صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

روابي الانتفاضة  الشعبانية ـ كربلاء
علي حسين الخباز

       رابية أولى .. 
                      (السؤال)    
في مرآب محافظة ميسان راح يتأمل  الناس ....المحلات .... الشوارع .. حيوية الصخب العام التي هي جزء من هوية  المكان ، ورغم هذا استطاع  (محمد السعدي ) أنْ يقرأ عوالم الصمت الخجولة الكامنة في أحشاء هذا اللغو اليومي  ..  ،  فيسأل نفسه كيف لمدينة  بهذا الصمت  ان  تنتفض ؟ .. توهج الجواب في  معايشة ناسها ليُؤمِن تماما أنّ هذه المدينة  لاتقلق أبدا ... عاشرت  الحرب حد ألفتها .حلمت أن تثور  ضد كيان ظالم حكم    لأكثر  من  عشرين عاما ...والانتفاضة مسألة  أكبر من حرب ... سأله  احدهم  وهو يدس  اللقمة في فمه ..
:ـ هل كنت هناك ؟    
:ـ أين ؟
:ـ في البصرة ؟
:ـ نعم كنت هناك ... وقد أستولى رجال الانتفاضة على جسر  القرنة  وقطعوا الطريق 
:ـ الأنتفاضة ـ ؟
 قالها وملامح الظمأ واضحة على محياه لكونها تشكل جزءا من أحلامه وأحلام كل عراقي .. جاءت اللفظة مصحوبة بدهشة  التجاوز الجريئة .. والحقيقة أن الواقع أقرب... له حكمة تقول  مهما طال أمدُ الليل لابد من متسع للفرح   ،....  لهذا صار للبهجة طعم آخر...  يا إلهي  ...أخيرا سنثور  .. سنغير  حكم الطغاة ..
:ـ  ...هل ستفعل  الانتفاضة ما عجزت عنه الحرب؟ 
من الصعب التخمين بشيء  . صحيح أن واقع الانكسار ومرارة الهزيمة على عتبات الحرب لمضّت العراقي وجعلته يقول أشياء جديدة لم يعهدها الشارع من قبل .... فقال وهو يتأمل وجه من حوله
:ـ ساحاول ثانية عساني  أدخل البصرة ..  الحرب لم تقدر أن   تكبل خطواتي  هل ستكبلها  الانتفاضة ..وأنت ؟
:ـ لابد  لي أن أدخلها 
: ـ ... هناك سألتقي بإخوتي في منطقة حمدان  ...
هل عندك سيارة ؟
:ـ نعم وسأدخل من مدينة الدير 
:ـ سأتي معك 
الحلم الذي  كان يكابده  أكبر من البوح  إذ كان يتمنى انطلاقة  مثل هذه الانتفاضة من كربلاء .. من مدينة الرفض المقدس ..
وذخيرة الثورات .. ممولة كل انتفاضة تثور ضد الجور ..ليتربط جذرها بالمعنى الروحي لواقعة الطف الخالدة  ، لكن  وجود الواقع الذي  يكشف عن فاعلية الجنوب سيترك له المجال الكافي في البصرة عسى أن يلتقي بالمنتفضين ليجد أجوبة  مقنعة للكثير من الاسئلة  التي  بدأت  تكبر  معه 
همس  العسكري  الذي يقاسمه المقعد دون معرفة مسبقة  ودون مقدمات تمهيدية  
:ـ إذا  دعاك المنتفضون  للمشاركة  هل ستفعل ؟
:ـ  طبعا لا 
... سأل حينها الصحيب بشيء من الدهشة  والأ نكسار .. 
:ـ لِمَ ؟
:ـ لأن كربلاء  أولى بي ... وأنت؟
:ـ سأشارك طبعا ،  أينما أذهب فأنا أرى  العراق .....
القضية أكبر من نقاش عابر في طريق مسافر ولعابرين إجتمعا دون موعد .. لابد أن يضع أمام عينيه فوارق الوعي والتجربة واختلاف بؤر النظر الى المشكلة انطلاقا من خصوصية كل بيئة  ,,
قال ...
:ـ  علينا أن لانستعجل الأمر 
:ـ  ماالذي  يمنعنا  من السعي إلى الخلاص في وقت نحن بأشد الحاجة إليه .؟
برهة صمت راح يتأمل من خلالها وجه صاحبه ليستشف أبعاد شخصيته ..حيث أردف الصحيب قائلا
:ـ .ألا تخشى  ضياع الفرصة  ؟
أجابه بتوتر:
:ـ من الطبيعي جدا التفكير باستثمار مثل هذه الفرص التي قد لاتتكرر .هذا حق مشروع لكن القلق الحقيقي يكمن في معنى هذا الاستثمار وهويته الوطنية  كي لانذهب إلى سراب ..
:ـ  وما الضير اذا اتكأت الانتفاضة على الخارج المنتمي ؟ لماذا هذا القلق الذي لا مبرر له؟ وفي الخارج لنا أبناء  وقيادات  وهويات  تفرعت من ذات الهوية ..خمسة مليون عراقي عندنا في  الخارج أليس من حقهم أن يحلموا بتحرير بلدهم ..؟ هل صرنا نفكر كما يفكر الحكام الطغاة .؟..لنتحاور  مثلما نريد ونعرض جميع الهواجس للتحاور بهدوء لكن يجب أن لانتنازل عن أحلامنا .... يجب أن لانترك المنتفضين لوحدهم دون نصرة 
:ـ الوطن غالي يا أخي ومن حق الشعوب أن تقلق على مصيرها 
:ـ الوجع وطن أيضا .. ألاوباش غيروا معاني الكثير من المفردات  حتى أصبحت الطاعة تعني الإذلال 
أجابه   ..
:ـ  العسكرة تكره الوعي ولذلك  تعد الجيوش دائما  من فئات عمرية  خاصة  وتباغت المقصد بحجة التحمل  بينما الحقيقة هي أن أعمارنا  غير صالحة للحروب ...ثقافة هذه الأعمار لاتصلح للتقاتل . وخاصة عند هذا الشعب الذي محصته المحن فصار يتمتع بثقافة شعبية عامة جعلت من الوعي سمة من سمات هذه ألامة  
:ـ من الطبيعي أن تكون  هواجسنا  سلالم صحوة   تأخذنا دائما الى سفوح  التخمين المدرك ..
:ـ المهم عندي هو ..أن نناصر الانتفاضة ونجعلها محتوى للمكنون الشعبي ضد أي كلمة تحبط الهمة ..من أجل أن تكون بمستوى الطموح
:ـ الخلاص 
وفجأة توقفت السيارة والتفت السائق ليقول بغضب 
:ـ لقد قطعوا طريق الدير أيضا  ..
          &&
          رابية ثانية   
                (الهواجس)
النظر باتجاه المعنى يقود الى العودة مرة أخرى إلى ميسان دون تحقيق أي شيء  ، والعودة إلى ميسان يعني ضياع  المجهود  وضياع فرصة البحث عن إخوته .. فمن سيمنح جفنيه  نعاسا  كي يسرق  من هذا ألليل أغماضة عين  تبعد الحزن ؟  ... هي فرصة  أن يلغي الإنسان  صحوته  طوعا ولم يبق أمامه سوى صحيب مقعده هذا المبحر  في صحوته  حد الدهشة , هذا الرجل ألذي باغته بثقافة عالية..   له عقل كبير ووثبة متمكنة  ومنطق رصين   ووطنية تدهش  كل حضور .. هي زهوة هذا الشعب  ..
عمقت الألفة امتدت بينهما حتى بدى الأمر كأن يعرفه قبل سنوات ...راح يتحدث عن ذكرياته  يحكي له مثلا عن أول شجة رأس  وعن أول يوم مدرسي  وعن أول ابتسامة فتحت نوافذ الحياة  وعن أول صفعة وسجن..الخشية الحقيقية التي تسكن قلبيهما هي الانتفاضة ، خشية أن تظهر مجرد مغامرة تنتهي بمأساة كبيرة وحينها ستضيف لهذا الشعب معاناة أكبر .. 
:ـ ألم تكن هي الحلم الذي كان يراود الأمة منذ عقدين ؟
قال .... 
:ـ الشعب الذي يعيش تجارب  كبيرة كالتي عاشها العراق يؤمن كنتيجة بأن الحياة لا تتوقف 
لكن عليك أن تدرك  خطورة  أي خطوة مرتبكة ، فإنها ستعطي ناتجا سلبيا وتصبح ثورة هذا الشعب وبالا عليه 
:ـ هواجس ..مجرد هواجس .
:ـ .قد تكون ....هواجس واعية لأنها طموحة بأن تؤدى الانتفاضة بخطوات غير مرتبكة ..
