• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : خلاصة الأدب العباسي الجزء الأول- خلفيات الأدب العباسي .
                          • الكاتب : د . محمد تقي جون .

خلاصة الأدب العباسي الجزء الأول- خلفيات الأدب العباسي

الجزء الأول- خلفيات الأدب العباسي
الخلفية السياسة
الدولة العباسية
  ينتسب العباسيون إلى العباس بن عبد المطلب عم النبي (). وتأسست دولتهم على  دعامتين: الشراكة مع الفرس الخراسانيين الشيعة المتعصبين لقوميتهم(5)، والشرعية العلوية. 
ما يخص الأولى بدأ تحرك العباسيين على الخراسانيين بمحمد بن علي (حفيد عبد الله بن عباس)، فبث الدعاة للعباسيين في خراسان منذ عام 100هـ. وبعد موته قام ابنه إبراهيم الإمام بالجهد العملي والفعلي بعد سنة (127هـ)، إذ ابتدأ بالجهد العسكري وتكليف أبي مسلم الخراساني به، عندما انشق البيت الأموي على نفسه وقتلوا خليفتهم الماجن الوليد بن يزيد(6). وفي عام (132 هـ) جاء أبو مسلم الخراساني بـ(الرايات السود) وأنهى الدولة الأموية بانتصاره على الجيش الأموي. 
وما يخص الثانية (الشرعية) سرقها العباسيون من العلويين بزعمهم أن الإمامة بعد الإمام الحسين صارت لأخيه محمد بن الحنفية، وبعده لابنه عبد الله (أبي هاشم) الذي لم يُعقــب فأوصى بالإمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ومنه انتقلت إلى ابنه إبراهيم الإمام(7)، واستمرت في العائلة فصارت لأخيه السفاح، وبعده لأخيه المنصور ثم باقي الخلفاء العباسيين. كما أقنعوا الخراسانيين الشيعة بأنهم يطلبون الأمر للرضا من آل محمد خدعة، حتى إذا استتب لهم الأمر قتلوا أبا سلمة الخلال لأنه أراد أن يعطي الأمر بالفعل لأهل البيت(8). 
 وكانت الشراكة بين العباسيين والخراسانيين مبنية أساساً على الخديعة وإضمار السوء من الطرفين. فكلاهما انتظر الفرصة طويلاً لنيل السلطة مع يأس كبير في الحصول عليها. واقتنع كل منهما بالشراكة الى حين نيلها. 
  فالفرس منذ سقوط دولتهم الإخمينية (الهخامنشية) عام (330ق.م) على يد الإسكندر المقدوني لم تقم لهم قائمة في التاريخ القديم. بينما استطاع مواطنوهم الكرد الذين اسقط الفرس الاخمينيون دولتهم (ميديا)(9) عام (550 ق.م) من الظهور مجدداً في دولتين: الأشكانية (التي تسمى الوسطى) والساسانية التي ظن العرب خطأ أنها فارسية(10)؛ فلتقدم الفرس في فن الإدارة والحكم، تبنت الدولة الساسانية نظم الفرس فكانت كردية أصلاً، فارسية هوى وثقافة وسياسة(11). 
وحين انتصر المسلمون في القادسية (16هـ/637م) لم يكتفوا بإسقاط الساسانيين بل خربوا عاصمتهم المدائن (طيسفون) خراباً نهائياً(12). وقتلوا الكثيرين؛ فعند فتح جور واصطخر وحدها قتل من الأعاجم (40) ألفاً، وفني أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساورة(13). وعثر على وثيقة قيل تعود إلى أيام القادسية، تصوره الفتح الاسلامي بأنه إهانة تاريخية وغزواً همجياً قتل الناس وهدم معالم الحياة(14)! وحين كانت تثور مدنهم المفتوحة يعيد العرب فتحها فيقع المزيد من القتل والتدمير؛ فماسبذان (إيلام ) فتحت سنة (19هـ)(15) وأعيد فتحها سنة 22هـ(16). وأهم ما خسره العجم وأثـَّر فيهم ان بلادهم فقدت استقلالها السياسي وصارت تابعة للمسلمين. وصار على كل اعجمي يسلم أن يتبع قبيلة عربية بالولاء فيصبح (مولى)، ويروى عن الرسول () قوله: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)(17). 
 وحين جاء الأمويون أذلوا العجم (الموالي) في العراق وإيران(18) مما جعلهم يتحينون الفرصة لاستعادة كرامتهم. وكلما مرَّ الزمن قوي شعورهم وحاجتهم إلى التنفيس عما يكمن في صدورهم"(19). وأخيراً اندفعوا في الثورات ضد الأمويين فقاتلوا مع المختار الثقفي وابن الأشعث وغيرهما. وبهذه الحال من الذلة واليأس دعاهم العباسيون إلى الشراكة فتلقفوها فرصة نادرة لاسترداد مجدهم.
أما العباسيون فلم يكن لهم سند شرعي لنيل الخلافة لبعد جدهم العباس عنها، كما لا يوجد لهم ثقل شعبي كالعلويين، ولم يكونوا في المعارضة شيئاً مذكوراً زمن الدولة الأموية، فالثورات كلها علوية. بل ان جدهم عبد الله بن عباس سالم معاوية، ولم يكن له دور سياسي(20). ومن هوانهم اضطرار السفاح والمنصور إلى مبايعة النفس الزكية خليفة في الأيام الحرجة للأمويين(21). ولم يكن لهم أعوان على نيل الخلافة غير الخراسانيين الناقمين على الأمويين.
هكذا كان حال الشركاء العباسيين والفرس من الضعف واليأس قبل الشراكة، وحين تمَّ لهما الظفر عمل كل منهما على إنهاء الآخر؛ فالعباسيون قاموا بتصفية رؤوس العجم(22) كأبي سلمة الخلال وأبي مسلم الخراساني والبرامكة وغيرهم، والفرس وضعوا برنامجاً طويلاً للحصول على استقلال إيران السياسي الذي فقدوه في معركة القادسية، والهيمنة على باقي الأراضي التي حكمها الساسانيون وأهمها العراق. وفجَّروا قضيتين: (الشعوبية)(23) بتفضيل الفرس وقتل هيبة العرب تمهيداً لإنهاء وجودهم في إيران والعراق، و(الزندقة) لتقويض الإسلام لأنه قاعدة دولة العباسيين في كيانها وشرعية خلفائها. وربط الصاحب بين عباد بينهما فقال: " لا أرى أحداً يفضّل العجم على العرب إلا وفيه عرق من المجوسية ينزع إليها"(24).
وقاد رجالهم حركات فكرية هدامة كصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبهافريذ مدعي النبوة، والطمامي مدعي الإلوهية. وحركات عسكرية أرادت إعادة المجوسية وقف وراءها رجال من البيوت الإيرانية القديمة كحركة بابك الخرمي في أذربيجان، ومازيار في طبرستان، والمقنع والمبيضة فيما وراء النهر(25). وقد ردَّ العرب عليهم بشدة فقتلوا الزنادقة، وصدوا الهجمات العسكرية. إلا أن أفكارهم اندست في الإسلام فهي وراء الملل والنحل الشاذة. وكان هذا الجهد السلبي لأهل السياسة فقط، أما أهل العلم والأدب من العجم فكان جهدهم مشرّفاً، فما من حقل معرفي الا وللعجم الصدارة فيه.
 وما اطل القرن الثالث حتى نشأت دول مستقلة في ايران بالتتابع، استطاعت مع الزمن تحقيق استقلال إيران السياسي الذي فقدته بالقادسية، وهو هدف الجميع حتى الموالين للعباسيين كالطاهريين والسامانيين. واندفع بعض تلك الدول إلى إسقاط الدولة العباسية كالصفارية بقيادة يعقوب الصفار(26)، والزيارية بقيادة مرداويج الذي أراد إنشاء مملكة على الطراز الساساني مركزها طيسفون(27). وكان يردد "أنا أردُّ دولة العجم وأمحق دولة العرب"(28) ، واخيراً حقق البويهيون ذلك الحلم عام 334هـ، وجعلوا عاصمتهم شيؤراز التي تقوم على أنقاض عاصمة الاخمينيين (برسي بوليس). ولكنهم حين اسقطوا بغداد اكتشفوا أن إعادة دولة العجم حلم ولى الى غير رجعة، فالحاكم يجب ان يكون خليفة عربياً من فهر قريش حصراً، أو تابعاً له، فأبقوا الخليفة ليمنحهم شرعية الحكم.  
