• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مفهوم الوطن بين البداوة والحضارة .
                          • الكاتب : علاء الخطيب .

مفهوم الوطن بين البداوة والحضارة

  ثمةَ بون شاسع بين الوطن البدوي والوطن الحضاري وشتان بين المعنيين, فالأول هو وطن الحاكم وزبانيته أما الثاني فهو وطن المواطن والمواطنة.
فالبعض ينظر الى الوطن هو عبارة عن الارض التي ولد فيها هو وأبوه وجده , فمن الواجب عليه ان يضحي من أجلها ويقدم الغالي والنفيس للحفاظ عليها وإن كانت لا تمنحه العزة والكرامة, ويتمثل دائماً بقول ابي فراس الحمداني: 
 
بلادي وإن جارت علي عزيزة قومي وان شحوا علَّي كرامُ
 
فهو حب من طرف واحد لا يمكن ان يستمر فالحب لابد ان يكون من طرفين يتبادلان الحب. فالنبي محمد (ص) يؤكد على ان الوطن لابد ان يقدم حباً ليلقى الحب كما في قوله عليه السلام: 
عن أنس بن مالك  قال: لما قدمنا من خيبر , حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر النبي  إلى أحد فقال ( هذا جبل يحبنا , ونحبه ). وهو إشارة الى العلاقة الحسية والشعورية الثنائية بين الطرفين, فليس هناك شئ إسمه الوطن مادام الحب مفقود بين الوطن والإنسان فكل بلاد العالم يمكن ان تكون وطناً حينما تمنحك الكرامة والحرية والعيش الكريم. 
كما يقول الإمام علي عليه السلام: عن الوطن  (ليس بلد بأحق  بك من بلد, خير البلاد ما حملك), فهذه النظرة الحضارية للوطن تنبئ عن تعريف جديد للوطن لا تحده حدود معينة بذاتها , فشاعرنا المتنبي يعرف الوطن بالمكان الذي يمنحك الكرامة والعزة  ولعله استلهم كلام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين يقول: 
 
وكل إمرئٍ يولي الجيمل محببُ وكل مكانٍ ينبت العز طيب
 
 وصفي الدين الحلي تتسع عنده حدود الوطن وساكنيه حينما يقول :      
 