:ـ  أرى  الارتباك هاجس خواف لابد _أولا_ من تجاوزه لنعرف قيمة الجرأة التي يقدم عليها الشعب ..ثق ستكون الانتفاضة نبراس كل نهضة تسعى لتكسر صنم  عبوديتها ...
 اضطر السائق للتوقف والنظر في الأمر ..الطريق مغلق والشوارع مكتظة بالناس 
وإذا بصوت جهوري يصيح 
 :ـ انتفضت ميسان .. وإنقطع درب السابلة وتاه  الطريق .. 
دفع محمد جسده ليدخل  قلب ألمشهد  فرأى الناس  شارعا يمتد  إلى الأفق  ... عويل دعاءات  تحملها هوامش  الخوف ...  بينما هو يبحث عن صديقه ألذي غاب وسط الزحام  وتذكر قوله 
:ـ ألوطن محراب 
ثم إستسلم لمقعده  وتأمل بصمت لما يجري   وإذا بصاحبه يعود بعد ساعة محملا بالفرح وهو يصيح
:ـ   لاغريب فيهم  ..
:ـ من ؟
 :ـ أهل الانتفاضة وحملوني السلام إليك 
:ـ هل ستبقى معهم ؟
:ـ أتمنى وجودك معي ...
ترك الصحيب فراغا كبيرا  جعله يقرأ  جميع أسئلة الصمت .. لماذا  عجزنا عن التغيير كل هذه السنوات ؟ 
كيف لفرد أن يحتل   شعبا بعراقة  هذه الأمة  ؟ صحيح... هو نفسه كان يقول أنا لست فرد أنا أمة .. نعم أمة حملت إرث الطغاة  وصاغت من الجور برهانها ،عرش يعتاش على  دماء المقهورين  ...
                     &&&&
   رابية ثالثة  
               ( الغضب الميساني )
وعند مأذنة  الفجر  فتح الطريق ., وأصبح الدخول إلى ميسان أمرا ممكنا  .. آه كيف اختفت بهذه السرعة ملامح الأمس المسالمة ..وكيف تحولت الوداعة الميسانية إلى شراسة  قتال  ... المنظر يتحدث  عن بقايا قتال عنيف  جرى لساعات قليلة  .. عجلات كبيرة مسلحة شاهدها وهي تحترق ,حقول موت نبتت على أرصفة العمارة ..شجاعة موفقة باغتت الجيش المنهار وأنهت القتال لصالحها ... 
لاأحد يعلم ما سيقوله التأريخ  عن سطوة  حزب عمّر عقودا  زمانية كأدهى  محتل  وأشرس قاهر وإذا به يهرب  عند أول صرخة  ضيم .. تحاشا السائق الدخول إلى المرأب بسبب التظاهرة الصاخبة التي جمعت الأمهات للتظاهر ومقاتلة كل ظاهرة عسكرية في المدينة وهن يحملن الحجر حينها صاح السائق وهو يوجه تعليماته الى الركاب الذين حاولوا النزول من السيارة ..
 :ـ  لاأحد ينزل ...الأهالي ثائرون   ... لا ينزل أحد في المرأب (الكراج ) ... سأتوجه فورا إلى الكوت  ... كلما يشعر الفرد إن المحنة قد إنتهت فإذا به يواجه محنة أخرى أشد وأصعب ولم يكن المسير الى الكوت   بهذه السهولة..  فقد تنوع  الثقل المسيطر  مناطقيا ، سيطرة للحزب وأخرى  للانتفاضة   .. صار على أحدهم أن يقف هاتفا لكل  فريق بما يحب أن يسمع .. .. أي موقف هذا الذي  يوصل  الإنسان  لهذه الدرجة من الضعة ..  
:ـ التلون خذلان 
:ـ ليكن  فقد تعودناه  وصار من العسير العيش دونه  ... زغرودة  لكل سيطرة بما تهوى  من شعارات  لننجوا ....
وعند سيطرة من السيطرات خانهم التخمين  فهتفوا  للإنتفاضة وإذا بها  تحت سيطرة الحزبيين فرموا السيارة بوابل  من رصاص  
:ـ سيطرة .. 
والتقت الرؤوس بالرؤوس  تحت المقاعد ,عاش الاستسلام بكامل لياقته ..
:ـ حرام أن نعيش  كل هذه المصائب  دون أن نحسم الأمور يوما 
:ـ ماذا يجني من يحمي الطغاة ؟
:ـ كيف للأنسان أن يبيع  ثراءه  بفتات  موائد  بخيلة  
:ـ يارب نجنا مما  نخاف ونحذر  
:ـ  التمرد  على مثل  هؤلاء  الطغاة  نصر  لايحتاج  إلى نتيجة ...
تناثرت مثل هذه الجمل لتلم اعتراضات  الرؤوس المختبأة تحت المقاعد  وهي تمجد الهروب  الموفق  من السائق الذي يستحق نوط شجاعة ومن النوع العسكري لهروبه المميز والذي  جعله  يتصرف كبطل  استطاع انقاذ حياة اربعين شخص  ويخرج بسيارة اثقبتها الندوب..  أين ما تبحث ستجد مأوى الرصاص  والسباب والوعيد  .. وأمام سيطرة أخرى   كان الحال يختلف  فالبحث كان يجري ضمن قائمة اسماء منتظمة  ومن ثم يفتش الركاب جميعهم  
:ـ من اين ؟
 :ـ كربلاء 
:ـ ملتقانا هناك إن شاء الله  .. 
الدعاء في حضرة  الحسين عليه السلام  أمانة ...
         &&&&
رابية رابعة     
                 ( مفاتن الصمت )
 اشار السائق باصبعه إلى الشارع الممتد أمامه وكأنه يريد أن يقول بأننا على مشارف النجاة، 
فضاء أخرس ..مبهم عند مشارف  الكوت ، كان الصمت يشيع مهابة كل شيء يدل بوضوح على ,ضخامة الاستعدادات  الأمنية  للسيطرة  على أي  بادرة  من بوادر الانتفاضة ..
:ـ  ماذا لو تحدت الكوت كل هذه الاحترازات وثارت ..؟...
  لابد لهذه الانتفاضة أن تتسع جغرافيتها كي يكون تأثيرها أعم وترفع يد التمكن عن الجيش الذي عليه أن يحاصر كل مدينة تنتفض .. وعند وصولنا الكوت استفحل السؤال 
:ـ هل ثمة ملامح للانتفاضة  ؟
:ـ لااعتقد الأمور معدة  للسيطرة  تماما 
 همس السائق  في أذني السعدي 
:ـ الجوع يمنع التفكير  تعال لنأكل أولا ثم نتناقش حول ما يدور 
لا أحد بقى من الركاب سواه الجميع رحلوا  ..لماذا بقى ..؟  ربما أراد أن يرد الجميل للسائق باستضافته على مائدة غذاء أو ربما هي استجابة لقلق صديقه  السائق 
 :ـ لابأس ابق لنعرف الأمر 
مفاتن الصمت أكثر إغراءً  من الكلام  ..  أناس علمتهم الحرب أشياء كثيرة  فصاروا فلاسفة العالم ... هم تعودوا الخوض  في تأويلات انكسار  مدمن  فلا يريدون اليوم  أن يفروا إلى موت  ...  ولهذا طلب السائق برهة  للسؤال عن متغيرات الطريق 
.:ـ  السؤال ملاذ  والعجلة كمين  أبله  
خذ ماشئت من الوقت مادام هو أعمى ...
كانت دار الاستراحة عبارة عن مقهى  كبيرة  تأوي  تعب  السائقين و تستثمر جوع  المسافرين  ولذا راح  السائق يسأل  القادمين  من  بغداد عن الحال .. شعر حينها إن ملامح صديقه السائق غير مستقرة وتعلن  عن ذخيرة  أخبار غير مطمئنة إلى أن أخبره   
:ـ مفارز كثيرة وكبيرة عند مشارف بغداد تحتجز الجنود  لتكوّن منهم وحدات  عسكرية جديدة  .. وهذا الجيش يعد لمواجهة الانتفاضة .. علينا التأني  حتى لو اضطر  الحال إلى البقاء  في الكوت  
:ـ  اعتقد أن ميسان قبل الانتفاضة كانت أهدأ كثيرا  من الكوت  
:ـ الحال يختلف هنا  فهي الأقرب إلى بغداد وسقوطها يعني سقوط بغداد  وثقل الجيش المسحوب من الحرب هنا أثقل من العمارة  ..
