صفحة الكاتب : غفار عفراوي

صلاة الجمعة.. حج المساكين وثورة ضد الظلم
غفار عفراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تأخذ صلاة الجمعة دوراً مهما في حياة المسلمين وهي حج المساكين كما كان يسميها النبي الأكرم (ص) " جاء اعرابي الى النبي يقال له قليب، فقال له إني تهيأت للحج كذا مرة فما قدر لي، فقال الرسول(ص) عليك يا قليب بالجمعة فإنها حج المساكين"، فضلا عن وجود الخطبة السياسية التي تركز على حياة الناس وحاجاتهم واثر السلطة وتعاملها معهم والتطرق إلى همومهم اليومية. فكانوا يختارون دوما صلاة الظهر رغم علمهم بالمنافع العظيمة التي لا يحصى عددها لصلاة الجمعة، حيث أنزلت سورة كاملة باسم الجمعة، إضافة إلى أن بعض التفاسير للآية الكريمة ( حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى ) هي بخصوص صلاة الجمعة.
 إلا أنها ومنذ زمن بعيد وفي العراق بشكل خاص، لم يقمها أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بمنع السلطة من إقامتها وتردد العلماء والحوزة في اقامتها بحجة إنها ستشعل فتيل المواجهة بين الشعب والسلطة، ولابد من الحفاظ على دماء الناس وأموالهم بتركها لأنها واجب تخييري مع صلاة الظهر!
أمر السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رضوان الله عليه) بإقامتها في اغلب المحافظات العراقية وأقضيتها ونواحيها وأرسل رسالة علنية انه بمواجهة السلطة القمعية وانه يعلم أنهم قاتلوه إن آجلا أو عاجلا حين ارتدى كفنه أثناء أداء تلك الفريضة المقدسة هو ووكلاءه من الشباب الرسالي المؤمن  وكأنه يقول للطاغية انك لن تخيفنا لأننا جاهزون لأسوأ العقوبات بنظرك وأحلى ميتة بنظرنا وهي الشهادة في سبيل الإسلام والحق.
ابتدأ رضوان الله عليه ثورته الإصلاحية بإرسال أكثر من سبعين إماما وخطيبا لأداء صلاة الجمع. فاختارهم من الشباب أصحاب القلوب الشجاعة المؤمنة والعقول المتفتحة تطبيقا لما ورد في عهد أمير المؤمنين(ع) لمالك الأشتر حين ولاه مصرا( اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك مما لا يستشرف نفسه على طمع ولا يستمليه إغراء)،  فكانوا بحق هم الحكام وهم القادة في محافظاتهم، فسحب البساط تماما من الحزب الحاكم آنذاك، فكانت الجماهير تطبق كل فتاوى وأوامر السيد المولى (قدس سره ) بكل حب ورضا وتفان. الأمر الذي دفع برأس النظام البعثي أن يتخذ إجراءات لمحاربته، ومحاولة تشويه صورته في الداخل والخارج، بمساعدة بعض من رجالات الحوزة التقليدية. 
        كان للسيد عدة آليات ضمن صلاة الجمعة، فبالإضافة إلى ارتداء الكفن الذي يشير بوضوح انه مقبل على الموت وان السلطة التي تحكم العراق ظالمة ويمكن أن تقدم على قتله في أي وقت، استعمل طريقة ترديد الشعارات المنددة بالظالم والشيطان الذي رمز به إلى صدام وحزب البعث مشابها في ذلك لجده الإمام زين العابدين بعد واقعة الطف حين استخدم عدة أساليب لنشر الدعوة الإسلامية وتبيان مناقب أهل البيت ومظلوميتهم، منها أسلوب الدعاء والتقية المكثفة التي تدل على أن النظام لا يسمح لابن بنت رسول الله بالكلام وإمامة الناس لأنه مغلوب على أمره.
 أوصى السيد الصدر جميع خطباء الجمعة بان لا يستسلموا للضغوطات التي تمارس من قبل أزلام النظام بضرورة الدعاء لصدام وحكومته الظالمة وقال لهم أنكم اتركوا إقامة الصلاة على الدعاء لهذا المجرم الظالم، وهي إشارة لأتباعه أن لا يخافوا من الموت ولا يخشوا في الله لومة لائم.  
