صفحة الكاتب : مرتضى المشهدي

هُم فَاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعلُهَا وَبَنوهَا
مرتضى المشهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يقول الفقيه السيّد محمّد الشيرازيّ - تعليقاً على قوله (جلّ جلاله): « هُم فَاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعلُهَا وَبَنوهَا » كما في حديث الكساء - [١]:

« يستحبّ بيان مكانة فاطمة الزّهراء (عليها السّلام) عند الله تبارك وتعالى، وأنّه تعالى جعلها (سلام الله عليها) هي المحور في تعريفهم (عليهم السّلام). 
وعند إرادة الحديث عن أفراد عائلة واحدة يحسُن اقتضاءً تسمية واحد منهم - لاعتبارات معيّنة - كمركز، ثمّ إدارة أسماء الباقين عليها، كما قال سبحانه: « فَاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعلُهَا وَبَنوهَا ».

ولعلّ السرّ في جعلها (صلوات الله عليها) محوراً: أنّ الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة (عليها السّلام) حين كانوا في الظُّلمة، ثمّ ببركة نور فاطمة (عليها السّلام) خرجوا إلى النّور.
وفي الحديث: عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قلتُ له: لِمَ سُمّيت فاطمة الزّهراء زهراء؟ فقال (عليه السّلام): « لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) خلقَها من نور عظمته، فلمّا أشرقَت أضاءت السَّماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصارَ الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيّدنا، ما هذا النُّور؟ فأوحى الله إليهم: هَذَا نُورٌ مِن نُوري ».

ولرُبّما كان السرّ نفس مفاد حديث: « لَولَاك لَمَا خَلَقْتُ الأَفلَاك.. ».

أو لأجل أنّ فاطمة (سلام الله عليها) تصلح أن تكونَ محوراً مباشراً بلا واسطة بينما سائر المعصومين (عليهم الصّلاة والسّلام) إنّما يتّصل بعضُهم ببعضٍ بواسطة، ففاطمة وأبوها، وفاطمة وبعلها، وفاطمة وبنوها، بينما إذا أُريد إبدال اسمها باسم الرّسول (صلّى الله عليه وآله) فاللّازم أن يقول: محمّد (صلّى الله عليه وآله) وابن عمّه، ويقول: محمّد وأحفاده، وكذلك بالنّسبة لعليٍّ والحسنين (عليهم السّلام)، فرُبَّما لهذه الجهة اقتضت البلاغة جعل فاطمة (عليها الصّلاة والسّلام) المحور.

ورُبّما يكون السّبب: هو ما ورد في الحديث الشريف عن الصّادق (عليه السّلام): « هي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ».
ولا يخفى: أنّ الله سبحانه قرّر للمخلوقات حركة دورانيّة بمعنى العودة إلى المبدأ، كما جعل لأجزاء وجزئيّات عالميّ المادّة والماورائيّات محاور وأقطاب رحى، فالشّمس والقمر والكواكب والأرض يدور بعضُها حول بعض، وتدور على القرون وماء البحار وغيرها تبخّره الشّمس فيصعد إلى السَّماء، ثمَّ ينزل منها إليها على شكل أمطار وهكذا دواليك. والأشجار والحيوانات كذلك تنشأ من الأرض، ثمَّ تعود إليها كما كانت. قال سبحانه: ﴿وَاللهُ أَنبَتَكم مِنَ الأَرضِ نَباتَاً﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿وَمِنْهَا خَلَقْنَاكُم وَفِيهَا نُعِيدُكُم﴾ إلى غير ذلك من الأمور، حتّى أنّ العلماء قالوا: كما أنّ المادّة تتحوّل إلى طاقة وإحدى سُبل ذلك الانفجار الذّريّ، بل ذلك حادث بشكلٍّ طبيعيّ في أجهزة بدن الإنسان والحيوان و.. دوماً دوماً كذلك الطّاقة يمكن أن ترجعَ إلى المادّة، وإنّما الأمر بحاجة إلى أجهزة متطوّرة تتمكّن من استرجاعها كما كانت، هذا في الماديّات.
أمّا المعنويّات: فلها مدار وقطب ومركز أيضاً، ولذا يُقال: يدور المجتمع السّليم على محور الدّين، بمعنى أنّ الأخذ والعطاء والمعاملات والأنكحة وغيرها تكون على محور الدّين، وحتّى الماديّين يرون: أنّ برامجَهم ومناهجهم ومجتمعهم تدور على محور أوامر ماركس مثلاً، فمنه تستمدُّ وإليه ترجعُ، فإنّ المجتمعَ لا تكفي فيه المادّة فقط، بل يحتاجُ إلى قوانين تقوم بتنظيم حياته في مختلف الأبعاد، فلا بُدَّ أن يكون له قانون يكون هو عماد الحياة ومحورها، يدير شؤونه ويحول دون الفوضى والهرج والمرج. إذن: فالحياة الماديّة هي بدورها على مور البُعد المعنويّ سليماً كان أم سقيماً.
وحيثُ أنّهم (عليهم السّلام) محور الكون والكائنات؛ حيث كانوا هم السّبب في إفاضته سبحانه وتعالى: المادّة والمعنى، وكانوا هم الطّرق والوسائط في هذه الإفاضة، لذلك فهم (عليهم السّلام) قطب رحى الوجود، وعليهم تدور القرون والأزمان بقول مطلق، وفاطمة (عليها الصّلاة والسّلام) هي محور هذا المحور.

