صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

تفنيد شبهة أخرى من شبهات النصارى
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 هل مريم أم الله ؟ ومن الذي جلس على يمين الله مريم أم أبنها؟!
 !في نص غامض مأخوذ من التوراة يؤمن المسيحيون على اختلاف مذاهبهم بانتقال مريم العذراء ام الله وطيرانها بالجسد إلى السماء حيث جلست على يمين الله وهم يقدمون الصلوات لها فالمسيحيون يقولون بأن نص المزمور : ((جعلت الملكة عن يمينك بذهب وفير )) . مزمور 45 : 9 يقصد به مريم حيث أنها جلست عن يمين الله لتشفع لأتباعها والمؤمنين بها .وهذا طبعا يُناقضه النص القائل بأن المسيح عندما ارتفع إلى السماء جلس عن يمين الله : (( بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله)). إنجيل مرقص الإصحاح 16 : 19 
سكتت الأناجيل ومعها رسائل بولس ، عن الإشارة إلى مصير مريم العذراء . فهل جلست عن يمين الله بعد أن رفعها إلى السماء أو ماتت ودُفنت في الأرض . فهذه الكتب مجتمعة لا تذكر لنا خاتمة القصة التي بدأتها عن أم الله ! فبعد أن أضفت عليها هذه القداسة المزعومة (من أن الله مرّ عبر رحمها إلى هذا العالم ليصلب عن خطايا الآخرين ، ورافعا عنهم خطية الموت ..) لم تخبرنا بشيء يذكر سوى أن مريم بعد موت ابنها صعدت مع بقية الأوصياء هي ومجموعة من النسوة إلى جبل الزيتون ، يعبدون الله تعالى هناك بالقرب من أورشليم . 
ثم انقطع خبر مريم كأن الأرض ابتلعتها فلا يذكر لها الإنجيل صعودا ولا هبوطا ولا موتا ولاحياة ولا نشورا. ولكن وبعد مرور أكثر من أربعمائة سنة على هذا الصمت المطبق تنبهت الكنيسة إلى هذه الحلقة المفقودة وخصوصا عندما سمعت ما يتناقله الناس عن قصة صعود مريم إلى السماء فبادرت إلى التصرف وسيأتي بيان ذلك في محله .
فما هي قصة الصديقة مريم في الكتاب المقدس ؟ والجواب فقط لكل أولئك الذين آمنوا بأن المسيح هو الله أو حتى ابن الله ، وبناءا على ذلك فإن مريم هي أم الله ، ويزعمون بأنه اكراما لهذه الأمومة فإنها ارتفعت بجسمها إلى السماء مثل ابنها.
فهل يؤيد الكتاب المقدس ما يذهب إليه المسيحييون في عقيدتهم هذه بأن مريم أم الله ، وصعودها بالجسم إلى السماء ؟ 
 
مريم كما تصفها الأناجيل .
دع عنك ذلك الوصف الجميل الذي جاء به القرآن عن مريم وعفتها وطهارتها وتكفل الله لها واعتكافها في بيت الله خادمة متواضعة لربها والتي كانت في الدنيا تأكل من طعام الجنة. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. 
ولكننا نأت لنرى وصف الكتاب المقدس لها. فقبل أن يحل الله في رحمها فإن مريم كانت كما يلي : ملاحظة . طبعا ما راح حد يخرج برأس خيط. 
أولا : مريم متزوجة من يوسف النجار بن يعقوب ، كما جاء في إنجيل متى : (( يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح)).إنجيل متى الإصحاح 1 : 16 
ثانيا : مريم وابنها الذي اختتن ـ قطعت قلفته ـ يهودية على شريعة موسى قبل أن يبعث الله ابنها رسولا : (( لما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب )) .إنجيل لوقا الإصحاح 2 : 22 
ثالثا : مريم تقدم الذبائح للهيكل فيقوم الكاهن بتطهيرها كيهودية : (( متى كملت أيام تطهيرها لأجل ابن أو ابنة تأتي بخروف حولي محرقة إلى باب خيمة الاجتماع إلى الكاهن . فيكفر عنها الكاهن فتطهر ))سفراللاويين الإصحاح 12 : 6 . 
رابعا : يوسف النجار لم يدخل بمريم العذراء حتى ولدت عيسى : (( لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر . ودعا اسمه يسوع )) . إنجيل متى الإصحاح 1 : 25 
خامسا : مريم لم تتزوج من قبل : (( قالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا .. )) . إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 34 
سادسا : مريم تعظّم خالقها : (( قالت مريم تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي .. القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس )) . إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 49 
سابعا : مريم تعاتب ابنها عيسى : (( لما أبصراه اندهشا . وقالت له أمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك وكنا معذبين .ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعا لهما )) . إنجيل لوقا الإصحاح 2 : 48 
ثامنا : كان الناس يعرفون عيسى وأمه البشريين ولم يكن يُعرف عنه أي صفة إلهية : ((أليس هذا ابن النجار ، أليست أمه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا )) . إنجيل متى الإصحاح 13 : 55 
تاسعا : عيسى يوبخ أمه : (( ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع ليس لهم خمر ، قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة . لم تأتِ ساعتي بعد )) . إنجيل يوحنا الإصحاح 2 : 4 
عاشرا : مريم خادمة الله : (( قالت مريم : تعظم نفس الرب .. لأنه نظر إلى اتضاع أمته)) .إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 48 
هذا هو حال مريم في الأناجيل وهناك المزيد الذي أعرضنا عنه لأن الخلط وقع فيه بين مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ومريم الأخرى ! أو مريم صديقة بولص ، ومريم أم المسيح .
((وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الاخرى جالستين تجاه القبر)) إنجيل متى 27: 61. من هي الأخرى أليس لها اسم ؟ 
وبصورة إجمالية نقول : 
1ـ لا توجد آية واحدة في الأناجيل تستعمل عبارة (( أم الله )) أو عقيدة ((صعود أم الله بالجسد )) . 
2ـ ورد اسم (( مريم )) مجردا وبدون ألقاب في خمسة أسفار هي : متى ، مرقس ، لوقا ، يوحنا ، الأعمال . 
3 ـ ورد اسمها بصفتها (( أم المسيح )) في الكتاب المقدس ( 24 ) مرة . 
4 ـ ورد لفظ امرأة كلقب لها مرتين فقط . 
5 ـ عدا الأناجيل الأربعة لم يرد اسم مريم العذراء إطلاقا لا في رسائل بولص ولا في رسائل الرسل . 
في محاولة للتوفيق بين بتولية مريم الدائمة وزواجها من يوسف النجار ، وتبرير خطوبة مريم له وأنها أصبحت امرأته ، قام كتّاب الأناجيل باختلاق آيات ظهر فيها الارتباك واضحا . 
فبينما تذكر هذه الأناجيل من أن يوسف النجار لم يمارس معها أي علاقة جنسية حتى ولدت ابنا : (( ولم يعرفها حتى ولدت ابنا )) . تنسب هذه الأناجيل لعيسى أخوة وأخوات لم يبين الإنجيل هل هم من مريم أم من يوسف النجار وهل هو متزوج قبل مريم أم كان شابا أعزب حينما خطبها . ففي آية غامضة من إنجيل متى يدعي الكتاب المقدس من أن يوسف : (( يسوع الذي يُدعى المسيح أليست أمه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا )) .إنجيل متى الإصحاح 13 : 55 
ثم يضيف الكتاب المقدس : (( لما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حُبلى من الروح القدس ، فيوسف رجُلها إذ كان بارا لم يشأ أن يُشهرها أراد تخليتها سرا )). إنجيل متى الإصحاح 1 : 18 في هذا النص يظهر يوسف بمظهر الجاهل بحقيقة مريم وإيمانها فنراه يفقد ثقته بها ويقرر أن يطلقها ويجعل الأمر سرا ولم يفضحها . حتى ظهر اله الملاك فدفع عنها شبهة الزنا . 
البابا يوحنا بولس الثاني حاول في تفسيرة لهذه الآيات أن يرفع حالة الغموض والارتباك الدائر حولها فبرر ذلك من أن يوسف : لم يكن رجلا مسنا في ذلك والوقت ، وأن كماله الداخلي المنعم به عليه قاده إلى أن يحيا علاقته الزوجية بمريم بحب عذري . 
وفي سؤال وُجه إلى البابا : من أن السيد المسيح قد ولد من عذراء فهل كانت مريم تنوي البقاء عذراء ؟ إذا كانت كذلك فلماذا أصبحت امرأة يوسف كما يصفها الكتاب المقدس ؟ قال البابا : يمكن الافتراض انه عند خطبة يوسف لمريم كان هنالك اتفاق بينهما على خطة بقائها عذراء ! 
ونقول لقداسة البابا : إذا كان هناك اتفاق بينهما وأن يوسف كان يعلم بحال مريم وأنها ستلد نبيا وأنهما اتفقا على أن تبقى مريم عذراء ، فلماذا يتهمها بالزنا عندما وُجدت حبلى كما جاء في متى من أنه لم يشأ أن يفضحها . ثم من أين جئت لنا يا قداسة البابا بهذا الافتراض بأن هناك اتفاقا بين مريم ويوسف النجار على أن تبقى عذراء ؟هل هناك اشارة ولو يسيرة إلى افتراضك هذا في الكتاب المقدس ؟ 
من بين هذه الالتواءات العجيبة لتبرير بتولية مريم يعرض لنا الكتاب المقدس حال مريم بطريقة تختلف اختلافا بينا عما جاء في مقدمة متى نفسه حيث يكون التناقض واضحا بينا وفي نفس الإنجيل . 
فمتى هنا يخالف بتولية مريم وينسب لها اخوة وأخوات يصف لنا أن الاتحاد الزوجي بين يوسف ومريم لم يكن حبا عذريا كما يدعي البابا . وأحد البراهين على ذلك أن الإنجيل نفسه يظهر أن السيد المسيح لم يكن وحيدا في العائلة فلهُ أخوة وأخوات كثيرين كما يذكر متى نفسه : (( ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا من أين لهذا هذه الحكمة والقوات ، أليس هذا ابن النجار . أليست أمهُ تُدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا . أوليست أخواته جميعهن عندنا )) . إنجيل متى الإصحاح 13 : 55 
فمن أين اصبح لعيسى أخوة وأخوات ؟ فكيف لنا تفسير ذلك ؟ والأناجيل لم تذكر لنا أن يوسف النجار تزوج بعد ولادة عيسى ولا قبل ولادته لأن مريم كانت مخطوبة له وكانت عذراء ! وإذا صح أن مريم تزوجت من يوسف بعد ولادة عيسى وأنجبت كل هؤلاء فكيف تكون أم الله بلا دنس وأنها قضت حياتها بعد ولادتها بتولا لم يمسها أحد كما يدعي النصارى ! وكيف جاز للنجار أن يطأ أم الله ويُنجب منها هذا الجيش الجرار من الأخوة والأخوات؟ . 
