صفحة الكاتب : صالح الطائي

نحن إخوة بعيدا عن التعصب الأعور
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حينما تتفتح أبواب التسامح والقبول في مجتمع ما، تتهدم السدود والحدود الوهمية التي يضعها البعض أمام المعرفة، فيضوع عطر المعرفة، وتطيب النفوس بالعلم، فمن علمني حرفا، صيرني عبدا، ومن هنا نجد أن الانفتاح الذي عاشه المسلمون والعرب في حقب مفصلية ومهمة من تاريخهم، أسهم في دفع رجال الأديان الأخرى للإسهام في صنع الحضارة العربية؛ التي نفخر بها اليوم، ونتمنى لو نحقق مثلها، أو أقل منها بعد أن صار تخلفنا مضربا للمثل، وأنى لنا ذلك ونحن بنينا حدودا وسدودا، تفصلنا عن أقرب الناس إلينا، وحتى من هم من جلدتنا وديننا، ثم اتجهنا إلى الآخرين نتهمهم مرة بالكفر، وأخرى بالتآمر، وثالثة بالغربة، مع علمنا الأكيد أنهم موحدون، مخلصون بدلالة النص القرآني، وهم ملح أرضنا بدلالة التاريخ، سكنوها قبلنا، وأنشأوا فيها حضارات قبل حضارتنا، يعبدون الله مثلنا، ويحبون أرضهم مثلنا، ولهم مكارم مثل مكارمنا، نشاركهم ويشاركونا سماتنا وصفاتنا وعاداتنا وتقاليدنا!.
من تلك الديانات التي حاول البعض أن يضع بيننا وبينهم سدا من خرافة، ديانة الصابئة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث مرات، لا قدح ولا تكفير فيها:
الأولى: في الآية 62 من سورة البقرة: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
الثانية: في الآية 69 من سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
الثالثة: في الآية 17 من سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 
لكن المفسرين والمتكلمين وأصحاب الرأي والمتفيقهين، فضلا عن الجامدين على النص والمتمسكين حرفيا بموروثٍ، هو ليس أكثر من نتاج عقول رجال يصيبون ويخطئون، شرقوا وغربوا علهم يجدون ستارة واهية، حتى ولو من نسيج خيط عنكبوت ليجعلوها حائلا بين المسلم وأخيه الإنسان من أتباع باقي الأديان التي توحد الله الحنان المنان الحي العظيم.
لكن بالرغم من كل تلك الأقوال التي رافقتها أحيانا الأفعال والقيل والقال، أبى الآخرون إلا ان يبذلوا ما لديهم؛ كرماء نجباء، فقدموا للمسلمين وللعرب وللعالم وللإنسانية خدمات خلدها التاريخ، وأفاد منها المسلمون أنفسهم، ولا زلنا ننهل من عطائها ونتعظ بشهد حكمها، وسأتكلم هنا عن نماذج محددة من المبدعين من أتباع ديانة الصابئة الذين خدموا الإنسانية بعلومهم. 
من هؤلاء المبدعين الخالدين الحكيم العظيم ثابت بن قرة، الذي تُوفى ببغداد عام 288 هجرية. ومنهم أبو إسحاق الصابي إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابي المولود ببغداد سنة 313، والمتوفى فيها سنة 384 هجرية. عرف ثابت بن قرة بمراسلاته وصداقته مع الشريف الرضي. ومن تراثه الذي تركه: كتاب التاجي في أخبار بني بويه، رسالة إلى أبي سهل الكوهي. ولمن يعتقد أن هؤلاء عملوا لمصلحتهم أو رغبة بالعطاء، أقول: يروى عن أبي إسحاق أنه أنشأ في أواخر عمره مرصدين فلكيين مهمين في بغداد، وقام بصناعة عدة آلات منها الاسطرلاب والزيج، فماذا يريد أن يجني من يصنع هذا الجميل في آخر عمره؟!.
ومن هؤلاء المبدعين أبو الحسن هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم بن إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابي الحراني، الملقب بالصدر الأوحد المولود سنة ٣٥٩ والمتوفى سنة ٤٤٨ للهجرة. كاتب ومؤرخ وأديب من بيت اشتهر بالأدب والفضل، فأبوه المحسن الصابئ المتوفى سنة 401 هجرية، كان من أصحاب أبي سعيد السيرافي. وأفاد من رواياته ياقوت الحموي في كتبه، ولقّبه ابن خلكان بالرئيس، وشهد له الخطيب البغدادي أنه كان ثقة صدوقا، وشهد له بحسن السيرة والبلاغة والأدب كثير من أقرانه، فولِّي ديوان الإنشاء ببغداد زمنا. كان أديباً شاعراً من صابئة بغداد، ومن أسرة عريقة أديبة، فجده إبراهيم أبو إسحاق صاحب الرسائل البديعة.
من مؤلفاته الشهيرة كتاب الذيل على تاريخ ثابت بن قرة من وقائع سنة 364 إلى سنة ٤٤٧ هجرية، وكتاب الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان في الأخبار والنوادر.
وهذا يعني أن الأمة العربية لا يمكن أن تنهض من كبوتها الطويلة إلا بالعودة إلى جذور التسامح التي دعا لها الإسلام، وتركها المسلمون، تأثرا بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان، وأول خطوات طريق التسامح هي نبذ عقيدة تكفير الآخر، والنظر إلى الناس وكأنهم سواسية كأسنان المشط، فخير الناس من نفع الناس، لا من كفرهم وحقرهم وقتلهم وهجرهم، دون أن يملك دليلا على صحة ما يفعل!. 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/01/08



كتابة تعليق لموضوع : نحن إخوة بعيدا عن التعصب الأعور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net