سورة فصلت "السجدة" الشريفة
السورة الشريفة من سور العزائم الاربع , ولها خصائص وفضائل كثيرة منها ما جاء في كتاب ثواب الأعمال : عن الامام الصادق عليه السلام : من قرأ حم السجدة كانت له نورا يوم القيامة مد بصره وسرورا وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا.
بسم الله الرحمن الرحيم
حم{1}
تقدم الكلام بخصوص الحروف المقطعة .
تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{2}
تستهل السورة الشريفة ( تَنزِيلٌ ) , القرآن , (مِّنَ الرَّحْمَنِ ) , للمؤمن والكافر في الدنيا , ( الرَّحِيمِ ) , للمؤمنين فقط .
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{3}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) , بيّن الاحكام وسنها , ( قُرْآناً عَرَبِيّاً ) , بلغة العرب , ( لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) , ذلك , وخصّ العالمون لانهم الاكثر انتفاعا ومعرفة به .
بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{4}
تضيف الآية الكريمة ( بَشِيراً ) , للمؤمنين بحسن العاقبة والثواب الجزيل , ( وَنَذِيراً ) , للكافرين بسوء العاقبة والعذاب الاليم , ( فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ) , انصرف اكثرهم عن قبوله وتدبره , ( فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ) , سماع متدبر متعظ .
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ{5}
تروي الآية الكريمة على لسان المعرضين :
- ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ) : أغطية غلفتها .
- ( وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ) : ثقل او صمم .
- ( وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ) : خلاف او ان اغلفة قلوبنا وثقل اسماعنا يمنعانا من فهمك او الاتصال بك .
- ( فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ) , فأعمل على دينك , فأننا عاملون على ديننا .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ{6}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) , لا أختلف معكم من ناحية الخلقة , ( يُوحَى إِلَيَّ ) , فضلتكم بالوحي , ( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) , ابلغكم عنه جل وعلا بانه واحد لا شريك له ولا نظير , ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ) , بالتوحيد والايمان والطاعة , ( وَاسْتَغْفِرُوهُ ) , مما كان منكم , ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ) , تهديد للمشركين المعاندين .
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{7}
تستمر الآية الكريمة ( الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) , بخلا او لعدم اشفاقهم على مستحقيها او عنادا , ( وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) , لا يؤمنون بيوم البعث .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ{8}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) , بالله ورسوله , ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , النافع من الاعمال , ( لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) , غير مقطوع , لا يمنّ به عليهم , لأنه جزاء اعمالهم .
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9}
تستمر الآية الكريمة ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) , تكفرون بالله الذي خلق الارض في يومين لا يعلم انها من ايام الدنيا ام من ايام عالم الملكوت , بينما يرى بعض المفسرين ان اليوم هنا بمعنى الوقت "مدة" ولا يشترط كونه اليوم المتعارف , ( وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ) , شركاء من الاصنام , ( ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) , جمع عالم .
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا ) , وجعل في الارض جبالا شاهقة , ( وَبَارَكَ فِيهَا ) , فكثرت خيراتها , ( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) , قسّم فيها الارزاق في مدة اربعة ايام او اربعة اوقات , ( سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك فمنهم من يرى :
- للسائلين عمن خلق الارض .
- للسائلين طلبا للرزق , سواء كان طلب الرزق في لسان المقال كما هو الحال لدى المخلوقات العاقلة او كان طلب الرزق بلسان الحال كما هو لدى المخلوقات غير العاقلة .
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{11}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( ثُمَّ اسْتَوَى ) , أي قصد , ( إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ ) , بخار او غاز , ( فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا ) , فقال الله عز وجل للسماء والارض أتيا لمرادي وارادتي , ( طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ) , طائعتين او مكرهتين , او شئتما او ابيتما , ( قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) , اجابا انهما اقبلا بالطاعة والانقياد .
جاء في تفسير القمي ( سئل الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الأنس فقال السماوات والأرض في قوله ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) .
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{12}
تستمر الآية الكريمة ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) , خلقهن سبع سموات خلقا ابداعيا , ( فِي يَوْمَيْنِ ) , يرى القمي في تفسيره " يعني في وقتين إبداء وانقضاء" , ( وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ) , نظامها الذي تقوم عليه , او الى اهلها بالتوحيد والطاعة , ( وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) , بالنجوم , ( وَحِفْظاً ) , يرى اغلب المفسرون ان ذلك الحفظ من استراق الشياطين السمع فيها , ويضيف اخرون كالفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج4 " من الشيطان المسترق وسائر الآفات" , ( ذَلِكَ ) , الخلق البديع الواسع , ما خفى منه وما ظهر , ( تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ ) , في ملكه وملكوته , الغالب امره , ( الْعَلِيمِ ) , به .
|