أم الله ! 
عندما تسأل النصارى عن شخصية مريم العذراء فإنك تسمع الجواب نفسه من كل شخص : لقد آمنا فقط بأن يسوع هو الله ! لذلك فإن مريم هي أم الله ! 
فكيف دخل الله تعالى إلى رحم العذراء مريم ثم خرج إلى هذا العالم ؟ 
يقول كتاب التعليم الديني المسيحي لطلبة المدارس الدينية ص 16 : (( أن كل أقنوم في الوحدة الإلهية هو الله بالكمال والتمام فليس هناك ثلاثة آلهة منفصلة . عندما انقسمت الخلايا الحية في رحم مريم مرة بعد أخرى ، كان الله بالكمال والتمام داخل مضغة نمت في الشهر الأول من حبلها إلى طول بلغ أقل من ربع أنش وكانت لها مجرد عينين وأذنين بدئية )) . 
للخروج من هذه الورطة تتدخل منظمة الشهود لله العالمية فتقول : ((تذكروا أن الملاك جبرئيل قال لمريم أن ولدها سيدعى ( ابن العلي ) و( ابن الله) ولكن الفهم الصحيح للأسفار المقدسة يساعدنا لنؤمن بأن الله القادر على كل شيء خالق كل الحياة ، لديه القوة لينقل عجائبيا حياة ابنه الحبيب ، يسوع المسيح ، إلى رحم مريم ثم يحمي نموها بواسطة قوته الفعالة ، إلى أن يولد ابن الله ، نعم بوركت مريم إلى حد كبير بكونها أم الله )) . مجلة برج المراقبة عدد 15 تشرين الأول 2009 . سبحانك اللهم وتعاليت عن ذلك علوا كبيرا . ماهذا الهراء كيف تكون أم الله وقد انجبت ولدا له . فأنتم تقولون بأن الله نقل عجائبيا حياة أبنه إلى رحم مريم ثم ولدته ، إذن هي أم ابن الله ، وليس أم الله . والأولى أن تُدعى زوجة الله أم ابنه فذلك اليق لإدعائكم . 
فإذا برر الشهود نقل ابن الله عجائبيا إلى رحم مريم فكيف يفسرون لنا طوله الذي بلغ أقل من أنش وكيف عرفوا أن له أذنين وعينين بدئية ومن أين جاؤوا بتلك المقاسات؟! 
من بين كل تلك الفوضى في النصوص لا يزال المسيحيون يتوجهون في صلاتهم ـ الغير موجودة أصلا في الإنجيل ـ كل يوم إلى مريم العذراء بصفتها أم الله التي لا ترد لهم طلب مرددين : ((في ظل مراحمك يا أم الله ؛ لا ترفضي تضرعنا وقت الضيق بل نجينا من التهلكة أيتها المباركة وحدك)) .
هل هناك من ولد من دون أب ؟ 
لم ينفرد عيسى كونه المولود الوحيد إعجازيا من غير أب فقد ضرب الله لنا أمثلة كثيرة على ذلك في كتبه السماوية من أن هناك الكثير من الولادات من غير أب أو من غير أم وأب ولكن يبقى إشكال واحد في قضية عيسى انفرد به من دون تلكم المعجزات وهذا الاشكال هو : إذا كانت ولادة عيسى من غير أب جعلته ربا أو ابنا لله فماذا نقول عن ناقة صالح التي ولدت من صخرة أمام جموع أهالي مدينة مدين ، يضاف إلى ذلك أنها خرجت حامل في شهرها الأخير وولدت أمامهم فمن هو أبو الناقة ومن هو أبو المولود الصغير ؟ 
والرأي الأفضل من ذلك هو آدم ذلك المخلوق العجيب لماذا لا نقول بأن الله حل في قالب الطين وتجسد في تلك الشخصية المبدعة وهذا الرأي افضل لأن آدم وحواء لم يولدا من رحم ! 
وماذا نقول عن أفعى موسى التي خرجت من بطن عصا يابسة . 
وماذا نقول عن طيور إبراهيم ( يصنع من الطين على هيئة الطير) التي صنعها من طين ثم قال لها طيري بإذن الله فطارت محلقة في السماء تنشد أعذب الألحان .. الخ وهكذا فإذا كان كل من يولد من غير أب هو الله نفسه أو هو ابنا لله فقد كثرت الآلهة وكثر أبناء الآلهة !
والأعجب من ذلك كله أن يقدم لنا نفس الإنجيل شخصية أعجب من شخصية السيد المسيح بحيث أن الله تعالى يشبّه السيد المسيح بتلك الشخصية العجائبية التي ولدت من غير أب ولا أم وليس له بداية وليس له نهاية لأنه مع الدهر . وهذا طبعا افضل من المسيح بكثير حيث أن للمسيح أم على الأقل ، ولكن ((ملكي صادق)) لم تكن له بداية ولا نهاية وليس له أم ولا أب ولا عشيرة ولا أي شيء وهو كاهن الكهنة ابد الدهور . فلماذا لم يطلق النصارى على ملكي صادق بأنه الله أو حتى ابن الله وهو افضل من عيسى في خصائصة ومواصفاته وأبديته . جاء في الرسالة إلى العبرانيين الإصحاح 7 : 1 . : (( ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي الذي استقبل ابراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه بلا اب بلا ام بلا نسب.لا بداءة ايام له ولا نهاية حياة بل يبقى كاهنا الى الابد))
"#FF0000"]فمتى أصبحت مريم أم الله ؟ 
تعالوا معي نستنطق مريم ونسألها هل هي أم الله ؟؟ وإذا بمريم تنفي كونها أم الله وتخبرنا في إنجيل لوقا بأنها عبدة لله تعالى وأنها ردت على أليصابات عندما نادتها بأنها أم ربها ، فتقول: (( فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي ألي .. فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته )) .إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 47 لقد جفلت مريم من قول أليصابات لها بأنها أم ربها وبادرت على الفور القول بأنها امة الله أي خادمته وعبدته . والغريب أننا لا نرى المسيحيين يستشهدون بهذا النص على أن مريم أم الله ولم يرد حتى في خطاب الباب الذي زعم فيه أن مريم أم الله . 
