صفحة الكاتب : حسن علي احمد الحجي

عندما يصبح الهراء تنويرا 
حسن علي احمد الحجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقدمة

يُعتَبَر مصطلح التنوير من الشعارات البراقة التي تجذب الباحث والقارئ؛ لما ارتبط به من معاني سامية ومفاهيم قيمة كرفض الجهل والحجر والوصاية والظلامية والصنمية والانطلاق نحو الآفاق العلمية والتطور والتقدم وحرية التفكير والإرادة وقد عبر المفكر كانت في جوابه [١] عازيًا التنوير كسلوكٍ تحرّريٍ تامٍّ لجميع قيود التفكير والاستنطاق العقلي ورابطًا سبب التأخر الاجتماعي والفكري في ذلك إلى الجبن والكسل.

 

ورغم ما نسجله من ملاحظات و تحفّظات على ما ينحو به البعض في تفسيره لهذا المصطلح و تطبيقه لتلك المصاديق إلا أننا نحمد الله (عز وجل) على ما تفضَّل به وتحنَّن وتكرَّم على هذه الأمة بالرسالة الخاتمة والمعجزة الخالدة على يد النبي محمد (ص) وجعل فيها أهل بيته الطاهرين (ع) أمانًا من الضلال والانحراف.

 

قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ﴾ [٢]

قال تعالى: ﴿ وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذنِهِ وَسِراجًا مُنيرًا ﴾ [٣]

قال رسول الله (ص): ( إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) [٤]

 

ورد عن السيدة الزهراء (عليها السلام):

( علمًا من الله (تعالى) بمآيل الأمور وإحاطةً بحوادث الدهور ومعرفةً بمواقع الأمور ابتعثه الله إتمامًا لأمره وعزيمةً على إمضاء حكمه وإنفاذًا لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقًا في أديانها عُكَّفًا على نيرانها عابدةً لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد (ص) ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم ) [٥]

الشهيد الصدر والمتطفلون

يستخدم البعض شعارات كالتنوير والانفتاح والتجديد وتنقيح التراث كمواد تسويقية في جذب الجماهير ويحاول حشرها في أي خطابٍ سواء بمناسبةٍ أو دونها ظنًا أنها تلهي عن مضامين كلامه وتُبعِد الشبهةَ عن سطحيتها لتصنع هالةً من البريق واللَّمعان فيصبح معارضها وناقدها ورافضها قابعًا في غياهب التخلف والرجعية وغارقًا في وحل الجمود والسطحية مستثمرًا أسلوبًا سياسيًا قديمًا وطريقةً سلوكية فجّة تبني حواجز الترهيب الذي يدعو إلى خلافه وتكرّس حالة التصنيف الذي يدَّعي محاربته من خلال لعبة نفسية وفبركة إعلامية فإما أن تكون النتيجة موافقةً لما يريد ومطابقة لما يرى وإلا كنت بين مطرقة التهييج الجماهيري وسندان الحجر الفكري دون النظر أصلاً إلى الدعوى والدليل والمنطلق والحجة.

 

ومن جملة الأساليب الملتوية والطرق الخفية التي اتخذها البعض في هذا المشروع الترويجي هي التقنّع والتستر والتخندق والصعود على أكتاف الشهيد السعيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) والاختباء وراء نتاجه القيم وشخصيته العظيمة لتكون بذلك لهم متنفسًا ومخرج مصورين للناس أن مخالفتهم هي مخالفة لفكر الشهيد وأن الرد عليهم هو رد عليه وأن ما يواجهونه من رفضٍ واستنكار وردٍ وعدم اعتبار إنما هو لسيرهم على منهجه ونشرهم لفكره وترويجهم لأطروحاته وإبداعاته.

 

وإذا نظرت نظرة متأمل في نتاجهم ووقفت وقفة منصفٍ مع أطروحاتهم وجدت أنهم يأتون بالعجب العجاب الذي لا علاقة له بالفكر اتساعًا أو عمقًا وإنما هم يعتاشون على هذا الطرح الهزيل والخطاب الفارغ كما يعتاش أرباب الخرافات والخزعبلات على الأوهام ويستفيدون من السذج والبسطاء وإن كانوا من أصحاب الألقاب والشهادات فقد جعلوا منهم أصنامًا بشريةً لا تُمَس بنقدٍ وتُعتَرَض بقول.

 

١- فذاك من خلف الكاميرا يتمايل تمايل الغصن في ذروة الرياح ويُضفي على خطابه بعض النواح والصراخ ليتمخض الجمل مقولة فاسدة وفكرةً منحرفة ليس فيها إلا للشيطان رضًا ولأعداء الله ورسوله قربة مودة قائلاً:

( نحن نترضى على جميع المسلمين، سواء كان يرضى الله عنهم أو لا يرضى الله عنهم )

 

وكأنه من الله أرحم وبعباده أرأف وعليهم أكرم في مشهد تقشعر منه الأبدان وتحار فيه العقول، فهل يصدر هذا القول ممن أمطر أسماعنا بوجوب اتباع الثقافة القرآنية وما فتأ يتهم علمائنا بالغلو والسطحية ويصفهم بالتخلف والحشوية.

