، وليس أيامًا معدودة، لكن لا ريب عندي أنّ أئمة الزيدي وعلمائهم وعامتهم يقبحون ذلك الجذع الذي صلب عليه جثمان الشهيد زيد لكونه أداة إهانة وامتهان لذلك البطل الخالد زيد بن علي الشهيد!!!...
 
يا أخوتنا في الإنسانية، لم أكتب هذا المقال لإثارة الجدل الديني، أو بقصد الإساءة أو الاستهزاء بمقدساتكم، فلكل إنسان أو معتقد بدين أو مذهب مقدسات لا يقبل إهانتها مطلقا، لكن تبقى حرية الفكر والرأي الحر مكفولة لكل باحث عن الحق والحقيقة، لهذا أرجو عدم المؤاخذة بما كتبت، وأبقى مصرًا على عدم قناعتي باتخاذ آلة القتل شيئا مكرما ومقدسا، وما لا أقبله على إمامي وسيدي الحسين الشهيد فلا أقبله على نبي الله عيسى بن مريم العذراء البتول، ويبقى العقل والمنطق يرفضان أن تكون آلة القتل والتعذيب رمزا مقدسا.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9325
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20