يضاف إلى ذلك من أين علمت اليصابات بأن الذي في بطن مريم هو ربها حتى تكون مريم أم ربها ؟ 
ومالنا نرى لوقا هو الوحيد الذي ذكر في إنجيله كلمة ( أم ربي ) وسكتت بقية الأناجيل عن ذكر هذا حتى أنها لم ترد ذكرا لاسم اليصابات بل تفرد لوقا بذلك لابل يذكر في بداية إنجيله بأن ما دونه في إنجيله لم يكن فيه شاهد عيان بل وصل إليه من الآخرين على شكل قصة كما يقول : ((إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة )) . إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 1 
هذا الأسلوب القصصي الذي كتبه الرسل على شكل مذكرات سماعا كما يذكر لوقا هذا الأسلوب ترك تأثيره على المدى البعيد فخلال القرون التي تلت موت مريم ونظرا لعتامة النصوص الإنجيلية ودخول الأمم الوثنية إلى الديانة المسيحية التوافقية ، فقد رفع المتعبدون مريم من كونها ((أمة الرب )) المتواضعة ، إلى مركز (( الأم الملكة )) ذات التأثير الكبير في السماوات . ثم أعلن القادة الكنسيون رسميا أنها ((أم الله )) وذلك سنة (431 ) ب . م في مجمع أفسس . 
فليس من المستبعد أن تتسرب عقائد بابل الوثنية إلى الديانة المسيحية بعد أن ثبت بالدليل من أن المسيحيين قد أدخلوا عقيدة الثالوث وغيرها من عقائد الإتروسكيين إلى ديانتهم وجعلوها من صميم عقائدهم . فكما أن الميراث الإتروسكي واضح في عقائد روما القديمة والمتمثل في معبد الكابيتول المكرس لعبادة الثالوث ( جوبيتر ، جونو ، ومينيرفا ) .أو أعياد النصر التي لا زال المسيحيون يعظمونها والتي ذكرها بولس في رسائله وجعلها من صميم عقائد المسيحيين والتي يطلق عليها : موكب نصرة الله . 
فالكثير من تلك العقائد الوثنية وجدها الباحثون قد تسربت إلى نصوص الكتاب المقدس كما يذكر الدكتور وليم روس : إن ممارسة العرافة والنظر إلى الكبد ـ أي دراسة الكبد كشكل من أشكال العرافة ، ترجع أصولها إلى بابل وهذا موجود في سفر حزقيال . 
(( والنمرود الذي كان شابا وسيما ، كان يُنظر إله كإله من قبل قومه في بابل . وعندما مات النمرود في عمر مبكر فإن أمه أصبحت هي رئيسة الطائفة وهي التي جاءت بفكرة أن أبنها استمر في الحياة كروح )) . 
يقول جفري آش في كتابه العذراء : إذا كان المسيح هو الله ، الأقنوم الثاني للثالوث ، فعندئذ تكون أمه في ظهوره البشري أم الله . 
فمن لا تسعهُ السماوات وسعهُ رحم مريم العذراء كما يقول الكتاب المقدس: ((لأنه هل يسكن الله حقا على الأرض . هوذا السموات وسماءُ السموات لا تسعك)) أخبار الأيام الثاني الإصحاح 6 : 18 . 
(( الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيدي ، ويصف الإله نفسه أيضا : السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدمي )) . سفر أعمال الرسل الإصحاح 7 : 49
فمن كانت السماء كرسي له والأرض موطئ قدميه كيف يسعه رحم؟ 
وحتى وقت متأخر لم يجد المسيحيون أي دليل يعضدون به عقيدة ( أم الله) فلم يسعهم إلا أن يقولوا بأن هذه العقيد متأصلة في سر الثالوث . البابا يوحنا بولس الثاني قال ذلك : أن التعبد الحقيقي لأم الله متأصل عميقا في سر الثالوث الأقدس ! 
ثم بدأ الخيال الشعبي يضفي على مريم ألقاب أخرى تفيض حماسة ، مثل : أم الله ، حُبل بها بلا دنس ، الوسيطة ، ملكة السماء ، البتول ، العذراء ، القديسة . 
ففي القرون الأولى التي تلت (( موت المسيح )) انشغل الناس في جدال عنيف حول قيامة السيد المسيح بالجسد من الأموات وارتفاعه إلى السماء ، وكانت أفكار (( شاول الطرسوسي )) بولص قد تركت آثارا تخريبية هائلة على الفكر المسيحي ، فكانت قيامة المسيح ، والصلب والفداء ، شغل الناس جميعا ، وعبر مرور الوقت تنبه الناس إلى فجوة كبيرة غفلوا عنها قرون طويلة وهي مريم (( أم الله )) هل ماتت ؟ هل صعدت إلى السماء بالجسد مع ابنها ((الله )) ! 