 :ـ مرعبة سطوة  المهزومين 
:ـ إذن أنت تدرك أبعاد اللعبة 
برهة صمت إختلى فيها كل إلى ذاته وإذا بصخب  ودوي رصاص وهتافات ،هاهو الصمت يتحول  إلى غضب شعبي عارم  
:ـ انتفضت  الكوت  
:ـ لااعتقد 
:ـ وكل  هذا الضجيج  والصخب  ودوي الرصاص   والهتافات الضاجة  بالثبور  
 :ـ قلت لك إنها الكوت  ... لو سقطت  لسقطت  بعدها بغداد  .. والطواغيت  ما زالوا يمتلكون  القوة والسلطة  
:ـ لاتنسى  الطيران  ممنوع 
 والجيش  مشتت  وعدته محروقة  في طريق صفوان  
:ـ قوات الحرس الجمهوري  معدة لحماية  الحكومة ...  ولم تشترك في أي معركة أو حرب  ... دعنا هنا  ننتظر الأمر 
ساد هدوء غريب في الجو العام لمشارف مدينة الكوت القريبة  بعد برهة حيرة دخل أحدهم  وهو يقول 
:ـ  انتفض الناس هناك ومن ثم تقاتلوا فيما بينهم وانتهى الزعيق.... 
غصت الحيرة بعلامات الاستفهام هل يعقل أن يزوغ الثوار حد التلاشي  ؟... أم هي انتفاضة فعلا لكنها أُجهضت في قسر صموت ؟,, ولاشيء أمام عينيه تلحظها سوى كربلاء  التي استحالت هاجسا يعتمر كل بقاع الارض .. كارثة أن نقبع بعيدا عن تفاعل المواقف ..  
:ـ لاتذهب 
:ـ أخشى من غفلة  ترديني .. .. لابد أن أذهب 
:ـ غير آمن  هو الطريق  .. السيطرات  تمول تشكيلا عسكريا لمواجهة الانتفاضة ,,,
 لم يكن  من الحكمة البقاء  وسط هذه الاجواء  المرعبة  
:ـ لابد  أن  أذهب  كي لا أموت  بعيدا عن كربلاء ..هل تعرف أن هذه المواقف قربت لي  حقيقة مهمة 
:ـ  ماهي ؟
:ـ  إن هناك علاقة مباشرة لهذه الانتفاضات بكينونة كربلاء ,بوجودها وكأنهم يثورون استجابة لندائها,  .. كربلاء يا صديقي هي قائدة الثورات , لتبدأ الانتفاضة من أي محافظة كانت فهي من كربلاء ..
من جذرها المتمكن ....
يعود صاحبه ليطالبه  بالتأني  لتحقيق أطمئنان  يعيد له  المسافات بينما السيطرات التي زرعوها في جسد الطريق صارت هي الهاجس المؤذي  .. الأنفاس محبوسة عندها..جنود هدهم التعب   والارهاق ساروا على  أقدامهم أياما  كي يصلوا  إلى بيوتهم سالمين  .. هم يصطفون الآن تحت رحمة  ضابط السيطرة   مرعوبون  ينظرون  إليه وهو يتفرس  في وجوههم
:ـ أنت أخرج 
 انت إصعد وعد إلى السيارة.. 
 كان الرجل  ينتقي الأعمار الفتية  ويستثني  كبار  السن من مواليد الاحتياط القسري.  
 &&& 
 الرابية الخامسة
                 ( كربلاء )
... لايمكن أن تكون غير هذا الصمت ... ونور المراقد الذي يسطع ليبدد العتمات  ...هو صمتها الذي أرعب  الحزبيين وتجار الدم ولهذا هم يخشونها دائما ،يتوجسون ريبة من كل شيء فيها ..هي مملكة  الروح  .. تبعث  على التصابر والتحمل والتأمل ..  والوجد والوجدان ؟

هيبة هذه المدينة صنعتها الشدائد والمحن, كلما أثقلت أوجاعها إزدادوا تفننا في أذاها ,  وحتى الزيارة التي تعني الضمير لهذه المدينة ووجودها الحقيقي  صارت  في عرفهم  ( بدعة ) .
 كربلاء شد عروقها الرفض  فما استكانت  لجور زرعوا الريبة و الشك في الروابط التي  تشدها إلى انتمائها قصدا ليتم تطعيمها بالولائية العشائرية المطواعة بحجة تعريبها وكأنها ترعرعت خارج الحدود ..رغم الفتها المحبوبة كانت علاقتها  بالحزبيين  علاقة المستعمرة بالمستعمرين  لاتطيق وجودهم تعاملوا معها على إنها مقبرة اموات وليست نورا يجمع مراقد الأولياء ..طعنوا إنسانيتها  ... يقول أحد منهم  وهو يؤمىء للبيوت 
:ـ أكرههم 
:ـ لماذا ؟
:ـ حتى طفلهم الصغير يكرهنا 
صور كثيرة تجول في ذهنه وهو يدخل  كربلاء  عند أنفاس فجر متوهج  بقباب النور والخير .. صورة الحاج علوان الجاووش(1) والجاووش يعني مراقب البلدية 
:ـ مالذي ذكرك بالحاج علوان رحمه الله ؟
:ـ  صمت قليلا وجالت الأفكار في رأسه  ثم قال كما الحالم 
:ـ كان رحمه الله  يخرج كل صباح ليحاسب المخالفين ويرتب حضورهم في السوق. أخذ يزاول هذه المهمة حتى بعد تقاعده .. هو يأمر وينهي والناس تطيع وحتى إن الجاووش الجديد كان يعتزل مهامه أثناء حضور الحاج علوان ويطيع أوامره المتشددة  دون أن يعترض يوما ..
تذكّر صورة السيد محمد الجرخجي( 2).. وهذه المفردة تعني الحارس 
:ـ ما الذي ذكّرك به هو الآخر ؟
:ـ كان رحمه الله يرتدي ملابسه العسكرية ليل نهار ..  يخرج نهارا  وهو يحمل عصاه  وبكل رزانة  يحذر الناس من لصوص النهار 
:ـ  إياكم من لصوص النهار، فلصوص النهار أخطر ... 
.. وتمر أمامه صورة العلامة محمد طاهر البحراني قدس سره الذي سقاه حكمته  ..رجل خبرته السنوات علما ومعرفة ..كان يقول 
:ـ أربعون عاما في دراسة العلم تعلمت فيها إني لا أعلم شيئا ..

 وتداهمه صورة حميّد عوز الذي واجه لوحده جيشا من الانكليز وهزمهم .. وجوه حملتهم الأيام  بعيدا  وأسماء بقيت  بعد موت أصحابها  في ذاكرة  المدينة ... مواقف وأحداث  وبالمقابل  هناك صورا تعصر القلب حملتها كربلاء خافقا  تمر أمامه  اللحظة صورة الطفلة التي كانت تداعب يد الشرطي وهو جاء ليأخذ أباها ، إمرأة تتوسل  بعثيا  ليطلق سراح ابنها الصغير  فعمره لايسمح لتجنيده .
أيام سجنه رأى هناك الكثير من المصائب التي أُبتلى بها أبناء كربلاء.. رأى سجناء غيروا المعنى المبتذل لمعنى مفردة سجين .. شخصيات كبيرة كل جرمها إنها حملت كربلاء هوية ومبدأ، أحد أغنياء العراق رأه في الحبس  بتهمة الانتماءات السياسية  صادروا أمواله المنقولة وغير المنقولة  .. وهو رجل ليس له في السياسة شيء 
رأى هناك عائلة عسكري يدعى عويد  يقال إنه رفض الاستجابة لنداء القائد ففر من الجيش ولا أحد من أهله يعرف شيئا عن  مصيره ، سجنوا عائلته برمتها ، الأم والبنات وأطفال قابلهم في عهدة عمهم عبيد في سجن الرجال .
:ـ.ما ذنب هؤلاء ؟ 
:ـ إنها سياسة الردع الجائرة .. 
وبعد سنوات نقل الطفل محمد وأخاه عباس إلى سجن حي المعلمين بينما الثالث مات في سجنه .. 
رأى العوائل كيف تُهّجر  تحت ذرائع باردة لاروح فيها ، وكيفية معاملتهم بتعامل وحشي لارحمة فيه 
رأى لحظتها جراح عوائل ترثي أبناءها وتصوغ القلوب مثوى لشهداء رحلوا دون قبور عوائل سادة ومشايخ وبيوت كربلائية اتصلت بشريان تضحوي لاينفصل مثل(بيت زيني) الذي قدم الشهداء علي ومحمد وناصر احمد زيني 
عوائل عانت الثكل والماساة  عرفها  وعاش معاناتها بيوت وناس وقلوب ..  تذكرها في هذا الفجر الصامت تذكر بيت الحاج جاسم فضالة وابناءه الشهداء عبد الرضا ومجيد وهاشم .. تذكر
بيوتا كثيرة أيقضها الفجر ذكرى .. أحد رجال كربلاء الشيخ عبد الرضا علي الصافي  جلادته جعلت أذناب النظام يفكرون بطريقة إغتيال هادئة كونه أحد الأدباء المعروفين  وكان وكيل  عدة مرجعيات آخرها مرجعية السيدالخوئي قدس سره  نقلته سيارة  سوبر بيضاء موديل 82بحجة توقيره ثم أخذته إلى دائرة الأمن  أعيد مقتولا   وحسب تشخيص  الدكتور محمد علي الشريفي  والدكتور محمد عبد الرضا أبو طحين  تعرض لصدمات كهربائية عنيفة وأثر دم في الفم ، 
صور واسماء فرزتها الذاكرة  أمام سؤال  مهم هو  :ـ  كيف  سينفجر الصمت الكربلائي ؟.. ..
