صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

الدينُ الثالث
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يقولون إنّ الحقيقة طعمها مرٌّ ،والنفس البشرية بطبعها تأبى المر .

في العراق لا توجد أزمّة الكتابة ،بمعنى شحّة الكتاب ؛إنما الأزمة الحقيقية  هي شحّة القـُـرّاء ،ولا أقصد بالقراءة هنا الأمية الأبجدية ـ كما يسمونها ـ بل أقصد بها  حضور الانفعال لدى القارئ بدلاً من حضور العقل عنده، أي أنّ القارئ يقرأ بأعصابه لا بعقله ـ إنْ جازَ لي التعبير ـ .
إضافة إلى ذلك فقد انحسر عدد القـُـراء في العراق انحساراً يبعث على الخوف ،فصار الناس يستبدلون آذانهم بعقولهم ،فهم لا يقرأون  الحقائق بأنفسهم .وإنما يسمعونها من غيرهم فيصدقون بها ويجعلونها حقائق كأنهم رأوها ووعوها. ولا مانع من ذلك، لكن المخيف هو أن المخبر قد يكون كاذباً مدلـِّساً ، ولا غرابة في ذلك .
كل الذي أكتبه وأنشره يدور في هذا المدار ،لكن الذي يختلف هو طريقة العرض للفكرة . فيظن القارئ أنني أصادر مشاعره ،فينتفض وتبدأ سلسلة الاتهامات تـُستخرج من معجم لغات الأدعياء ،وهي ثلاثة اتهامات (عميل ـ طائفي ـ شعوبي)  .وهذا من نتائج القراءة السريعة التي أطلق عليها تسمية مجازية هي (القراءة بالأعصاب) .
قلتُ سابقاً وأقول اليوم أيضاً : إنّ تغيير الحكومة لا يؤدي إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية والمعاشية التي هي المحرّك الوحيد للرضا والسخط، لأنني متيقنٌ من أنّ نمط التفكير عند المجتمع العراقي ،وبالتالي الأنماط السلوكية السائدة هي سبب المعضلة على اعتبار أن الحكومة، أية حكومة إنما هي وليدة المجتمع وليس العكس .ولهذا نجد أن البعض من المواطنين يعتبرون عدم حصول تغيير ملموس في أوضاعهم عن ما كانوا عليه في زمن صدام . أو أنهم بأسوأ حال، ناجمٌ عن عدم تغيير الحكومة ،وهو كما ترى تفكيرٌ غير سديد .
مرّت علينا فترة طويلة أخذ الإعلام المعارض يتحدث فيها عن خطأ حلّ الجيش السابق ،معتبراً أنّ الحكومات التي جاءت بعد السقوط جاءت لتنفذ إرادة المحتل الأول (الولايات المتحدة) ضد إرادة المحتلين الباقين الذين يربو عددهم على أربعين محتلاً ،فكان الإعلام المعارض هو إعلام المحتلين الآخرين الذين شعروا بالخيبة والخذلان نتيجة انكماشهم الذي أدّى إلى عدم رضاهم .
ولكن ما إنْ سارت الأمور بشكلها الاعتيادي ،فإنّ هذه الماكينة الإعلامية توقفت عن العمل ،وأظن السبب هو أنّ القائمين عليها أذعنوا إلى حقيقة أنّ المجتمع العراقي هو الذي يقود أجهزة الدولة وليس العكس ،باعتباره المنتج لها والقوة الضاغطة الكبرى عليها، لكنهم لم يصرّحوا بذلك .
نفس الماكينة الإعلامية السابقة عاودت نشاطها ،فأخذت تتكلم عن مغبّة عودة البعثيين إلى أجهزة الحكومة  المدنية والعسكرية .
والحال لا الحكومة طردت البعثيين من الدوائر الحكومية ، ولا هي التي أعادتهم ؛بل هو هذا المجتمع العراقي مع الحاكم وضد الحاكم ، فالبعثيون لبسوا ثوباً آخر ،واختفوا خلف المصاهرات والمحاصصات والرشوات !
البعثيون كانوا لا يؤيدون صدام في قرارة أنفسهم ، لكنهم كانوا يصفقون له بحرارة خوفاً وطمعاً بالمجهول الوهمي !
لا أتعجب لو رأيتُ قاتلاً في زمن البعث وصدام يرتدي بُردة النـُّسك يصلي بالناس جماعة هذه الأيام ويقود مظاهرة بدعوى المطالبة بخروج المحتل الأول ( أمريكا) .. إنه يبحث عن فرصة عمل أفضل ، فلا عجب عندي مما أراه ، كل شيء ممكن .
