صفحة الكاتب : د . حازم السعيدي

نصب الشهداء في كربلاء نصب نحتي عماري ...قراءة فنية
د . حازم السعيدي

تشارك دائرة الاشغال اليدوية التابعة لوزارة التربية المديرية العامة للتربية في كربلاء بتصميم النصب العملاق ( نصب الشهداء ) من حيث الحجم والارتفاع والمقرر تشيده في احدى ساحات المحافظة لاحقا بعد ان تم تصميمه من قبل الايادي الفنية الماهرة ,مما لفت الانظار حقا بوجود ثلة واعدة من الكفاءات الفنية التابعة للفنون التشكيلية النحت , اذ ان النصب ذي ارتفاع 15 مترا وبقاعدة تصل الى 9 امتار , القاعدة تمثل ثلاث مصاطب حجرية احدها اصغر من الاخرى , اذ يطالعنا الشكل الهندسي المجسم والاقرب الى الهرم او المثلث قاعدته الى الاسفل وقمته في الاعلى وتمثل المستوى الاول من النصب جسد الشهيد حيث تفارقه الروح الى عالم التسامي بوصفه لغة ولوج الروح من الارضي الى السماوي في غياهب السديم بعد مفارقتها الجسد ,تتكون القاعدة من بدن مرمري ابيض اللون دلالة الطهر والنقاء يحاكي علاقة الجسد بالروح ويضيف للمتلقي ايحاءات المطاولة في التمعن والخيال ودخول عالم تأملي حيث الشهيد عنوان التضحية والبطولة والفداء , يجاور اللبنة المرمرية البيضاء اقواس ثنائية رشيقة موحدة بذات العلاقة الاسلامية في طرازها المعماري الجداري الذي سيحمل (الكاشي الكربلائي ) ازرق اللون مما يمكن المصمم الصاق المفردات البرونزية الفرعية تباعا على جدرانه , في حين يظهر المستوى الثاني من خلال تواجد الجعبة الحربية الخازنة للرماح والسهام الحربية في تناغم مع الرسالة الاسلامية المحمدية في نشأتها تثبت بعض من اجزائها التحام مع المستوى الاول للقاعدة ويستطيل ارتفاعها الى نهاية المستوى الثالث رفدت الحاملة بحلقات وخطوط تماثل كوشات المسامير الحديدية التي ستكتب عليها بعض لاسماء شهداء واقعة الطف في غاية واشارة الى ان الجعبة من الجلد تحمل بين طياتها ثلاثة سهام , قد تشير الى ثلاثية الاعتقاد الرمزي العقائدي ب(الله ,محمد , علي )والى جوارها قوس اسلامي تحيط به زخارف ونقوش هندسية يابسة تقترب من بوابة المساجد كتب عليها افريز شريطي (بسم الله الرحمن الرحيم ) يعلوها دائرة صغيرة في هيئة (درع ) قتالي اسلامي عربي , الا ان بدن النصب الوسطي كان بمثابة ارتفاع عماري لكلمة (لفظ الجلالة ) (الله) بخط هندسي كوفي يقرأ من ابتداءا من المستوى الرابع عكسيا بعد ان وضع المصمم حرف الالف للفظ الجلالة على عمود عماري غير متصل بالحروف الاخرى في غاية الانقطاع اي مفارقة الروح للجسد الى جانب الدرع يقف شامخا رأسيا على وسط البناء النصبي يتخلله شكل هندسي لحرف الهاء مربع يستند بهيئة معين زاويتان الى الاسفل والاعلى واخرتان الى اليمين والشمال مشيرا بها المصمم الى وجود الله حيثما يوجد المؤمن (في كناية الى الاية الشريفة "ويجعل من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا "وبذلك مكن المصمم مريديه من التناغم والتلاقح تدريجيا ومن خلال الفضاء في المعين الى الاتصال البصري والتلاعب بالمستويات عبر الانتقالات التدريجية البصرية وهي تتصادم في دهشتها للولوج في التسامي بلا عودة الى الوراء , انها خطوات نحو الفعل الاستشهادي حينما