أصبح الصباح مسترخيا كعادته  يرفل بصمت باعث  على القلق ... بهواجس توقدها بعض الصدور نكاية بالوثبة  
 :ـ  لاشيء سيحدث ،هذه المدينة نعرفها لاتبحث عن المشاكل 
أجابه ... 
:ـ لاتعرفها مثلي .. انظر إليها جيدا تأمل في شوارعها وأزقتها ـ  بيوتها ستجد مسحة من الحزن مقهورة .. ستجد صرخة مكبوتة  ... هذه هي كربلاء التي أعرفها  .. 
:ـ حبك للشعر جعلك تبالغ في تفاصيل حدث لم يخلق بعد .اطمئن لن يحدث شيئا ..
الحصيلة الجديدة التي خرج بها هي أن هذه الجولة التي أتاحت له أن يشاهد إنتفاضة ثلاث مدن  جعلته يدرك تماما خطأ من يظن أن ولادة حدث مهم مثل الانتفاضة يحتاج  إلى مقدمات كبيرة وإلى اجراءات تعبوية تمنح المظهر  العام  دلائل كثيرة  ..فما رآه  في البصرة وميسان  والكوت  جعله  يتأمل في  دقائق  القضية  ... ليصل إلى أن الانتفاضة ليست شأنا سياسيا أو عسكريا  ..
السؤال الذكي الذي يعرش في ذهنية كل متأمل هو كيف لمدينة صغيرة عانت كل هذه الويلات أن تفكر يوما بالانتفاضة ؟  عند فيافي مثل هذه الأسئلة تذهب الذاكرة ألى بيت محمد رضا الحائري وبيت محمد الشلب وبيوت أخرى كثيرة قدمت أبناءها قرابينا لدينها..  يتسائل في  سره .. أين مكامن القوة  التي ستكون مرتكزا لموازنة المواجهة ؟, صحيح إن هذه المدينة لاتمتلك أسلحة وجيشا  مدربا  يقابل ضراوة عسكر  .. ولاتمتلك  قساوة الند المحترف بالقتل والشر والخديعة  والجبن ... لكن  لها خصوصية التماثل العظيم مع رموز القداسة  لذلك تجد الناس  يذهبون  إلى مرتكز القوة التي يمتلكون، إلى مرقدي الامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام يذرفون دموع شجاهم ويشدون العزم لرسوخ نواياهم وهذا سيكسبهم قابلية المواجهة .. الحديث عن المستجدات  غير  وارد دون حدث  .. والحدث المرتقب معرض للاجهاض بواسطة استعراضات القوة  التي تؤديها  القوات  العسكرية  الزاحفة إلى كربلاء  كإجراء احترازي  ضد أي حركة  ..
:ـ يبدو إن الإحباط أخذ منك الكثير ؟
:ـ القلق غير الإحباط ،
مسألة ذكية ..أن يحمل الانسان المعنى الأدق لمفهوم صاهروه بانحدار مهلك ..وهذه مهمة الوعي لخلق حصانة فكرية للناس ، كي لايؤثر فيهم المموه .. ولهذا صار علينا أن نفرق بين القلق  والإحباط  الذي هو الأقرب  لاستجابة عاطفة مخذولة ... في كل التبريرات المنطقية هناك ما يشير إلى إن الحزب الحاكم وضع ثقله منذ البدء على بعض الإجراءات الاستباقية ليلم أطراف أي مفاجئة تباغته بها كربلاء ..لكن لاحراك  في هذا  المعترك الصموت .. إلا إيمانه  هو بأن الانتفاضة  قائمة لاريب بعد ساعات ... 
:ـ يبدو أن الانتفاضة ستحدث فعلا لكن في رأسك التعبان  
:ـ انظروا  لتعرفوا العمق  الحقيقي لهذه الارض ، هذه المسألة صعبة جداً ، فهذا العمق لايدركه إلا الذين جبلوا بطينتها ..  
اختلطت في وجهه ملامح توحي بالتوجس  والترقب والاحراج ... مشاعر مبهمة  متداخلة  تتوهج  في وجهه
 :ـ مادمت  تؤمن بأنها قائمة لاريب فلم القلق أساسا ؟
سؤال ربما فيه من الوجاهة قدر ضئيل كون القلق حق مشروع ،له مكوناته وأسبابه ودواعيه  ..لكنه يعتبر أيضا من ضمن موجهات الإحباط عند البعض .. أجاب 
.:ـ  أخشى رأفتها وأخاف طيبتها  وحنينها الإنساني المؤمن ..
حين يكون الواقع دون الطموح ودون المتوقع سيقود إلى فراغ وهذا ما جعله يعود إلى البيت في مثل هذه الساعات والرجوع للبيت يعني  الشعور بالحزن واستفحال القلق وربما سيراها البعض على إنها يأس ..
:ـ ماوراءك ؟
 :ـ لاشيء يا أبي  سوى الصمت 
 :ـ مازال  هناك متسع  من الوقت 
:ـ استعدادات الجيش على ما يبدو كبيرة
:ـ لكنها ليست أكبر من كربلاء يا ولدي انتظر ....
صاغت هذه اللحظات العديد من المفاهيم لمعنى الانتظار فهو كان يراه يأسا والعيش في بوتقة الانتظار سعير يعرضه لآتون من التوقعات ، اليوم إكتشف إن هناك انتظار فاعل يمنح العقل فسحة من التأمل الجاد كرافد من روافد المعنى الصحيح.. وهو الذي رأى الصمت الميساني كيف تحول الى ثورة ضاجة  بالحياة  ..  وعاش لغز الكوت  حيرة صار يتأمل في تفاصيلها  ليل نهار وكبر المنهل من معين سؤال يشجيه .. لماذا  تقاتل المنتفضون فيما بينهم ؟ كل شيء هنا يعاني من وطأة  الترقب ونوافذ الاخبار تنفتح  لديه ما يحفّز مساعيه  
:ـ  انتفض أهالي المسيب 
 :ـ جميل 
:ـ أيرضيك ان تثور الأقضية والنواحي أمام صمت كربلاء ...؟
 :ـ  ليس لدينا موضوعا إعلاميا  لنبحث عن سبق صحفي   إنها ثورة  .. إنتفاضة  وكل المؤشرات موقنة بأنها  ستقدم الكثير 
غليان الذات عمّر محاور عامة تدور عن مغزى الانتفاضة وتوقعات نشوبها ،  أينما تذهب ستجد الحديث عامر عن الانتفاضة  وثورة الشعب ..وأمام هذه التوقعات تبرز مخاوف من الدوائر الأمنية و المنظمات الحزبية التي اتخذت التحوطات الكبيرة من مواقع  وثكنات قتال ، شكلت مرتكزات الجهل بإمكانية الشعب  وعوالم الغرور واليأس الكثير من الاضطرابات النفسية عند مجاميع ( الرفاق )  وعلى هامش هذا التبني الذابل استمر الجيش في إدامة استعراضاته واستعراض حجم القوة المخصصة لمواجهة كربلاء ومقاومة أي حركة شعبية .. 
:ـ  هل نجحت هذه التشكيلات في زرع الخوف ؟
:ـ الخوف في كل أحواله هنا لايعني  الجبن 
:ـ ماذا يعني إذن ؟
 :ـ يعني  البحث عن فرصة  أفضل للثورة
:ـ أفهم من كلامك إن الشعب غير خائف ؟
:ـ لقد تجاوز مفهوم الخوف .. والذي أقصده إن الناس إصطنعت الخوف .. 
:ـ لا الناس كانت خائفة 
:ـ حتى لو فرضنا ..من الممكن استثمار هذا الخوف لكون مصدره  وحشية القوات البعثية  وقساوة سطوتها .. والتمكن الشعبي سيلغي الصورة الرتيبة عن  شكل المواجهة .. ويقدم نموذج فعال  ...
