صفحة الكاتب : علي علي

الحد الأدنى والأعلى من السرقات
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    يروى أن شابا فقيرا اشتد به الجوع مر على بستان، فاقتطف منه تفاحة واحدة وأكلها حتى ذهب جوعه، ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه لإقدامه على عمله هذا من دون استئذان صاحب البستان. فعاد في اليوم التالي يبحث عن صاحب البستان حتى لقيه، فقال له: بالأمس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وهاأنذا اليوم أستأذنك فيها. فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك، بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله! فتوسل أن يسامحه إلا أن الرجل ازداد إصرارا وتمسكا بموقفه، وذهب وترك الشاب في حسرة وحيرة من أمره، إلا أنه لم يصبر فلحق صاحب البستان حتى دخل بيته، وبقي الشاب عند الباب ينتظر خروجه إلى صلاة العصر. فلما خرج بادره الشاب قائلا: يا عم إنني مستعد للعمل فلاحا عندك من دون أجر راجيا منك السماح! قال له: أسامحك لكن بشرط! أن تتزوج أبنتي، وترضى بها فهي عمياء وصماء وبكماء ومقعدة لاتقوى على المشي، فإن وافقت سامحتك. قال الشاب: قبلت ابنتك! قال له الرجل: إذن، هيئ نفسك، بعد أيام أعلن زواجكما.
   فلما حان الموعد جاء الشاب متثاقل الخطى، مكتئبا مهموما، طرق الباب ودخل قال له الرجل: تفضل بالدخول على زوجتك، فإذا بها فتاة أجمل من القمر ليلة تمه، رفعت رأسها ونظرت اليه بعيون المها بين الرصافة والجسر، وحين نهضت مشت كمشي الغزال تغنجا ودلالا، وسلمت عليه بصوت أعذب من هديل الحمام، وفهمت ما يدور في باله، وقالت: إنني عمياء من النظر إلى الحرام، بكماء من قول الحرام، صماء من الاستماع إلى الحرام ومقعدة لا تخطو قدماي خطوة إلى الحرام، وأبي يبحث لي عن زوج صالح، فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من أجلها قال أبي: أن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له، سيخاف الله حتما في ابنتي، فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لأبي مصاهرتك.
   أقول.. منذ أربعة عشر عاما، يقطف من بستان العراق الكبير أناس كثيرون، آكلين شاربين ماحل لهم وما حرم، عائثين بخيراته، من دونما وازع من ضمير، او رادع من عرف او راد من خلق، فضلا عن غياب قانون يوقف نهبهم، بل أنه ساند لهم في سرقاتهم، ومؤيد لما يقترفونه من أعمال، تعود عليهم بالنفع المادي الوافر، فيما تعود على البلاد والعباد بالوبال والخراب. ولو أردنا إحصاء ثروات البلاد بما تكتنزه أرضها وماؤها من موارد بأصنافها وأنواعها، لتوصلنا الى حقيقة صادمة، إذ من غير المعقول أن تبلغ السرقات حدا تختفي من جرائها مئات المليارات من الدولارات في مؤسسات الدولة دون استثناء، ومن غير المعقول أيضا ولوغ السراق وبلوغهم مبلغا انعكس على البلاد شر منعكس، حتى باتت السباقة في إحصاءات دولية بنسب الحد الأدنى من الفقر، وصارت تتبوأ المراتب المتقدمة والدرجات الأولى في الفساد، ومعلوم ما حال البلاد التي يضحى الفساد لها عنوانا!. 
   بعودة الى صاحبنا الشاب الذي مامد يده الى التفاحة إلا لسد رمقه ليس أكثر، وبمقارنة بينه وبين سراق عراق الحاضر، ليت شعري متى يصل الأخيرون حد الاكتفاء؟ وكم هو الحد الأعلى من المال المسروق الذي يسد حاجتهم؟ أرى أنهم لن يبلغوا حد القناعة مهما تضاعفت ملكياتهم وأملاكهم، فهم لايدعون نفيسا ولا رخيصا إلا سال لعابهم عليه، وهاهم بعد عقد ونصف العقد، قد أتوا على مال المواطن المسكين وحاله وحلاله من ثروات بلده، وتركوه يردد من حر قلبه بيت أبوذية يقول فيها ناظمها:
وين اللي يميز الگول... يزنه
عگب الزين تالي الشين... يزنه
السله نريد ومن العنب... يزنه
يصير اثنينهن يرحن عليه

aliali6212@gmail.com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/03



كتابة تعليق لموضوع : الحد الأدنى والأعلى من السرقات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net