صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

البُعد السياسي (الحركي) لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحسين (عليه السلام): ((إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِـراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ في أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أنْ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ)). ( )
إنَّ في هذا النص لكلمة الإمام الحسين (عليه السلام) أموراً مهمة متعددة ينبغي علينا قراءتها بتأمل ودقة، إذ إنه (عليه السلام) أراد بهذه الكلمة أنْ يبيِّنَ الأُسس التي من أجلها ستكون نهضته ضد الظلم والطغيان، فإننا من خلال هذه الكلمة العظيمة التي قالها الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية عندما سأله عن خروجه من مكة، أراد أنْ يؤكد للأجيال حقيقة ذلك، بل يؤسس لكُلِّ نهضة ترجو التحرر والقضاء على كُلِّ ظلم يؤسَّس من قبل الحكام والمتسلطين، ويمكن قراءة هذا النص بأبعاد ثلاثة وهي كالآتي:
أولاً: البعد السياسي (الحركي).
ثانياً: البعد الفقهي. 
ثالثاً: البعد العقائدي. 
فهذه الأبعاد الثلاث يمكن قراءتها والأخذ بها من خلال التأمل الدقيق في هذه الكلمة العظيمة، ونحاول إنْ شاء الله تعالى معرفة الفهم الحقيقي لكل بُعْدٍ من هذه الأبعاد.
- أولاً: البُعد السياسي (الحركي).
إنَّ هذا البُعد يكمن في قوله (عليه السلام): ((إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِـرًا، ولا بَطِرًا، ولا مُفْسِدًا، ولا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ في أُمَّـةِ جَدِّي)) فمن خلال هذا المقطع أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أنْ يبيِّنَ الأسس التي تقوم عليها نهضته المباركة، فلو أننـا تأمَّلنا ٱبتداء في التركيب اللغوي لهذا المقطع لرأينا أنه (عليه السلام) قد ٱستعمل أسلوباً مهماً من الأساليب البلاغية عند العرب وهو التأكيد بالنفي والاستثناء وهو القصر الحقيقي للتوكيد على أمرٍ عظيم.( )
فالحسين (عليه السلام) يبين الأصل والأساس الذي يقوم عليه هذا الخروج، وهو درس بليغ لكُلِّ مَنْ يريد الخروج والإصلاح والصلاح، ويجب أنْ يكون هذا الخروج لا يشوبه أمور أربعة ليكون صالحاً وفيه الفتح والظفر، وهذه الأمور الأربعة هي: 