مازال الناس في العراق يعطون أصواتهم لمن يشبع بطونهم ،ويترك عقولهم فارغة، فالعملة المتداولة في (بورصة الأصوات) هي الأكل و(كارتات) التعبئة !
حينما تنظر إلى الناس وهم يتناولون طعامهم في الولائم التي يقيمها الرؤساء بعنوان(الكرم) تحسب أن العراق تمرُّ عليه موجة كبيرة من المجاعة !
الشعور بالجوع ،وليس الجوع. الشعور بالخوف، وليس الخوف. الشعور بالبرد، وليس البرد. الشعور بالفشل ،وليس الفشل. الشعور بالهزيمة ،وليست الهزيمة. الشعور باقتراف الخطأ ،وليس الخطأ ،هو هذه الأشياء هي التي تؤثر في عملية اختيار المرشح ،ولذا نجد أنّ الانتخابات لم تؤتِ أكلها كما يرام !
المسيرات الشعبية التي تنطلق في الساحات والطرق لم تكن عفوية بالقطع واليقين ،فهي تجري متقطعة على ذات النمط الذي كانت تجري عليه إبان النظام السابق !
هذا شعورٌ تراكمي ورثه الشعب العراقي من عهود الظلام التي فرضت عليه أنماطاً منحرفة من السلوك بغية أن يبقى شعباً مغيّباً !
الشعب العراقي سيشهد عزوفاً عن الدين ، لأنه يظن أن الدين هو سبب تخلفه ،وبالتأكيد هو لا يعلم أنه كان يتبع ديناً آخر اتخذ اسم الإسلام ، لكنه سيتبع دينا ثالثاً جديداً أنتجته الماكينة الإعلامية !
الدين الأول كان دين الإسلام ،والدين الثاني هو دين الحكام ،وأما الدين الثالث فهو دينُ الباحثين عن مشاريع عملاقة تستعبد الكائن الحي لتجعله ميتاً .
الدين الثالث هذا سيكون مرغوباً من الملايين، لأنه سيضمن لهم الرفاهية الاقتصادية تحت مسميات برّاقة يسعى لتكريسها الجهلة والأميين الباحثين عن مشاريع عملاقة ،وقد نجحت من قبل مشاريع برزت خلالها قيادات تدعو الجماهير إلى الكفر وعبادة الأوثان !
الوثن هو غير الصنم . والأصنام الحجرية انقضى زمنها ، ولم تعد تشكل معضلة عقائدية .
 حلّ علينا زمن جديد يحفل بالأوثان .
 الوثن هو فكرةٌ تستقرُّ في مشاعر العاطلين عن العمل بسهولة ويُسر ،تقوم عليها مشاريع المجرمين الذين لا يجدون صعوبة في خداع الناس.
المحتل الأمريكي لم يكن هو المحتل الوحيد في العراق ، فهناك محتلون داخليون أكثر خطراً لأنهم يزرعون الأوثان في مشاعر الناس !
ثقافة الاحتلال يمارسها جميع الأقوياء في داخل المجتمع العراقي ، وليست أمريكا وحدها .
على المنادين بخروج المحتل من العراق أن يخلصوا العراق من المحتلين الآخرين ،وما أظنهم يقدرون على ذلك ، لأنهم كاذبون يمارسون الاحتلال أيضاً تحت مسميات دينية كاذبة .
احتلال المشاعر أشدّ خطراً من احتلال الأرض !!
الدين الثالث يدعو إلى تحرير الأرض، لكنه لا يدعو إلى تحرير الإنسان !
خروج المحتل لا يمثل حلاً (للمشكلة العراقية) لأنها مشكلة تتعلق بالثقافة ، بنمط التفكير .
( الفكر الإحتلالي) هو الذي جاء بالمحتل ،وليس فلانٌ أو فلانٌ !
 في العراق القوي يحتل الضعيف ،والكبير يحتل الصغير، والرجل والمرأة يحتل أحدهما الآخر،الغني يحتل الفقير،والجاهل يحتل العالم ،والظلام يحتل النور ، والراكب يحتل الماشي ، والخطأ يحتل الصحيح ، والخداع يحتلّ الحقيقة ،وهكذا دواليك !
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/02



كتابة تعليق لموضوع : الدينُ الثالث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net