• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العمرانية.. انعكاسات لشخصيات متناقضة! .
                          • الكاتب : ماء السماء الكندي .

العمرانية.. انعكاسات لشخصيات متناقضة!

التشبيه يإيجاز لمشروع غير مرئي بحاجة الى تجاوز يفيض العقل بالدهشة كي يصل المنفذ الى ساحل النجاح.
إرم .. مدينة مندثرة تحت ركام السنين لكنها مصفوفة بين آيات القرآن الكريم وجاء ذكرها في سورة الفجر حيث تعتبر هذه المدينة اجمل ما صنعته ايادي البشر على مر العصور.
اراد شداد بن عاد ان يشبه جنة الخلد بفكرة لاتعد مهداً للسخرية بل انها اكبر من ان تكون لحداً لاطاحة الساخرين به، ليكون العكس سيد تصوراته المقضية نحباً.
 لم يكن لشداد ملك مدينة ارم اي فكرة عن محتويات الجنة ولا يذكر التأريخ ان لهذه الشخصية اي اتصال بعفاريت الجن الذين يسترقون الكلام من سكان السماء ليستدل بمعلوماتهم المسربة بمضامين ما تحتويه جنة الخلد او اي صفة يقتدي بها لاستضاحة شحوب مرآه الفكري لصياغة عمرانية إرم.
امتزجت داخل شخصية هذا الملك روح المثابرة والتحدي لصناعة ما يقال عنه غير مرئي او مخبأ خلف ستار السماء ومن غير معرفة او دلالة يستند عليها لبحث امكانيات العمل المتقن شيد مدينة ارم بــ عمدها التي بلغت الف عمود كما وشيدت هذه المدينة المفقودة الواقعة في القسم الجنوبي لشبه الجزيرة العربية بطريقة البناء العمودي مستغلين الارتفاع التدريجي للجبال والتعمق داخل جوف الصخور والكتلة الصلبة المكونة لهذه الجبال و استدل البشر من خلال القرآن بالآية الكريمة ( وينحتون من الجبال بيوتاً فارهين ) حيث تضمنت هذه الآية فرح وسعادة بناة مدينة إرم ، للإستدلال على الفرح الملحوظ لدى هؤلاء القوم تبين ان إرم كانت الاولى في التخطيط العمراني والهندسي والشكل الأخاذ الذي يقتطب الناظر بشموخ عمدها وعمق زخارفها وتقسيماتها الهندسية، لم تكن إرم شبيهة بالجنة اطلاقاً بكل كانت لحداً جهنمي استطال عمره حتى يحتضن سكان هذه المدينة ، لم تدمر معالمها بل دفن صناعها بأتربة طغيانهم واندفاعاتهم الفكرية التي اودت بعقول جبارة الى الهلاك بسبب عدم ترويض النفس واخضاعها لأوامر وقواعد  بينيت على اساسها الارض الأم.
الفرق واضح في ارم وغيرها من المدن لان بناة إرم لم يصنعوا قوالب الصخور المنصهرة كما فعل بناة الاهرام ولم يجوبوا الارض ليجلبوا مواد البناء كما فعل بناة (تاج محل) بل نحتوا الجبال لتشييد مدينتهم كما وضحت الآية الكريمة ( وينحتون)..الى نهاية الآية... لعل فكرة البناء اقتصت من حيثيات الفعل الآمر الذي يقتضي على تحريك الشخصية المأمورة كأن تجلب شيء او تقول شيء او تحرك شيء، الثبات في المنطقة العمالية وحيز العمل كان من اشد علامات السؤال طرحاً وسعياً للاجابة عليه،  لم يكلف البناة جهداً سفرياً او الاستعانة بعقول هندسية بل اكتفوا بأماكنيتهم الغير محدودة لتشييد هذا الصرح الذي يأخذ من الناظر وقفة تأمل يستبيح بها أسئلته الغير مجاب عليها.
