الاهـــــــــداء: إلى كلّ غـــــــــائب لم يعد بعد
قالت في نفسها والألم يعصر شفتيها : " لم لم يرجع بعد..ألم يعدني أن نحتفل سويا ونقتسم آهات اللقاء مع بعضنا ؟؟" ؛ لكنّها تنفر من مخيّلتها التعيسة وترتشف آخر شهقات وزفــرات الألم والحـــــــــــسرة..
تقبض بكلتا يديها المرتجفتين ـ كعجـــــــوز جاوزت سنين العـمرـ وشــــــــاحا أرجوانيا كان معلقا بجذع رقبتها المنتصبة وأحكمت قبضتها عليه وكأنّها تخنق ذاك الذي سافر ولم يعد ؛ وبعدها آثرت تعذيبه ..وراحت تشّمه بقوّة عـــلّ الفــــــــــرح الهارب منها سيخرج كالمارد ليحقق لها نشوة اللّقــــــــــاء الذي طال وقوعه....
" لا أدري أين ذهبوا لقد غابوا و معهم أفــــــراحي ...في ليل حالك يغزوه القمر خجــــولا ؟ ، لكنّ ثقتي في ضوئه الحــــــــالم تدعوني ،لأن أبحث عنهم و أتنسّم ريحهم العطر..."
نهضت من مكانها الذي يذكرها بالغائب ورأت أنّ الفرصة أصبحت سانحة لتردع شوقها الملتهب ببقايا زائــــــــــر لن يأتي...وتحاملت على نفسها تسلّيها بارتشاف كوب شاي مصفي تارة، و محاكمة قلبها المتهم بالزندقة تارة أخرى ..وكانت المحاكمة مغلقة لا عين رأت ولا أذن سمعت...حتى تدلي بأقسى أحكامها عليه...
وبينما يتداول القصاص على القلب الجريح ، تحاول المرأة القاسيّة النيل منه وهو ينبض بشوق الغائب.." لن أتركك تعيش والشوق يعتريك سأحرق شرايينك بنسيانه وأجعلك عضلة لترويج السائل الأحمر أمّا مشاعر الحب والحنين....إلى جهنّم..."
وتواصل احراق أعصابها المنهارة ؛ فالقلب الذي يُعذب الآن ليس قلبها بل قلب المنتـــظرة التي تغط في سبات ليس بالعميق عندما تأكدّت أنّ الزائر قد أغلق قلبه ووطنه ..وأوصد آخر أبواب التواصل بينهما.
لا تريد أن تعيش على فضلات حبّ ميؤوس منه...لقد أخلصت في الوقت الذي غدر و.تركها وحيدة أسيرة شوقه القاتل .
" لقد أخلصت لك أيّها القلب ،لأجل أن تنعم بالراحة مع من اخترت لكنك خنتني قبل أن يخونني ذاك الدخيل..واحتقرتني لأجل أن تتشفى في ـ في مثل هذا اليوم الرمادي ـ أنت لست القلب الذي يطاوعني؛ لقد هربت إليه ولا تزال تريده..سخطا لك ولحبك المهلك...."
بعد هذا الحوار الداخلي المؤثر ، تريد الانتقام من هذه العضلة المليئة بحب الناس والحياة ، فتحمل يدها وتظل تضرب صدرها.. وتضرب حتى تسقط في سيل دموعها المالحة وهي تذرفها بنكهة الصغار لمّا يغيب عنهم حنان أمهاتهم.
يتواصل النحيب وينقطع الانتظار..فالغائب مجهول العودة وقلبها وشيك النهاية أمّا هي فعلى أهبة المغادرة إلى عالم لا يسكنه المخادعون من الأحبة...
تتمدد على الأرض في وضعية لا تنهض منها أبدا، وهي ممسكة الوشاح الأرجواني وقد جفّت دموعها ، مشكلة أخاديدا جافة هي الأخرى لا تنبئ بالحياة.
يدق أحدهم الباب...ثم يفتح.. يدخل...يمشي قليلا في حركة لا تثير أحدا..."نوال ...نوال..هل تنا مين على الأرض ،وما جدوى الفراش إذن...؟"
لا تتحرك المرأة..يجس نبضها بروية...تُجحظ عيناه ويُفتح فاه...
المنتظرة أطالت الانتظار...لكن الموت لاينتظر...
بقلم: محـــجـــوبة صغير
|