صفحة الكاتب : ا . د . حسن خليل حسن

بعض الظواهر البحثية الخاطئة في مجتمعنا الاكاديمي
ا . د . حسن خليل حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(مقالة تشخيصية للظواهر السلبية في البحث العلمي لدى بعض الباحثين في الجامعات العراقية)

      عكست الجامعات عبر العصور عمق الفكر الابداعي لبني البشر وتفردّهم في صناعة الحضارة عبر النتاج المعرفي المستمر، واضحى العلماء وسيلة التغير والارتقاء بالواقع البشري نحو الافضل، لما يتمتعون به من عقول نيّرة وقابلية على التفكير والابداع، ومن هنا كانت النظرة  الى الجامعات وكوادرها نظرة اعجاب وتقدير في كافة المجتمعات قديماً وحديثاً، واكتسب المنجز العلمي في وقتنا الحالي شأنية متقدمة في تصنيف الامم المتحضرة كون الانجازات العلمية ساهمت في تحقيق الرفاهية والسعادة على الكوكب الاخضر، بل اصبح العلم في اعتقاد كثيرين هو السر في بقاء الانسان ووجوده الفعلي، وقد نصت الاديان والموروثات التاريخية على قدسية العلم وشموخ صاحبة وكثيراً ما وصف الخالق سبحانه ذاته الالهية بصفات العلم، اذ انها صفات محمودة في السماء والارض، كما وصف تعالى عباده الصالحين بأنهم من( العلماء واولي الالباب والمتفكرون واولي الابصار)، وقد دلت احاديث  الانبياء الكرام على اهمية العلم في حياة الانسان وضرورة اعطاء العلماء دورهم ومدحتهم ، حتى اصبحوا افضل من المجاهدين في سبيل الله والعبّاد الزّاهدين، ويكفي ان ننقل حديث نبوي شريف لخاتم الانبياء محمد (ص) بأن الملائكة تتطّهر بِمداد العالم.  

      ولان المجتمعات الاكاديمية مثلها مثل سائر المجتمعات الانسانية الاخرى لها مالها وعليها ما عليها فهي لم تصل الى مستوى الكمال في سلوكها وتصرفاتها، لذا ظهرت بعض الشوائب السلوكية في واقع البحث العلمي، بعضها سلوكيات غير مرغوب بها، وبعضها الاخر ظواهر خطيرة ومرفوضة من قبل المجتمع الاكاديمي المعروف بالمثالية، كونه يضم صفوة المجتمع والنُخب الرسالية المميزة التي تتمتع بأهلية قيادة المجتمعات معرفياً وسلوكيا.  ذلك ان البحث العلمي في معجم المختصين بفلسفة العلوم يتضمن اربعة ركائز اساسية هي: الاكتشاف Discovery والتكامل: Integration والتطبيق: Application والتعليم: Teaching ، ولان هذه الركائز مجتمعة هي اساس التكامل البحثي لتحقيق العلم النافع المرجو من البحوث، يصبح السلوك الشخصي احد المعايير الحتمية للباحث العلمي وأحد اهم ركائز شرف الانتماء الى المجتمع الاكاديمي.

    ولهذه الاسباب مجتمعة يجدر بالعلماء والاكاديميين التركيز على مفهوم الاخلاقيات البحثية والتمسك بقيم الامانة العلمية والسلوك المنضبط في نتاجهم العلمية، كما ان من الواجب متابعة ظاهرة التجاوزات على الممتلكات الفكرية للأخرين في حقل المعرفة وتشخيص بعض السلوكيات التي تتمثل بالتعدي على الافكار والنتاجات البحثية المنشورة خصوصاً ونحن نعيش في عصر عولمة الكترونية هائلة وانفتاح كبير على منجز باحثين جدد في ارجاء المعمورة، فمثلاً ان موقع gate    Research  يضم اكثر من 4.5 مليون باحث ومستمر بالاتساع اذ يسجل يوميا 10000 عالم جديد، فضلا عن  موقع Academia   الذي  يضم 11 مليون مستخدم، وتشترك في هذين الموقعيين الجامعيين وغيرهما اغلب الباحثين في العالم في كافة الاختصاصات العلمية، وتتعدد اوجه واساليب السرقات العلمية في الجامعات العراقية بين السرقات التامة لجهد بحثي كامل او سرقات لاجزاء منشورة، فضلا عن مظاهر اشكال اخرى  من التلفيق العلمي، وبالرغم من تشابه هذه الاساليب بمخالفتها للضوابط والاخلاقيات الرفيعة المطلوبة في البحث العلمي واشتراكها بآلية التعدي على حقوق الاخرين، الا انها تختلف من حيث الطريقة ودرجة الخطأ، ومن اهم نماذج تلك التعديات على الممتلكات الفكرية في الجامعات العراقية ما يلي:ـ

1ـ السرقات العلمية الكاملة ومن امثلتها مصادرة الأفكار والنصوص.

2ـ الانتحال غير القانوني للمعلومات المنشورة: كالاقتباس غير الشرعي او عدم ذكر المصادر الاصلية.

3. التلفيق في النصوص البحثية ويشمل تلفيق النتائج والارقام او تحويرها.

