• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : سنوات الغربة الضائعة .
                          • الكاتب : عمرو ابو العطا .

سنوات الغربة الضائعة

( 1 ) 
شتاء 2016
                      
نظرت باتجاه النافذة وأنا جالس علي كرس هزاز داخل غرفتي ... أراقب شعاع الشمس يتسلل ببطء  من خلال النافذة إلي نواحي الغرفة يكشف عن سحر خاص .. تتغير الغرفة كليا كأنها تبدلت بمجيئه .
شعرت بالدفء والأمان فكانت الأيام السابقة منذ بداية فصل الشتاء شديدة البرودة .. وامتلكني شعاع الشمس امتلاكا كاملا .. أغمضت عيني واستسلمت إليه .
شتاء مدينة عرعر في شمال المملكة السعودية يكون قارصا وشديد البرودة ونادرا أن يتسلل شعاع الشمس إلي نافذة غرفتي .
أصبح جسدي دافئا ولكني أحتاج إلي أن تدفئ روحي .. أن يدفئ قلبي .. حتي أشعر بالدفء طيلة حياتي .
اليوم يوافق في التاريخ الميلادي الثالت من شهر يناير عام 2016م .. أكون قد أكملت عامين من الغربة بعيدا عن أهلي ووطني .. اغتربت عن نفسي وعن روحي .. اغتربت حتي عن ظلي ..
استدرت برأسي وأنا أنظر الي غرفتي ... عبرت عيني إلي فوق الدولار الخشبي .. رأيت حقائب كثيرة  ... كل هذه الحقائب التى جمعتها.. كأنني لن أعود ثانية.. لحظة الطيران راسخة فى روحى.. رحلت معتقدا أنني أبحث عن وطن.. مضى عام.. سيارة بيضاء تنتظر يومياً أمام الباب.. وشارع غارق من دموع المطر عبرت الخريف والشتاء والصيف والربيع... كتبت رسائل مؤجلة لم أرسلها لساعى البريد.. من أجل لحظة مع حبيبتى كتبت سطور وقصائد.. تجاهلت حماقة الأشخاص.. وضعت فى غرفتى سجادة قديمة وسرير من حديد ووردة فى حوض تكبر كل يوم... لم أخف من الظلام وحيدا.. فالقمر يتسلل من النافذة كل يوم.. أصوات  رخيمة أسمعها يوميا على هاتفى.. حياة كأي حياة.. اكتسبت صيغة المفرد فى الحب والأصدقاء.. الشبه الهائل فيما كنت وما
 
أصبحت أننى كما أنا.. لم أحقق ثراء.. أو أصنع شيئا جديدا ... انحنت روحى ونظرتى. .. سقط قليل من الشعر.. تغيرت الملامح قليلا.. تمضى الليالى والأيام.. وأعثر على ظلى مرة واثنتين.. جعلت لى نافذة للتذكر ونافذة للنسيان.. تأخر الوقت كثيرا وأنا أنتظر...مضى العمر.. مضى أوان الورد.. حتى الفراغات التى أحدثتها فى روحى عالجتها برقع صغيرة من الوهم.... أحفظ أسماء وأرقاما قديمة مازالت فى روحى..
أغمضت عيني مرة ثانية .. وتذكرت
كانت الثالثة صباحا .. دق المنبه لإيقاظه لقد حان موعد الذهاب الي المطار ...
لم يكن بحاجة الي المنبه فهو لم يرتاح في نومه .. كان طيلة الليل يهيئ لنفيه حلما جميلا قبل الذهاب .. وتزعجه بعض الأفكار التي يتخيلها عن السفر والغربة ... يفكر في أمنياته التي  ما تحققت أبدا ... وكثرة الازدحام في رأسه ...القلق جعله لاينام .. ولكن يعلم جيدا أن أحلامه من حقه ويوما ستحقق .
انتهت الأيام الدافئة في أحضان العائلة والوطن .. في أحضان بيته وغرفته وسريره .. وأسدلت ظلامها .
بعد ساعات قليلة سيرمي الي صقيع الغربة ... جمع حقائبه وكل أغراضه .. يعلم أنه حال الدنيا ولكن اللقاء بالاهل والوطن سيجدد وان الوقت دائما يمر .
سلم علي أخوته وودع الجميع .. أم حائرة وشاردة .. وأب لديه أسئلة ساكتة تجول في خاطره .. وقبل أن يركب السيارة نظرة الي الجميع نظرة سريعة .. وهو يقول ياتري مين يعيش ونلتقي مرة ثانية .
الساعة الخامسة انطلقت السيارة في طرقها الي المطار .. ووصلت في تمام الساعة السادسة والنصف .
وجدت في ساحة المطار أشحاص كثيرون هاربين الي الغربة ..
المطار .. ساحة اللقاء والوداع .. أشخاص يعانقون بعضهم البعض بحرارة من فرحة اللقاء .. وأشخاص آخرون يعانقون بعضهم البعض ببكاء علي أمل لقاء أخر .
بعد نص ساعة .. حان الأن النداء الأخير للمسافرين علي متن طائرته .. برد شديد ينتابه كلما دفعته أرجله الي مكان الطائره وقلبه يرتعش كلما سمع النداء الاخير .
أقتربت بالكرسي أمام النافذة واستندت الي حافة النافذة بظهري .. ونمت نوما عميقا .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=96529
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29