الثورات والدويلات
 صارع العباسيون أعداء كثراً مدة دولتهم البالغة (524) سنة، في الداخل والخارج. فثار عليهم السفيانيون من ذرية أبي سفيان سنة 133هـ، و195هـ، و227هـ(29) لإعادة الخلافة الأموية. كما حاربوا ثوار الأقاليم، وأصحاب الحركات القبلية والانفصالية والدينية، والخوارج. وقام العلويون بثورات لا تحصى ضدهم، كاد بعضها أن يقوض ملكهم. كما أقاموا دولات كدولة الأدارسة في المغرب، والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، ودولة في طبرستان، ودولا في اليمن. 
واقتطِعَت من جسد الدولة العباسية دول في الشرق والغرب. في زمن السفاح انفصلت الأندلس، وفي زمن هارون الرشيد قامت دولة الأدارسة (172- 363هـ) في المغرب الأقصى، فسمح لبني الأغلب ببناء دولتهم (الاغالبة) لتقطع الطريق على الأدارسة إلى المشرق فاقتطع أكثر المغرب. وفي زمن المأمون وبرخصة منه قامت الدولة الطاهرية (205- 259هـ) في خراسان وما وراء النهر. ثم ظهرت بالتتابع الدولة الصفارية(30) (254- 289هـ) في خراسان واتسعت فقضت على الدولة الطاهرية، والدولة السامانية الموالية للعباسيين (261- 390هـ) في ما وراء النهر، وامتدت إلى خراسان وقضت على دولة الصفاريين. ثم ظهر الغزنويون في شرقي إيران وأفغانستان وقضوا على الدولة السامانية. وظهرت الدولة الغورية (543- 612هـ) على أنقاض الدولة الغزنوية في إيران وأفغانستان والهند. وقامت الدولة الزيارية (الديلمية) (316 – 470هـ) في طبرستان، ومنها انبثقت الدولة البويهية.
واقتطع أحمد بن طولون مصر ودمشق ليقيم الدولة الطولونية مدة (38) سنة (254- 292هـ) لتعود للعباسيين. واقتطع محمد بن طغج مصر سنة 323هـ، وفي سنة 330هـ استولى على دمشق وبقيت دولته إلى عام 358هـ. واقتطعت إمارة الحمدانيين سنة 227هـ الموصل وضمت إليها حلباً وأجزاء من الشام، وبقيت إلى عام 394هـ. ثم ظهرت الدولة الفاطمية فاقتطعت المغرب ومصر ودمشق. وفي سنة 415هـ اقتطع المرداسيون حلباً من الفاطميين لتعود اليهم سنة 454هـ. وفي سنة 472 سقطت بيد السلاجقة وتبعتها دمشق. واستقل صلاح الدين الأيوبي بمصر والشام ثم اليمن وجعل حكمها للعباسيين بالاسم، واستمرت الدولة الأيوبية زهاء 81 سنة (567- 648هـ)، وحكم بعدهم المماليك. كما ظهرت دول شيعية في اليمن وطبرستان. وأسس السلاجقة اتابكيات اقتطعت لنفسها كيانات مستقلة، استطاع بعضها أن يتوسع ويكوِّن دولاً ذات شأن كشاهات خوارزم، والارتقيين، واتابكية دمشق، وإربل والجبل وغيرها. ومن الاتابكيات التي أثرت في حركة التاريخ والأدب (الأتابكية الزنگية) التي حاربت الصليبيين، واستطاع نور الدين زنگي احتلال الشام مصر وهو أستاذ صلاح الدين والممهد له.
وفضلا عن هذه الدول المقتطعة استطاعت قوى أخرى مسلمة تسلم زمام الأمور في العراق والحكم باسم العباسيين للحفاظ على شرعية حكمها فقط وهي: الدولة البويهية (الديلمية)(334هـ 447هـ)، والدولة السلچوقية (447هـ- 590هـ). وتحررت الدولة العباسية بعد سقوط السلاجقة على يد الدولة الخوارزمية من المحتلين 66 عاماً (590- 656هـ) ولكنها حكمت مناطق محددة أهمها بغداد إلى الموصل.  كما استُهدفت الدولة العباسية من الخارج من قبل الروم المتربصين بها منذ نشوئها. وفي القرن الرابع الهجري كانت هجمات الروم لا تنقطع، وقد اضطر سيف الدولة إلى التصدي لهم واشتهر بحروبه مع الروم لكثرتها، وسجلها المتنبي في شعره. وفي عهد انوجور بن الإخشيد احتل الروم حلب والمصيصة وطرسوس وذلك الصقع أجمع(31). ثم حدثت الحروب الصليبية واستمرت مائتي سنة (490هـ - 690هـ ) تصدى لهم خلالها عماد الدين زنكي وابنه نور الدين، واستطاع صلاح الدين صنيعة نور الدين تحرير القدس عام 583هـ. وكان طرد الصليبيين بشكل نهائي على يد المماليك البحرية بعد سقوط الدولة العباسية. وكان المغول آخر هذه القوى وعلى يدهم كانت نهاية الدولة العباسية عام (656هـ/ 1258م).
 
الخلفية الاجتماعية
بغداد عاصمة القبائل والشعوب
 بنيت بغداد كالمدائن (طيسفون) دائرية الشكل تشبيهاً بدوران الفلك، والفرس والكرد يقولون (چرخ فلك = الفلك الدائر). واختار ابن أبي الحديد (وهو من المدائن) هذه العبارة لكتابه في الرد على ابن الأثير (الفلك الدائر على المثل السائر). وسمي أحد صوبي بغداد بذلك (الكرخ = چرخ). وتستخدم كلمة (چرخ) في العامية العراقية إلى الآن بمعنى العجلة الدائرة. 
وكانت بغداد (المنطقة) معروفة قبل العباسيين؛ قيل عرفت في زمن حمورابي باسم (بكدادا)، وقيل أصلها كلداني أو آرامي(32). وذكر الخطيب البغدادي والسمعاني أن الاسم فارسي معناه (بغ = صنم أو الملك، داد= عطية) فيكون عطية الصنم أو الملك(33). ويرى آخرون - ونحن نؤيدهم - أن كلمة بغداد فهلوية (كردية) لان الفهلويين شكلوا غالبية سكان المدائن (طيسفون) التي تشكل بغداد الأصلية جزءاً منها. وتعني (بغداد) بالفهلوية (بغ = الله، صنم) (داد = عطية) = (عطية الله). والفيليون إلى الآن يسمون هذا الاسم ولكن أبدلوا اسم الجلالة (الله = خدا) بـ(بغ) فصار (خداداد = عطية الله). وتحولت كلمة (بغ) إلى لقب سلطاني (بگ أو بيگ). واختيرت بغداد عاصمة لأسباب أهمها سياسية؛ وهي: أن لا تدين بالولاء للعلويين، وفي الوقت نفسه تكون قريبة من الكوفة عاصمة العلويين، لإحاطتها وإفشال أي حركة يقوم بها العلويون ضد الدولة. وكانت فكرتهم صائبة جداً، فحين احتل عبد الله بن الحسن الكوفة سرعان ما أحاط بها جيش العباسيين(34).
 شملت بغداد القطائع التي وزعها المنصور، والأحياء والأرباض التي سكنها جماعات من العرب خاصة بني العباس وأنصارهم. كما ضمت القبائل العربية المهاجرة من البدو والحضر، والفرس الذين تغلغلوا منذ العهد الأموي وازدادوا في العصر العباسي بشكل مفرط لمشاركتهم في الثورة. فضلا عن الكرد والترك والسغد والديلم والأفارقة(35). وهكذا جمعت بغداد القبائل العربية والشعوب المختلفة بلا تمييز في السكن. وكانت الأحياء في المدن الإسلامية سابقاً كالكوفة والبصرة توزع حسب القبائل. وبهذا مهَّدت بغداد لعلاقات إنسانية متآلفة حظي بها الجميع بالاحترام. وأصبح النمط البغدادي هو السائد في عموم العمارة وتخطيط المدن العباسية. وبعد بناء بغداد بنى المنصور قصره المعروف بـ(الخلد)، وتتابع بناء القصور من خلفائه، وكانت على شاكلة قصور الأكاسرة من عظم البنيان والترف والبذخ في تفاصيلها(36). ونقل العباسيون عن الفرس حياتهم المادية بالكامل فضلا عن الأنظمة والتقاليد الرسمية والحياتية المختلفة. 