 

٢- وذاك يغترُّ بمن حضر عنده ويفرح بمن التفَّ حوله فمعياره الجمهور والعدد ومقياسه ما تؤدّي إليه الكلمة من فوضى وما تصنعه الجملة من بلبلة لتبلغ به الجرأة وتهوي به الغطرسة وتأخذ به العقد النفسية والمشاغبات الحزبية مع المناوئين إلى أن يقول:

( التصفيق لا يقل ثوابًا عندما يكون مصدره الفرح لمحمد وإدخال الفرح على قلب الزهراء عن الصلاة على محمد وآل محمد )

 

ولَعمري من أين قذف الله (عز وجل) في قلبه علم الثواب والعقاب ومتى أطلعه على غيبه ليحكم بمساواة التصفيق المختلف في حكمه فقهيًا بين المراجع الكرام كمصداق للدليل العام مساويًا للصلاة على محمد وآل محمد الثابتة بالتواتر من طرق الفريقين بعظم الفضل وكثرة الثواب بالدليل الخاص!. ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا ﴾ [٦].

 

٣- و ذاك تلميذ للخواء معتاش على الفراغ وجد في أستاذه تحررًا من قيد الورع وهربًا من العلم والتعلم، فاختار الاصطفاف والتحزب وشرع في الفرعنة والتمرد ظنًا أنها تعفيه من المسائلة وتنجيه من النقد وعقدة المستوى المتدني والعقلية المتواضعة ولعله نسي أن حكم تقبيل يد العالم لا يخرج عن كونه مسألة فقهية يرجع فيها كل مقلد إلى الفقيه الذي يقلده ولو كان هذا المتطفل على فتات أهل العلم منصفًا وللمنهج العلمي متبعًا لبيَّن في مقاله الركيك على أقل تقدير أنها مسألة يسع فيها الاختلاف واستعرض آراء المراجع والفقهاء ومنهم السيد السيستاني بجواز تقبيل يد العالم احترامًا وتعظيمًا له إلا إذا كان لديهم قاموس بمسائل فقهية يستسيغونها وعناوين يعتاشون عليها ليقحموها في لعبتهم المكشوفة وطريقتهم البهلوانية ليصنعوا من خلالها تنويرًا واهمًا وانفتاحًا كاذبًا وتجديدًا ساقطًا يقرون فيه بعدم حق ممارسة غيرهم لمعتقده وضربهم من يخالفهم بعصا العقلنة والتحضُّر فلا رأي إلا ما يرون ولا فعل إلا ما يُمضون.

أين مظاهر الإبداع

ولَعمْري كيف ساغ لهم هذا السطو الممنهج وكيف لم يستحوا من هذا المكر والخديعة، فماذا قدّم المدّعون والمتطفّلون على هذه الشخصية من فكر وإبداع ونظريات وفوائد ونتاج، فالسيد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) أحد رموز الفكر والفقاهة في عصرنا الحديث، حيث أصبحت آراؤه محل قبول ورد في بحوث الخارج وصارت مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته مرجعًا للطلبة والمثقفين ومحبي التوسع والاطلاع في مجالات عدة كالفقه والأصول والمنطق والفلسفة وعلم الكلام والتفسير والتاريخ والاقتصاد والسياسة.

 

هل أنتج أحد هؤلاء المتسترين بعباءة التجديد صفحةً واحدةً تشابه شرح العروة الوثقى!؟

 

وهل أبدع أحد هؤلاء المتدثّرين برداء الانفتاح صفحةً واحدةً تشابه دروس في علم الأصول!؟

 

وهل برع أحد هؤلاء المتطاولين على قامات العلم في صفحةٍ واحدةٍ تشابه كتاب فلسفتنا!؟

 

وهل تميز أحد هؤلاء المتخندقين في صفحة واحدة تشابه الأسس المنطقية للاستقراء!؟

 

وهل لمع نجم أحد هؤلاء المتطفلين على الشهيد الصدر بصفحةٍ واحدةٍ تشابه كتاب اقتصادنا !؟

 

وهل كان لأحدٍ من من هؤلاء المُدَّعين صفحةٌ واحدةٌ تشابه مقدماته في التفسير الموضوعي!؟

 

وهل كان لأحدٍ من هؤلاء التنويريين صفحةٌ واحدةٌ تشابه كتاب فدك في التاريخ!؟

 

نعم...

 

كان الادّعاء أسهل فاتخذوه طريقًا،

وكانت البهرجة أيسر فاتخذوها مسلكًا.

