صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

استخدامات كان في بلاغة الإمام علي (ع)
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يرتكز النص الخطابي على الواقع للتعبير عن المكونات الفكرية، فيتمحور داخل فحوى الذات باتجاهات موضوعية، وليست مشاعر وأحاسيس فقط بل هي رؤى فكرية كقوله عليه السلام: (ولا تُكْرِمُونَ الله فِي عِبَادِهِ فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ).

ومنها رؤىً شعورية، ومبينات إيمانية، ترتكز على آيات قرانية، وأحاديث نبوية شريفة، ومناجاة وحدانية كقوله عليه السلام: (فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ والْبَلاغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الأَنَامُ ومُنِعَ الْغَمَامُ وهَلَكَ السَّوَامُ). فالمبتئس الذي مسته البأساء والضراء. والبلاغ الكناية. والسوام البهائم.
وعملية سرد الواقع ونقله إلى حيز النص الابداعي، يكوّن لنا اشتغالات ذات حساسية تحمل ارتباطين أولهما: المحتوى الذاتي المتعلق برؤية المبدع وتكوينه، وتمنح مثل هذه الصيرورة فعالية نقل أحداث ماضية إلى معنى الحادث باستخدامات مختلفة، ومنها ما هو سلبي. وثانيا: العرض الموضوعي للأحداث التي تستحضر لغايات وعظية تسعى لبعث روح الالتزام، كقوله عليه السلام: (وكانَ الله عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً). وتأتي (عبرة) بالفتح: وهي الدمعة قبل ان تفيض أو تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء.
 وتكون هذه السردية قادرة على الكشف والبحث داخل العمق الحدثي، وخاصة عندما ترتكز على سردية الكان، ويعبر عن زمنية الماضي بعدة أشكال أسلوبية وردت في نهج البلاغة. ومنها ما يرد مؤول القصد- مثل قوله عليه السلام: (ويَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ ويَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا ويَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ).
ومثل هذه المتكئات السردية والتأويلية في الخطابة العربية سائدة ومعروفة، يلجأ إليها الواعظ بلغة عرض مباشرة كقوله عليه السلام: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِتْرَتِهِ). فبنية الكان تعتبر من المكررات، وتكون دلالة من دلالات العالم النفسي السايكلوجي، فتظهر ما يحز بالنفس كقوله عليه السلام: (ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقـُلُبَهَا وَ قَلائِدَهَا ورُعُثَهَا). والمعاهدة هنا: هي المرأة الذميَة. والحجل: خلخالها. والقـُلبُ هنا تأتي بالضم: ويعني سوارها. وأما الرعثات: جمع رعثة بالفتح بمعنى القرط، ويروى أنها تأتي بضم الراء والعين.
وتأتي أحياناً للتأكيد على حالات معينة موؤلة القصد، وتحتوي أموراً بلاغية كثيرة كالجناس والسجع والتضادات والطباقات كقوله عليه السلام: (وقَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً وكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً). وأمرّ الشيء: صار مراً. وكدر: تعكر، وتغير لونه، واختلط بما لا يساغ طعمهُ.
وتأتي أحياناً مضارعة، وهذا يعني أن المبدع استطاع أن يدفق دلالاته السردية عبر هذه الكان ليضمن الاغراض الابداعية. ومنها ما أتت مضارعة وضمير المتكلم مستتر تقديره أنا كقوله عليه السلام: (وَ الله لا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا ويَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا). واللدم: الضرب بشيء ثقيل يسمع صوته، ويستخدم لنوم الضبع لكي يصطاد.
ويتعامل بصيغ مختلفة منها ما يأتي بصيغة (كنتم) لجموع المخاطبين كقوله عليه السلام: (كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ). وما يأتي بصيغة (كانوا) لجموع الغائبين التي حاول فيها الارتكاز على فاعلية التكرار وجمالية الاشتقاقات اللغوية كقوله عليه السلام: (حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وأَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا).
واستطاعت هذه الكان التي تبرز لنا الواقع المعاش كجزء من المقارنة. ومن أهم خصوصيات الواقع أن يكون انتقائياً يعتمد على التعدد الأسلوبي في رؤية العالم الخارجي. ومثل معطيات هذه القدرة البلاغية نشأت ابتكارية توليدية، وأن اعتمدت على عدة بنى ارتكازية عامة، ومن هذا كانت خصوصية هذه البلاغة العملاقة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/02



كتابة تعليق لموضوع : استخدامات كان في بلاغة الإمام علي (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : اسعد البهادلي ، في 2011/11/03 .

بارك الله بيك رائعنا المميز

• (2) - كتب : حيدر الحدراوي ، في 2011/11/03 .

استاذنا الفاضل الخباز
بارك الله فيكم وبجهودكم وبأوقاتكم ... احسنتم فافدتم




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net