الكلام العادي الذي يدور في الشارع  لايصلح ليكون معيارا لفعل  قائم ... هناك تخمينات  وأوضاع نفسية  مشوشة  وغايات  وتقديرات  قد تكون  غير منضبطة  ...والحقيقة المعلنة  أن القوة العسكرية مبادة  والطيران ممنوع  ... ويعني بإمكان  الشعب قيادة انتفاضة عارمة  حتى لو تخلى  الجيش  عنه .. ومثل هذه الفرصة  قد لاتحصل ثانية 
:ـ  هل تعني إن الصمت أخرس ؟
أجاب
:ـ يبدو أن البعض سرب لي خشيته  .. فصرت أخشى أن لانجد الفرصة التي تعوضنا  عما يفوتنا إثر هذا السكوت  ....
كلما توغل الوقت في حسرته وأنتصف النهار ازداد النشيج توغلا وأمعن محتفيا بصمته لكونه أدرك بأن الواقع  نفسه عجز عن احتواء  يقينه بما سيحمله .. ماذا يفعل هو في  البيت ؟ لماذا ترك المدينة في وقت كان المفروض  أن يبقى هناك عسى أن يساهم في تأجيجها ... استغراب قد يباغته  لكن على كل حال فإشعال الجذوة  الأولى  ليس هو كل الفعل  .. وقد حفز هذا الركون  فيه انتباهة  الحضور .
 :ـ هل تعرف أن  انتفاضة العراق ستكتمل وستكون من أبهى الثورات كونها ستعد سابقة 
:ـ كيف رتبت هذا ألامر ؟
 :ـ جميع فصائل المواجهات وفي أي  ثورة من ثورات العالم تختار لها مكامن تقيها المواجهة المكشوفة  وتختار مواجهات تبعد النار عن البيوت والاهل .. تقاتل دائما في الجبال وفي أوكار غير محددة أما أن  تكون المواجهة معلومة المكان  تملأ الشوارع والازقة  وربما ستمنحنا أشياء جديدة لم ندركها  إلا في حينها .. يعيب البعض مثل هذه الاستنتاجات ويعتبرها في مخاض  التوقع الحالم بينما يقظة الاحساس شكلت مواقف جليلة  قادت التوقع إلى  براءة وجود ومثل هذه الأحاسيس تحركت في دواخله إذ استيقظ  فجأة وأخذ يقفز فرحا في الهواء  
:ـ ما بك  ما الذي جرى ؟
:ـ هو إحساس  ... مجرد إحساس  .. هو إحساس 
:ـ ما الذي  تقصد ؟
:ـ هو إحساس  أن الانتفاضة قد بدأت في كربلاء  
:ـ هواجس 
:ـ لاتخون .. وتبصر بعين عقلها  ما لاتراه العين .. هي البصيرة  
:ـ يقال أن عملية استنباء  تستيقظ  لحظة  التخاطر  بين قلبين 
:ـ كيف بها أذا كانت هي القلب  وأضلاعي بعض ارصفتها  
 :ـ هذا شعر  
 :ـ بل  هيام  يتخطى  كل هاجس  يا صديقي .. ليس الامر مجرد كلام ..  فهذا النهار  سينبيك  بما لايوصف  عن فطنة قلب أدرك ما تعانيه مدينته المشتعلة وهي تخرج  من أحشاء  أزقتها  زفرات  الضيم  المكبوت  
:ـ ساحدثك عن مكابدة  عشت أوارها صبيا صغيرا عسى أن ترسم في الذهن رؤيا تقرب  لك مكونات ما سيحدث 
.. حين كنت صغيرا  كان هناك  فتى يكبرني  بسنوات  ... يوجعني  ضربا  وبدل أن أهرب منه  كنت أعود إليه  لأواجهه  وهكذا صرت أُضرب يوميا وما زال عندي أمل أن انتصر يوما عليه ..   حتى أصبح مزهوا  بتمكنه  .. ذات يوم  أسقطته أرضا  .. نلت منه قصاصي   أخذت منه كل  ألم عشت فيه .. أضرب وهو يصرخ وجعا ..  هو يبكي وأنا أضرب  حتى تداركه  أهله الكبار فهربت  حاملا معي  فرحي إلى اليوم ......
أنا أُؤمن بأن  شهداء هذه المدينة سيصحون مع أول صرخة يا حسين سينهض . مناف  وميثم ومحمد شهداء بيت (أحمد ابو دكة) وسينهض مهدي وعبد الهادي وعلي أبناء مجيد القرعاوي .استشهدوا جميعهم عام 1983م .وياس خضير عباس في نفس السنة ...
الطرق الشديد  على الباب  يوقظ  دواخله مسرة   تقفز  مسرعة الخطى  باتجاه  الباب  
:ـ الانتفاضة  .. الانتفاضة 
  &&&&&& 
الرابية السادسة 
            ( الجذوة .. الفعل )
كان لزيارة الزعيم الروحي الأعلى للشيعة  اية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي  قدس سرة لكربلاء  يوم الخميس 13/ شعبان/1411هـ   28/شباط /1991دفعة معنوية 
تنشط الأمل بانتفاضة تعيد لهذا الشعب أمجاده وليأخذ الرفض المساحة التي تليق بصبر شعب عانى الكثير من الويلات ، ومثل هذا الفعل الروحي المتوهج لم يكن خافيا على أذناب السلطة البعثية فراحوا يراقبون  تلك المشاعر المتأججة بالعاطفة والتحدي الجماهيري العفوي  فعند وصوله إلى شارع الامام صاحب الزمان عج إلتفتت الجماهير حوله محاولة رفع السيارة التي يقلها على الاكتاف ثم توجه سماحته إلى زيارة الامام الحسين عليه السلام زاد حماس الجماهير فهتفت بحياته وحياة المرجعية والإسلام ورفعت الشعارات التي تنادي بإسقاط الطاغية المقبور وقام أزلام الأمن الطاغوتي بإطلاق عيارات نارية ضد الزائرين المتواجدين في الصحن الشريف مما أدى إلى وقوع  بعض الزائرين ما بين شهيد وجريح ومع إطلالة هذه المباركة من المرجعية سار وهجها مع إنطلاقات الزائرين  في أنحاء العراق فكانت كربلائية ومن أين ما انطلقت لكون هذه الحادثة فعلا عدت هي الشرارة المحفزة فكانت حادثة كربلاء بحق تعد هي المنطلق الاول
والذي أثار في نفوس الكربلائيين أنفسهم ليبدأوا أعمالا ثورية كهدم الجداريات التي ترفع صور القائد وتماثيل قائد الطغيان  ومطاردة بعض أزلام المنظمات الظلامية وتم القاء القبض على بعض الثوار واعدم أحد الكربلائيين فرفع الناس جنازته على الاكتاف وبدأ التشييع يتسع  وبدأت  بعض المواجهات مع الحزبين في العباسية و باب السلالمة وباب الخان  ،وبعدها هدأ الوضع مؤقتا ...
التفسير الأقرب للانتفاضة في كربلاء حين يأتي بمعنى مشروع  إستشهادي جماعي .. و التفسير الأقرب هو بمعنى رؤية كربلاء عن كثب والتلاحم الجاد مع تأريخها 
:ـ جدك يا ولدي قتلوه الانكليز،  لم نعثر على جسده لكننا عثرنا على بندقيته ...
:ـ ويعني ؟
:ـ كربلاء لاتنسى يا بني دماء بنيها ،موفق ومصدق أبناء صالح باقر و رضوان ومهدي وسامر أبناء  الهنداوي... 
ولايمكن أن تنسى  صولات الدم التي أخذت من الأمهات فلذات اكبادهن  لقد أبيدت عوائل  ... بيوت ،وبيوت ..بيت ناصر الاسدي وشهداءه ..وبيت عبد الحسين ماهية وبيت محمد رضا الخزرجي يا بني وبيت  السيد صادق  آل طعمة وعائلة الدوركي والكثير من البيوت الكربلائية ومثلما أتذكر الآن جدك باعتزاز هم أيضا يتذكرون أولادهم .
 وجوها توهجت كالوجوه التي استملكت الذاكرة في البصرة والعمارة والكوت  بدفء القصص التي وردت عن الانتفاضة البكر في الناصرية
:ـ ، دخلت المدينة سيارات الهينو  وأمامهم سيارة  مارسيدس رئاسية  يستخدمها   الأمن الخاص ، دخلت  من جهة باب بغداد ومن ثم إلى شارع المحافظة  وانتشرت في أرجاء المدينة لتمنع الناس من المسير  فهي تدعو الناس الى الذهاب إلى بيوتهم، 
:ـ . كان هناك حالة تواصل عامة  من الكربلائيين عن أخبار انتفاضة المحافظات  التي سبقت انتفاضة كربلاء ، حولت  أحاديثهم العامة  إلى مخططات عمل ثوري نهضوي يحمل النهضة الكربلائية مفخرة  إذا مانشبت،  كان يحضر هذه الجلسات بعض شباب كربلاء بالمقابل هناك حدس مخابراتي يخمن.. بأن الانتفاضة ستكون كبيرة لكون الكثير منهم يدرك عمق الجراح الكربلائية  
بينما  الهمس المتداول بين الناس عين الساعة الثانية موعدا للأنطلاق .. والناس يقودهم الحنين  إلى الانتفاضة 
كان الغليان يشد الانتباه اليه وإذا به يتحول إلى ضجيج مظاهرة  باردة التفاصيل وكأنها منمقة تسعى لجذب الناس إليها  .. هو وهم مذهول  عجز أن يحرك مشاعر الناس فأصبحت هذه التظاهرة التي تحولت إلى مظهر من مظاهر الانتفاضة المسلحة 
الناس شعروا إن  هناك خدعة  تزاول قرب بيت المحافظ  ... جذوة انتفاضة  افتعلها ضباط كانوا يرتدون دروعا واقية  من الرصاص  تشبه العباءة  المغربية  
:ـ هل عرفهم الناس ؟
 :ـ نعم هناك ضابط يسمى صلاح ورفعت والملازم خالد  
وإذا بالجميع  يفاجىء بهتاف تردده كربلاء  ( أبد والله ما ننسا حسيناه ) 
عاصفة هتاف مزقت  صمت الخنوع  
من سيغادر من ؟ 
وهذا الصمت القسري القابع  على صدر المدينة يزداد ثقلا 
:ـ هل هذا هو كل ما تملكه كربلاء ؟!!
:ـ طبعا لا .. سينهض جميع الشهداء ولذلك ستثور المدينة  باللامتوقع لينكفئ  أصحاب الانتفاضة  المفتعلة وليس أمامهم سوى الهرب بعيدا أو التسرب  إلى داخل  الفعل العام  ليتيه المموه  بين الزحام 
:ـ أشد ما تحتاجه الانتفاضة  هو اليقظة  
:ـ اليقظة هنا غير مهمة 
:ـ كيف ؟ 
 :ـ الفعل  المخابراتي يذبل عند موت  السلطة..  يجب تنظيف الخلايا  .. والتحرك السريع  باتجاه  المكمن .. الرأس 
:ـ لكنك رفضت اليقظة !!!
:ـ الوعي اكبر من يقظة  موضعية .. الوعي إبتكار  .. تكوين خارج  نطاق  الفعل الروتيني ... فعل تخميني  استباقي كلما  زاد تقرب  الى حقيقة  معناه ... 
 كانت كربلاء عبارة عن رعشات دمعة  تنسكب من عين التأريخ  .. كأن الإنسان تعود أن يعيش فيها إما حالات الفرح الحزين أو الحزن المبهج ...فلسفة عجيبة  تتماهى مع غرابة  ما حدث  على أرضها  قبل ثلاثة عشر قرن أو أكثر  لتمثل  ملحمة الطف  وحضارتها وإنسانيتها عبر الكثير من الثورات والانتفاضات والمواجهات  فهي أدمنت الرفض  والتحدي وشراسة المواجهة  .. ولاشيء سوى الغضب المؤمن الذي يتحول فجأة الى ثورة عارمة تجتاح الشوارع كلها في لحظة  واحدة ...
:ـ ما الذي حدث ؟
:ـ كل كربلائي كان يعيشها في مخيلته مثلما يحب أن يعيشها ، يضع لها السيناريو الذي يهواه ، ورغم هذا التنوع في الشكل الحلمي الا إنها تتوحد عند النتيجة التي سيتمخض منها سقوط العروش الخاوية مثلما يتوحد الحنين  لهذا الموعد الحلمي فصار الناس يترقبون كل حركة تصدر في طريق . وحين انطلق الصوت يرفع نداء (ياحسين)  هب الشباب في عدة مناطق من مركز المدينة دون سلاح لتمزيق صور الطاغية من جدران كربلاء  ،في شارع باب قبلة العباس (ع) لاحقت الناس سيارة لاندكروز بيضاء تنطلق بسرعة كبيرة متوجهة صوب مديرية محافظة كربلاء ، وبعد لحظات داهمت الناس  سيارات عسكرية ،فلجئوا إلى الأزقة الفرعية ولاحقهم الرمي العشوائي... رصاص لا على التعيين ، جاء الرد من بعض المنتفضين الذين حصلوا على الاسلحة ،لاشيء يبقى أمام المهاجم سوى الاندفاع الى أمام  وهذا لايتم إلا وإن يكون هناك استعداد جمعي للتضحية ،  تصاعدت المقاومة وتكاثر أعداد المنتفضين مما سبب انسحاب  السيارات العسكرية ، وانطلق الناس إلى الشوارع ،ومن الطبيعي أن تكون الدهشة قرينة هذا الفعل الفدائي الذي يتقدم بقوة ليتوزع بعدة اتجهات بآن واحد وصارت أُمنية الشباب أن يقتحموا اعتى مديريات محافظات العراق إرهابا بين الناس  
:ـ هذا لايتم إلا بعد تنفيذ عدة خطوات مهمة 
مثلا العلم بأحوال المحافظة يجعل الجميع يعيش الواقع الفعلي للمدينة فأي خطوة تتقدم باتجاه المحافظة لابد أن تضع في الحسبان  إن كل دائرة من الدوائر القابعة في شارع العباس الرئيسي أو الشوارع الخلفية هي  معسكرات  أمنية كبيرة  لذلك تقدم الناس بوعي  باتجاه البريد وبحذر تقدم الناس لمواجهة القوات المتمركزة في البلدية 
:ـ أراك تتعامل مع البلدية بمصطلحات العساكر 
:ـ هي فعلا هكذا  فسقوطها وإسكات النار الذي تكور من على سطوحها يجعل الجميع قلق في التقدم خشية أن يطعنوا من الخلف ..هذا هو الهاجس العفوي  الذي حرك شعب بأكمله صوب منطقة الخطر ومن ثم لاح أمامهم مصرف العقاري الذي دلع لسانه عن مكامن نار  متحشدة بغيظ الخائفين  .. الناس يحاذرون الرصاص  المنطلق من مصرف العقاري .. ...  وعند الاقتحام أوقد المقاتل (ماجد رضا عبد العباس ) عينيه بينما تقدمت  مجاميع الناس وهم يحملون الاسلحة التي غنموها من دائرة الاوقاف ومدرسة العزة الابتدائية والتي كانت  ترسانة بعثية  فيها مشجب كبير للأسلحة  و كان التفكير مشدودا حول الضبط الثوري لأن أبناء كربلاء أكبر من التفكير الساذج لتخريب دائرة حكومية أو سلب مدرسة ومستوصف ومصرف ,هبت المناطق لتحرير الثكنات العسكرية الموجودة في مناطقها من منظمات ودوائر أمنية ويستذكر المقاتل ( عبودي الدباغ) حركة التقدم صوب مركز شرطة  العباسية  الشرقية  ،ويقول كنا نتمنى  فعلا أن  يفهم أبناء السلطة  أن انتفاضة الشعب لاتواجه، وإلا فيعني قتل العشرات من الأبرياء  الذين لايحملون عداءً مع شخص معين بل هم يحملون التحدي لمن استباح الدم العراقي  والكرامة والشرف  الانساني  وامثال  هؤلاء  لايستحقون  نصرة   من احد ، والذي  حدث كان عكس الامنيات حيث كانت المقاومة هنا تختلف عن المراكز الأخرى ويبدو أنهم كدسوا قوتهم في هذا المركز ونصبوا رباعيات فوق سطح البناية لتفرض سيطرتها على المضامين وكان الرامي برتية رائد عسكري مما طول شوط  المواجهة ،واستشهد بعض الشباب الكربلائيين  ، اعرف منهم  الشهيد  رسول فاطمي رحمه الله  الذي قاتل  قتال الابطال واستشهد في هذا الموقف وبعد السيطرة على المركز توجهنا لمساندة المقاتلين لاسقاط دائرة  الامن  ، لحظات المواجه قادمة لامحالة وهي ما زالت في
 اولها ،  فمن الطبيعي ان  يسلح الحزب قواته ويقدم على السيطرة على كربلاء ثانية ، وهذا الشعور موجود عند المواطن الكربلائي وامامه هناك قوة اصرار وعزيمة على المواجهة مهما تكن صعبة ، يحدثنا المقاتل البطل  علي حميد ظاهر الملقب علي نعمانية الذي فقد عينيه في معارك المخيم وقد استطاع هذا المقاتل  ان يهزم جيش كامل ببندقية كلاشنكوف يتيمة  ردهم من شارع الشهداء الحالي عند كراج الاحياء الى ان  اوصلهم الى خلفيات الجمعية  قد لايصدق مثل هذا الحدث لكنه الواقع  الذي عشناه وآمنا به ولابد ان نحمله في موثقات التدوين  ومثل هذه البطولات كثيرة كسرت حاجز المعقولية أحيانا ، يقول المقاتل ( علي نغمانية ) عندما هب أهل المخيم وباب الطاق وباب السلالمة بعد ان اسقطوا المنظمات الحزبية صار المسرى باتجاه العتبتين المقدستين وثار أهل الجمعية والسعدية بإتجاه إتحاد  الشباب الذي كان عبارة عن منظمة قتالية فلم يجدوا هناك مقاومة تذكر وبعدها اتجه الجميع الى مديرية أمن كربلاء في باب بغداد لتتوحد الاطراف في إزاحة هذا الكابوس  البعثي ، كانوا يشكلون  سراديق شعبية يرددون الأهازيج وتجمعوا في علوة باب بغداد القديمة ومنها الى تطويق دائرة الأمن قسم منهم  يقاتل من جهة حي العباس والقسم الآخر من الهيابي خلف المخابرات ، :ـ هل كانت المقاومة عنيفة لهذا الحد :ـ كانت تحصينات الأمن قوية  وقد جاءتهم تعزيزات كثيرة من دوائر أمن بغداد وديالى والرمادي وغيرها وكل هذه التحصينات والتعزيزات لم تفلح لمقاومة تستحق الذكر، رغم إن الكربلائيين قدموا عددا  من الشهداء منهم عباس شريف  واصل ابو الكبة واخوته واولاد الحاج شاكر جميل  فما ان لاح الغروب الا هرب من هرب  وقتل الباقين ، كان المشهد مذهلا داخل مديرية المخابرات العامة في كربلاء حيث وجد المقاتلون  صفا من السيارات الحكومية المنوعة والازياء التي يرتديها أبناء  كل صنف ، هناك سيارات إسعاف ، سيارات مرور وملابسهم ورتبهم وهناك سيارة حريق  وسيارات بلدية ،:ـ وأطلق المنتفضون سراح  بعض المعتقلين العراقين وغيرهم .....
