الفضاء الديني والرواية التنبؤية .. قراءة في رواية (الصيحة) للروائية العمانية فاطمة اللواتي
نعيم آل مسافر

تُعتبر الكاتبة العمانية الدكتورة فاطمة اللواتي , من المتخصصين في أدب الطفل, فلها الكثير من النصوص الجميلة والبحوث القيمة والنشاطات الكثيرة في هذا المجال، بالإضافة إلى كتاباتها في المسرح والقصة والمقال والأبحاث التربوية وورش العمل, لكنها هنا تخوض غمار تجربة مختلفة وبجنس أدبي مختلف، وهي رواية (الصيحة), وهي رواية متميزة تستحق الوقوف عندها.
وأول ما يمكننا الاشارة اليه هو التناص، وهو تناص قرآني يبدأ من عنوانها (الصيحة) والذي يقودنا الى الآية القرآنية "فأخذتهم الصيحة مصبحين" (الحجر:83)، وهذه المفردة التي ورد ذكرها كثيراً في القران الكريم وبمرادفات مختلفة، تنبئ بحدثٍ جللٍ وخطبٍ عظيم يرتبط بظهور الامام الغائب، حسب رؤية المفسرين، وهذا ما حدث مع هذه الرواية وفي مدينة لوجان في ولاية يوتا الأمريكية، حيث تأخذ الصيحة مجموعة من طلبة الدراسات العليا القادمين من عدة دول اسلامية. إذ يسمعون هذه الصيحة في آن واحد وبمختلف لغات العالم. تلك الصيحة التي ظهرت في الشرق أولاً, ثم عمّت العالم. بعد ان سبقتها علامات أخرى من علامات الظهور مثل: كسوف الشمس في رمضان وخسوف القمر ليلة العيد!      اما المكان في الرواية فالأحداث تدور بين المركز الإسلامي حيث يلتقي بطل الرواية أحمد بأصدقائه وهم من مختلف المذاهب الإسلامية للتباحث حول الصوت، وبين الحي السكني الجامعي حيث بيته وبيت جاره المورمني المسيحي الأمريكي جون، وعائلة غولدا اليهودية، حيث تقدم هذه الامكنة ردود أفعال الشخصيات وخاصة أفراد تلك العوائل, وعموم عوائل الحي السكني والأحياء الأخرى حول تلك الظاهرة الغريبة.  فبالإضافة الى النقاشات في المركز الاسلامي والحي السكني، تعرض الرواية اماكن اخرى تقدم ثيمة الرواية الرئيسة كالندوة الحوارية في الجامعة لممثلين عن الاديان السماوية الثلاثة ص93 وأخرى لمجموعة من الأساتذة كالدكتور كريك والدكتور مايكل ص146 , وايضا فِي لقاء تلفزيوني مع البروفسور روجر حول تلك الظاهرة ص224 , والتي تنجلي فيها بوضوح فكرة الرواية.
عادةً ما تكون مواضيع روايات المغتربين العرب - حتى وان كان ذلك الاغتراب داخل الوطن العربي - عبارة عن ذكريات وحنين الى الماضي، بالإضافة الى الحنين لوطنهم الأم، حيث مسقط الرأس والذكريات البكر, وايضا حول التشظي الذي تعرضت له هوياتهم. ولكن هذه المرة الأولى التي اقرأ فيها رواية لكاتبة لا تتحدث عن النوستالجيا، انما عن موضوع عقائدي هو (المهدي المنتظر)، والذي مازال مثار جدل بين المسلمين بمختلف طوائفهم وبين الأديان السماوية وحتى الارضيّة، وان كانت تشيع بين شعوب العالم ثقافة انتظار ما يعرف بالمنقذ.
تنتمي اغلب الروايات التي تكتبها الروائيات العربيات الى الكتابات النسوية والتي تتخصص بموضوعة المرأة وهمومها وجسدها وذكرياتها واضطهادها في المجتمع الشرقي الذكوري, وتنتقد سلطة الذكر ان كان أباً أو زوجاً أو أخاً متعسفاً, ولكن في هذه الرواية نجد الموضوع مختلفا, برغم أن نصف شخصيات الرواية من النساء، الا انها لم تتطرق لهن، بل انشغلت الرواية بثيمتها ذات الفضاء الديني.
على الرغم مما اتسمت به الرواية من واقعية من خلال المكان  الواقعي ولاية يوتا, أو الأشخاص الواقعيين, ونقاشاتهم التي تستند الى أقوال مأثورة من الكتب السماوية او الكتب الدينية الأخرى, وموضوعها العقائدي, إلّا إننا يمكن أن نعتبرها من روايات التنبؤية, لانها تخلق عالما افتراضيا لا ندري ما هو على وجه التحديد او ما الذي سيجري فيه, لانه مبني على التنبؤات والاستنتاجات والمرويات المستخرجة من الكتب الدينية وغيرها.

الموضوع السابق رواية ( مقتل بائع الكتب ) تتحدث عن ازمة المثقف المحبط

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat