صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

وقفة في ذكرى شهادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كثيرةٌ هي الشبهات التي لفقتها الأقلام المناوئة في كتابتها لتاريخ أهل البيت عليهم السلام عند الحديث عنهم,تدفعهم لذلك مراجل الحقد التي تغلي في صدور الاقلام, ونار الحسد التي تستعر على سطور الاوراق,ومن يطالع تاريخ الصدِّيقة البتول عليها السلام ,كمثالٍ حيٍّ ,وشاهدٍ حاضر, لا يعدم وجود مثل هذه الشبهات التي نوهنا عنها.
.ولكن ,هل يسع غربال التزوير أن يحجب شمس الحقيقة؟
أم هل يقدر ستار التضليل ان يخفي سطوع الواقع؟
أم انَّ انوار الفضائل التي تشعُ بها خصالُ الزهراء عليها السلام ,أسمى جلالةً ,وارفع قدراً من ان يمحيها ظلام التزوير؟
تعالوا لنقرأ شيئاً عن مظلومية البتول عليها السلام في ولادتها,لنرى مدى جناية الاقلام الاموية على هذه الحادثة بعد وفاتها.
لقد زعم فريقٌ كبيرٌ من الكُتَّاب ان ولادتها كانت قبل بعثة النبيِّ صلى الله عليه وآله.
انه تهتك علمي ,وعدوانٌ على صرامة البحث ,ودقة المنهج أن يزعم هؤلاء ان ولادتها عليها السلام كانت قبل البعثة لابعدها.
وقد يسأل سائلٌ: هل تاريخِ ولادتها مهمٌ إلى هذه الدرجة بحيث يشكلُ القول بولادتها بعد البعثة أو قبلها فرقاناً بين حقٍ وباطل,ميزاناً بين استقامة وضلال؟ وانعطافةً مهمةً في مسيرة البحث التاريخي؟
والجواب نعم ,الامر قمينٌ بالتأمّل ,حقيقٌ بالتدبر,جديرٌ بالتفكر, ولهذا ولغيره جهدت يراعة الامويين أن تثبت ان تاريخ ولادتها كان قبل البعثة.
فهاهو العسقلاني يقول (واختلف في سنة مولدها فروى الواقدي عن طريق أبي جعفر الباقر قال قال العباس ولدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بن خمس وثلاثين سنة وبهذا جزم المدائني,ونقل أبو عمر عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين وتزوجها عليٌّ (عليه السلام) أوائل المحرم سنة اثنتين بعد عائشة بأربعة أشهر وقيل غير ذلك وانقطع نسل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إلا من فاطمة).8/262
هذا الاختلاف في التاريخ هو الذي أوجب اختلافهم في عمرها يوم وفاتها ,فهاهو أبنُ عبد البر يذكر ذلك في الاستبعاب قائلاً (واختلف في سنّها وقت وفاتها ، فذكر الزبير بن بكار أنّ عبد الله بن الحسن ابن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي ، فقال هشام لعبد الله ابن الحسن : يا أبا محمد ، كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنّ ؟ فقال : ثلاثين سنة . فقال هشام للكلبي : كم بلغت من السنّ ؟ فقال : خمسا وثلاثين سنة . فقال هشام لعبد الله بن الحسن : [ يا أبا محمد ] ، اسمع ، الكلبي يقول ما تسمع ، وقد عنى بهذا الشأن ، فقال عبد الله بن الحسن : يا أمير المؤمنين سلني عن أمّى ، وسل الكلبي عن أمه).4/452
ترى ماهو السرُّ الدفين في اصرارهم على إثبات ان وفاتها كان في نهاية التاسعة والعشرين كما عن اسد الغابة أو في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين كما عن الاستيعاب؟ ولِمَ لَم يشيروا ولو بنحو (القيل) الذي يدلُ على التضعيف إلى ان وفاتها كان في الثامنة عشرة من عمرها الشريف,بناءً على أن ولادتها كانت بعد البعثة بخمس سنين وهو القول المروي عن الامامين الصادِقَين الباقر والصادق عليهما السلام؟