الخمر
  كانت الخمر تشرب في الجاهلية فحرَّمها الإسلام لسكرها. وشربت في صدر الإسلام بدعوى أن ما يصنع من الزبيب يسمى خمراً وهو محرم، وما يخثر ويطبخ من التمر وغيره يسمى طلاء أو نبيذاً وهو محلل(37). ولكن ظل شربها محدوداً وغير مقبول من الناس، وكان خلفاء الأمويون يشربونها وبعضهم يفرط في شربها. وحين جاء العباسيون أصبحت الخمر شراباً لا يمس الكرامة أو الدين، بعدما شربها الخلفاء ورجال الدولة، فضلا عن الأغنياء والفنانين والشعراء والكثير من رجال العلم والفضل من الذين اشتهروا بالتدين والتقوى وبرزوا في الفقه والحديث وعلم الكلام(38). وأرى أنهم جعلوها بحكم المكروه وليس الحرام فسموها النبيذ بمعنى المنبوذ. 
الغناء والجواري
 كانت العرب تغني (النصَب) وهو رفع الصوت بلا آلات وهو غير محرم. أما الغناء بآلات (وهو المحرم) فقد نقل من إيران إلى العرب منذ العصر الأموي. قيل: أول من نقله ابن سريج تعلمه من الفرس الذين جلبهم ابن الزبير لبناء الكعبة(39). وبعد سقوط الساسانيين انتقلت طبقت هذا الفن من إيران إلى العراق والحجاز بوساطة الأمويين لإشغال الناس عن السياسة. لذا نجد أشهر المطربين والمطربات والملحنين والملحنات من العجم مثل: الغريض، معبد، سائب خائر، نشيط، حبابة، جميلة، سلامة القس. 
 وفي العصر العباسي وصل الغناء والطرب قمته، وكان الفنانون من العجم، فمن المطربين: عثعث، سليمان الطبال، ابن القصار. ومن المطربات: شارية، نجلة، تركية، فريدة. ومن الملحنين: إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق، وزرياب (علي بن نافع). واعتمدت الموسيقى العباسية على تراث الساسانيين الذين استجمعوا فنون الملاهي والمتع، فكثير من مصطلحات المقامات والطبوع الموسيقية ساسانية، وكذلك مراسيم واستعراضات العزف(40). وطور العباسيون الموسيقى وقطعوا أشواطا في التقدم بها. ويسلم النخاسون قسماً من الإماء إلى موسيقيين ليتعلمن الرقص والغناء فيرتفع سعرهنَّ. ويسمون الجواري اللواتي لم يدربن على الغناء (سواذج)(41). ويتلقى الإماء من العلم والثقافة ما لا تتلقاه المرأة الحرة، لذا لم نعرف نساءً عباسيات اشتهرن بالشعر، بينما عرفت إماء شواعر مثل: عنان، ودنانير، وفضل، وظمياء. ويتطارح الشواعر الشعر مع الشعراء، أو يغازلن به مواليهم. وهؤلاء الجواري أول من كتب (الشعر الايروتيكي) وهو الشعر الماجن تقوله المرأة(42). وكانت دور النخاسة أماكن للترفيه وسماع الشعر والمتعة فضلا عن التجارة. كما عرفت الديارات المسيحية مواطن للتنزه والقصف وشرب الخمر واللعب والحب. 
أما الجواري والغلمان فشكلوا ظاهرة لم يعرفها العرب قبل العباسيين بهذا الحجم. وكان الرقيق يجلب سبياً وشراءً، وأكثر المناطق التي يجلب منها: بلاد الزنج وافريقية الشرقية والهند وأواسط آسيا وبيزنطة وجنوبي أوربا(43). ويتم بيعه بوسطاء (النخاسين). وكانت (زنجبار) المنطقة الأكثر تصديراً للزنوج في العصر العباسي وبعده. وظلَّ السبي المصدر الأول للجواري. ومما يؤسف له تغني الشعراء العرب بالسبي كأبي تمام في قصيدة عمورية والشريف الرضي في حائيته بقوله: 
دونَكُمُ فَاِبتَدِروا غُنمَها       دُمىً مُباحاتٍ وَمالٌ مُباح
فَإِنَّنا في أَرضِ أَعدائِنا       لا نَطَأُ العَذراءَ إِلا سَفاح(44)
وأفرط الخلفاء باقتناء الجواري؛ فحريم المتوكل أربعة آلاف سرية منهن خمسمائة لفراشه!! وللمعتصم ثمانية آلاف جارية. وللرشيد أكثر من ألفي جارية، سوى ما كان لزوجته زبيدة. ولم يكن الإكثار من الجواري مقصوراً على الخلفاء وحدهم، وإنما تعدى ذلك إلى أتباعهم، والمترفين من الأمراء والرعية. واشتهرت مصطلحات شاذة مثل (الغلاميات) وهنَّ جوارٍ يرتدين ملابس الغلمان(45). و(النهاريات) اللواتي يؤتين نهاراً. و(الليليات) ويؤتين ليلاً، وقد حرم العلماء الزواج بهنَّ(46). 
وأكثر غزل الشعراء في هؤلاء الجواري؛ فبعض صفاتهن لا توجد في النساء العربيات، وذكر صاحب الاغاني أن لملوك العجم قائمة طويلة بصفات المرأة المطلوبة ما كانوا يظنون انطباقها على العربيات(47). ويدل غلاء ثمن بعض الجواري على فحش جمالهن، كما يدل على ذلك حكايات تحكمهنّ بالخلفاء كقبيحة أم المعتصم. واستعملوا غير الجميلات للخدمة، والأرقاء من الرجال في الفلاحة، والوسيمين منهم في تشريفات القصور والغناء. ويقومون بإخصائهم للأمان منهم على نسائهم.  وأدى استفحال الفساد وكثرة الجواري المتهتكات إلى لزوم الحرات البيوت، والزيادة في حجابهنَّ على المعهود المتوارث من الحجاب، وكانت المرأة العربية لوجود الثقة تجالس الرجال الغرباء وينظر بعضهم إلى بعض دون أن يحسب ذلك عاراً في الجاهلية ولا حراماً في الإسلام(48).  
وإذا أنجبوا من الجارية تزوجوها وتسمى عندئذ (أم ولد)(49). ويسمح الشرع للرجل بعدد مفتوح من الجواري في حين يقيده بأربع حرائر فقط. وأدى هذا الأمر الى كثرة الإنجاب. وإذا اختص موضوع الجواري باللهو والمتعة في العصر العباسي الأول، فان النصر الحاسم للمسلمين على الصليبيين لم يكن بالسلاح، بل بكثرة المواليد من الحرات والجواري واستمرار ضخ الجنود، بينما المسيحيون بزواجهم الواحد الإلزامي كانوا يعانون شحة في المقاتلين. 
ثورات اجتماعية 
كان ظلم العباسيين وتسيبهم الديني، وغرقهم في الملذات، وإشاعتهم الفقر بين الناس الذي تسبب بثورات سياسية مسلحة، قد تسبب أيضاً بثورات اجتماعية تشكلت في صور مختلفة من التمرد. 
فقد وجد القرامطة مجالاً للتسلل بين طبقة الفلاحين الذين كانوا يئنون من ضغط الجباة وجشع الملاكين، وبين أهل الحرف وعوام المدن الذين كان مستوى معيشتهم واطئاً(50). واستغلوا شيوع الجهل بالدين مما جعلهم طعمة سهلة لدعوتهم الماكرة(51)، وأغوتهم شعاراتها التي تنادي بالعدل والمساواة التي عدها الدكتور عبد العزيز الدوري شكلا من (الشيوعية)(52). وكثيراً ما قاد القرامطة جموع الناس إلى صدامات عسكرية سببت خسائر مادية وبشرية وفي مناطق شتى. وهددوا وجود الدولة العباسية نفسها، وتوقع الناس سنة (256هـ) انهيارها على ايديهم .