يكتبه الله يكون بفضل "ماكتب على الجبين تراه العين " وبذلك تم تعزيز التواشج بين الروح وكينونتها وبين الجسد الباقي على الارض مسجى في ترابها ,وهنا تمت اضافة لبنات من المرمر الابيض ايضا لاستمرار الفعل الانسيابي لخروج الروح ورحيلها عبر مفردة (الله ) , كما حاول المصمم ان يباعد بين حرف الف لفظ الجلالة عن الحروف الاخرى (لامين وهاء )وجعل الام الاولى توازي الالف وتحمل في نهايتها تركيبة حروفية تحاكي المفردة من حرفين ( لامين ) تمت باتصال عماري بنائي بنصف قوس استطالي يحمل قبة بشكل خوذة (تاريخية , اجتماعية , دينية )وهي تناطح نهاية الجانب الايسر من المستوى الخامس من النصب ويتصل مركزيا بالاصل والجذر واستمرار  للقوس الارضي في القاعدة دلالة على ان القوس العماري ماهو الا في القبة والايوان والقبر والبناء , في حين ظهرت مرموزات تركيبية الى الجانب الايمن تستند الى نهاية حاملة السهام مثلتها طواعية خامة البرونز وانعكاس اشعة الضوء والشمس حينما تصطدم تكرارا ومرارا حيث التوازن الشكلي في الجانبين يمثل وحدة العمل النصبي , وهي عبارة عن سارية يلتف حولها راية علم عراقي ذات تشكيلات سهمية مدببة يحيط بها جسد تجريدي (حامل الراية وحاميها ) وبذلك تحقق لدينا بعدي الزمان والمكان من الرسالة المحمدية النجدية الى وطننا العراقي مما زاد من القيمة التعبيرية والجمالية على حد سواء , ان نصب الشهداء بقيمته الحالية مشروع ريادي سينجز بايادي كربلائية وتوليفا نحتيا جمع الشهادة الاولى لشهداء رسالتنا الاسلامية (عمار ابن ياسر وزوجته ثم الحمزة بن عبد المطلب عم الرسول حتى شهداء الطف واقعتها البطولية مرورا بشهداء الفتوى الجهادية المعاصرة في العراق الحبيب , تشير الدلالات الفنية بمنظومتها الحالية التعالقات مابين العناصر الفنية الواردة في الخط والشكل والحجم والملمس (حسب وصف النحات عبد الكريم شاكر ) ان اللامنتهى واللامرئي ديدن السمو والعلو تمثل في القبة التي جاورت لفظ الجلالة ووصفها بجنة الخلد ذات البروج العالية وانها دلالة تأولية متصلة بالحدث الارضي غير منفصلة على الرغم من ان الشهداء يرحلون بارواحهم ولكن اجسادهم باقية لا تبلى , النصب النحتي العماري مدلول عقائدي اجاد في وضع لمساته التصميمية فكر عقائدي هو من نتاج الفنان النحات( اياد الغانمي ) استغرق قرابة الشهرين من العمل المتواصل والمضني ليضع لنا عديد من التصاميم فمنهجها وبلورها واماط اللثام عن قدراته الاحترافية التي يشار لها بالبنان حيث اخرج النص النحتي العماري بقياس وابعاد تارة ثانية واخرة ثلاثية ليناغم ايقاعات تضادات عمله الفني وفقا لسيكولوجيا الذات وهي تتعقب فك شفرات الزمن بل والمكان ايضا بمعنى انه استطاع ان يطلعنا على حكايا ورموز لايمكننا ادراكها الا من خلال بانوروما النصب وترك لنا الخيار بتعقب النهايات للبشر حينما يختارها الله في الدفاع عن الارض والعرض

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حازم السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/23



كتابة تعليق لموضوع : نصب الشهداء في كربلاء نصب نحتي عماري ...قراءة فنية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net