 .. تمتلك مثل هذه الانتفاضات روحا  جماعية  لطالما تحدث الناس عن وثبات و(دكات) لها ابطالها لكنك لابد أن تجد عند البحث فوق عناوين أسماءهم وثبات شعب وأمة .. فالوثبةكانت شاهدة في قلب الشهيد حيدر والشهيد صلاح ابو قلب (اول شهيد في الانتفاضة ) وفي قلب محمد و عبد الزهرة ونعمة اولاد المرحوم رضاعبد العباس  أسماء كثيرة بصمت تواقعيها زكية ( ومنهم تركي ناجي ساهي العامري ) الذي كان يحمل الهاون 60ملم أمطر دائرة الأمن بوابل من الغضب الكربلائي ،
في استذكار احد المقاتلين ،وردت  بعض  أسماء  من اشتركوا  في القتال  الفعلي عند مديرية الامن  ( الحاج صادق مطلوب وابناءه علاء ومهدي وجعفر وحتى الصغار اشتركوا في إدامة المواجهة  و حسين اموري ـ اموري حميد زنكي ومحمد بن حجي رحيم  ـ وقاسم بن حسين  الحمال  وابن محمد مصلح  واحمد راضي الذي أصيب في حينها  وحيدر ابن كريم .و حيدر طالب الوزني  وكانت النساء يخدمن  ويطبخن  للمقاتلين ويزغردن  عند الاشتباك  وقد وقعت بينهن الكثير من الاصابات وأستشهد البعض منهن.. وفي استذكار أحدالمقاتلين يروي عن بدأ هجوم مجموعتهم على نقطة  عسكرية  في دائرة الاطفاء مقابل مقام الامام المهدي (عج) فيقول :ـ كان  معي ( عيسى  جواد كاظم )  حملنا  السلاح  واتجهنا صوب الصحن الشريف وجدنا  اذناب النظام  من جواسيس الامن فطردناهم واتجهنا الى مقر المحافظة وخلال  ساعات سقطت جميع  المنظمات الحزبية والنقاط  العسكرية واتجهنا مجاميع الى حي النصر  ـ معي شاب  اسمه  محمد ولااعرف اسم والده سوى انه ابن سائق  يعمل في بيت  الشيخ كمونة ، ، كان هذا الشاب جنديا في وحدة عسكرية استقرت في حي النصر قادنا اليها  محمد ، استولينا على السلاح  حصلنا على خمسين بندقية وعندها شعر الجنود بوجودنا  ، واشتعلت  مواجهة  مؤكد لن نقدر ان نخرج الى ببعض الاسلحة ووزعناها للثوار
:ـ الوعي بمحصنات الخطوة ستجعلنا نعي الدرس .. لكون تلك التواريخ لاتهمل  كل حرف من هذه الانتفاضة .. ولهذا سيعتبر  يوم5/3 /1991م يوما كربلائيا ،وبالتأكيد سيبقى خالدا بيت كماز  وهو الذي قدم  شبانه أعمدة ترفع  سقف هذا البيت  ، لبيب  وسالم وعبد عون والشهيد محمد عبد الكريم  وعلي عبد الصاحب  ورضا ومحمد رضا اولاد محمد كريم  ,تتسع  الاحداث لأكثر من راوي وشاهد عيان كون هذه الانتفاضة امتلكت تشعبات مناطقها 
ـ:ـ لقد اثبت  الشباب الكربلائي  للعالم انهم أصحاب خبرة قتالية عالية  فهم يقاتلون دون إسناد لايمتلكون وحدات خدمية تديم لهم أجواء المعركة لايمتلكون مخازن  تموينية ولا تمويلية ، والقتال بمثل هذه الاجواء يحتاج الى مقاتلين  يمتلكون الخبرة والإرادة والإيمان ، حرب شوارع وأزقة  وحرب سطوح لقد حاول بعض مقاتلي الحزب الجائر أن يستغل إرتفاع السطوح فراح يسطو على سطوح البيوت بحثا عن مكمن يداري خيبته ، وفعلا اشتهر شاب كربلائي هو احد ابطال الانتفاضة حماية تلك السطوح والمحافظة عليها وفعلا تمت على يده تصفية الكثير من  فوهات النيران  ..
:ـ المشكلة الكبيرة التي  عاشتها كربلاء منذ المواجهة الأولى هي مشكلة العتاد .. وتبادل المقاتلون من محلة الى محلة كان له أثر  التكافل .. كانوا  يقاتلون أحيانا في حي العباس  فيحصلون على أكداس عتاد اغتنمها الابطال مع اسره السرايا المخذولة .. وأحيانا كانوا يذهبون ليقاتلوا في جبهة  حي الحر ويحصلون على عتاد العسكر.،وحينها أصبح الشباب أمام مسؤولية  جديدة فاتخذوا تحصينات دفاعية لمناطقهم  ، نصبوا السيطرة في مداخل المدينة ، وضعوا مقاومة طائرات أمام صحن الحسين عليه السلام ، مدفع57ملم في باب القبلة ومدفع 57ملم بين الحرمين واثنين من الرباعيات كتشكيل أولي، ،،،وعند مدخل حي العباس تحركت المجاميع لضرب الصورة الكبيرة عند مدخل الحي مع زغاريد النسوة وتم تشكيل أول سيطرة وبعدها تم تشكيل  لجان في منطقة حي العباس  وجميع المنافذ التي تحد كربلاء....
فقد وزعت الخطوط بتسميات  مناطقها  وحدودها  الجغرافية  ... الجميل  في هذه الانتفاضة  إن الجميع  يؤمن بنهضة  سيد الشهداء عليه السلام معهم ...  الجميع يتحدث  عن تسهيلات إلاهية  لولاها ما كان الاقتحام  لهذه المؤسسات  العسكرية ممكنا  ... فقد كان الشعار  الذي يجمع  المقاتلين  هو الصلاة على محمد واله  الطيبين  الطاهرين  .. وكان  النشيد الوطني  لهم( أبد والله ما ننسا حسيناه ) وكان الشهداء يرفعون على نبضات القلوب وهكذا رفعوا حمد ومهدي وحيدر ابناء الحاج جواد الصيقر وبقية العشرات من الشهداء
: عند دخول الصحن الحسيني والذي أعد كمركز قيادي ...  سنحت له فرصة المشاركة الفعلية مع وحدات المقاتلين حيث كلف بالصعود الى الصحن المبارك .. لكنه  تخلى عن المهمة بل رفض إستلام السلاح  ..
 :ـ ما الذي تريد ؟  ماذا يمكن أن اقدم  لك كي تقاتل  للدفاع عن مدينتك  وهويتك  ومقدساتك ...؟
 كان  الصمت عنده بمثابة تعليل  آخر  فهو يرى إن الدفاع  عن المقدسات واجب  مقدس  لكن لابد  أن يتفق مع القابلية  والرغبة والاختصاص  ... 