ما ينشده التأريخ من قصائد عن اساليب المجتمعات السلبية والايجابية ماهو الا حلقة في سلسلة انموذج الانسان لان التأريخ انسان ناطق وناقل حي لاخبار الامس والمدونات بحاجة الى استدلالات منطقية لفك رموز شفرات المجتمعات المختلفة وبما ان التعددية اللغوية والبيئية والحياتية تختلف عن بعضها البعض الا ان كل مجتمع له شارة مغايرة لشارات المجتمعات الاخرى، ليخلق هذا الاختلاف روح المثابرة والسعي لإماطة وشاح الفشل من الثبور والتشديد على مزاولة ماهو خارج نطاق المألوف.
يمكن ان تقيد الواقعية افكاراً مغايرة لما يتطلبه المتلقي لان تركيبة البشر الاجتماعي المتوحد لا تختلف الا بعلامات واضحة كــ القوة والحكمة وهما عنصران قد لايمتزجان داخل شخصية واحدة في بعض الاحيان الا ان الصدفة التي لاتعرف الاذن والاستماحة بامكانها دمج هاتين الحالتين لتكوين شخصية تتحلى بالقوة الفكرية والروح الحكمَـوية.
مع فيضانات الازمان الجارية تنتقل الافكار ويسقط بعضها ويتغير الآخر وما يصل الى العالم الحديث شيء يفتقر الى الدلائل في بعض الاحيان او الى فهم الغاية الكاملة في نفس مجتمع سعى وناضل للوصول الى ما لايتحمله العقل من افكار وخطط واعية كــ حدائق بابل المعلقة والميكانيكية العجيبة التي ترفع الماء الى الاعلى ويهطل متسلسل ليسقي الجنائن المعلقة، بنظرنا نحن كــ فئة تكنولوجية متقدمة نعتبر ان تلك الفكرة كانت بغاية الصعوبة بينما امتازت بالسهولة والسلاسة لدى مصنعيها، هنا تنقلب موازين التطور المرسخ في تركيبة الانسان لان التغيرات الطارئة عليه يجب ان تحدث شيء داخله ، لعل الانشغال بامور اوسع من المتواضعة بين ايدينا يطوي صفحات لاتخدم المجتمع الحالي لتتحول ثورة الانسانية والبناء الاجتماعية الى ثورة تكنولوجية هائجة تستند على المال والشهرة ومتطلبات المجتمع الآني.
 يعتبر نبوخذ نصر الشخصية التي تمتعت بالتسامح وحرية الفكر دون وضع قيود او تحجيم لمنظور فرد او فئة ، لم يكن استيطانياً اطلاقاً بل كان فاتحاً لمغالق الحكام المستبدين الذين يقودون شعوبهم بالسياط والعنفوانية ،كان يحترم تقاليد الشعوب الاخرى ويحترم عباداتهم وافكارهم ليشتن له التأريخ اسم ( مقيم المدن) ، لم يكن نبوخذ نصر استبدادياً اعتزالياً بافكاره بل كان يستند الى مشاورة مستشاريه في اتخاذ القرارات ماجعله شخصية ناجحة تتمتع بالذكاء والحكمة، شخصيته البسيطة التأقلم وضعت اسس الحرية بكل اشكالها لتبني مجتمعاً يتمتع بالعزيمة والمثابرة.
لم يسعى بنوخذ نصر لبناء الجنائن المعلقة لولا مراعاته لزوجته التي كان الاشتياق لموطنها يغمر تعابير وجهها بالحزن والتفكير ولم يرى اي مردود في جنائنه سوى ابتسامة زوجته وثبت اوتدة حسن رضاها عنه وهذه كانت جائزة قيمة رفعته في مخيلات الانسان الحديث، لانه صانع للحرية التي اغتالتها افكار الملوك السابقين  لتبقى الجنائن المعلقة اسماً يبخل على ذاكريه رؤية حقيقته السمية والعزوف عن معاني المحبة والمشاعر التي تضج في نفس نبوخذ نصر. 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9935
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29