وبسبب الفقر والفساد أيضاً ظهر (العيارون والشطار). ولا يخرج معنى العيار والشاطر لغوياً عن (اللص)؛ فرجل عَيَّارٌ، إذا كان كثير التطواف والحركة ذكيًّا(53). واللص كثير التطواف. والذكاء يعني المهارة وخفة اليد، واللص ماهر خفيف اليد في السرقة. والشاطر: الذي أعيا أهله خبثاً(54). وهي صفة اللص الفاتك. وهم سراق وقتلة، فقد نهبوا الدور في فتنة خلع المقتدر(55) وفي سنة (364هـ) احرقوا سوقاً بالكامل(56). وكان ظهورهم الأول زمن الفتنة بين الأمين والمأمون، حين اختل الأمن وجاع الشعب، إلا أن اتساع أمرهم كان زمن البويهيين والسلاجقة. ويرى الدكتور عبد العزيز الدوري أن العيارين انشؤوا حركة الفتوة الشهيرة(57). وقد تطورت إلى الشقاوات وزعماء الحارات الذين يضبطون الأمور في محلات معينة، ويأخذون من الغني للفقير وهي نفس فكرة القرامطة.
وبسبب الفقر أو ضعف الدولة تضخمت طبقة اللصوص في هذا العصر وقويت شوكتها، وكانت في بداية العصر - بسبب قوة الدولة – مقصورة على قطاعي الطرق الخارجية. ومع ضعف الدولة صار اللصوص يكبسون الدور وينهبونها علناً. وتعدى خطرهم الناس إلى الدولة؛ فهددوا قصر الخلافة  واستولوا على مقرات الشرطة. وكان منهم شعراء رويت أشعارهم في كتب الأدب والتاريخ، وقد جمع السكري أشعارهم بعنوان (شعر اللصوص). 
 كما دفع الظلم الزنوج (العبيد) الى الثورة بقيادة (محمد بن علي) مستغلا حالة التذمر والبؤس التي يعيشونها، فكانت ثورة عارمة أتت على الناس والأساس في البصرة وغيرها من المدن. وكان محمد بن علي زنجياً ادعى النسب العلوي. ويؤكد زنجيته أن اسم ابنه (أنِكلاي) وهي تعني بالزنجية ابن الملك(58). وهي الكنية نفسها التي اتخذها الملاكم العالمي الزنجي (محمد علي كلاي).
وفي ظل ظروف الفساد الخلقي، والاضطهاد السياسي، وتشتت الفكر الديني بظهور الملل والنحل ظهرت طبقة المتصوفة في محاولة لإصلاح شاملة. ويختلف التصوف عن الزهد في انه (طريقة تفلسفُ الدين)، وهي نتاج الحركة الفكرية الشاملة في العصر العباسي، تلك التي أنتجت المتكلمين والمعتزلة والمذاهب الدينية وإخوان الصفا وغيرهم. وتدل دراسة ماسينون واهتمامه بالحلاج على أن التصوف يُنظر إليه بوصفه سلوكاً دينياً عاماً عالمياً لا يختص بالإسلام وحده، بل بكل شكل عبادي وهو ما عبّر عنه ابن عربي في قوله:
لَقَد صارَ قَلبي قابِلاً كُلَّ صورَةٍ       فَمَرعىً لِغِزلانٍ وَدَيرٌ لِرُهبانِ
وَبَيتٌ لِأَوثانٍ وَكَعبَةُ طائِفٍ       وَأَلواحُ تَوراةٍ وَمُصحَفُ قُرآنِ
أَدينُ بِدَينِ الحُبِّ أَنّي تَوَجَّهَت       رَكائِبُهُ فَالحُبُّ دَيني وَإيماني(59)
ويرى بروكلمان أن بداية نشوء هذه الطبقة مثلها الحسن البصري وأصحابه. ويسمون هذه المرحلة (التصوف السني) أي المنطلق من مبادئ السنة والشريعة. ثم كان الشطح، وممكن رد الشطحات الصوفية إلى أقوال واضحة في القرآن والسنة. وجاءت مرحلة التصوف العرفاني التي منحت التصوف استقلاليته وهويته. وفيها ظهرت طرقه ونظرياته. والتصوف في عمقه ثورة هددت السلطة العباسية، مما جعلها تحاربه وتقتل كل متصوف تصبح له شعبية في الناس. فالحلاج قدمته السلطة على انه عميل للفاطميين.
وفي عصور الاحتلال العباسي: البويهية والسلجوقية فنزولاً، أدى الفقر والظروف القاهرة إلى تراجع الثقافة والعلم مما أدى إلى ظهور الخزعبلات والخرافات والشعوذات، وشكليات شاذة اعتمدت بدلا من جوهر الإسلام والعلم. فقد شاع الإيمان بالأحلام بشكل لافت بحيث أثر في بناء العقائد(60). وكان المحتل يستخدم ذلك لإشاعة الفرقة بين المجتمع طائفياً. كما اشتهرت طبقة (الوعاظ) فاقبل الناس عليهم بدل الإقبال على العلماء، وكان لهؤلاء أثر سلبي احياناً في تسيير الناس واللعب بهم.
ومن الأمور الاجتماعية المؤلمة حصول التطرف الدامي بين السنة والشيعة، وكان الخليفة العباسي محرضاً على ذلك ودافعاً إليه. وكثيراً ما شهدت منطقة الكرخ – وكانت محلة الشيعة – مصادمات دامية بين الشيعة والسنة الذين تدعمهم الدولة، ففي سنة (483هـ) حدثت مجزرة للشيعة. وفي عهد المستعصم وبأمر من ابنه أبي بكر أغار أهل السنة على الكرخ فأهانوا أهلها وأسرفوا في قتلهم ونهب دورهم(61). وتلك الصراعات كانت احد أسباب سقوط العباسيين.    
الخلفية العلمية  
العلوم والمعارف 
لم يعرف العرب قبل الإسلام العلوم والصناعات(62). وكان عماد حياتهم العقلية الشعر، والمعارف الفطرية كالقيافة والحدس والفراسة والكهانة وغيرها، وكلها لا تمت إلى العقل بصلة، ولا يقرها الدين. وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب ادخل الديوان لتسجيل الفيء (الواردات) وهو بداية العلم الإداري. وفي سنة 17هـ أو 18هـ عرفوا التقويم باعتماد التأريخ الهجري، وكانوا يؤرخون بعام الفيل(63). وتطورت الإدارة في العصر الأموي، وعرفت بدايات بعض العلوم، والترجمة بنطاق ضيق. 
 وفي العصر العباسي عرفت الترجمة والتآليف، وأول من قام بها العجم دون العرب، قال ابن خلدون:" من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم. لا من العلوم الشرعية، ولا من العلوم العقلية، إلا القليل النادر. وان كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع إن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي"(64)! وذلك لأن العرب لم يعرفوا بعد المنهجية الكتابية وان ألموا بالعلوم. ومثال ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي فانه وضع مادة العروض واللغة ولكنه لم يحسن تأليفهما؛ فالعروض ألف مادته الخليلية سعيد بن مسعدة المعروف بالاخفش الأوسط وهو فارسي، وكتاب العين ألفه من مادة الخليل الليث بن نصر بن سيار وهو فارسي أيضاً(65). وهذا يؤكد عدم معرفة الخليل التصنيف مع أصالة وغزارة علمه.
 والمترجمون العجم – باختصاصاتهم الكثيرة – نقلوا العلوم السياسية والإدارية والأدبية والعلمية من الهند وإيران واليونان. كما قام العجم بوضع المؤلفات الأولى في النحو والفقه والحديث وغيرها من الصناعات الكتابية(66). وفي مرحلة لاحقة قام العرب بالتآليف المختلفة، تماماً كما تعلمنا نحن المنهجية الأكاديمية من المستشرقين فأبدعنا على غرارهم. 
 وكانت المعتزلة الفرقة المتكونة بعد معركة صفين قد أثارت الجدل والنقاش لأول مرة في أمور أساسية في الدين الإسلامي. فقد كانت معركة صفين صادمة للعقل العربي البسيط؛ فهي منعطف خطير في (الفكر الإسلامي) إذ انتقل الإسلام بعدها من (البساطة) في قول الرسول () (قولوا لا إلهَ الا الله تفلحوا)(67) إلى (التعقيد) فالحرب لم تعد بين مسلم وكافر، بل بين مسلم ومسلم، وكان قول الإمام علي " الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله"(68) يدعو إلى الكثير من التقصي وسبر الأعماق للوصول إلى الحقيقة. وأصبح هامش (الاجتهاد) لا يقل أهمية عن النص، وصار على المؤمن أن يفهم (فلسفة الإيمان) لا الإيمان المجرد للوصول إلى معرفة الله الحقة ثم الدخول إلى الجنة. فاختلفت وجهات النظر: فمن قائل بتكفير المسلم إذا ارتكب الكبيرة كالخوارج، وقائل بمنزلة بين منزلتين كالمعتزلة، وتارك الأمر إلى الله كالمرجئة.
