صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

البدعة والخرافة ....وخطرهما على المجتمع الإسلامي..
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
البدعة ....هو الحدث في الدين ، وما ليس له أصل في كتاب ولاسنة ، وإنما سميت بدعة لأن قائلها أبتدعها هو نفسه ، والبدع جمع بدعة (بكسر الباء وسكون الدال كما جاء في مجمع البحرين ص298)..وفيها جاء الحديث الصحيح :[ من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو بدعة) ،وذلك أن حقيقة الدين تشمل على أمرين أساسيين: 
أولاً :ألا يُعبد إلا الله ..
وثانياً : أن لايعبد الله إلا بماشرع ....فمن أبتدع عبادة من عنده ، كائناً من كان ، فهي ضلالة ترد عليه ، لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه سبحانه وتعالى ..(التاج الجامع للأصول ج1ص43)..
وقد قيل للإمام علي (عليه السلام ): أخبرنا بشيء أسره إليك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (ماأسر إليّ شيئاً كتمه الناس ، ولكني سمعته يقول : لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى محدثاً ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من غير المنار )..الوسائل ج2..
من آوى محدثاً (أي مبتدعاً ) ، ومن لعن والديه أي تسبب في لعنهما بقول أو عمل منكر ، ومن غير المنار أي منار الأرض بنقله الحد بينه وبين جاره خفية عنه أو جهرا..(التاج الجامع للأصول ج3ص109)...
والشاهد في الحديث قوله (ص): لعن الله من آوى محدثاً ...أي مبتدعاً في الدين ، ومن هنا نعرف أن صاحب البدعة ملعون على لسان الرسول الأعظم (ص) هو ومن آواه وأعانه ولو بشربة ماء !!
ولقد أبتلينا في هذا الزمان بالكثير من أرباب البدعة المغلفة (بحب أهل البيت عليهم السلام والدفاع عن مظلوميتهم) فقد سمعت أحدهم يصرخ من على منبر أحدى الحسينات في وجوه المصلين قائلاً : إن حضور مجالس الأمام الحسين عليه السلام واجب شرعي مثل الصلاة والصيام تماماً ، ثم أستدرك وكأنه نسي شيئاً مهماً فقال : بل هي أفضل عند الله من الصلاة والصيام !!!
وعندما أنتهى المجلس طالبت ذلك الشيخ بحديث أو رواية يدعم فيها إدعائه فنظر في وجهي وقد تلبد وجهه بالحقد والكراهية فقال : هل أنت تؤمن بالحسين ؟ فقلت له : لاأعرف ماذا تقصد !!فقال متهكماً : إذا أنت أخي ..لاتعرف عن الحسين شيئاً !!..عندها تركته وأنا أشكر الله على سلامة العقل والدين ، وأنا أتمثل بقول الشاعر : 
وماأسفي على الدنيا ولكن ....على أبلٍ حداها غير حادي !!
ولاشك في أننا نجد من يتفلسف لنا ، ويشرح لنا عن معنى أن حضور مجلس العزاء أفضل عند الله من الصلاة والصيام ، ولاشك أن أمثال هؤلاء لايقلون أبتداعاً من الشيخ المبتدع نفسه!!
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه وإلا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ] ...وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى في هدم الإسلام ).. 
نقول :وماأكثر من يوقر أهل البدع والخرافات في هذه الزمان ..كنت قبل أيام في زيارة لأحد أقاربي في مدينة الكوفة فرأيت رجلاً ذو هيئة وسخة والذباب يحط على وجهه وجسمه لقذارته ورأيت بعض الناس يقبلون يديه ورجليه ويضعون النقود في جيبه وينصرفون وهو نائم في زاوية من السوق ،فسألت صاحب الدكان القريب عن أمر الرجل فقال : أنه من الروحانيين العرفانيين الذين يقابلون مولانا الحجة المنتظر كل ليلة بعد منتصف الليل !!فقلت وماذا يستفيد الناس من هذه المواجهات المقدسة ؟ فقال : هذه أسرار خاصة لانسأله عنها !!فقلت وهل رأى واحد منكم كيف تتم هذه المقابلة العجيبة !! فرمقني بنظرة أستفهام ، ولم يحر جواباً سوى أنه قال وهو يتركني : دع أولياء الله وشأنهم !!
