• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نفحات رمضانية [ الحلقة الأولى] شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على لسان سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع)  .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

نفحات رمضانية [ الحلقة الأولى] شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على لسان سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) 

تتصارع العبارات في وصف الشخصية الروحية والقيادية لدى سيد المتقين وإمامهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فترسم من تلك الاقلام خطوطا تتسرب إلى أعماق النفوس لتشهد من صدق الكلام وواقعيته مدى عظمة ذاك الإمام الذي يستشهد التاريخ بصدقه ونزاهته وعدالته وإيمانه وشدة ورعه وتقواه وخشونته في ذات الله وما أجمل ما قدمته سيدة النساء الزهراء البتول في نسج خيوط السيرة العلوية حيث قالت سلام الله عليها بحق الأمير : «وَمَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام)؟ نَقَمُوا وَاللهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ، وَقِلَّةَ مُبَالاتِهِ لِحَتْفِهِ، وَشِدَّةَ وَطْأَتِهِ، وَنَكَالَ وَقْعَتِهِ، وَتَنَمُّرَهُ فِي ذَاتِ اللهِ ...».
تقول الزهراء (سلام الله عليها) في هذا المقطع: «إنّ العلّة من وراء عدم تأييد عامّة الناس لعليّ (عليه السلام) هو سجاياه الحسنة، وإلاّ فليس بوسع المرء العثور على أيّ عيب فيه». فأيّ امرئ كان يعرف الإسلام أكثر من عليّ (عليه السلام)؟ ومَن من الناس كان يفوق عليّاً (عليه السلام) عطفاً وشفقة على الضعفاء والأيتام والفقراء والأرامل؟ فالجميع كانوا يعلمون أنّ عليّاً (سلام الله عليه) لم يكن يتحمّل دمعة يتيم. لقد شاهدوا باُمّ أعينهم كيف أنّه (عليه السلام) كان يحفر الجداول ويزرع بساتين النخيل ثمّ يوقفها للفقراء من دون أن ينتفع هو منها، بل كان يبيت هو وأطفاله وعياله جياعاً بعد أن يدفعوا ما عندهم من قليل الطعام إلى سائل. فقد يقول قائل: إنّ هذه لصفات حسنة للغاية وإنّ أيّ اُمّة ستحبّ زعيمها إذا اتّصف بهذه السجايا.
 فإنّ العيب الذي أخذوه على عليّ (عليه السلام) هو أنّ أحداً لم يكن يصمد أمام سيفه في ساحة الوغى. فلقد شاهدوا كيف أنّه (عليه السلام) لا يخاف الخطر أو القتل عندما تحين ساعة النِزال. «وشدّة وطأته»؛ فقد كان يخطو بثبات وعزم، لا بتسامح ومداهنة. «ونكال وقعته»؛ فإن أنزل العقاب بأحد فإنّ ضربته تكون شديدة تلقّن درساً قاسياً. «وتنمّره في ذات الله»؛ وهذا تعبير بليغ وظريف للغاية وهو مشتقّ من «النمر»؛ فالعرب تعتقد بأنّ النمر يمتاز من بين السباع بصفة خاصّة وهي أنّه يكون دائم الغضب ومتأهّباً للنزال على الدوام. ومن هنا فإنّهم يطلقون صفة التنمّر على الرجل إذا كان دائم التأهّب للقتال ولا يُؤخَذ على حين غِرَّة. وعبارة «تنمّره في ذات الله» تعني أنّه عندما يتعلّق الأمر بالله عزّ وجلّ يكون عليّ (سلام الله عليه) على أتمّ الاستعداد ويتعاطى مع التكاليف الإلهيّة بحزم كامل لا يلين. وهذا هو العيب الذي أخذه الناس على عليّ (عليه السلام) إذ ما كان لهم أن يطيقوا ذلك منه. فلقد حدث أن كان أمير المؤمنين (سلام الله عليه) مرّة على رأس سريّة في مهمّة خاصّة فلمّا رجعوا جاء بعضهم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وشكوا إليه حزم عليّ (عليه السلام) وشدّته، فكان جواب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لهم أن قال: «ارفعوا ألسنتَكم من شكاية عليّ فإنّه خَشِن في ذات الله»؛ فعندما يتّصل الأمر بالله جلّ شأنه وبحكمه فإنّه لا يُبدي (عليه السلام) من جانبه أيّ تهاون أو لين، وإذا تعلّق الموضوع بحقوق الرعيّة فلا يغضّ الطرف عن شيء قيد أنملة، بينما إذا ارتبطت المسألة بحقّه الشخصيّ فإنّك تراه يتغاضّى عن كلّ شيء.

وتقول سلام الله عليها في خطبة أخرى تصف فيها الإمام سلام الله عليه :"مكدودا في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً، كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال".
لقد عرف الناس عليّاً (عليه السلام) حقّ المعرفة؛ فلقد شاهدوا عدم مفارقته لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) طرفة عين طيلة ثلاث وعشرين سنة من عمر الرسالة وخبروا سلوكه وتصرّفاته عن كثب. فلقد علم الجميع أنّ عليّاً لا يلين أمام الحقّ وفي مقابل الحكم الإلهيّ، وأنّ القريب والغريب عنده سواء عند إقامة الحقّ. إذن فالناس قد عرفوا عليّاً (سلام الله عليه) بهذه الصفات وعلموا أنّه ليس ممّن يسعهم خداعه أو استغلاله لأغراضهم.
ولم تكن لتغريه الرئاسة، فإنّه لم يطلب يوماً مجد الدنيا وكنوزها، وكثيراً ما توفّرت له فرفضها، ولكنّه كان يتشدّد في طلب الخلافة; لأنّه كان يؤمن تمام الإيمان بنفسه ولم يكن شديد الإيمان بغيره... .

وإنّ الرسالة التي قدّمها النبيّ لم يكن هو أخفّ منه شأناً فيها، فإنّه والنبيّ أبواها، هكذا قال الرسول: «أنا وأنت يا عليّ أبَوا هذه الاُمّة»، فالرسالة له وهي جزء منه، من عقله، من قلبه، من كلِّ كيانه، فمن هو الذي يكون أحقَّ منه بالدفاع عن نفسه؟     
       ~~~~~~~~~~~~يتبع




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=96413
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3