• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : سأخلع رأسي .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

سأخلع رأسي

.. ما عادت الحبوب المهدئة قادرة على منحي نعمة النسيان، لا أدري ما الذي اريده مني، اريد ان انام، اريد ان انسى، اريد ان انساه، انسى وجهه الذي أطلّ من شاشة التلفاز، وهو يتحدث عن تجربته مع الموت، وعن أقذر انسان رآه في الكون، والتقاه في حصيبة القائم..! كاد أن يقنعني بأني اقذر انسان حوته الطبيعة.. اطفأت التلفاز، وما غادرتني صورته ولا فارقني صوته، صار يعيش بداخلي هذا الجندي حتى اني وصلت الى درجة صرت أراه في كل الوجوه، لا أريد مراجعة اي طبيب؛ لأنه سيطلب مني اعادة الحكاية، مللت وأنا اروي حكايته للناس، وصرت ارى عيادة الطبيب محكمة:ـ اسمك؟ انا وعد عبد الوهاب - خريج المعهد الصحي. الطبيب:ـ كم كان عدد الضحايا؟ صحت:ـ سيدي القاضي... انا لا اعرف الاسماء، لكن رواية الناجي من الموت محمد الدوسري ذكر اسم حسنين واسم انور، انه لم يقتل انا شاهدته في التلفاز يبصق في وجهي ويقول عني اني اقذر خلق الله قاطبة، ايها القاضي قل لهم ليعطوني قرصا مهدئاً.. الطبيب:ـ حدثني يا وعد عن الحكاية بالتفصيل؟ قلت:ـ كنت أقود سيارتي الـ(بيك أب) خرجت من مقر اللواء 28 التابع للفرقة السابعة للجيش العراقي، كنت انقل محتجزين اطلق سراحهم، وإذا بي ارى ثلاثة شبان يلوحون لي، وقفت وأركبتهم معي، عند مفترق الطرق نزل الجنود الى بيوتهم، وزودوا الشبان بالملابس المدنية، وجعلوا هؤلاء الشبان أمانة في عنقي، وأنا بدل أن آخذهم الى بر الامان سلمتهم بنفسي الى الدواعش..! الطبيب:ـ ولِمَ سلمت رقابهم الى الموت؟ قلت:ـ لأني أخاف على نفسي وبيتي وعائلتي.. أخاف على حياتي.. الطبيب:ـ ولذلك اتخذتهم رزقا ومكسبا وربحا وجائزة.. المشكلة أن القضية كلها اختلفت الآن حتى داخل روحي، فما عدت قادراً مثلما كنت على تبرئة هذه الوشاية، كيف كنت افكر في لحظتها يا الهي، اذا كان الخوف هو المبرر فما المبرر من ذهابي في اليوم الثاني لمشاهدة محاكمتهم في ناحية الرمانة، وحين حكموا بالإعدام، لِمَ رحت اتجول خلفهم في الاستعراض الذي نفذوه بهؤلاء الشبان الاسرى (الرافضة)، الذي جعلني أسال نفسي وهؤلاء الناس الذي ينتشرون على جانبي الطريق ويرفعون علامة النصر لنا، هل هم يكرهون الشيعة الى هذا الحد؟ اذن، كيف عاش في هذه المدينة شيعة كثيرون، منهم كسبة وتجار وجنود بقوا سنوات بيننا، وهم من جميع محافظات الجنوب والوسط..؟ سأل الطبيب: كيف تجددت الحكاية وقد اصبحت عندك جزءا من الماضي؟ قلت:ـ لأني رأيت محمد الدوسري في التلفاز، عقب الطبيب: وقال عنك انك احقر واقذر انسان؟ قلت:ـ لا الذي اثارني ما حدث لهذا الشاب هو نجاته.. حين نهض من موته سار لساعات في طريق مجهول على غير هداه، وحين وصل قرية التقى بصبيان يلعبون اوقفوه ونصحوه بالابتعاد عن قريتهم؛ لأن فيها مسلحين دواعش، قالوا له: اذهب بهذا الاتجاه، وهناك ستلتقي بقرية فيها أناس طيبون. هنا سألت نفسي: كم هم ابطال هؤلاء الصبيان، عملوا ما انا عجزت عن عمله، هم احترموا ابن السبيل، احترموا وجوده بينهم وهم صبيان وانا الذي خنت الامانة وسلمتهم بنفسي، ثم هل سمعت ما يقول الصبية هناك (ستلتقي بأناس طيبون) يعني نحن لسنا بشراً.. قال الطبب:ـ اعتبر نفسك لم تره.. اجبته: ليست المسألة اعتبارات لفظية، هذا اللقاء دمر معنوياتي، اراني حقيقة نفسي، تحسست جشعي وخوفي وتفاهة روحي، احسست ان هناك أناسا من اهلنا افضل مني بكثير.. سمعته في اللقاء يقول: وصل الى قرية التي يسميها قرية الامان، فوجد رجلا يسقي شجرة، استقبله الرجل واتصل بشيخ عشيرته وأوصلوه اليه، فقام بواجبه خير قيام، عالجه وبعدها اوصله الى بر الامان واكرمه بمائة الف دينار كمصرف للطريق.. هو وصل سالما، لكني انا الذي مت، فما عدت اطيق الحياة، رأسي تؤلمني كثيرا، سأخلع رأسي كي ارتاح، الحبوب المهدئة ما عادت تريحني يا ناس..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=95230
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29