          ويظهر في هذه النماذج الثلاث تفاوت في درجة السرقة بين الاستحواذ على بحوث برمتها تعود لباحثين اخرين، ومعظم البحوث المسروقة تعود لباحثين ينتسبون الى مؤسسات وجامعات اخرى، وغالبا ما تكون السرقات الكترونية عبر ما ينشر من بحوث من خلال شبكة الانترنيت، ومن اجل الحد من هذه الظاهرة التي انتشرت عالمياً وضعت مؤخرا برامج كشف السرقات العلمية والانتحال العلمي غير القانوني ووضعت برامج لمكافحة السرقات العلمية اهمها شركة( Plagiarism prevention Software) كما تأسست شركة I Paradigms الشركة الام لتطبيق Turnitin في العام 2009 لبناء نموذج تجريبي لفحص الاصالة والتقييم الالكتروني ومراجعة التناظر، يشار الى الاساس الذي عمِل عليه هذا النموذج كان مراجعة التناظر للاستخدام في صفوف الطلبة الخريجين.

 وهنالك صورة اخرى للمخالفات البحثية تتمثل بمصادرة المعلومات المنشورة ونسبتها الى الباحث الحالي على انها من افكاره الخاصة، وبالرغم من وجود بين هذه الحالة بين مختلف طبقات المجتمع الاكاديمي الا ان نسبتها تزداد بين الباحثين الجدد، كما تشمل هذه الفئة نسبة من طلبة بحوث التخرج في الدراسات الاولية والباحثين المبتدئين، وربما يكون ذلك ناجماً عن ضعف الخبرة لدى الخرجين الجدد بأساليب كتابة البحوث العلمية وطرق الاستلال الصحيحة، كما انه يعطي انطباعا واضحا عن قصور الجرعة التعليمية بأصول البحث العلمي التي تلقّاها هؤلاء خلال سنوات دراستهم، وهو مؤشر خطير لان الدراسات الاولية هي قاعدة ونواة المجتمع البحثي، والخطوة التدريبية الاولى  للباحثين في مشوارهم البحثي المستقبلي، والخطورة الاكبر هي عدم الاكتراث بتلك الحالات، بينما هي الاساس الذي يُبنى عليه السلوك البحثي لجميع الأكاديميين، اذ انها تتدرج الحالة لتصل في مراحل الحياة الجامعية المتقدمة الى ظواهر اشد.

ومن المؤشرات السلبية ايضا التلفيق العلمي عند البعض لزيادة بريق البحوث الركيكة وتتمثل بتضمين بعض النتائج المجدولة مع تغيير بسيط او تضمين مصادر لم يطلع الباحث على نسخها الاصلية، او الاستحواذ على نتائج دراسات اخرى دون الاشارة اليها، وجميعها طرق ملتوية مؤسفة تتنافى مع السلوك الاكاديمي القويم وتتعارض مع الامانة العلمية في البحث.

    بالإضافة الى ما تقدّم هنالك ظواهر غير اخلاقية في البحوث العلمية  اكثر انتشاراً مما ذكرنا، لكنها لم تشخّص على انها مخالفات للأخلاقيات العلمية تتمثل باستغلال بعض المشرفين لطلبتهم في انجاز البحوث الخاصة بترقياتهم الشخصية، كما توجد طرق ملتوية اخرى تتمثل بالاتفاقات الشخصية والاخوانية والأقربية في تحديد الاشراف والتقويم  لبعض البحوث والرسائل الجامعية، فضلا عن اختيار بعض لجان المناقشات على اساس شخصي غير علمي، وهذا  اخطر ما يهدد الرصانة العلمية وحرمة المؤسسات الجامعية ويخدش قوانين الاخلاقيات في البحث العلمي، خصوصا في العالم العربي الذي ظل متأخراً في كثير من نواحي التقدم العلمي .

ومن الممكن وضع حزمة من التوصيات الخاصة لمواجهة السطو العلمي في المجتمعات البحثية التي تعاني من هذه المشكلات تتمثل بما يلي:ـ

1- الاخذ بيد طلبة البحوث التخرج والدراسات العليا المكلفين بكتابة البحث ومساعدة الباحثين الجدد من قبل اصحاب الخبرة البحثية الطويلة.

2- تقع على عاتق هيئات تحرير المجلات الاكاديمية ولجان الترقيات ولجان الاستلال واللجان العلمية في الكليات مسؤولية كبيرة في محاربة التلفيق العلمي والسرقات العلمية واخطاء الاقتباس.

3- استحداث مادة (بحث علمي) ادخال مادة (اخلاقيات العمل الجامعي) في جميع المراحل الجامعية الاولية والعليا مع الاهتمام بقاعدة الطلبة الفكرية في بداية مشوارهم العلمي وفي جميع التخصصات العلمية والانسانية لتعزيز الخبرات البحثية، والعمل على التوعية الثقافية في المحافل والملتقيات الاكاديمية على حتمية هذا الشرط الاخلاقي في المجتمعات الأكاديمية.

4- الاهتمام بمصطلح (الاخلاقيات الاكاديمية) كمصطلح شامل هدفة الارتقاء بالسلوك الوظيفي الجامعي مع التركيز على الامانة العلمية.

5- اتباع اسلوب حازم  في معاقبة المتعدين على الحقوق الفكرية للأخرين مع الاخذ بنظر الاعتبار ظروف السرقات بين التعمد والاشتباه وضعف الخبرة.

6-  تكثيف الاعلام حول العقوبات الاكاديمية الخاصة بالسرقات العلمية.

8- الاستعانة بالدراسات العالمية الخاصة بمعالجة اسباب ونتائج السرقات العلمية وكيفية السيطرة عليها، كونها مشكلة عالمية ولا تتعلق بالعالم العربي فقط.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . حسن خليل حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/05



كتابة تعليق لموضوع : بعض الظواهر البحثية الخاطئة في مجتمعنا الاكاديمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net