هل تترك كأي امرأة عادية ؟ أم يجب أن يكون لها دور خاص لكونها المرأة التي أختارها الله للمرور عبر رحمها إلى هذا العالم ليخلص البشرية من آلامها ؟
 
هل ماتت مريم كسائر النساء ؟ 
إذا قالوا أنها ماتت فسينشأ عن ذلك مشكلة عويصة أخرى ! كيف تموت أم الله ، وقد جاء أبنها لفداء البشرية من خطية الموت التي ورثوها عن آدم ! وإذا قالوا أنها لم تمت ، فمن الصعب جدا نسب امتياز الإعفاء من الموت لمريم ، الأمر الذي لم يكن حتى للمسيح الذي صلب ومات كما تذكر الأناجيل مجتمعة ! ومنها :
(( ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك استودع روحي . ولما قال هذا أسلم الروح )) .إنجيل لوقا الإًصحاح 23 :46 
((ولكن الله بين محبته لنا لأنهُ ونحن بعدُ خطاة مات المسيح لأجلنا )). رسالة بولص إلى أهل روميا الإصحاح 5 : 8
بعد أن تبين أن الرب يسوع مات وأنه عانى سكرات الموت وأنه ملأ الدنيا صراخا قبل أن يموت وأنه تألم وعانى وقاسا .. كيف تستثنى مريم من الموت ، أو كيف تموت مريم ؟ . 
ثم كيف يتم التوفيق بين مقولة (( صعود مريم العذراء إلى السماء بالجسد)) ـ والذي يؤمن الملايين من المسيحيين بهذه العقيدة التي لا تقبل النقاش أو الجدال !ـ وبين وجود ذخائر بقايا جسد مريم التي يجري توقيرها لزمان طويل في أماكن متفرقة كثير من كنائس العالم المسيحي . ولا زال الكثير من المسيحيين يزورونها ويحجون إليها ! على الرغم من كل هذه الاختلافات فإن المؤرخ المعروف جورج وليام دوغلاس يقول : إن عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء ، جرى توقيرها لزمن طويل بصفته أحد أعظم الأعياد للسنة الكنسية . 
وينسف العالم اللاهوتي توما الاكويني ادعاء دوغلاس حول مسألة صعود مريم فيقول : أن الأسفار المقدسة لا تذكر صعود مريم إلى السماء . وعلى هذه الأساس لايمكن اعتبار عقيدة الانتقال إيمانية . 
ولكن ومع وجود هذا التناقض البيّن فإن عقيدة الصعود استمرت بالنمو حتى انتقلت إلى الخيال الفني ليقوم رسامون كبار على غاية من الشهرة أمثال : رافاييل ، كوريدجو ، تيتان ، كاراتشي ، روبنز . وغيرهم بتزيين جدران الكنائس والكادرائيات بلوحات فنية رائعة تمثل صعود مريم إلى السماء بالجسد يحف بها سكان الملأ الأعلى . 
وهكذا استمرت الأمة المسيحية في احتفالاتها الصاخبة كل سنة وتحت إشراف كبار رؤوس الكنيسة على الرغم من عدم وجود أساس كتابي تستند عليه في ذلك واستمر ذلك قرون طويلة واستمر الجدل معهُ أيضا يدور مع السنين ، وكان علماء المسيحية وعلى مختلف مذاهبهم ومشاربهم ينشرون الدراسات تلو الأخرى بين مؤيد لها ورافض لعقيدة ( صعود مريم بالجسد) وكان موقف البابوات على مر العصور هو السكوت عن الجواب عن أي سؤال حول هذا الموضوع وكان كبار البابوات أمثال : ليو الثالث عشر ، وبيوس العاشر ، والبابا بندنيكت الخامس عشر ، من أكثر البابوات تحفظا وقد تعرضوا للإحراج كثيرا ولكن جوابهم السكوت ، حتى فجّر العالم اليسوعي (جوزبيه فيلوغراسي ) قنبلته التي قال فيها : أن موت مريم لم يرتبط أصلا بالمجتمع المسيحي . فتحرك الفاتيكان وقام البابا بيوس ا لثاني عشر الإعلان رسميا عن تأييده لهذه العقيدة فقال عام ( 1950 ) وبكل وضوح : نحن نحددهُ كعقيدة إيمانية أعلنها الله أن أم الله خالية من الدنس ، مريم البتول دائما، عندما انتهى مسلك حياتها الأرضية ، أخذت في الجسد والروح إلى المجد السماوي ، وإذا تجرأ أي شخص أن ينكر ما حدّدناه أو يضعهُ عمدا موضع الشك ، فيلعلم أنه قصّر عن بلوغ مقياس الإيمان الإلهي الكاثوليكي . 