وظلت آراء المعتزلة شفاهية حتى ترجمت كتب فلاسفة اليونان وأهمها المنطق، فخلط شيوخ المعتزلة آراءهم بمناهج الفلاسفة فأنتجوا علم (الكلام) فسموا أهل الكلام أو الكلاميين، كما سمي غيرهم بهذا المصطلح. وجاءت تسمية (الكلام) لأنه من فنون المنطق أو مرادف له(69). واستمر تيار العلوم يقوى ويتكامل كلما ذهبنا في العصر، ويعد العصر البويهي العصر الذهبي للعلوم. وفي العصر السلجوقي كثرت معاهد العلم وبنيت المدارس ومنها النظاميات في بغداد وغيرها.
  والعلوم على نوعين: العلوم العربية، والعلوم المنقولة. ومن العلوم العربية:
البلاغة
 كانت البذور الأولى للبلاغة مما ترجم ونقل من اليونان والهند والفرس، وأكثرهم الفرس. قال الجاحظ: لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع أحد قط(70)، وابن المقفع مترجم ناقل. وفي كتاب كليلة ودمنة فنون بلاغية كانت موجودة في الأدب الپهلوي وانتقلت من الپهلوية إلى العربية وتدوولت، ثم انتقلت من العربية إلى الفارسية بوساطة المترجمين(71). فضلا عن ما ألفه علماء الفرس في البلاغة كعبد القاهر الجرجاني والسكاكي والزمخشري، وكان عملهم منهجياً يعتمد على طريقة عرض الموضوع ومناقشته ثم تقسيمه وتفريعه متأثرين بالمنطق والفلسفة، ولم ينقلوا قواعد وقوانين بلاغية من الفرس(72). وعمل المتكلمون على إنضاج البلاغة كما في صحيفة بشر بن المعتمر البلاغية. ثم تلاحقت الكتب التي تناولت فصولا من البلاغة أو مستقلة في البلاغة.
العروض
 يبدو من قراءة العروض الجاهلي بدقة أنهم وضعوا لكل غرض وزناً أو أوزاناً محددة؛ فالطويل والبسيط للبطولة والفخر، والطويل يتقدم عليها في ذلك كما انه يتقدم على البحور كلها. والمديد للرثاء الشجي كرثاء الشنفرى لتأبط شراً، ورثاء السلكة لابنها السليك. وسمى المعري هذه البحور الثلاثة (ملوكاً) وجعل الطويل أولاً ثم البسيط، ثم المديد وهو أقل منهما ملوكية. والحق إن الطويل والبسيط وزنان للبطولة الجمعية مدحاً ووصفاً ورثاءً كرثاء دريد بن الصمة أخاه عبد الله(73). والمديد ومعه المنسرح يصلحان للرثاء الشخصي. وقد تعمد المتنبي الإساءة لعضد الدولة حين مدحه على المنسرح لعدم صلاحيته لذلك. والوافر للبطولة والمجد الشخصي. والخفيف والرمل والهزج أوزان القضية الشعرية فيهما أكبر من القضية العامة. وقد عدَّ المعري الرمل من عامة الشعر، والخفيف والهزج أمنية الأذن(74)، . ويقول الجواهري عن بحر الخفيف: ألطف البحور وينطلق به الشعر أكثر مما ينطلق في أي وزن آخر(75). وحين جاء العصر العباسي لم يتقيد الشعراء تماماً بهذه الآلية. 
 واندفع الشعراء العجم يستحدثون أوزاناً شعرية غير التي ورثت من الجاهليين، فدعا ذلك العلماء العرب الى إيقافهم بوضع حد لاستحداث أوزان جديدة لا تمت إلى الأوزان العربية (الجاهلية) بصلة. وأراهم كلفوا الفراهيدي بهذه المهمة فوضع كتابه (العروض) وكان قدامة بن جعفر لا يرى داعياً لوضعه، لأنَّ جميع الشعر الجيد المستشهد به كان قبل وضع الكتب في العروض والقوافي(76). 
 وحسمت دوائره موضوع الأوزان المستحدثة؛ فما شاع واستوعبته الدوائر بتقليباتها يصبح عربياً قد مهر بمهر الجاهليين، وما لم تستوعبه الدوائر لا يعد هو ولا الشعر المكتوب عليه عربياً. وبعض المتشددين لم يجز حتى البحور المستحدثة التي أجازها العروض وهي: المجتث، المضارع، المقتضب، المتدارك، ومنهم شعراء لم يكتبوا عليها كالمتنبي والمعري. ويروى ان جارية من البرامكة رثتهم بشعر خارج أوزان العروض بعدما منعت الدولة رثاءهم بـ(شعر عربي) لانَّ شعرها غير مشمول بالمنع. وإذا صحت هجائية المتنبي لضبَّة، فانه كتبها على المجتث للسبب نفسه. 
ولم تكن البحور المستحدثة الاربعة بمستوى البحور الجاهلية الإثني عشر كما أثبت الاستخدام، فقد احتفظت البحور العربية بمكانتها النغمية في الموضوعات الكبيرة: المدح، والهجاء، والفخر، الوصف، الغزل، فضلا عن الغناء. وانحصر استخدام البحور العباسية بموضوعات ثانوية صغيرة، وغنائية راقصة. ومع الوقت مات بحرا المضارع والمقتضب، وتراجع المجتث، ولكن المتدارك اخذ مداه باطراد والى العصر الحديث فارتفع إلى مستوى البحور الأصيلة، فكل مسرحيات صلاح عبد الصبور على المتدارك، وكان يتوقع بقاءه بعد انطفاء كل البحور. وسجل حضوراً في غنائيات نزار قباني، فضلا عن حضوره في دواوين باقي الشعراء.
النحو
فتح علم المنطق آفاق التأمل النحوي(77)؛ ففي كتاب المنطق تعريفات دقيقة لقضايا نحوية كتعريف الاسم والفعل والحرف. والتعريف بحد ذاته من مبادئ المنطق ولم يعرفه العرب قبل ترجمة المنطق. كما نجد بعض المصطلحات ما هي إلا ترجمات منطقية أرسطية كـ(ظرفي الزمان والمكان) فأرسطو يعرف الزمان والمكان بأنهما وعاءان (ظرفان) لما يحتويانه. وهذا يجعلنا نشك في القصص الطريفة التي تردُّ نشوء النحو إلى الإمام علي أو إلى أبي الأسود الدؤلي، وأن بنته لا تفرق بين التعجب والاستفهام! ولكن لا ينكر وجود دواعي وضع النحو بتفشي اللحن بسبب الأعاجم، ووجود مقدمات من علماء العربية. أما ظهور النحو علماً منهجياً فكان في العصر العباسي كما ذكرنا. ولم يعالج علم النحو اللحن فقط، بل عالج الأساليب أيضاً، واستوعب بعض ما شاع من استخدامات الأعاجم مثل تقديم الاسم على الفعل في الجملة كقولهم (علي جاء) محاكاة لقول الفرس (علي أومد) أو الكرد (علي هات)، والعربي القح لا يقول ذلك.
وأول كتاب في النحو هو (الكتاب) تصنيف سيبويه الفارسي الذي جمع فيه آراء النحاة السابقين مثل أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأهمهم الخليل بن احمد الفراهيدي، فضلا عن آراء أصيلة له. وهو على وفق مدرسة البصرة التي تعمل بالقياس والمنطق. وعلى الضد منها مدرسة الكوفة التي تستند إلى السماع وزعيمها الكسائي وهو فارسي أيضاً. ومعروفة المسألة الزنبورية بينه وبين سيبويه التي تظهر توجه المدرستين. وبعده توالت الكتب النحوية في مختلف البقاع. 
اللغة
تسمى لغة الجاهليين (اللغة العربية الأولى)، ولغة العباسيين (اللغة العربية الثانية)، و(لغة البلاغة)، والبلاغة تعني: الوصول. والمراد الرشاقة والخفة في تعبير الألفاظ عن المعاني بلا تعقيد. لذا استطاعت استيعاب العلوم والتعبير بالطريقة الشعرية الجديدة. وهي لغة حافظت على الفصاحة العربية، واغتنت بما اخذت من القرآن الكريم، واقترضته من اللغات.
وفي شعر الشعراء نقرأ ألفاظاً من إنتاج العصر العباسي مثل: باقة: حزمة، مرقة: الحساء، الحضرة: دارة الخلافة، شال: رفع، الرزَّة: حلقة القفل، برّاج: صاحب برج الطيور، خطف: مشى مسرعاً، تكشَّف: صار فقيرا، الطنز: السخرية، الروزنة: الروشن (الرازونة)(78). كما استعملوا ألفاظاً أعجمية صريحة مثل: جلاب (ماء ورد)، طيلسان، مهرجان، نيروز، بيمارستان (المشفى)، الجام (كأس الخمر) التخت (لوح من خشب يجلس عليه أو توضع عليه الثياب)، هيولى، قيراط. فضلاً عن تراكيب مثل: كيفية، ماهية، هوية، نفساني، رباني، روحاني وتلك من خواص اللغة الآرية(79). وكونت هذه بمجموعها ملحقاً أضيف إلى القاموس العربي. 
وكان صنع هذه اللغة بتضافر جهود مختلف الطبقات كالفقهاء، واللغويين، والشعراء، والكتاب، فضلا عن المترجمين الذين طوعوا اللغة العربية لاستيعاب ما حملته لغات شتى. وأول معجم للغة هو (كتاب العين) للخليل الفراهيدي. وتلته قواميس كثيرة أشهرها: جمهرة اللغة لابن دريد (ت 321هـ)، تهذيب اللغة للأزهري (ت 370هـ)، الصحاح للجوهري (ت 393هـ)، مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (ت 398هـ)، العباب الزاخر واللباب الفاخر للصاغاني (ت 650هـ). 
وهكذا بقية العلوم العربية كالعروض والموسوعات الأدبية، والعلوم القرآنية: التفسير والفقه والحديث والقراءات. 
ومن العلوم المنقولة
الفلسفة
كان المقصود بالفلسفة مجموعة العلوم العقلية والحسابية والطبيعية. وقد لقيت الفلسفة اليونانية لكونها ملحدة رفضاً من المعتزلة، إلا أن ما بررها ودعا إلى الإقبال عليها مجموعة العلوم العملية التي تتضمنها. كما حاربها العلماء المتشددون أبان قوة الدولة العباسية، لذا كان ظهور الفلاسفة الكبير بعد مجيء البويهيين(80). والفلاسفة المسلمون كالكندي(81) (ت 256هـ) والفارابي (ت 339هـ)، ابن سينا (ت 427هـ) جعلوا جهدهم في التوفيق بين الفلسفة والدين. والفلاسفة المسلمون متنوعو الإنتاج العلمي، فللكندي دراسات في علم النفس وعلم الطبيعة والفلك والتنجيم والرياضيات والجغرافيا وغيرها(82). وللفارابي رسائل وكتب في المنطق، وفي الأخلاق والسياسة مثل (كتاب سياسة المدينة)، وفي الرياضيات والتنجيم والكيمياء والعرافة والموسيقى وغير ذلك. وأغلبهم كتب الشعر أو كانت له فيه معرفة وآراء. 

التاريخ
 بدأ التأريخ بتأثير الفرس كما يرى جولدزيهر ويؤيده بروكلمان(83)، وأول كتابة تاريخية كانت عن غزوات الرسول (). وأول كتاب في المغازي لموسى بن عقبة الاسدي ولاءً (ت 141هـ) فهو أعجمي. ثم كتب ابن إسحاق (ت 151هـ) سيرة الرسول الأكرم، وهذبها ابن هشام الحميري (ت 218هـ). وكتب أحمد بن الأزرق الفارقي (ت 222هـ) في تاريخ المدائن عن مكة المكرمة، وعمر بن شبة (ت 263هـ) عن البصرة، وابن نخشل الواسطي (ت 288هـ) عن واسط، وهكذا بقية المدن. 
 وكتب عن تاريخ العرب القديم  محمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) وله (الجمهرة في النسب)، وابنه هشام المعروف بابن الكلبي (ت 206هـ) وله (الأصنام) و(مثالب العرب) و(أسواق العرب). وأول من ألف في تاريخ الإسلام هارون التميمي البزاز (ت 239هـ). 
 وأول من صنف تاريخاً كاملاً منذ أوائل الزمان إلى أيامه محمد بن جرير الطبري الفارسي (ت 310هـ) عنوانه (تاريخ الملوك والرسل) جمع فيه روايات المؤرخين السابقين عليه ومنهم أبو مخنف (ت 157هـ)، كما نقل عن تاريخ الفرس المسمى (خداي نامه) الذي اخذ منه عنوانه. وقيل عن الطبري انه ليس مؤرخاً بل جامع روايات(84). وبعده ظهرت كتب التاريخ المهمة والمؤرخون الكبار كالمسعودي (ت 346هـ)، وابن مسكويه (ت 421هـ) مؤرخ البويهيين، وأبي شامة (ت 565هـ) مؤرخ الأيوبيين، وابن الأثير (ت 630هـ) مؤرخ الزنگيين، وابن خلكان البرمكي (ت 681هـ). ومن علم التأريخ انبثق (علم النسب). وتضمنته بعض الكتب وتناولته كتب مستقلة. كما ألفوا في (أنساب الخيل).
الطب
اشتهرت مدينة جنديسابور بأنها مدينة طبية مرموقة. ولأنها تقع في خوزستان بإيران أضيف التأثير الفارسي إلى الأصل الهلينستي فيها. كما اشتهرت حرَّان وأنطاكية بذلك. وانتقل أساتذة الطب من حران إلى بغداد ولاسيما زمن المعتضد(85). واستقدم هارون الرشيد الطبيب الهندي منكة مترجم (كتاب السموم) لشاناق(86). وظهر أطباء مسلمون فيما بعد كابن سينا صاحب كتاب (الشفاء) و(النجاة) و(القانون)، وابن مندويه صاحب أربعين رسالة مشهورة في مختلف الأمراض(87)، وأبو بكر الرازي صاحب كتاب (الحاوي). وصنف ابن الهيثم مائة كتاب منها في الطب مثل (المناظر) وله نظرية انكسار الضوء. 
وهكذا باقي العلوم كالمنطق والرياضيات والكيمياء والفلك وعلم النبات وعلم الحيوان والموسيقى. 

الخلفية الأدبية
الأدب
 كان الشعراء العجم في العصر الأموي مضطرين إلى كتابة شعر يخالف طبيعتهم اللغوية وثقافتهم الأعجمية، لذا لم يحققوا مستوى شاعريتهم، فبشار بن برد عاش (37) سنة في العصر الأموي دون أن يبرز، فتمنى لو هجاه جرير ليشتهر(88). وأبو دلامة لم يكن له في العصر الأموي نباهة(89). وكذا الحال مع إبراهيم بن يسار، ووضاح اليمن، وزياد الأعجم، ويسار الكواعب، وسحيم عبد بني الحسحاس النوبي فلم  يكونوا كبار الشعراء، ولا أثروا في أسلوب الشعر وطريقته العربية. بينما كان الشعراء العرب في الصدارة كجرير والفرزدق والأخطل والكميت وكثيّر عزة وذي الرمة وعدي بن الرقاع وعمر بن أبي ربيعة. بينما إذا أجلنا النظر في شعراء العصر العباسي سنجد – على عكس العصر الأموي – أن الصدارة للشعراء العجم على المخضرمين في القرن الثاني فلا يقاس – شهرة وبروزاً - إبراهيم بن هرمة والبعيث المجاشعي والحكم الخضري، وابن ميادة، بـبَشّارِ بنِ بُرد وأبي العَتاهِيَة وأبي نُوّاس. ولا نقول هؤلاء أشعر، بل تسيُّدُ طريقتهم جعلتهم يتقدمون. وان اضطرار بشار وجماعته في العصر الأموي تكلف الطريقة العربية راجع الى انها الطريقة الوحيدة المسموح بها. يقول أبو الفرج الأصفهاني إن الأمويون " لم يكونوا يختارون مَن في شعره لين ولا يرضون إلا بما يجري مجرى الشعر الجزل المختار الفصيح، وإنما شاع هذا في دولة بني هاشم"(90). 
