صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

الأسوة الحسنة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إنَّ القراءة الأولية لوجود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم توحي إلى بيان صفات عظيمة قد تحلَّى بها، وقد ذكرها للتأكيد عليها، وبيان أثرها التربوي على الإنسان بصورة عامة، وعلى الذي يتصدى لأمور المسلمين بصورة خاصة، وتلك الصفات يجب أنْ نجعلها نصب أعيننا إنْ أردنا أنْ نتخذه أسوة لنا في الوصول إلى رضا الله تعالى، فضلاً عن تهذيب أنفسنا، والارتقاء بها نحو الكمال الإنساني، كما قال عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ ([1])، ونحاول بيان صفة واحدة من صفاته العظيمة (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما يتعلق بأخلاقه الكريمة التي كان عليها في كما ورد في الآية الشريفة، وأهم موضوعات التي سينم بيانه:

- أولاً: الناحية البلاغية والأسلوبية:

1- إنَّ الآية الشريفة جاءت ضمن آيات جواب القسم التي أقسم الله بها: ﴿ن * وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾([2])، والقسم بطبيعة الحال يدل على أمر عظيم يريد الله تعالى بيانه، وفي ذلك كمال التعظيم والتوكيد على خُلُقِه الكريم.

2- ﭐبتدأت الآية الشريفة بإسلوب من أساليب التوكيد باستعمال الحرف (إنَّ) والذي يفيد التوكيد، كما بين ذلك النحاة، والتوكيد لا يستعمل إلا في حالات منها: أنْ يكونَ المخاطَبُ مُتَرَدِّداً في الحُكْم، أو أنْ يكونَ مُنْكِرًا للحُكْم، كما بين ذلك البلاغيون.

3- إنَّ الخطاب في الجملة الإسمية آكَدُ من الخطاب في الجملة الفعلية، وقد وردت الآية المباركة بالجملة الإسمية فاستبدل ٱسمه الشريف (محمد) بضمير المخاطب (ك)، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

4- إنَّ التوكيد لبيان عظمة الإخبار يكون آكد في الجملة الإسمية كما تقدم بصورة عامة، ويزداد توكيدًا مع الحرف (إنَّ)، ويكثر زيادة بهما (الجملة الإسمية + إنَّ) مع (اللام) في الخبر ﴿لَعَلَى﴾، ويزداد التوكيد أكثر بالثلاثة مجتمعة (الجملة الإسمية + إنَّ + اللام في الخبر) وكُلُّها قد توافرت في الآية الشريفة.

5- لقد ذكر العلماء أنَّ التوكيد قد يستعمل لأنَّ المخاطَب متردِّدٌ في الحُكْمِ، أو مُنْكِرٌ للحُكْمِ، ويستعمل لشرفِ الحُكْمِ وتقويتِهِ أيضًا، ففي أسلوب الآية الشريفة تحققت أمور ثلاثة: أ- المترددون قد رفع الله ترددهم. ب-المنكرون قد دفع الله إنكارهم. ج- المؤمنون قَوَّى الله إيمانهم وتصديقهم بمقام رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، وبيان شرفه ومقامه.

6- إنَّ التنكير (أي النكرة) يكون ٱستعماله لموارد شتى منها التعظيم أو التكثير وغيرهما على وفق القرينة المصاحبة له، وقد ورد لفظ ﴿خُلُقٍ﴾ نكرة، لكنه تم بيان المراد بها بوصفه ﴿عَظِيمٍ﴾، فورد بإحدى صيغ المبالغة على وزن (فعيل)، وفي ذلك بيان عظمة ذلك الخلق الذي عليه النبي.

من خلال ما تقدم من أسلوب الخطاب في الآية الشريفة نكون على معرفة تامة بعظمة الخطاب وما يتعلق به، فهل هناك شك أو تردد أو إنكار لعظمة ومقام رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم".