ولاأدري كيف صار هذا الشحاذ الذي تتراكم  عليه القاذورات والحشرات عند هؤلاء ولياً من أولياء الله وهو يجتمع مع أمام العصر والزمان كل ليلة ، ولماذا لايجتمع العلماء الأعلام والمراجع الكبار مع الحجة المنتظر (سراً أو جهراً ليلاً أو نهاراً ) حتى ينقلوا لنا الكثير من التشريعات المختلف عليها - على الأقل - في فقه مذهبنا اليوم ؟؟
فالذي يصدق بهذه الترهات والمخاريق التي تتنافى مع العقل السليم ، كيف لايكون ممراً للخرافات ومناخاً للبدع والضلالات ؟
وعن الحلبي قال قلت لأبي عبدالله الصادق (عليه السلام) : ماأدنى مايكون به العبد كافراً فقال: أن يبتدع شيئاً  فيتولى عليه ويبرأ ممن خالفه...!
يعني أن هناك من يحدث في الدين ماليس فيه ثم يؤمن به إلى حد أن يتخذه عقيدة ودين ،ثم بعد ذلك يصبح ولياً ومحباً لكل من آمن ببدعته ، ويتبرأ من كل من لايؤمن بها ...فهذا يصبح كافراً على قول الأمام الصادق (ع)..!
وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : [إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من القول والوقيعة فيهم ، وباهتوهم كي لايطمعوا في الفساد في الأسلام ويحذرهم الناس ولايتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم الدرجات في الآخرة ]..
وقد عدّ الأمام الباقر (عليه السلام) من الكبائر البدعة لقول النبي (ص):[من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه]..سفينة البحار ص43..
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها ، وقال في ضده: من سّن سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ] مجمع البحرين 4ص299..
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار ..وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض)....
قال رسول الله (ص): أبى الله  لصاحب البدعة بالتوبة ، قيل يارسول الله كيف ذاك قال : أنه قد أشرب قلبه حبها ...!
عن يعقوب بن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام )قال : من أجترأ على الله في المعصية وأرتكاب الكبائر فهو كافر ، ومن نصب ديناً غير دين الله فهو مشرك ..المحاسن ص159..
وقد أمرنا الله أن نتبع منهاجه وشرعه ... قال الله تعالى في كتابه المجيد : (شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وماوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه ) الشورى 13.. وقال تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكنوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبؤهم بما كانوا يفعلون ) الأنعام 159..
أما الخرافة وخطرها فأنها لاتقل خطراً على المجتمع الأسلامي من البدعة ...فأننا نجد الكثير من الناس العوام من يتحدث عن الخرافات و ينسبها الى أهل البيت عليهم السلام وهم منها براء ، ويعتقد بها وكأنها من الثوابت الأسلامية التي نزلت بها الآيات المحكمات !!  ولكن حينما يتلطف به أحد المؤمنين و ينصحه بعدم  ذكر تلك الأشياء لأنه لا أساس لها من الصحة , ويلفت نظره إلى أن هكذا روايات تسيء إلى سمعة أهل البيت – عليهم السلام – و يذكّره بحديث الأمام زين العابدين عليه السلام  لشيعته : (كونوا لنا زيناً و لا تكونوا علينا شيناً)  وبحديث الأمام الصادق عليه السلام (إذا جائكم الحديث عنا فأعرضوه على كتاب الله فأن وافقه فخذوا به وأن خالفه فأضربوا به عرض الجدار ) نرى هذا الرجل بعد هذه الموعظة يستقيم ويستغفر الله  ويأخذ بالتثبت من نقل الروايات و يرجع فيها إلى أهل المعرفة والأختصاص ، وهذا الأمر لايثير فينا الأستغراب بأعتبار أن العوام قد نقلوا هذه الأخبار والروايات عن طريق محيطهم الأجتماعي الذي يميل إلى مثل هذه الخرافات ويصدق بها ..  