فعلى أي أساس اتخذ البابا هذا القرار الخطير الذي سكتت عنه الأناجيل مجتمعة وسكت عنه بولص مؤسس المسيحية الحق فلم يورد لها أي خبر لا صعودا ونزولا وكذلك سكتت عنه الكنيسة وسكت عنه أسلافه من عظماء الكنيسة الكاثوليكية طوال قرون متمادية وما هي أدلته على ذلك ؟ ثم هل كانت الكنيسة والبابوات على خطأ أم على صواب طيلة هذه المدة ؟ 
من بين عشرات الألوف من البابوات الذين تعاقبوا على رعاية الكنيسة ، انفرد البابا بيوس الثاني عشر بادعائه من أن العقيدة الإيمانية لإنتقال مريم بالجسد لها أساس جوهري في الكتاب المقدس ، ويقدم البابا دليلا على ذلك آية مبهمة تقول: (( السلام عليك يا ممتلئة نعمة ، الرب معك مباركة أنت في النساء .. ومباركة ثمرة بطنك )) . إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 42 وعند الرجوع إلى نص الآية التي استشهد بها البابا ، وجدنا أنها تعود إلى زمن ما قبل ولادة عيسى (ع) وبالتحديد قبل أن تحبل مريم بعيسى ، والقول وراد على لسان الروح القدس على شكل بشارة لمريم وليس فيه صعودا ولا هبوطا بالجسد أو بغيره والنص كالآتي : (( وفي الشهر السادس أرسل جبرئيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل إسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمهُ يوسف . واسم العذراء مريم . فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها . الربُ معك . مباركةٌ أنت في النساء . فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية . فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع )) . إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 31 
فالنص كما تقرأ يتعلق ببشارة إلى مريم ، فكيف جعل البابا هذه النص يتعلق بعقيدة انتقال مريم إلى السماء ؟ وأين هي الإشارة فيه ؟ 
البابا يقدم تفسيرا ذلك أوقعهُ في محنة إعفاء مريم من خطية الموت ، فيقول: لابد أن الموت لم يغلبها . لكونها (( مباركة مثل ثمرة بطنها )) ولابد أن تكون لها امتيازات سماوية لتلك التي ليسوع بما فيها صعوده السماوي .! 
وهنا تبرز مشكلة سبق أن أشرنا إليها ، من أن مريم حصلت على امتياز الإعفاء من الموت وهذا ما لم يحصل عليه حتى عيسى الذي مات بتلك الصورة الوحشية حيث وصل عجيجهُ إلى السماء . 
إضافة إلى ذلك فانه تبرز اشكالات مميتة أمام النص الذي استدل به البابا على صعود مريم السماوي ! 
أولا : اتفاق علماء اللغة على عدم صحة عبارة ((ممتلئة نعمة )) وأنها ترجمة غير دقيقة ، وأن العبارة اليونانية الأصلية التي استعملها لوقا إذا تم ترجمتها بدقة أكبر تكون (( ابتهجي ، أيتها المرضي عنها كثيرا )) . 
الثاني : إذا كانت مريم قد أخذت جسديا إلى السماء لكونها (( مرضي عنها)) أو ممتلئة نعمة فهذا استفانوس تلميذ السيد المسيح يصفهُ الإنجيل بأنه ((مملوء نعمة )) بل أن رسائل بولص تصفهُ بأنه : (( مملوء من الإيمان والروح القدس وقوة وكان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب )) ومع ذلك لم يُنسب إليه من أنه أخذ بالجسد إلى السماء لذلك السبب ! 
إضافة إلى ذلك هناك (( ياعيل )) المرأة التي قتلت الملك سيسرا غدرا بعد أن أمنته وغطتهُ باللحاف حيث كان بينه وبين قبيلتها صلحا . والتي يصفها الكتاب المقدس بأنها (( مباركة على النساء ومباركة على النساء في الخيام )) . سفر القضاة الإصحاح 5 : 24 
فهذه الفضيلة أكبر من فضيلة مريم التي كانت مباركة في النساء فقط ومع ذلك لم ينسب أحد عقيدة الانتقال بالجسد إلى ياعيل ! 
ويبدو من خلال النص أن كلمة مباركة في النساء أو مبارك في الرجال هو نوع من أنواع التعظيم الذي كان متعارفا عليه في ذلك الزمان . وقد استخدم الروح القدس ما يتناقله الناس على ألسنتهم من كلمات السلام والتعظيم لكي يطمئن قلب مريم . وهذا العهد الجديد مليء بمثل هذه العبارات وعلى سبيل المثال قول اليصابات زوجة زكريا لمريم : ((مباركة أنت في النساء ومباركةٌ هي ثمرة بطنك)) . ولكن هذا ليس من كلام الله أو الوحي بل جاء على لسانها جريا على العادة . فكان هذا النص هو الذي استند عليه البابا في تأييد عقيدة صعود عيسى وأمه بالجسد إلى السماء . 
فإذا كان قول اليصابات لمريم بأنها مملوءة نعمة أو أنها مباركة يفسح لها المجال للصعود إلى السماء بالجسد والروح معا بدون المرور عبر بوابة الموت الذي مر ابنها منه ، فهناك في الكتاب المقدس الكثير من الرجال والنساء المملوئين من النعمة المباركين أمثال : استفانوس ، فيلبس ، بروخورس ، نيكانور ، تيمون ، برميناس ، نيقولاس ، وغيرهم لم ينسب أحد لهم ما نسبوه لعيسى بن مريم ، بل أن تصريح السيد المسيح نفسه بأن هناك اعظم منه . لا بل أعظم من جميع الأنبياء ينفي ما نُسب إليه من فضائل كان يرفضها . وقد تحدث عيسى (ع) عن هذا الشخص بأنه يوحنا المعمدان واصفا إياه للجموع المحتشدة فقال : (( ماذا خرجتم لتروا ؟ أنبيا ؟ نعم ، أقول لكم وأعظم من نبي . فهذا هو الذي كُتب عنه : ها أني مرسلٌ قدامك رسولي الذي يُمهد لك طريقك ! الحق أقول لكم : إنه لم يظهر بين من ولدتهم النساء اعظم من يوحنا المعمدان . وإن شئتم أن تصدقوا ، فإن يوحنا هذا ، هو إيليا الذي كان رجوعه منتظرا . فقد جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب ، ثم جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب ، فقالوا : هذا رجلٌ شرهٌ وسكير )) . إنجيل لوقا الإصحاح 7 : 33 ويقصدون هنا السيد المسيح حيث يصفونه بانه شارب خمر . 