- ثانيًا: الناحية الوصفية:

1- بيان مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصورة عامة، وأخلاقه بصورة خاصة، وهذا ما يمكن معرفته من خلال الأساليب التي وردت فيها الآية الشريفة كما تقدم. ([3])

2- بيان منزلة الأخلاق، وأهميتها، ومقامها، وشرفها، ولذلك كان الخطاب حولها، من دون غيرها من الصفات الأخرى كالعلم، والشجاعة، والقيادة وغيرها من المصطلحات التي هي من فروع هذا الأصل، الذي تتفرع منه المكارم. ([4])

3- تأكيد الرسالة الإسلامية على مسألة عقلية تَسالم عليها العقلاء كلهم وهي أهمية الأخلاق بالنسبة للإنسان، وهذا هو مدار الفلسفة القديمة والحديثة للفلاسفة عامة منذ الإغريق إلى يومنا، في بيان أنواع الأنظمة التي تحقق سعادة الإنسان، فالإنسان لا يمكنه أن يحقق سعادته الفردية والاجتماعية من غير التربية على الخلق العظيم.

4- التأكيد على أنَّ الإسلام دين الفطرة السليمة، ودين العقل العلمي والعملي، ودين المحبة والسلام والأمان، ودين الخلاص من الشقاء والعداء، فالفطرة السليمة تبعث نحو التخلق بالأخلاق الفاضلة إنْ لم تتعرض لما يحرفها عن قوامها.

5- بيان صفات قادة الأمة، الذين يجب أنْ تتوافر فيهم تلك السجايا؛ ليكونوا مؤهلين لقيادة الآخرين بأخلاقهم التي نراها بأفعالهم لا بادِّعائهم، وهذا ما كان في النبي قولاً وفعلاً، وقد أشارت إلى ذلك آيات أخرى منها قوله تعالى مخاطبًا نبيه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ ([5])، فالقائد والمربي وكُلُّ مسؤول يجب أنْ يكون على خلق رفيع، فأخلاقه تتفرع عنها (الرحمة، والعفو، والتواضع) في قيادته وإدارته للآخرين فيكون قدوة لهم. ([6])  

- ثالثًا: مقام الأخلاق عند رسول الأخلاق.

هناك أحاديث كثيرة ذكرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان عظمة الأخلاق ومقامها، وما يجب القيام به، والابتعاد عنه، وقد أكدت ذلك سيرته المباركة مع الناس كلهم، وللأخلاق آثار كثيرة كما وردت في أحاديثه، نذكر منها:

1- كمال الإيمان / روي عنه ص: ((إنَّ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا)). ([7])

2- ثقل الميزان / روي عنه ص: ((ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن)). ([8])

3- غاية البعثة / روي عنه ص: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)). ([9])

4- محبة النبي له / روي عنه ص: ((إنَّ أحبَّكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلسًا أحسنكُم أخلاقًا، وأشدكم تواضعًا)). ([10])

5- الدرجات الرفيعة / روي عنه ص: ((إنَّ الرجل يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)). ([11])

فمحبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التأسي به، بمحبة الأخلاق في صدق القول والعمل وجهاد النفس والأمر بالمعروف وغيرها من المكارم ..

فهذا هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي عَرَّفَنا الله جزءً من مقامه، ودعا العباد للتأسِّي به إذا كانوا يرجون الله واليوم الآخر .. وخصوصًا لمَنْ ينتمي إليه، ويدَّعي محبته، فلنستمع إليه ونطيعه؛ لأنَّ المحبَّ لمن أحبَّ مطيعُ كما يفترض العقل ذلك.

 

([1]) سورة الأحزاب: الآبة 21

([2]) سورة القلم: الآية 1

([3]) للتفصيل ينظر مثلاً: الطبرسي، الفضل بن الحسن: مكارم الأخلاق ص21   

([4]) للتفصيل ينظر مثلاً: النراقي، محمد مهدي: جامع السعادات.

([5]) سورة آل عمران/159

([6]) وهذه الآية الشريفة تحتاج إلى بيان وتفصيل يأتي في محله إن شاء الله، لما فيها من دروس وعبر نافعة.

([7]) الحراني، الحسن بن شعبة: تحف العقول ص47

([8]) العلامة المجلسي: بحار الأنوار ج68 ص383

([9]) المتقي الهندي: كنز العمال ج3 ص16

([10]) العلامة المجلسي: بحار الأنوار ج68 ص385

([11]) الريشهري، محمد: ميزان الحكمة ج3 1074


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/19



كتابة تعليق لموضوع : الأسوة الحسنة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net