ملاحظات على كتاب (الشهيد الخالد).. [٣]
الشيخ محمد جاسم

إنّ من الأسئلة التي ترد حول فكرة الشيخ الصالحي هو أنّ ما ذكره من ترجيح الإمام الحسين (ع) للانتصار والتمكن من إقامة الحكم الإسلامي خلال المرحلة الثالثة (التي تمتد من قراره بالخروج من مكة إلى لقائه بالحرّ في منطقة شراف) إنّما يمكن فرضه قبل علم الإمام (ع) بمقتل مسلم، وأمّا بعد ذلك فالأمور كانت واضحة ولم يكن يُحتمل انتصار الإمام (ع)، فلماذا استمر بالمسير؟

وتوضيح ما ذكره المؤلف في الجواب عن هذا السؤال مختصراً: إنّ الإمام (ع) تلقى خبر وفاة مسلم مرّتين..
[الأولى]: في منطقة الثعلبية حيث أخبره رجلان أسديان أنّ قادماً من الكوفة قال لهما: «لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يُجرّان بأرجلهما في السوق». وقد عقد الإمام (ع) شورى في تلك الصحراء للنظر في ما ينبغي فعله، وطرح رأيان في هذه الشورى:
١. رأي أخوة مسلم الذين قالوا: (قد جاءك من الكتب ما نثق به). ورأي هؤلاء كان منطقياً؛ لأنّ القوى الشعبية كانت حائرة بعد مقتل مسلم، فلو دخل الإمام (ع) الكوفة بحرية لالتحقت به؛ لتجتمع تحت قيادته، والهزيمة لم تكن قطعية بمقتل مسلم؛ لأنّ القائد الحقيقي لتلك القوات هو الإمام (ع) الذي لا زال حيّاً. ويقول المؤلف: إنّ الذين كانوا في ذلك الزمن يستطيعون أن يدركوا الأوضاع أفضل منّا، ولا يمكن للذين يعيشون في زماننا أن يقولوا : نحن قادرون على إدراك أوضاع وأحوال ذلك الزمن أفضل من أخوة مسلم!.
٢. رأي بعض الأصحاب الذين قالوا: (إنّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان النّاس عليك أسرع). فقرر الإمام (ع) أن يكمل مسيره.
[الثانية]: في منطقة زُبالة حيث أخبره رسول محمد بن الأشعث وعمر بن سعد بالرسالة التي كان قد طلب مسلم منهما إيصالها للإمام (ع) لإبلاغه باعتقاله وخذلان أهل الكوفة، فتسلّم الإمام (ع) نفس الخبر الذي تسلّمه في الثعلبية ـ والذي كان قد اتخذ قراره بشأنه فيها ـ، وكتب الإمام (ع) كتاباً وأمر بقراءته على أصحابه، وكان فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج ليس عليه ذمام»، فتفرق الذين كانوا يظنون أنّه يأتي على بلد استقامت له طاعة أهله، وبقي الإمام (ع) ونفر يسير ممّن معه.

هذا خلاصة ما ذكره المؤلف في هذا الشأن [الشهيد الخالد: ٢١٦-٢٢٣]. ويلحظ على هذا الكلام ما يتضح من خلال النقاط التالية:

١. إنّ الخبر الذي وصل للإمام (ع) في زبالة ليس هو نفس الخبر الذي وصل إليه في الثعلبية كما ذكر المؤلف؛ فإنّ الخبر الذي وصل للإمام (ع) في الثعلبية هو مقتل مسلم وهانئ وجرّهما في الأسواق، وأمّا وصل إليه في زبالة فهو رسالة مسلم ـ التي لم يذكر المؤلف نصّها ـ وهي: «ارجع بأهل بيتك، ولا يغرّك أهل الكوفة؛ فإنّهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل. إنّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني، وليس لمكذّب رأي». والفرق بين الخبرين أنّ الخبر الأول لم يتضمن كيفية قتل مسلم واستناد ذلك إلى خذلان أهل الكوفة، وحينئذٍ يمكن القول أنّ قتل مسلم ربّما كان مباغتة من قبل ابن زياد ممّا جعل القوى الشعبية حائرة بعد ذلك، وأمّا الخبر الثاني فهو يتضمّن سبب مقتل مسلم الذي هو خذلان القوى الشعبية ـ حسب تعبير المؤلف ـ .

٢. بملاحظة الفرق بين الخبرين يظهر أنّ ما ذكره المؤلف كتوجيه لمسير الإمام (ع) لا يتلائم مع مفاد الخبر الثاني؛ فالمؤلف يقول أنّ مقتل مسلم لا يعني الهزيمة لأنّ القائد الحقيقي هو الإمام (ع) ويقول أنّ القوى الشعبية ظلّت حائرة، لكنّ هذا يمكن أن يكون صحيحاً لو كان الخبر هو مقتل مسلم فقط [وهو خبر الثعلبية]، وأمّا إذا كان الخبر هو ما قاله مسلم في رسالته وأقرّه الإمام (ع) ـ في ما كتبه وأمر أن يقرأ على أصحابه ـ من خذلان أهل الكوفة فلا يصحّ هذا الكلام؛ لأنّ القضية ليست في قتل شخص مسلم كي نقول أنّ القائد هو الإمام (ع) بل القضية هي خذلان القوى الشعبية. كما يتضح من ذلك أنّ الأراء التي طُرحت على الإمام (ع) في الثعلبية لا تصلح تفسيراً لاستمرار المسير بعد زبالة ـ كي نقول أنّ أهل ذلك الزمان أعلم منّا بالأوضاع ـ؛ لأنّها كانت مستندة إلى خبر قتل مسلم من غير معرفة بقضية الخذلان، ولعلّ الأصحاب الذين أبدوا ذلك الرأي في الثعلبية كانوا أو كان بعضهم من المنصرفين في زبالة.

٣. وممّا يوضح هذا الفرق بين الخبرين هو: أنّ الإمام (ع) لم يكتب ذلك الكتاب الذي رخّص فيه لأصحابه بالانصراف في الثعلبية، وأنّ الانصراف من عسكر الإمام (ع) وبقاء عدد يسير فيه لم يحصل في الثعلبية، مع أنّه لو كان الخبر الذي تلقاه الإمام (ع) في زبالة نفس ما تلقاه في الثعلبية لحصل ذلك في الثعلبية. وممّا يوضح أنّ الإمام (ع) كان بانياً على عدم الانتصار قوله عند وصول رسالة مسلم: (عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمّتنا).

٤. ويتبيّن ممّا تقدم: أنّ القول بعدم احتمال انتصار الإمام (ع) ليس مستنداً إلى آراء أبناء هذا الزمن التي لا تستطيع أن تقاوم آراء من كانوا في ذلك الزمن، بل هو مستند إلى رسالة مسلم. وحتى لو سلّمنا بأنّ الخبر الذي وصل للإمام (ع) في زبالة هو نفس ما وصل إليه في الثعلبية كان ينبغي المقارنة بين رأي مسلم الذي كان في الكوفة ومطلعاً على وضعها وبين رأي الأصحاب الذين كانوا في الصحراء وبعيدين عن الكوفة، كما فعل المؤلف نظير ذلك حين قارن بين رأي مسلم ورأي ابن عباس في قضية خروج الإمام (ع) من مكة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد جاسم

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/10



كتابة تعليق لموضوع : ملاحظات على كتاب (الشهيد الخالد).. [٣]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net