النص الإنجيلي أعلاه يدل على أن يوحنا المعمدان ( إيليا ) أفضل من عيسى ، بل أفضل من جميع الأنبياء وترتفع رتبتهُ بأن يصبح فوق الأنبياء ، وأن النساء لم تلد أفضل منه . وقد أخبر عيسى الناس بأن ينتظروا يوحنا وهو المنتظر وأنهُ منزه عن جميع الخطايا والذنوب حتى الخمر التي يشربها عيسى ! لم يشربها يوحنا . ولكن كتبة الأناجيل لم يرفعوا يوحنا إلى السماء كما رفعوا من السيد المسيح وأمه مريم العذراء ، بل جعلوه كسائر الناس مع أنه أعظم منهم! 
 
وقفة تأمل !
هل أن النص الذي ورد في متى والمذكور آنفا هو كما ذكره السيد المسيح أم أن يد التلاعب والتزوير فعلت فعلها فيه ؟ 
السيد المسيح كما أسلفنا بيّن حقيقة يوحنا المعمدان للناس وأنهُ أفضل من في الأرض جميعا ، ولكن يبدو أن هذا النص لم يعجب بعض النصارى ممن يعبدون عيسى ، فكيف يكون المعمدان أفضل من (ربهم ) ! فعمدوا إلى النص فأضافوا إليه جملة قصيرة بدت مضحكة فعلا . فقد كتبوا في آخر قول عيسى (ولكن أصغر الذين في ملكوت السموات أعظم منهُ ) ! وذلك لتقليل من شأن يوحنا فكيف يجتمع هذان القولان في نص مقدس واحد يراد منهُ الوضوح ؟ فهل يجوز لنا أن نقول : أن فلانا أفضل من في الأرض جميعا ، ولكن أصغر المخلوقات أفضل منه ؟ فجميع الأديان تؤكد من أن الأنبياء هم أشرف المخلوقات وأسمى من الملائكة وإذا كان المقصود من في ملكوت السماوات الملائكة ، فهؤلاء سجدوا لأول نبي ولم يكونوا أفضل منه . 
التباين والاختلاف الموجود في هذه الكتب توحي من أن هذا النص قد تم التلاعب به ليخدم أهداف معينة . وأنه أضيف فيما بعد . 
فالطبعة الصادرة في أسبانيا عام 1982 تحت رمز ( ISBN . L.B.I ) تذكر العبارة على الشكل التالي : (( أقول لكم : أنه لم يظهر بين من ولدتهم النساء أعظم من يوحنا المعمدان )) . ولكن في طبعة ألاند رقم (26). تقول : (( الحق أقول لكم : ما ظهر في الناس أعظم من يوحنا المعمدان)) . 
هذه النصوص غير موجودة في طبعات الكتاب المقدس الملقب ( شام طوب) فلم تذكرها وتحذفها من بين نصوصها ولا تعتبر القول الأخير من الكتاب المقدس فتقول هذه الطبعة : قال يسوع عن يوحنا : الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان . ينتهي النص هنا ويحذف هذا الكتاب الجملة الأخيرة : لكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه . ثم اعرضت عنه بقية الأناجيل فلم تورد له خبرا . 
ويذكر الدكتور هاورد : (( ؟ سفر متى بالعبرانية الذي يندمج في هذا النص يمتاز باختلافات كثيرة عن سفر متى القانوني باليونانية ! وكذلك الاختلافات بين النص العبراني الموجود حاليا للأسفار العبرانية والنص الموجود في الترجمة السبعينية اليونانية )) . 
القرآن الكريم كما عهدناه حافظا ومهيمنا على الكتب السماوية الأخرى يأتي مصححا لأي نص تسرب بصورة غريبة إلى تلك الكتب ولكنهُ في أحيان كثيرة يؤيد النصوص الصحيحة التي وردت في الكتب المتداولة . فالقرآن يذكر بأن السيد المسيح هو فقط الذي رُفع إلى السماء ، وهذا ما تؤيده الأناجيل حيث جاء في الإنجيل أولا : (( ثم بعدما كلمهم أرتفع إلى السماء )) . إنجيل مرقص الإصحاح 16 : 19 
وكذلك قول الإنجيل : ((ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذتهُ سحابة عن أعينهم .. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء )) .سفر أعمال الرسل الإصحاح 1 : 9 القرآن يأتي مؤيدا لهذا النص فقط لا تأييدا لكامل الكتاب أو كامل النص الذي وردت فيه هذه العبارة بل مؤيدا فقط مسألة الرفع فيقول تعالى : (( بل رفعهُ الله إليه وكان الله عزيزا حكيما )) .سورة النساء آية 158 وذكر الكتاب المقدس أيضا أن هناك شخص آخر رفعهُ الله إليه وهو ( أخنوخ ) الذي هو بالعربية ( إدريس ) حيث يقول الكتاب المقدس بأن الله رفعهُ إليه : ((وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذهُ )) . سفر التكوين الإًصحاح 5 :24 
القرآن الكريم يؤيد صحة هذا النص فيقول : (( ورفعناه مكانا عليا )) . سورة مريم آية 57. ولكن الفرق بين السيد المسح وأخنوخ ( إدريس ) أن يسوع تعذب ومات كما تذكر الأناجيل ولكن أخنوخ لم يمت بل رفع بالإيمان والجسد كما في الترجمة الجديدة للكتاب المقدس : ((بالإيمان أخذ أخنوخ إلى السماء دون أن يموت )) .الرسالة إلى العبرانيين الإصحاح 11 : 5 وهذا أحسن حالا من يسوع الذي مات بعد أن عُذب وبُصق في وجهه وأهين وأعدم بين لصين . الإشكال الوارد هنا والذي لم يجدوا له حلا ، هو كيف يجتمع قول عيسى بأنه لم يصعد أحد إلى السماء غيره مع قول الانجيل بأن أخنوخ وغيره صعدوا للسماء أيضا فقد قال عيسى بزعمهم : (( ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان )) . إنجيل يوحنا الإصحاح 3 : 13 فقد جعل النصارى الصعود إلى السماء حكرا على يسوع فقط . ثم هناك إشكال آخر مفاده ، أنه إذا كان أخنوخ لم يمت وإنما أعفي من الموت ، فكيف يدّعون أن الخلق أجمعين بما فيهم الأنبياء ورثوا خطية الموت من آدم . 