ولكن المصيبة الأعظم : أن ترى [خطيباً حسينياً ]وهو يلقي محاضراته على مئات الناس وينقل فيها روايات مؤسفة ومحزنة و مقززة ، تثير في النفس الغثيان و الأشمئزاز  وهو ينسبها إلى أهل البيت عليهم السلام ، فيزيدهم مظلومية على مظلوميتهم ، و ينقل الروايات و الخرافات دون تأمل ودون إلتفات وبلا فحص ولاتثبت  ، و حينما نطالبه بدليل الرواية و صحة سندها ينفجر فجأة و يعلو صوته بشكل غير محترم و يتهمنا ببغض أهل البيت و الحقد عليهم ، وعدم موالاتهم ، ونصرة أعدائهم ، بل يذهب أبعد من ذلك حينما يسألك : هل أنت تعتقد بهذه الرواية أم لا ! فأذا أجبته بـ لا ... قامت القيامة وأخرجك من الإسلام ووضعك مع شمر بن ذي الجوشن و عمر بن سعد و حرملة ويزيد في قعر جهنم خالداً فيها وساءت مصيراً !! والمصيبة الأكبر أن هذا الخطيب يعلم جيدا أن هذه الرواية من الموضوعات التي حذر العلماء من إذاعتها بين العامة  ! يقول السيد الخوئي (قدس سره) : [ لا يجوز نقل الروايات على سبيل الجزم مع الظن بكذبها وعدم صحة سندها فأنه من أفدح  الحرام] مستند العروة الوثقى , ج1ص 140 .
ومع الأسف أننا نجد كل يوم من الخطباء والقراء من ليس له عمل ولا شغل سوى تأصيل ثقافة السب والشتم واللعن لدى الناس ! وكلنا قرأ هذه الرواية  ، حيث  قال الأمام علي عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام ، أيام حربهم بصفين : 
( أني أكره أن تكونوا سبابين شتّامين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي و العدوان من لهج به، وقولوا مكان سبكم إياهم ..اللهم أغفر لنا ولهم وأصلح ذات بيننا وبينهم  ) ..ورغم هذه الكلمات التي تشع بالحب و الصدق و النبل و العظمة تجد هناك من يحسبون على شيعة أمير المؤمنين – عليه السلام – من يؤسسون  ويشرعون للسب و الشتم و اللعن على طول الخط وكأن كلام الأمام – عليه السلام – لا يعنيهم و لا يشملهم ،بحيث تأخذهم عصبيتهم الى ما لا يحمد عقباه!! 
و عليه فإنه من الضروري إلزام الخطيب أن لا يتحدث بأي حديث إلا بعد التأكد من صحته ، خصوصا الأحاديث التي تدخل في باب العقائد ، ولقد أصدر العلماء فتاوى عديدة بأنه ( لا يجوز) أن ينسب أي حديث إلى النبي أو إلى الأئمة (عليهم السلام) ما لم يوثق من صحة المصدر ، فإذا قال الراوي شيئا فعلى الخطيب أن يلاحظ هل أن مضمون هذه الرواية صحيح بحيث ينسجم مع العقيدة و الشريعة أو لا، فبعض الخطباء يقول: قال الراوي وهو يتصور أنه إذا نقل عن الراوي فأنه يعفي نفسه من المسؤولية طبقا لمقالة ( على ذمة الراوي) !! 
ولذلك فإن على الخطيب عندما يحدِّث الناس بالأحاديث أن يتجنب الحديث الذي يسيء في مضمونه إلى العقيدة الصحيحة ، فليس من المقبول أن يختار الناس قارئ عزاء في مناسباتهم الدينية  على أساس قدرته فقط على إبكاء الحضور وشحنهم بالحقد والبغض على طرف ما على حساب الخطيب القادر على إبراز الدروس والعبر النافعة من هذه القضية , لأن الإحياء بهذه الصورة هو حصر للقضية الحسينية في بعدها الشخصي العاطفي  ، وأيضاً يعطي صورة سلبية عن الدين لأنه يعبر عن مظهر من مظاهر الجهل والتخلف ، والعلماء يؤكدون على ضرورة الأستفادة من قضية أهل البيت  عليهم السلام , فهي للتضحية في سبيل الرسالة والمبدأ , والعمل في  سبيل الله وخدمة الدين , فقضيتهم وأستشهادهم وجهادهم (عليهم السلام ) ليس صحيحاً أن نجعلها مناسبة  للدموع والبكاء فقط  وإنما هي للإسلام ورسالته الإنسانية الكبرى ..
abdilhadialbabi@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/07



كتابة تعليق لموضوع : البدعة والخرافة ....وخطرهما على المجتمع الإسلامي..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : مهند البراك ، في 2011/11/08 .

كل عام وانتم بخير استاذي الفاضل

شكرا على المقال وفعلا علينا ان نستلهم من سيرة اهل البيت عليهم السلام العبر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net