1- الأَشِر. 
فهذه أول صفة أراد أنْ ينفيها الإمام الحسين (عليه السلام) عن خروجه، فالأشر في اللغة كما قال ٱبن فارس: ((الهَمْزَةُ والشِّينُ والرَّاءُ أَصْلٌ واحِدٌ يَدُلُّ على الحِدَّةِ، ومِنْ ذلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ أَشِرٌ أي: بَطِرٌ مُتَسَرِّعٌ ذو حِدَّةٍ)) (  )،  وقيل إنَّ الأشر هو: ((أَشَدُّ البَطَرِ)). ( )
فالحسين (عليه السلام) أراد أنْ يعلن نفي خروجه لأجل هذه الصفة أو الغاية.
2- البَطَر.
وهذه الصفة الثانيـة التي أراد أنْ ينفيـها الإمـام الحسـين (عليه السلام) عن خروجه ، فالبطر ينصرف إلى تعاريف متعددة منها: 
* التبختر. * قلة احتمال النِّعمة. * الدَّهَشُ والحَيْرَةُ وأَبْطَرهُ أَي أَدهشه. * الطُّغيان في النِّعْمَةِ. * كراهة الشيء من غير أَنْ يستحق الكراهية. * الطغيان عند النعمة وطول الغنى. وفي الحديث الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ هو أَنْ يجعل ما جعله الله حقّاً من توحيده وعبادته باطلاً. *هو أَنْ يتخير عند الحق فلا يراه حقّاً. * هو أَنْ يتكبر من الحق ولا يقبله. * وقال الليث البَطَرُ كالحَيْرَة والدَّهَشِ. * البَطَرُ كالأَشَرِ وغَمْطِ النعمةِ.  ( )
فهذه المعاني أراد الحسين (عليه السلام) أنْ ينفيها عن خروجه العظيم، ومن خلال هذه التعاريف نرى أنَّ هناك علاقة بين الأشر والبطر من جهة، قال الراغب الأصفهاني (ت502ﻫ/1108م): ((فَالأَشِرُ أَبْلَغُ مِنَ البَطَرِ، والبَطَرُ أَبْلَغُ مِنَ الفَرَحِ، فَإنَّ الفَرَحَ وَإِنْ كانَ في أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ مَذْمُوماً لِقَوْلِهِ تَعَالى: ﴿إنَّ ٱللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحينَ﴾ [القصص: 76] فَقَدْ يُحْمَدُ تَارَةً إِذا كَانَ عَلى قَدَرِ ما يَجِبُ)). ( )
3- الفَسَاد. 
وهذه هي الصفة الثالثة التي ينفيها الحسين (عليه السلام) عن خروجه، فالفساد: ((نَقِيضُ الصَّلاحِ)) ( ) ، واللفظ واضح في معناه، فلم يرد أيَّ إفساد في المجتمع، بل يريد صلاحه، لا كما يريد أنْ يصوِّره فقهاء السلطان، والمأجورون للدعاية الأموية.
4- الظُّلم.
وهذه هي الصفة الرابعة التي ينفيها الحسين (عليه السلام) عن خروجه وهو الظلم والاعتداء على الآخرين من قبل المسلمين وغيرهم، فالظلم كما عُرِّف: ((وَضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ الجَوْرُ ومُجاوَزَةُ الحَدِّ)). ( )  
فالحسين (عليه السلام) أراد أنْ ينفي عن خروجه ما تقدم من الصفات؛ لئلا يقول قائل إنه قد خرج من أجل تفرقة المسلمين، لذا عَقَّب ذلك بقوله: (إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ) فهو بذلك قد حصر خروجه لأجل أمر واحد وهو (الإصلاح)، والإصلاح هو ضد الإفساد والفساد، وفي ذلك إعلانٌ منه بوجود فسادٍ في المجتمع أوجب على الحسين (عليه السلام) أنْ يخرج ويُصلح ما أفسده الظالمون والطغاة، وخصوصاً أنه قد ذكر لفظ (أمة جدي) ليريد القول: إنَّ هذه الأمة التي ظهر فيها الفساد هي الأمة التي أنقذها جدي النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقام بإصلاحها وإنقاذها من الضلال بنور الإسلام، ولكن تلك الجهود التي بذلت من قبل يحاول الأمويون -اليوم- أنْ يقضوا عليها، والحسين هو نفسُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجب عليه أنْ يقوم بالعمل نفسه، وبذلك يؤكد أنَّ خروجه ليس لأجل دنيا، أو مصلحةٍ من مصالحها وآثارها، بل من أجل الآخرة والحفاظ على روح الشريعة المقدسة، وتحقيق العدالة والخير والصلاح للمجتمع.
إنَّ في ذلك رسالة عظيمة وصريحة لكُلِّ مَنْ يريد القيام بثورة ضد الظلم والطغيان بأنْ يكون خروجه على أساس ذلك، ووفق ما تقدم ويبتغي بها صلاح نظام كامل ومن أجل تحقيق أهداف الأمة، لا من أجلِ صلاحِ أشخاص وتحقيق أهدافهم، فكانت هموم الأمة وما يتعلق بها هو هدف الإمام الحسين (عليه السلام) في خروجه، وهذا سرٌّ من إسرار خلود ثورته المباركة؛ لأنها كانت من أجل الآخرين وليس لنفسه كما في الدعوات التي كانت تخرج في ذلك الوقت، وإنْ كان ذلك يؤدي إلى قتله وقتل أهل بيته وأصحابه، فهو بذلك يؤدي رسالة الأنبياء الذين جاؤوا من قبل للصلاح والإصلاح.
 

 

المصادر 

........................

(1 )  مقتل الحسين (عليه السلام)، عبد الرزاق المقرم ص139
( 2 )  للتفصيل ينظر: جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبلاغة، أحمد الهاشمي ص189

( 3 )  معجم مقاييس اللغة باب (أشر)
( 4 )  لسان العرب باب (أشر)
( 5 )  المصدر  نفسه باب (بطر)
( 6 )  المفردات في غريب القرآن مادة (أشر) 

( 9 )  لسان العرب مادة (فسد)
( 10 )  المصدر نفسه  مادة (ظلم)
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/29



كتابة تعليق لموضوع : البُعد السياسي (الحركي) لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : الشيخ العلياوي ، في 2022/07/31 .

السلام عليكم
بورکتم سماحة الشيخ علي هذا الايجاز، ونأمل ان تشیروا الی البعدین العقائدي والفقهی في خروج سيد الشهداء عليه السلام ولا تترکون القارئ في حيرة يبحث عنهما




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net