لم تفت هذه المسألة بولس فقد نسب كل فضائل السيد المسيح وخصوصا فضيلة الصعود إلى نفسه أيضا ، من أنه خُطف بالجسد وأصعد به إلى السماء ليرى الفردوس . ولكنه لم يشر إلى ذلك تصريحا بل تلميحا فقال في رسالته الأولى : ((أعرف إنسانا في المسيح ، خُطف إلى السماء الثالثة قبل أربع عشر سنة وقد خطف إلى الفردوس حيث سمع أمورا مدهشة تفوق الوصف ولا يحق لإنسان أن ينطق بها )) .رسالته إلى كورنثوس الثانية الإصحاح 12 : 4 فبماذا برر بولس صعوده بالجسد للسماء بررهُ بأن جعل نفسه مساويا للأنبياء فقال في نفس الرسالة : (( لأني لست متخلفا في شيء عن أولئك الرسل المتفوقين )) . وجعل بولس كذلك نفسه أكبر من المسيح ولربما مساويا لموسى الذي كلمه الله ، فادعى بأنهُ ممن كلمهُ الله ولكن لم يذكر لنا كيف كانت صفة الكلام فقال : ((أعطيتُ شوكة في جسدي كأنها رسولٌ من الشيطان يلطمني .. لأجل هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن ينزعها من فقال لي : نعمت تكفيك ، لأن قدرتي تكمن في الضعف )) . كورنثوس الثانية 12 : 7 . 
سنأتي على ذكر التشابه بين بعض الآيات التي فلتت من يد المحرف لحكمة إلهية في فصل خاص إنشاء الله . 
هناك نصوص أخرى وردت في نفس الكتاب المقدس تعارض نصوص الارتفاع بالجسد وتؤكد نفي صعود عيسى إلى السماء بالجسد وتؤكد هذه النصوص على أن الروح وحدها هي التي تصعد إلى السماء . 
ففي رسالته الأولى إلى أهالي كورنثوس يقول بولس : (( أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله )) . كورنثوس الاولى 15 : 50.
وهذا ما يؤكده أيضا الرسول بطرس في رسالته أيضا فيقول : (( مماتا في الجسد ولكن محييً بالروح )) . رسالة بطرس الأولى 3 : 17. 
هذه الاختلافات والتضارب والتناقض دفعت البابا يوحنا بولس الثاني أن يعلن مؤخرا نفي هذا الرأي فقال خلال اللقاء العام في الفاتيكان في 25 / حزيران / 1997 والذي نشرته صحيفة ذي ربيكا الإيطالية : (( لا يزود العهد الجديد أية معلومات عن ظروف وفاة مريم . وهذا الصمت يقود المرء إلى الافتراض أن ذلك حدث بشكل طبيعي ، بدون أية تفاصيل تستأهل الذكر .. ويبدو أنه ليس من اساس للآراء التي ترغب في استثنائها من الموت من أسباب طبيعية )) .
تقول الصحيفة : يكشف تصريح البابا يوحنا بولس خللا خطيرا في عقيدة الحبل بلا دنس . فإن كانت أم يسوع ( مصونة من كل لطخة للخطية الأصلية ) فكيف يمكن أن تموت مريم من أسباب طبيعية هي ناتجة عن الخطية التي نقلها آدم الخاطئ إلى ذريته . والتي جاء ابنها يسوع ليرفع خطية الموت التي ورثها الجنس البشري من آدم . ولكنه لم يتمكن من دفع الموت حتى عن نفسه ! 
وكذلك رينيه لورانتان من أكبر مؤيدي العقيدة المريمية ، ينفي صعود مريم العجائبي ويعتبر ذلك رواية غير ثابتة ومتناقضة فيقول : كانت ردود الفعل متنوعة جدا . فالأسرع في التصديق يُخدعون ، دون تأمل بالقصة الجميلة ذات المظهر الخلاب . والآخرون يحتقرون هذه الروايات غير الثابتة ، التي غالبا ما تكون متناقضة ودون مرجع وكان من الصعب التصديق أن جسد مريم اللحمي قد أخذ إلى السماء . 
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/15



كتابة تعليق لموضوع : تفنيد شبهة أخرى من شبهات النصارى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net