• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قطعة الشوكولاتة .
                          • الكاتب : امال كاظم الفتلاوي .

قطعة الشوكولاتة

توّقد في خاطري أطياف حلم غزل على طرفه السلام وعلى الطرف الآخر غزل من الزهور حبلا لأرجوحة تترنح وهي تحمل أحلام الطفولة في عيونهم البريئة، وفي أيديهم الصغيرة قطع الشوكولاتة..
هل قلت أرجوحة؟
نعم أرجوحة!!
الأرجوحة منسية في عالمهم القصير عمره، الكبير بالهموم والآلام.. تمزقت حبالها على كوابيس الإرهاب المقيت الذي احرق كل صور الطفولة في بلادي..
بحزن الكبار نطق لسانها، من يراها لا يصدق إنّ جسد هذه الطفلة النحيل ورأسها الصغير يحمل هذا الأسى فقد أذهلت كل من سمعها إذ ترجمت حرقة قلبها لِما رأته من أهوال ونكبات، فالإرهاب لا يفرق بين صغير وكبير..
هطلت سحائب أحزانها مع دموعها، تسابقت الأملاك لتمسح ما خلفه اليتم بطفلة فقدت أباها أمام عينيها بأسلوب الرعاع المتوحش.
قتلوا والدي يا عم.....لماذا قتلوه؟ هو لم يفعل لهم شيئا، فماذا ذنبه؟
بهذه العبارة خاطبت احد أبطال الحشد الشعبي بعد أن تم تحرير منطقتهم من الدواعش، رأى في عينيها محنة العراق، اخذ يواسيها وهو يتذكر ابنته التي تنتظره، بدأت تسرد بلهفة وبكل انفعال ما حصل لهم وكأنها كانت تنتظرهم لتشتكي لهم من ظلم داعش:
هجرونا..قتلوا رجالنا..أرعبونا.. قادونا كالقطيع..داروا بنا من بيت إلى بيت ومن شارع إلى آخر..حبسونا..و....و...
كانت أنفاسها متقطعة وكلماتها ممتزجة بلوعة المصاب وكأنها ثكلى..ولهيب دموعها يسبق حشرجة صدرها، أردفت: هناك فرق بين تعاملكم معنا وبين تعاملهم..انتم رحماء أتت معكم نسمات باردة خففت آلام جراحنا، شممنا منكم عطر الأهل والألفة والغيرة والحمية.
بلمسة أبوية ورقة حنان بانت على ملامحه خاطبها البطل قائلا: هل أنتِ سعيدة باندحار داعش وعودتكم إلى دياركم؟
انتفضت الحيرة وارتسمت على تقاطيع وجهها فهي لا تعلم إن كانت سعيدة أم حزينة، واحتارت في الإجابة على هذا السؤال الذي جعلها تتمتم بكلمات تساقطت معها دموعها: سعيدة...نعم..لا.. لا يا عم لقد ذهبت السعادة وغادرتنا منذ أن غادرنا والدي، فأي حياة سنعيشها بعده.
كفكف البطل الذي دك الأرض على رؤوس الدواعش دموعه التي أسالتها كلمات إيمان وتراءى له إن السماء مكفهرة حزنا على قلب الصغيرة من هذا الألم، وان الأرض خجلة منها وهي تحكي قصة مقتل والدها، واخرج قطعة من الشوكولاتة لعله يعيد إلى الطفلة لمحة من طفولتها التي تبعثرت على أشلاء مدينتها..وضع القطعة في يدها وقبلها من رأسها وهمس بأذنها: انتظر ابتسامتك يا صغيرتي، لقد تركتُ أطفالي وعائلتي ومدينتي كي أرى ابتسامتك وامسحُ عن قلبك الصغير آلامه وأعيد إليكِ ما سلبه أعداء الله، وقد أتيت لك بقطعة الشوكولاتة هذه من ابنتي التي أعطتني إياها وقد أوصتني أن أعطيها لطفلة بعمرها كي أتذكرها.
أخذت منه قطعة الشوكولاتة وهي تمسح دموعها ولاحت منها نصف ابتسامة أزالت همومه، قرأ في وجهها حكاية جمال مسكوب على عتبات الألم، أريق على أكاليل التاريخ، ليكتب على صفحاته بكل ألوان البؤس قصة خيانة البلد..ويكتب بفخر وشموخ قصة الفضيلة والشجاعة والإباء بمِداد من نور عن أبطال ذادوا عن العِرض والدين والوطن وخاضوا معركة حصدت جوائز الخلود لتعلو بمفاخر التاريخ في سِفره الخالد. 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=96059
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16