أينما حللت فالناس أهلي  اينما وطئت فالبلاد بلادي
 
فهذا الفضاء الواسع هو العالم الذي نعيش فيه كله وطن , مادام  الإنسان يلقى فيه الترحيب ويُمنح الإنسانية. 
 قال الله سبحانه وتعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) 97 / النساء   يشر القرآن الى هذه الحقيقة وهي ان الأرض كلها وطن للإنسان شريطة وجود الكرامة والعدل. 
فما قيمة الأوطان إذا كان الإنسان فيها لا يشعر بإنسانيته وآدميته, فهل عليه ان يعشق الوطن ويتغنى به قسراً أو يتعصب له جهلاً . 
لقد كان التعصب نحو موطن الآباء و الاجداد محل إستغلال وإستغفال الناس على طول التاريخ, فهو نابع عن الفكر البدوي لمفهوم الوطن , وكل ما جرى من مآسي هو بسبب تلك  الفكرة البدوية, المربوطه بالحاكم فالبدوي حينما تسأله عن موطنه يقول انا من  ديرة الشيخ فلان,ونرى هذا الفكر البدوي ينتقل الى الدائرة الاوسع في بعض البلدان ذات النزعة البدوية , فحينما كنا ندخل الى بغداد تقابلنا لوحة كبيرة كتب عليها ( بغداد عاصمة صدام العرب) أو (مرحباً بكم في عراق صدام حسين ) وفي عاصمة أخرى  لافته  تقول ( دمشق الأسد) ويستغرق شاعر بدوي في وصفه لوطنه بأعتباره وطن الحاكم ومن والاه وأما الذين لا يحبون الحاكم فليسوا بمواطنين حينما يقول: 
ياديرة عبد الله ومن والاه تباهي بالملك المسلم 
فبعون الله وعبد الله ها أنت ككوكبة الأنــــــجم
              فاسلم اسلم  ياموطن عبد الله
فاختزال الأوطان بالحكام نظرة بدوية للوطن كرسها الوعاظ الشياطين الذين ينظِّرون لحق الحاكم على المحكوم وحق الوطن على المحكوم وهي (فكرة وليِّ الأمر), متناسين أو متغافلين عن حق المحكوم على الوطن, فالوطن كذبة وخدعة كبيرة ووسيلة ظلم بيد الحاكم كما يقول نزار قباني : 
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
 نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن.......
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة ... كبيرة
تدعى الوطن 
ففي ظل عالمنا اليوم وظل العولمة لم يعد هناك شئ إسمه الوطن , ولم يعد هناك مكاناً يعرف بمسقط رأس الآباء والأجداد, ويبدو اننا كنا قد خدعنا أنفسنا بخديعة كبيرة أسميناها الوطن , فجاء السياسيون والسلطويون ليستغفلونا بهذه الكذبة, فرفعوا شعار (الله – الوطن – الحاكم)  ففي هذا الوطن ليس هناك مكان للمواطن الحر سوى القبر او السجن. 
 تترسخ هذه الفكرة في العقل الدكتاتوري لتتحول الى حالة مرضية لدى الحاكم والمحكوم معاَ , ولعل العراق اليوم يعكس جزاً من هذه النظرة البدوية للوطن حينما يتقاسم السياسيون المرافق العامة للدولة والشوارع والمستشفيات لتسمى  بأسماء عوائلهم أو باسماء قادة  أحزابهم , فأنا لا انكر أن تكريم القيادات السياسية والدينية والمبدعين والمفكرين هو جزء من حفظ الذاكرة الوطنية, ولكن  ينبغي أن يكون هذا التكريم هو تكريماً جماهيرياً  وليس قسرياً.  وتتضح  تلك القسرية بمجرد ان ينتهي حكم الحاكم لتزول كل الأسماء التي وضعها على القاعات والمستشفيات والجسور والشوارع وغيرذلك. 
 ففي الوطن الحضاري الحاكم مجرد موظف خدمة عامه والموظف مجرد أداة لتطبيق القانون, لذا من المستهجن أن ترى موظفاً ينهر المواطنين ويهينهم في دوائر الوطن الحضاري, أو أن يجلس الموظف على كرسي أنيق ويترك المواطن يراوح من تعبه أو يستغيث من الحر او البرد.  فاحترام المواطن حق يكفله القانون في الوطن الحضاري , فكرامة الإنسان جزء لا يتجزأ من كرامة الوطن , لذا ليس من الغريب ان نرى الدول المتحضرة تهب لنجدة مواطنيها عندما يتعرضون الى أذي وهم في الخارج , هنا يشعر المواطن بالوطن, لا كما يشعر المبدع محمد المواغوط في بلده , يقول المواغوط في كتابه الجميل ( سأخون وطني)  أنا لا أشعر بالوطن إلا حينما أصعد في الباص العام وأحدهم يضايقني بمسدسه ولآخر يدوس فوق رجلي والثالث يدفعني و حينما اقول له ابتعد قليلاً لو سمحت يرد عليِّ بقولة شهيرة ( أنت عارف مع مين عم تحكي)   يقول حينها اشعر انني في وطني.
فحينما يصادر الوطن الكرامة لا يمكن ان يكون وطناً. أنا هنا لا أنكر الحس الوجداني للإنسان إتجاه أرضه فلربما يكون هذا حباً غريزياً عاطفياً وهو شئ طبيعي لدى الإنسان ولكن اتحدث عن الجانب العقلاني لمفهوم الوطن  وما يجب أن يرسخ في عقول الأجيال لنصنع وطناً يحتضن  ابنائه و مبدعيه  وطن يفيض كرامة , ومن أجل أن لا يوقفنا شرطي في المطارات ويمسح بكرامتنا الأرض . 
من أجل كل هذا يجب علينا ان نسعى الى وطن حضاري وليس بدوي.    
 
 
 علاء الخطيب / 26-09-2011
 لندن 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9825
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20