قلة الأدب وسوء المنقلب

إن المتابع بعين البصيرة وعقل الحصيف سيجد فوق اشتراكهم في الانحراف واجتماعهم على الباطل محورًا يدورون حوله ولونًا يصطبغون به فما كَفَتْهم هزالة المضمون وركاكة المحتوى حتى تَوَّجوها بسوء الأدب وأحاطوها بهبوط التعبير، لتكون سُنَّةً يمتاز بها المبطلون وعلامةً يُعرَف بها الممترون، زيّن لهم الشيطان طريق الغواية وأخذتهم عزة النفس بالإثم والجناية ولعلّ ذلك راجع إلى حب الشهرة والظهور أو مبالغة في الأحقاد والخصومة أو زلة تضمنها الأسلوب الفج وفضحتها الطريقة الهابطة:

 

١- فذاك يصرح بلا حياء ولا خجل فاتحًا باب التعدي والتهكم والإساءة واللامبالاة في مسلسل الضلال والانحراف مطلقًا قولاً يخالف الكتاب الكريم والروايات الشريفة ويغضب الله ورسوله تعدّى فيه على الكرامة الإنسانية فضلاً عن ساحة العصمة والقداسة والطهر والعظمة ليقول:

( لا يهمني سواء قال القائلون أن ضلعها كسر أم لم يكسر )

 

٢- وذاك ربيبه ونتاجه وتلميذه وأحد مخرجاته يسير على خطاه و يتبع أثره وممشاه بعد أن أعياه الاستهزاء بمخالفيه وأعجبه تصفيق معجبيه فأفصح عمّا يضمره قلبه وتخفيه سريرته فرماه لسانه في مهالك الردى بقولٍ منكرٍ وفعلٍ مستهجن وعقيدة فاسدةٍ وفكرة ضالة أصلها الشجرة الملعونة والأغصان المشؤومة، فقال:

( لك يا عمي إذا محمد مش قادر يعرف حالوا إذا هو عالجنة أو مش عالجنة، كيف بتفوت الناس عالجنة؟! )

 

٣- وذاك الذي قضى عمره في صناعة الفوضى واختلاق المشاكل وافتعال الفقاعات والمشاكسات غرق في الشخصنة والمناوئة واحترق (كرته) في المرواغة والبرغماتية فانكشفت بضاعته الكاسدة ومنتجاته الفاسدة حتى إذا ما راح أسيرًا في خطبة الحرية ومتوهمًا في محاربة الأوهام ذاكرًا اسم السيدة الهاشمية الجليلة في سياق نتعذّر عن ذكره ونُجِلُّ القارئ عن سماعه فدخل في منزلق غيَّر وجه حياته وقواعد لعبته وتاريخ مسيرته فصدرت البيانات وتوالت علامات الرفض والاستنكار وانهمرت الكتابات والمقالات وصدر التوجيه الشريف من جوار الأمير (ع) بتعليق الوكالة بعد شرح القضية وحيثياتها.

 

٤- وذاك صاحب الشعارات البراقة والكلمات الرنَّانة مُدَّعي الأعلمية في نفسه وحاصر الفوائد في نتاجه ومؤلفاته ما برأ يتحف الساحة في كل أسبوع بقولٍ مخالفٍ أو فكرةٍ مُنكرةٍ أو سلوك مشين تحت غطاء النقد والتجديد والحوار والانفتاح والغربلة والتمرُّد لتكون سهامه وتعدياته متجاوزةً رمي العلماء والمراجع بالتخلف والجهل وأنصاف المتعلمين وانشغالهم بالصمت والنوم والحيض والنفاس حتى بلغ ساحة المعصوم ودائرة القداسة ليصرح بين طلابه وحضوره أن من حقهم محاسبة المعصوم إلى درجة قول:

( لماذا كنت كالأموات هنا )

 

هكذا أصبح الهراء تنويرًا !.

وأصبح التخريب إصلاحًا !.

وأصبح التهريج تجديدًا !.

وأصبح سوء الأدب انفتاحًا !.

 


 

فطوبى لمن خشع قلبه بذكر محمد و آله (ع)

و بئسًا لمن باع آخرته بحطام دنياه

 

قال تعالى : ﴿ كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيهِم فَرِحونَ﴾ [٧]

 

و صلى الله على محمد وآل محمد.



 

.................................

‏[١] what is enlightenment by kant.

[٢] النور: ٣٥.

[٣] الأحزاب: ٤٦.

[٤] سنن الترمذي ج ٥ ح ٣٧٨٦.

[٥] الخطبة الفدكية.

[٦] الأحزاب: ٥٦.

[٧] المؤمنون : ٥٣.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن علي احمد الحجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/21



كتابة تعليق لموضوع : عندما يصبح الهراء تنويرا 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net