 وطريقة العجم الشعرية تقوم على الاشتغال على المعنى وعدم الاكتراث كثيراً باللفظ. ويرجع ابتداع هذا الاسلوب إلى طبيعة اللغة الفارسية وغيرها من اللغات الأعجمية التي تعاني قلة الألفاظ وتعوض عن ذلك بالاتساع في المعنى. ونرى كثيراً من ألفاظهم نتاج لصق لفظين لتكوين كلمة جديدة، مثل: (چوار = أربعة) و(پايه = رِجل) وباللصق تتكون كلمة جديدة (چوارپايه = سرير)، و(رۆشن = ضوء) و (بير = عقل) وباللصق تتكون (رۆشنبير = مثقف)، و(دڵ = قلب) و(پيشه = صنعة) وباللصق تتكون (دڵپيشه = ماهر)، وفي الانجليزية (hand = يد) و(some = بعض) وباللصق تتكون كلمة (handsome = وسيم). بينما في اللغة العربية للإبل ألف اسم، وللأسد خمسمائة، وللحية مائتان، وللحجر سبعون. واللفظة صارمة الدلالة على معناها، فيقولون: قرِمتُ إلى اللحم، وعِمتُ إلى اللبن وظمئت الى الماء(91). وقد اعترف العتابي الشاعر بلفظية العربية ومعنوية الفارسية قائلاً: " اللغة لنا والمعاني لهم"(92). 
لذا كان شعراء العرب يكثرون من ألفاظهم البراقة ويفرشونها كالبرود، ويجدون التشبيه يكفي لفنية أشعارهم، مع عمق بسيط لاستعارات وكنايات محددة. بينما احتاج الشعراء الذين اشتغلوا على المعنى إلى آليات تعوض عن كثرة الألفاظ وجزالتها، فعمقوا الاستعارات، واستخدموا الخيال والصورة، واكتشفوا البديع لتزويق ألفاظهم وموسقتها لضرورة الشعر وحاجته إلى الشكل اللفظي. فضلا عن عمق الشعور وطراوته، وذخيرة فنية من الأفكار(93)، حتى أمكن أن تتلاشى طبيعة الشعر البدوي بعد ثلاثة أجيال(94). كما جدد هؤلاء الشعراء بأمور جوهرية أخرى مثل:  الموضوعات، هندسة القصيدة، البناء على وحدة القصيدة (الوحدة العضوية) بدل وحدة البيت، تنويع الأوزان والقوافي، التصرف بالمطلع والخاتمة، فضلا عن آليات نثرية جعلت الشعر العربي يبتعد عن الشعرية الخالصة التي حرص عليها الشعراء العرب الأوائل. وقد تبع الشعراء العرب شعراء العجم في الطريقة الجديدة بعدما أصبحت (حقيقة شعرية عباسية حضارية) لم يجدوا بدَّاً من الأخذ بها أو منها. 
 ورداً على الأسلوب الشعري العباسي الجديد قام العلماء والنقاد المحافظون بفرض طريقة الجاهليين كالأصمعي والظبي وأبي عبيدة والجاحظ والفراهيدي مستعينين بالخلفاء والجمهور العربي. إلا أن ذلك لم يحل دون سيادة الطريقة الشعرية الجديدة المنسجمة مع الحضارة وازدهار العلوم. وقد وضع الأصمعي ومثله الضبي اختيارات بقصد إعادة الغريب والحوشي من الألفاظ. ويرى الدكتور علي الوردي أن الشاعر الجاهلي كان حراً يتصرف بلغته كما يشاء، فجاء العباسيون فاستنبطوا من تلك الحرية قيوداً التزموها في أشعارهم، فهم يفعلون ما فعله الأسلاف ولا يزيدون من عندهم شيئاً(95). 
ولم يكن الشعر الجاهلي مثالياً بحيث لا يفضله شعر أبداً، وقدم الأصمعي صك اعتراف بأن العصر الجاهلي لم يكن عصرا شعريا خالصاً، أو لم يكن عصر فحول فقط؛ فإنه سئل عن قائمة تطول من شعراء الجاهلية ومنهم كبار فلم يعدهم فحولاً(96)! ونشر القاضي الجرجاني في وساطته قائمة طويلة بأخطاء الشعراء القدماء: الجاهليين والاسلاميين(97). وهذا يجعلنا نعيد تقييم الشعر الجاهلي، فلا نحسب للجاهليين إلا طريقتهم في كتابة الشعر، ويترك الشعر الجيد لموهبة وقدرة الشعراء في كل زمان ومكان، والمواهب الشعرية موجودة في كل أوان ومكان وليس فقط في الجاهلية ولا الجزيرة العربية. وحتماً الطريقة الجاهلية أملتها ظروفهم، وحين خرج العرب من البداوة إلى التحضر كان من المحتم أن يخرجوا عن طريقة الجاهليين بما يتلاءم مع حياتهم الحضارية الجديدة مع الإبقاء على الأساسات التي يجب أن يبنى عليها الشعر العربي. 
النثر 
تطور النثر في هذا العصر تطوراً كبيرا، وازداد الكتَّاب الكبار فيه، وتنوعت أساليبهم وطرائقهم. وكان ابن المقفع رأس كتَّاب هذا العصر من العجم. وهو امتداد لحلقة (سالم) في العصر الأموي ومنها ابنه وتلميذه (عبد الحميد الكاتب) الذي قيل بدئت الكتابة به. وقد أسس هؤلاء (العجم) طريقة المولدين في الكتابة. ووهم المستشرقون لعدم اطلاعهم بأن العرب استعاروا فن النثر من الفرس، ولولا هؤلاء الفرس لما عرفوا فن النثر(98). والصحيح إن الكتابة عرفها العرب، وازدهرت في صدر الإسلام والعصر الاموي، وكانت وفق طريقة العرب وطبيعة لغتهم. وأفضل من كتبها بفنية الإمام علي. إلا أن الأمويين اعتمدوا في دواوينهم على الكتاب العجم لممارستهم ذلك، ومنها (ديوان الرسائل)، فنبذ هؤلاء العجم طريقة العرب وكتبوا بطريقتهم. وفي رسائل (عبد الحميد) آثار جلية من طريقة الإمام علي. وقيل له ما سرُّ تميزك في الكتابة؟ فقال: " حفظتُ سبعين خطبة من خطب الأصلع (يقصد علياً) فغاضت ثم فاضت"(99).
ونحن نعدّ الجاحظ مؤسس مدرسة النثر العربية، فقد أعطى الألفاظ الأولوية على المعنى، فاستخدم منها الجزل المتين، وأعاد ألفاظاً قديمة الى الحياة، كما اهتم بالمعاني والأفكار التي كانت ميدان جدله. وساعد الجاحظ على تفوق النثر على الشعر. وازدادت منزلة النثر وأهميته باطراد بعده. كما ظهر كتاب كبار كأبي حيان التوحيدي وابن العميد وبديع الزمان والقاضي الفاضل. وكان التراجع في الحياة والثقافة غلّب الشكليات كما في الشعر، فساد البديع في النثر وأفسده. 
وإذا كان الشعر قاسماً مشتركاً بين العصور الإسلامية، فالعصر العباسي يتفرد بالنثر الفني، والى ذلك قصد أبو إسحاق إبراهيم بن العباس بقوله: إن كانت دولة بني أمية حلبة الشعراء فدولة بني هاشم حلبة الكتاب(100). 

الهوامش ...........................................
(5) تاريخ الشعوب الإسلامية: 165- 166.
(6) الأعلام: 6/ 271؛ محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية - الدولة العباسية، الشيخ محمد الخضري بك: 18 وما بعدها.
(7) الحور العين: 160.
(8) مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2/ 229
(9) أقام الكرد في القرن السابع ق.م (دولة ميديا) فشملت شمال وجنوب غربي إيران وشمالي العراق (آثارهم في دهوك) واستمروا إلى عمق تركيا، وجعلوا عاصمتهم في أكباتان (همذان). 
(10) ينظر في كردية الدولة الساسانية كتابنا (قصة الكرد الفيليين).