      اتخذ السيد من منبر الجمعة طريقا للدعوة إلى الوحدة والحث على إقامة الصلوات الموحدة بين أبناء المذاهب المختلفة فكانت استجابة أبناء تلك المذاهب للمشاركة في صلوات الجمعة في المدن العراقية لافتة للنظر في حين ان الكثير من أبناء المذهب لم يستجيبوا لدعواته المتكررة وخصوصا العلماء ورجال الذين لم يكتفوا بعدم المشاركة بل نصبوا لها شرك العداء، وتعدت المشاركة في صلاة الجمعة إلى أبناء الديانات الأخرى كالمسيحية والصابئية الذين دخلوا في دين الله أفواجا وأعلنوا إسلامهم بين يديه.
           أحيا السيد هذه الشريعة السماوية المعطلة منذ عشرات السنين فحولها منبرا لطرح كل مشاكل المجتمع الصغيرة منها والكبيرة مثل الكهرباء والماء والمعتقلين والسفور والخمور وكرة القدم والمسلسلات المدبلجة مثلما ناقش فيها موضوعات علمية وتاريخية مثل العلم الأوروبي وعلم تناسخ الأرواح وثورة الإمام الحسين وقضية الإمام المهدي وسيطرة أمريكا على الشعوب وفرضها الحصار على العراق وغيرها من موضوعات مهمة نبهت الشعب أن هناك تحركا مرجعيا متجددا في الحوزة الدينية ليس كما عهدوه من سكوت وتهاون وإهمال.
لم يدع السيد فئة إلا ودعاها للعودة إلى طريق الدين والإنسانية والرشاد. ومن أهم الفئات التي فاجأ بها الجميع هي فئة السدنة التي خاطبها بكل قوة ونهرها وعاتبها وحذرها من الاستمرار بتبعيتها للنظام البعثي والانجرار وراء الشهوات والمصالح الخاصة، كذلك دعا الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة إلى التوبة والعودة إلى جادة الصواب، وفي خطبته الأخيرة سلام الله عليه أطلق اكبر مفاجآته حين خاطب فئة كانت منبوذة من المجتمع وهم الغجر الذين لم يأمل منهم أحدا التوبة أو الاستغفار إلا أن مرجع التغيير كان له رأي آخر لأنه يعلم أنهم بشر، لهم حقوق وعليهم واجبات، فاثبت انه مرجعية متحركة لا تحدها حدود ولا توقفها عقبات وانه لا يعمل وفق الأهواء والشهوات والمصالح الخاصة
كان اللقاء مع القاعدة الجماهيرية شبه يومي، في صلاة الجماعة، في الاستماع إلى الفتاوى والتعليمات التي تصدر من السيد إلى مقلديه وغير مقلديه، إضافة إلى فتح باب البراني أمام الجميع بدون إذن أو موعد سابق أو تعريف كما عند الحوزة الأخرى! كذلك إرسال الوكلاء والثقات والفضلاء إلى اغلب أقضية ونواحي محافظات العراق، وانتشار أشرطة التسجيل الذي تسجل فيها خطبه ولقاءاته في المكتب الخاص الموجود بالبراني وانطلاق جريدة الهدى الناطقة باسم الحوزة التي كانت – على الرغم من بساطتها وتواضع طباعتها -  وسيلة إعلامية مهمة، كان سماحته يرتب عليها أثرا مستقبليا بإنشاء جيل مثقف واع وخلق صحفيين وإعلاميين غير دنيويين أو ذوي مصالح شخصية فكان يركز على الشباب وضرورة تثقيفهم ومدّهم بكل سبل التطور والنجاح في عملهم. ويعدّ السيد الصدر أول مرجع ادخل الحاسوب الالكتروني ولوحة الإعلانات إلى البراني مما أثار حفيظة الحوزة الأخرى التي اتهمته بالعمالة للغرب لأنه يستخدم أجهزتها الالكترونية! وهي نفس معاناة الشهيد الصدر الأول مع التقليديين (( فلقد أراد أن يستفيد من أجهزة التسجيل ليسهل على الطلاب مراجعتهم لدروسهم ولكن ذلك يعتبر نقطة مخالفة ضخمة تواجهها الحوزة التقليدية)). 
Afrawi70@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


غفار عفراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/03



كتابة تعليق لموضوع : صلاة الجمعة.. حج المساكين وثورة ضد الظلم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net