صفحة الكاتب : ابتسام ابراهيم

حكايات جدتي
ابتسام ابراهيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أجمل امرأة وقعت عليها عيناي  تلك العجوز المتشحة بالسواد دوماً وبعمامة مستديرة تشبه استدارة القمر ينفلق منه وجه أشبه بشمس الصباح .جدتي تجمعنا بحضنها فتجتمع معها طفولتنا المخضبة برذاذ الحرب، تروي لنا حكايات مخيفة كي ننام باكراً وكأن دوي الطائرات غير كافٍ لإخافتنا ,تكفينا بقعة صغيرة من الأرض رغم عددنا الكبير ..نستمع لصوتها وهي تروي لنا قصص أبطالها حاربوا الشر فما بين (مناتي) الذي قتل السعلوة بذكائه و(علي شاه) الذي صار ملكاً بعد اختطاف زوجته بدر البدور  وحرثه الأرض طولا وعرضا بحثا عنها وصولا إلى علي بابا والأربعين حرامي.

جدتي تصف لنا ذلك اللص المخيف  ذلك ألحرامي الذي يحمل كيساً على ظهره وله  وجه قبيح يتطاير الشرر من عينيه ..سكينته الحادة ..أنفاسه اللاهثة لأنه متعطش لأكل الأطفال ,ذلك ألحرامي الذي طالما حدثتنا عنه جدتي ورسمت لنا تفاصيل وجهه وبدنه وكنا نتمنى من الله أن لا يحظى بنا هذا ألحرامي يوماً وكانت تنصحنا أن نبتعد عن الأماكن المظلمة وان لا نسير في الشارع لوحدنا وان لا نتحدث مع الغرباء لان الغرباء هم أولاد هذا ألحرامي .

توصينا أن نخبئ أموالنا جيدا كي لا يسرقها ألحرامي ,أن نتحدث بصوت منخفض كي لا يسمعنا ألحرامي  وظل ألحرامي شغل جدتي الشاغل و فزاعة خضرة ترهبنا به .

كبرنا وبقيت صورة حرامي جدتي تتراقص في الذاكرة ونترقب ذلك اليوم الذي سنتشرف به برؤية ألحرامي ذلك الرجل الكث ضخم الجثة رث الثياب الذي يحمل كيسه ليضع فيه الأموال التي يسرقها وكذلك الأولاد المزعجين .

كبرنا ولم نرَ ألحرامي لأنه ببساطة لم يكن حرامياً قط ,كان مجتمعاً شريراً فحسب أرادت تلك العجوز أن توصفه لنا ببساطة لكنها لم تكن تدرك أن ألحرامي الكث ذهب إلى الحلاق فرتب شعره وارتدى أرقى الثياب وأنظفها واستبدل أسنانه المخيفة بأسنان من السيراميك اللامعة !

لم تدرك جدتي إن ألحرامي صار جزءاً من المجتمع الواعي وانه  لا يسرق  المال فحسب بل انه وزَّع أولاده على مختلف المهن فصار يسرق جهد الفلاح حين يضيع تعب حصاده دون أن يبيع شيئا, و يسرق تعب الآباء حين تكون تربيتهم في غير محلها و يسرق جهد الباحث والكاتب عن طريق ألنت ويسرق قوت الناس بذرائع شتى ويسرق جهد الطالب المجتهد حين يصحح ورقة الامتحان بحجة (إنني أريدك أن تتعلم الأفضل أو إنني أيها الطالب أكرهك ولا أريد لك خيرا ) رحم الله جدتي ليتها ترى حرامي اليوم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابتسام ابراهيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/09



كتابة تعليق لموضوع : حكايات جدتي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net