من المعلوم ان وفاة شابَّة دون العشرين من العمر ,لم يذكر المؤرخون انها أُصيبت بمرض ,أو ألمَّت بها وعكة ,من دون سببٍ خارجي ,أو مؤثر يقضي بالموت على روحها الطاهرة أمرٌ يُثير الاستغراب حقا,ويدعو العقلاء إلى التساؤل:ترى لماذا تذبلُ هذه الوردة الفوَّاحة في ربيع العمر؟ ويغرب هذا البدرُ المنير على افق المنون؟
ولقد أثار مثل هذا التساؤل العقاد في كتابه (فاطمة الزهراء والفاطميون) مج4/50 فقال (قال ولم يكن بالزهراء من سقم كامن يعرف من وصفة فإن العرب لو صافون وإن كان حولها من آل بيتها لمن أقدر العرب على وصف صحة و السقم فما وقفنا من كلامهم وهم يصفونها في أحوال شكواها على شيء يشبه أغراض الأمراض التي تذهب بالناس في مقتبل الشباب وكل ما يتبين من كلامهم : أنة الجهد, و الضعف , و الحزن . وربما اجتمع إليها أعباء الولادة في غير موعدها إن صح أنها أسقطت محسنا بعد وفاة الرسول (ص) كما جاء في بعض الأخبار)
فها أنت ترى العقاد - رغم عدم انصافه في البحث ,ولامعدلته في الحكم, ورغم جناية كلماته على حقوق الزهراء في فدكٍ وغير فدك ,ولكنه يلمح إلى الامر تلميحا شوقاً إلى الحقيقة ,ثم يبتعد عنه خوفاً من ثمنها ,ونحن نتساءل معه ايضاً (فما وقفنا من كلامهم وهم يصفونها في أحوال شكواها على شيء يشبه أغراض الأمراض التي تذهب بالناس في مقتبل الشباب).
فنحن حتى لو سلَّمنا بأنها توفيت في الثلاثين من العمر تنزلا ,ولكن هذا لايمنع من التساؤل ,فإن موت إنسان ليس فيه مرض ,ولايشكو من علة في الثلاثين من العمر وهو قليل الوقوع بحسب العادة أيضا يثير الاستغراب فما بالك إذا كانت الوفاة دون العشرين من العمر؟ انه يجعل التساؤل أكثر الحاحاً ,والاستغراب اشدَّ وقعا.
دعنا نرجع مرةً أخرى إلى العقاد ,انه يقول (وكل ما يتبين من كلامهم : أنة الجهد, و الضعف , و الحزن . وربما اجتمع إليها أعباء الولادة في غير موعدها إن صح أنها أسقطت محسنا بعد وفاة الرسول (ص) كما جاء في بعض الأخبار)
نقول له صحَّ باعتراف القوم انفسهم إسقاط المحسن عليه السلام ,وقولك (إن صحَّ) مصادرة على المطلوب حيث جعلت الدليل نفس المدعى ,لم ينكرها شاعر النيل وهو يذكر حادثة الحجاز بقوله:
وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ماكان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحاميها
إذن ,كان سببُ وفاتها في ريعان شبابها, هجوم جماعة الانقلاب عليها وعلى دارها,فلم يكتمل إفتراع ذلك الغصن الالهي,ولا استوى على سوقه ذلك الزرع النبوي ,فغادرت هذه الحوراء الانسية عالم الإمكان هذا إلى ذلك العالم النوراني الذي خرجت منه أول مرة تفاحة بيد المصطفى صلى الله عليه وآله ,لتعود بعد ذلك شهيدةً تشكو لمولاها ما ألمَّ بها منهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/03



كتابة تعليق لموضوع : وقفة في ذكرى شهادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net