وإنّما خُصِّص بـ« الأُولى » في قوله (عليه السّلام): « وعلى معرفتِها دارتِ القرون الأولى » ـ كما في رواية البحار عن الإمام الصّادق (عليه السّلام) ـ؛ لأنّ الأُولى إذا كانت على كيفية فالأُخرى تكون على تلك الكيفيّة ـ عُرفاً ـ، بخلاف ما إذا كانت الأُخرى كذلك، حيث لا تستلزم أن تكون الأُولى مثلها أيضاً، وإذا أطلقَ بأن قال: « دارت القرون » كان المنصرَف منه قروننا فقط، من قبيل قوله سبحانه في مريم (عليها السّلام): ﴿عَلَى نِسَاءِ العَالَمينَ﴾ حيث المنصرف منه عوالم زمانها، مثل أن يُقالَ: الدّولة الفلانيّة أقوى الدُّول؛ حيث أن المنصرَف منه: الدّول المعاصرة لها. 
وكما أنّ الله سبحانه جعل للماديّات مخازن تستمدُّ منها، مثل الشّمس التي هي مخزن ومنبع النّور والحرارة والدّفء، والبحار وهي مخزن الماء والأسماك، والهواء وهو مصدر ومخزن الأوكسجين الذي به يتنفَّس الإنسان والنبات والحيوان، إضافةً إلى ما يحمله من أمواج ـ بشتّى أنواعها ـ وغيرها، والأرض وهي مخزن التّراب وما ينشأ منه من النباتات والأشجار وغيرها. وكذلك جعل للمعنويّات مخازن ومعادن، يتمّ الاستمداد منها بالمباشرة بواسطة القدوة والأُسوة، فالأنبياء (عليهم السَّلام) خزنة علم الله سبحانه ورسالاته، وكذلك الأوصياء والسيّدة الزّهراء (عليها السّلام)، والنّاس يستمدُّون منهم مختلفَ العلوم والمعارف؛ إذ كلُّ المعارف والعلوم البشريّة تعود إليهم بشكلٍ أو بآخر. 
وكذلك للشّجاعة والكرم والعاطفة وغيرها من الفضائل منابع ومعادن، فإنّ تلك الصّفات في الكبار من النّاس تُحتذى بالأُسوة والإتّباع. 
ولعلّ بكاء يعقوب (عليه السّلام) تلك المدّة الطويلة كان من ذلك، حيث يستمد النّاس منه العاطفة بالأُسوة والافتداء. وكذلك بكاء الصدّيقة الطّاهرة والسجّاد (عليهما السّلام)، إلى غير ذلك.

فلا يُقال: كيف بكى يعقوب (عليه السّلام) وهو يعلم أنَّ ولدَه حيٌّ، وسيرجعُ إليه مَلِكاً، وكيف بكى السجّاد (عليه السّلام) والزّهراء (عليها الصّلاة والسّلام) وهما يعلمان بأنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله) والحسين (عليه السّلام) وأهل بيته والمستشهدين بين يديه (عليهم السّلام) ذهبوا إلى جنان الله الوسيعة، وكان علمهم بذلك عين اليقين، بل حقّ اليقين. 
هذا بالإضافة إلى أنّ بكاءهما (عليهما السّلام) كان سياسيّاً أيضاً؛ حيث أرادا فضحَ المخالفين، فإنّ كلاً من الهجوم والدّفاع يكون عاطفيّاً بالبكاء ونحوه، وسياسيّاً بالحوار والمعاهدات ونحوهما، كوضع الرّجل المناسب في المكان المناسب وعكسه، واقتصاديّاً وغير ذلك ممّا سنذكره في مقدِّمة الخطبة إن شاء الله تعالى.

لا يُقال: إذا كانوا (عليهم السّلام) يعلمونَ بأنّ ذويهم في رُوح وريحان وجنّة ورضوان وفي كمال الرّاحة، فلماذا كانوا يبكون؟ وهل يتأتّى البكاء لمن يرى ذويه في راحة ونعيم؟
لأنّه يُقال: قد ذكرنا في بعض مباحث الكلام: أنّ علمَهم وإحساسهم الغيبيّ لا يؤثِّر في شؤونهم الدنيويّة، وإلّا لم يكونوا أُسوة، وكذا بالنّسبة إلى القدرة الغيبيّة، ولذا لم يستخدموها لدحر العدوّ أو للتوقّي من القتل وشبه ذلك على تفصيلٍ ذكرناه هناك ». انتهى

__________________
[١] من فقه الزّهراء، ج١، ص٢٢٠-٢٢٥.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى المشهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/03



كتابة تعليق لموضوع : هُم فَاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعلُهَا وَبَنوهَا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net