(11) موقع (دراسات في الفكر القومي الكردستاني)، مقال بعنوان: الإسلام الثقافي وبؤس الثقافة الكردية (الحلقة 26) للدكتور أحمد الخليل.
(12) محاضرات عن فنون الشعر الفارسي والحضارة الإسلامية في إيران: 81.
(13) فتوح البلدان، البلاذري: 2/ 480. أهل البيوتات: الاسر الحاكمة، والاساورة: قادة الجيش.
(14) ينظر: تاريخ أصل الأكراد، رشيد ياسمي: 81. وللاطلاع على النص وترجمته ومناقشته ينظر كتابنا: قصة الكرد الفيليين: 321- 322.
(15) الثقات، ابن حبان: 2/ 219.
(16) تاريخ مدينة دمشق: 12/ 287.
(17) المبسوط، الشيخ الطوسي :4/93.
(18) ينظر: صلات بين العرب والفرس والترك: 51.
(19) ينظر: صلات بين العرب والفرس والترك: 49
(20) تاريخ الشعوب الإسلامية: 166.
(21) مقاتل الطالبيين: 207.
(22) قلنا العجم لأنَّ الفرس بنهضتهم قادوا كل القوميات الأخرى: الكرد والفرس والديلم والخوز والترك وغيرها.
(23) آزر الشعوبية من العلماء العجم: أبو عبيدة معمر بن المثنى، والبيروني، وحمزة الأصفهاني. ووقف ضدها من العلماء العرب: الجاحظ، وابن دريد. ومن العلماء العجم: ابن قتيبة، والبلاذري، والزمخشري. (تاريخ الأدب العباسي، نيكلسون: 52). 
(24) بدائع البدائه: 41.
(25) الآثار الباقية عن القرون الخالية، أبو الريحان البيروني: 181- 183.
(26) ينظر في التفاصيل: سير أعلام النبلاء، الذهبي: 12/ 514.
(27) دراسات في العصور العباسية المتأخرة: 246.
(28) تاريخ الإسلام: 24/ 21.
(29) تاريخ اليعقوبي: 2/ 354؛ تاريخ مدينة دمشق: 37/ 199، 66/ 135.    
(30) دفعت البيوتات الإيرانية إلى تأسيس دويلات مستقلة ذات طابع قومي في إيران منذ مطلع القرن الثالث. وكان لهذه الأسر وجود إلى زمن الغزنويين ومنها أسرة (شار) ملوك غرجسان، وأسرة (فريغون) ملوك جوزجان( ). وكانت التعاليم الزرادشتية موجودة على عهد البويهيين في عدد من مدن فارس، كما كان للمجوسية انتشار في طبرستان وخراسان وخوزستان وغيرها، فضلا عن أعيادهم كالنوروز والمهرجان والسذق.
(31) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان: 4/ 99.
(32) جغرافية بغداد التاريخية والاجتماعية: : 7.
(33) ينظر: تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 1/ 81؛ الأنساب، السمعاني: 1/ 372.
(34) ينظر: تاريخ اليعقوبي: 3/ 112؛ شعر الثورات العلوية، أ.د محمد تقي جون : 65.
(35) ينظر: جغرافية بغداد التاريخية والاجتماعية: 123- 125
(36) ينظر: تاريخ الأدب العربي- العصر العباسي الأول، شوقي ضيف: 44- 45.
(37) ينظر: لسان العرب: 14/ 174.
(38) الخمرة وظاهرة انتشار الحانات ومجالس الشراب في المجتمع العربي الإسلامي: 82.
(39) كتاب الأغاني: 1/ 168.
(40) ينظر: السماع عند العرب – الموسيقى في العصر الأندلسي وأعلامها- الموشحات والنوبات الأندلسية: 2/ 176.
(41) الإماء الشواعر: 159.
(42) ينظر لمثال من ذلك الشعر الإماء الشواعر: 193- 194.
(43) تاريخ الأدب العربي، شوقي ضيف- العصر العباسي الأول: 56.
(44) ديوان الشريف الرضي: 1/ 254.
(45) الانحرافات الكبرى، سعيد أيوب: 490.
(46) ينظر: المغني، عبد الله بن قدامة: 7/ 451.
(47) ينظر: كتاب الأغاني: 2/ 79.
(48) رسائل الجاحظ: 149.
(49) يقصد بالولد الذكر والأنثى، لأنه من الولادة. 
(50) دراسات في العصور العباسية المتأخرة، د. عبد العزيز الدوري: 178.
(51) فضائح الباطنية، الغزالي: 53.
(52) دراسات في العصور العباسية المتأخرة: 180.
(53) مختار الصحاح: 465.
(54) كتاب العين، الفراهيدي: 2/ 916..
(55) الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 8/ 16.
(56) تاريخ الإسلام، الذهبي: 26/ 257.
(57) دراسات في العصور العباسية المتأخرة: 184.    
(58) تاريخ ابن خلدون: 4/ 21.
(59) ترجمان الأشواق، محيي الدين بن عربي: 43- 44.
(60) طبيعة المجتمع العراقي في العصر العباسي المتأخر: 141.
(61) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية – الدولة العباسية: 450.
(62) تاريخ ابن خلدون: 1/ 543.
(63) الوزراء والكتاب، الجهشياري:20.
(64) تاريخ ابن خلدون: 1/ 543.
(65) ينظر: الوافي بالوفيات: 2/ 190، 13/ 244.
(66) ينظر: تاريخ الأدب العربي، نكلسون: 48- 49.
(67) مسند أحمد:3/ 492.
(68) التبيان، الشيخ الطوسي (ت 460هـ): 1/ 190.
(69) كتاب الملل والنحل، الشهرستاني: 36.
(70) البيان والتبيين: 1/ 115.
(71) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 2/ 8.
(72) البلاغة العربية وأثرها في نشأة البلاغة الفارسية وتطورها: 266.
(73) جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، أبو زيد القرشي: 2/ 597- 604.
(74) رسالة الغفران: 68.
(75) الجواهري بلسانه وبقلمي، سليم البصون: 65
(76) نقد الشعر: 15.    
(77) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 126.
(78) ينظر: التكملة للمعاجم العربية من الألفاظ العباسية، د. إبراهيم السامرائي.
(79) تاريخ آداب اللغة العربية، جرجي زيدان: 2/ 41؛ الأدب العربي في العصر العباسي، د. ناظم رشيد: 81.
(80) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 154.
(81) كان الكندي خارق الذكاء، تنبأ لأبي تمام بالموت المبكر فحصل ذلك (ينظر:(العمدة: 1/ 202).  وفي سنة 256هـ كان الناس يتوقعون سقوط الدولة العباسية لتهديد القرامطة القوي لها، فخالفهم وتنبأ بأن الدولة لا يزال لها من العمر (450) سنة، على الرغم من قران في النجوم لم يكن مواتياً . فكان سقوطها بعد (400) سنة أي بفارق 50 سنة فقط (تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 127).
(82) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 127.
(83) ينظر: تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 3/ 7- 8.
(84) نشأة علم التأريخ عند العرب، عبد العزيز الدوري: 18. 
(85) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 258.    
(86) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 4/ 259.
(87) الوافي بالوفيات: 7/ 35- 36
(88) جاء في كتاب الاغاني برواية الجاحظ أن بشار قال " هجوت جريراً فأعرض عني، ولو هاجاني لكنت أشعر الناس". (كتاب الاغاني: 3/ 100). ونرى انه تمنى ذلك لما عاناه من الخمول في العصر الأموي، لأنه حين مات جرير كان عمره خمس عشرة سنة فقط. 
(89) كتاب الأغاني:10/ 188.
(90) الإماء الشواعر، أبو الفرج الأصفهاني: 23.
(91) ينظر: أدب الكاتب، ابن قتيبة: 85.
(92) تاريخ بغداد، ابن طيفور  (لايبسك، 1908): 87.
(93) تاريخ الأدب العباسي، البروفسور رنيولد. أ. نكلسون:63.
(94) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 2/ 8.
(95) أسطورة الأدب الرفيع، د. علي الوردي: 134.
(96) ينظر: فحولة الشعراء، أبو حاتم السجستاني.
(97) الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي الجرجاني: 4 وما بعدها. 
(98) ابن المقفع، عبد اللطيف حمزة،:120
(99) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1/ 25.
(100) أخبار أبي تمام،أبو بكر الصولي: 109.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=97875
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19