• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نفحات رمضانية (٣) [مقام العبادة بين الخوف الرجاء] .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

نفحات رمضانية (٣) [مقام العبادة بين الخوف الرجاء]

يقول الله سبحانه  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ العبادة المأمور بها الإنسان التي تنسجم مع ذاته والتي تتلائم مع كيانه، هي العبادة المؤلفه من الخوف والرجاء.

ورد عن النبي محمد (ع): ”لا يكون المُؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يحذر مما يخاف ﴾.

تمر على الإنسان أوقات يُجذب فيها إلى الله لا يَمل من العبادة أبداً مهما قضى ويبقى ساعات في العبادة ولا يسأم، إذا بلغ الإنسان إلى هذا الحد فقد وصل إلى درجة الجذب وقد جُذِبَ من الله عزوجل، الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: ”أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أحبائك فذاقوا حلاوة مؤانستك“ أنت زرعت النور في قلوبهم والأنس في لقائك، وفي دعاء الإمام الحسين (ع): ”أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك فلم يُحبوا سواك“.
إذا وصل إلى هذه الدرجة التي يعبر عنها النبي محمد (ع): ”مايزال العبد يتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها“ وصل إلى درجة الفناء والتي يعبر عنها أمير المؤمنين وسيد الموحدين (ع): ”ما رأيتُ شيئاً إلا ورأيتُ الله قبله وبعده وفوقه وتحته " الإنسان دائماً يستحضر جبروت الله وقدرته ونفوذه وإنبساط قيمومته فترتعد فرائصه، الذي يعبر عنه الإمام الحسن الزكي عندما يدخل المسجد إرتعدت فرائصه وإصفر لونه فقيل ما يُصيبك يا أبامحمد، قال: ”أتدرون أنني أقف بين يدي من! إنني أقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملوك“.
عندما يعبر القرآن عن شخص بأنه مُخلص قال﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾المُخلص هو من ملئ قلبه ذكرُ الآخرة فيمتلئ قلبه خوفاً من الله عزوجل ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ رؤيَ النبيُ كئيباً حزيناً قيل يارسول الله مالنا نراك اليوم كئيباً حزيناً قال: ”نزل علي أخي جبرئيل فرأيته قاطباً عابساً، قلت أخي جبرئيل مالي أراك قاطباً عابساً، قال: الآن وضعتُ منافخ النار، قلتُ: وما منافخ النار؟ قال: إن الله أمر بالنار أن تُنفخ فنُفخت ألف عام حتى إبيضت، ثم نُفخت ألف عام حتى إحمرت، ثم نُفخت ألف عام حتى إسودت، لو نزلت قطرةٌ من ضريعها على شراب أهل الدنيا لماتوا من نتنِ ريحها، ولو وقعت حلقةٌ من سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعاً على أهل الدنيا لماتوا من حرها، إن المؤمن يوم القيامة لينفرُ منها، وإن من يقع فيها يريد الهروب منها كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾فما رُأي النبيُ باسماً بعد ذلك اليوم“ ذكرى الآخرة، الإمام زين العابدين علي (ع) يركز على ذكرى القبر: ”ومالي لا أبكي ولا أدري إلى أين مصيري وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت وماليَ لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظُلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكرٍ ونكيرٍ إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظرُ مرةً عن يميني ومرةً عن شمالي إذ الخلائق في شأنٍ غير شأني“

 ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾الخوفُ من النفس زاد المُؤمن، ورد عن النبي (ع): ”لايزال المؤمن خائفاً من ذنبٍ قد مضى لا يدري ماصنع الله فيه، وعمرٍ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه“ لعل الإنسان يصاب بسوء الخاتمه، فهو بين مخافتين ذنبٍ قد مضى وعُمرٍ قد بقي ولا يصلحه إلا الخوف ”إني أخاف إن عصيتُ ربي عذاب يومٍ عظيم، ورد عن الإمام الصادق (ع):“ خف الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت ترى أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين إليك".

هذان الركنان، ركن الخوف وركن الرجاء والحب تتقوم بهما العبادة وكان أمير المؤمنين وسيد الموحدين إذا صلى صعق في صلاته، ويبدو أن هذا ديدن علي (عليه السلام) كما يتجلى من قول الزهراء (عليها السلام) لأبي الدرداء: «هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله».

وهذه مزينة عند التوجه إلى الله تعالى في صلاته وضراعته، الأمر الذي ألفه أهل البيت (عليهم السلام) في علي (عليه السلام).
ولكثرة قيامه للعبادة ليلاً يحدثنا عبد الأعلى عن نوف البكالى..

قال: «بت ليلة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان يصلي الليل كله، ويخرج ساعة بعد ساعة، فينظر إلى السماء، ويتلو القرآن، فمر بي بعد هدوء من الليل فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق؟
قلت: بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين.
قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن دثاراً، والدعاء شعاراً، وقرضوا من الدنيا تقريضاً على منهاج عيسى بن مريم..».

وهكذا كان علي (عليه السلام) في شدة تعلقه بالله، وعظيم تمسكه بمنهج الأنبياء (عليهم السلام). أنه ترجمة صادقة لعبادة محمد (صلى الله عليه وآله) وزهد المسيح (عليه السلام).
يشير عروة بن الزبير في حديث له عن أبي الدرداء:

قال: «شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته، وبعد عن مكانه، فقلت الحق بمنزله فإذا أنا بصوت حزين ونغم شجي، وهو يقول: «إلهي كم من موبقة حملت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.

إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك».

فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغامر، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء، والبث والشكوى، فكان مما ناجى به الله تعالى أن قال: «إلهي أفكر في عفوك، فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك، فتعظم علي بليتي».

ثم قال «آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لاتنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء».

ثم قال «آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من لهبات لظى».

قال أبو الدرداء: ثم أمعن في البكاء، فلم أسمع له حسا، ولا حركة.

فقلت:غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته، فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو.

فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم.

فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته؟

فأخبرتها الخبر.

فقالت: «هي والله – يا أبا الدرداء – الغشية التي تأخذه من خشية الله»

ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟

فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.

فقال: يا أبا الدرداء، فكيف لو رأيتني، ودعى بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء ورفضني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية».

فقال أبو الدرداء: «فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله» (صلى الله عليه وآله).
لذلك قال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة «أما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة وماظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته وماظنك برجل كانت جبهته كسفنة البعير لطول سجوده» المسألة ليست مسألة أداء واجب وإنما مسألة الشكر لله والعبادة له لأنه أهل للعبادة.يقول الله تعالى عن وصف هؤلاء العابدين المخلصين العارفين (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) (النور/ 37).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=95154
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19