صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

المنامة الثانية والأربعون إليها تشبثاً بالأمس
د . محمد تقي جون

في تلك الأيام كانت موجودة جداً، وحاضرة جداً في كل تفاصيلها؛ صوتِها المبحوح قليلا، ملابِسِها التي تغطيها بالكامل.. وقريبِها (ابو علي) الذي كان يوصلها إلى الزوراء (دائرتها) يومياً. نعم هي موجودة في غرفتها اذا دخلتَ ستجدها الآن (آنذاك)، في ذلك الزمن الذي زحف بها إلى الماضي كما يؤول كل شيء.

في الممر الذي يجمع الغرف على جانبه الايسر او الايمن بحسب اتجاه سيرك ذهابا او اياباً، التقيتما! نعم التقيتما وتبادلتما النظرات المؤلمة والحالمة، العطشى والفائضة رحيقاً، اليائسة والمتأملة كثيراً. ذلك الممر هي موجودة في نهايته اليمنى او اليسرى بحسب اتجاه سيرك الآن (آنذاك).. موجودة ولم تذهب بعد، انها تنتظرك.. تنتظرك. ما منعك من ان تذهب اليها حين كانت تنتظرك؟ علك تقنعها أكثر، علك تنقل لها صورة (آنك) إلى (آنها) فتستوعب كم هو الزمن مؤلم اذا انقضى دون ان تحَلّ المشكلة وينجز المطلوب!

كان (قطاع العوائل) قطاعها تشرف عليه، كانت خطاها تشبه وخز إبر متقاربة تنقر على الارض ذهاباً واياباً بلا كلل او ملل، وكانت ابتسامتها العنيفة غير المشذبة كطباعها احيانا بل في كل احيانها حاضرة تدور معها.. ارتدت تلك الايام اللون الاصفر وداست الارض خطى جديدة بعد خطاها.

أنت تحبها حدّ الثمالة، ويفور شوقك اليها حين تتذكرها بكل صورها؛ غاضبة، مرتبكة، سارحة وهي هكذا فقط حتى تبرق عيناك كالمصعوق!

" لماذا أنتِ صعبة حدّ الجرح، ولماذا أنتِ خشنة تكرهين الرقة وهي في متناولك، ولماذا أنتِ تكتمين حد الكبرياء الكسيحة، ولماذا أنتِ تحزنين كسماء غائمة، وتبكين بعنف كطفل اضاع لعبته لماذا لماذا لماذا؟؟؟... لماذا لم تسألها وتركت الـ(لماذات) تأكلك حتى اليوم... لماذا لماذا لماذا"؟؟؟

وافترقنا لأننا من أعراق مختلفة أو أديان أو مذاهب أو أشياء أخرى لا علاقة لها بالحب، أصبحت تقتل الحب. أذكرُ كلماتها المتقطعة كالمخنوق في آخر لقاء عندما تعانق صوتانا عناقاً ابدياً فكأننا امتزجنا بالكامل.. وفجأة ارتبك الحب، وتنصل الحديث، وانفصل الروحان الهائمان وعاد الصوت يتقطع...

  • " انت لا تعرف.. لا تعرف.. انت لا..."
  • أعرف أعرف أعرف.

وتلاشت.. ضاعت مني في غضون الاكاذيب وابتلعتها خفايا السياسة.

" لقد صار قتل الحب طبيعياً بطبيعية القتل مطلقاً في العراق الجديد (القابل على كل شيء) " هكذا علق ابن سيَّا الشاعر الجوال بين مآسي جيله وجراح وطنه على هذه القضية.

 وانطلقت أبياته الى الحبيبة المطرودة صبراً: 

صمتٌ وناقوسٌ يؤرقني              ما أقبح الذكرى وما أبلـَهْ

ما زلتِ تنـزلقينَ في غنجٍ  في الشارداتِ فتبدأ الرحلـَهْ

في لحظةٍ ويقومُ عالمُنا              من أمسِهِ فيشعُّ كالشعلـَهْ

وتعودُ بسمتكِ التي فتحتْ            بابَ الحياةِ وحطمتْ قفلَـهْ

وتعودُ خطوتكِ التي رسمتْ          دربَ الهوى وتخيلتْ شكلـَهْ

ويعودُ يمتلئ المكانُ بنا              وشذاكِ مسّ الكونَ فاحتلَّهْ

وأملتِ نحوي الثغر هامسة          كالاقحوانةِ وهيَ مبتلَّهْ

فأصيرُ مشتملاً برائحة الوردِ الزكيِّ وعاطــــــرِ الفلَّـهْ

أنزلتِ من نفسي بأعمقِهَا            كالعاشقينِ تبادلا قبلَـهْ

أطيافكِ الخضراءُ فيضُ شذا         ما عافه قلبي ولا ملَّـهْ

غادرتِ فالزوراء خالية              صفصافةً جرداء أو نخلَـهْ

عيناكِ عصفورانِ ضمَّهُمَا            قلبي فزادا بالأسى شُغلَـهْ

سيظلُ نزفُ الجرحُ محتدماً          وأصيحُ كالمجلود في غَفلَهْ

وأفيقُ إلا من تحسُّرِهَا               وضرامها في القلب والمُقلَهْ

كبُرتْ بكِ الأنثى على عجلٍ وبقيتِ في عبثيَّةِ الطفلَهْ

هيهاتِ أنسى انه زَمَنٌ                ما بعدَه أرضى ولا قبلَـهْ

  • تبقينَ ذاهبةً وراجعةً                  وأظلُّ اقتلُ قتلةً قتلَـهْ

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/09



كتابة تعليق لموضوع : المنامة الثانية والأربعون إليها تشبثاً بالأمس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net