:ـ الكربلائيون مزاجيون حتى في القتال !!!
:ـ إمتلكوا الخبرة  للتعامل مع المواقف بدقة .. 
الطموح الحقيقي هو ليس  تحرير كربلاء كبقعة جغرافية  .. بل  التحرك  صوب  العاصمة  بدلا من التقوقع  داخل المحافظات  ...  لماذا  لايتقدم  الثوار باتجاه  بغداد ؟  لماذا يمنحوا السلطة  النفس  الكافي للمواجهة ؟ 
البحث في تفاصيل  الاداء  يعطينا الرؤية  الأوضح  لمدينة تضع  نفسها على أهبة  الاستعداد  لأي مواجهة  محتملة مع  الجيش 
هل  تنتظرون من يؤآزركم ؟ على كل حال لايقدر أن يرفع  الانسان  رأسه على جسد الغير  .. ونصرتنا ورطة  تقودهم لمأزق  سياسي فلذلك  علينا تحمل الموقف لوحدنا.ثارت أطراف كربلاء عن بكرة ابيها وتم الهيجان الشعبي  منطلقا من المحلات القديمة المخيم وباب النجف وباب الطاق وباب السلالمة وباب الخان وباب بغداد والعباسية كل تحرك حسب مناطقيته الجغرافية أغلب مراكز الشرطة في كربلاء لم تبد أي مقاومة تذكر كمركز شرطة المخيم ولا كان لمنظمات الحزب الكثيرة في مركز المدينة شيئا يذكر من المقاومة مثل منظمة المخيم والتي كان مقرها  مدرسة السجاد والتي شكلت كمدا في  قلب كل كربلائي.. ومن ثم انطلق هجوم الناس على المشاجب  .. وليتم تقاسم الاسلحة  كغنيمة من غنائم الوجع  .. وأمام هذا السلاح تمتد ذاكرة مليئة بالجراح والعويل ذاكرة العراقي  المتخندق في ملاجىء آهاته لسنوات  ... كم من هذه الفوهات ذهبت لصدور الابناء .. أي بندقية فيهم قتلت ...هاشم زنكي واخوته ؟ واي بندقية فيهم قتلت شاكر بن البنا بالجية ؟  ممن سنسترد حياة ثمانين شابا اقتيدوا من مدارسهم في يوم واحد ؟ أو ممن سنقتص وجع كل اهة  لشهيد .؟. نعم هذا قصاص احمد جواد وسالم كاظم وعماد بندر وهذا قصاص محمد عبد فيصل  ورياض حميد جابر وصادق رباط .. ولكن لالذة  لنحيب الامهات  فهذه الفضاءات المكبوتة بالحزن  نريدها أن تؤدي الى بر الآمان ..نريد قصاصا يبني العراق لايهدمه  والتسلح العشوائي قد يسبب نتائج سلبية ..روح الغضب التي لازمت الموقف لحظتها وأنتجت عبثية تصرف عام تتوائم مع حجم الاذى الذي تعرض له الناس منذ عقدين من الزمان وأكثر 
:ـ... إن الزحف  الشعبي الذي بدأ بالمدينة المركز أخذ يتجه نحو الاحياء  وهنا سيختلف الوضع تماما  لما عليه في مركز المدينة .. لكون الحزبيين هنا سيقاتلون بشراسة  اليائس 
:ـ وما وجه الاختلاف ؟
:ـ الاختلاف واضح ... التكوينات العسكرية  في المدينة  دون هوية تعريف  بينما  من سيواجه   المنتفضين في الاحياء هم اشخاص يمتلكون  عناوين  مناطقية  معروفة  .. معرفين  من قبل أهالي الضحايا ...كيف سيواجهون عائلة الحاج علوش وهم قتلوا اولاده علي ومحمد  وعيسى  ؟وكيف سيواجهون من ذبحو ابناءهم،؟  لا يخدمهم الهروب بشيء. ولهذا هم  لايمتلكون  سوى المواجهة  .
:ـ الرمي العشوائي ، يدل على حجم المتاهة والتخبط رغم إمكانية الاستعدادات.
:ـ وهو علامة من علامات النهاية السريعة  مهما كان  حجم الذخيرة.. بدأ الزحف الجماهيري ينهي واجباته في مركز المدينة  وجاب الاحياء لتحريرها من سطوة البعثيين حتى صارت هي الخط الفاصل للعبور الى الحرية ...هي غمامة سوداء جثمت على صدر العراق .. كان الحلم الذي يوحد مظلومي العراق هو  الخلاص من نير هؤلاء الطغاة .. كان الاطلاق كثيف  موجه ضد المنظمة الحزبية  ، إحتشد الناس أمام منظمة حي الحر  التي شكلت خصوصية  إحتواء اشرس المجرمين ، كان الرمي مكثفا وبغزارة نار  أربكت جميع المختبئين  خلف سواترهم على سطح المنظمة العالي  والذي صممم ليشرف على سطوح منازل الجيران .. 
وهذا الامر بلا شك صعّب مهمة المهاجمين .. بينما  بقيت المنظمة عاجزة عن الرد سوى هذه العشوائية في الرمي لا على التعيين ودون أن يضع الرماة نصب أعينهم أهدافا محددة فالناس هم الهدف برمته ...وهذا يعكس مديات واقع  الحزب الرامي لوضع  مقاتليه بمواجهة الناس .. ويعكس أيضا مديات الرعب الذي إنتاب الحزبيين ، الناس متحمسون للنهاية المرتقبة .. ومن الطبيعي أن يكون أهالي الضحايا هناك ليروا العالم كيف يبتسم الدمع .. نعم بالتأكيد كان هناك جميع ضحايا بيت الحاج حسن عاشور شهيدا شهيدا وكل دمعة سفحت جورا ...وكانوا يفخرون بأنهم  أعطوا كل ما يملكون وبيوت أخرى لاتقل عنهم إعتزازا بشهداءها ،
 إزدان الصمت بهيبة الترقب وإذا الاصوات تنطلق هاتفة بنشيدها الوطني ( يا حسين .. يا حسين .. يا حسين ) ليثور الشعب متوعدا الطغاة بما يملك من قوة وليلحق الإهانة كأصلح خاتمة للجبروت الطاغي والعبثي إنتهى مصير جناة البعث إما الى الهروب أو الى موت ذليل ..
:ـ ومن الطرف الاخر من المحافظة توجه شباب حي الملحق والأحياء القريبة لأسقاط منظمة الصمود الموجودة في منطقة الاسكان قرب مستشفى الحسيني وكان للشهيد ( رسول بولي ) موقفا بطوليا يخلد الموقف العراقي وهو لايملك سوى سلاحه الخفيف ، وأولاد الحاج  راهي  واولاد الحاج كعيم اللذين إستولوا  على دبابة أُستخدمت لصالح الانتفاضة ، 
وأما في حي الأسرة  فتوجه أبناء هذه المناطق نحو جهة الاسكان  الى جهة الملعب  دون سلاح لإقتحام شعبة (الانصار) والتي أُسقطت دون أي مقاومة  ومنها حصل شباب الانتفاضة على بعض الاسلحة ليتحركوا منها الى دائرة الكمارك  والمكافحة  وشرطة المرور  والنجدة  وآليات النجدة  ومديرية  السيطرات  وهذه كلها صف  واحد  على بداية  طريق كربلاء  - النجف ....  سلمت اغلب مراكز الشرطة أسلحتها دون مقاومة وتوجه بعدها المنتفضون لتطهير المناطق من المنظمات الحزبية .. بعض هذه المنظمات شغلها جيش شعبي من محافظات أخرى  لتكون مجهولية هوياتهم وغربتهم في هذه المحافظات مع وجود الكد الإعلامي المضلل الذي صور الانتفاضة وكأنها مد عسكري من الخارح الرسمي فلذلك كانت مطاولة مدرسة العابد مثلا والتي كانت تضم جيشا من محافظة ديالى شيئا غير مستغربا ولايعد بطولة  فما أن حصلوا على الأمان.. رفعوا رايات الاسستلام قد تبين فيما بعد إنهم اعتمدوا على وعود بعض الوجوه الحزبية والمخابراتية المعروفة في المنطقة والتي لاذت بفرارها قبل الإطلاقة الأولى ... وبعدها سرت عوالم الهدوء وشاع في الجو إرتياح عام ..ومن الطبيعي أن تسري مثل هذه الأجواء وفي الفضاء يطلق صوت المراثي الحسينية   من المآذن المقدسة ويشدو صوت المرحوم حمزة الزغير بإنشاد بعض القصائد الحسينية المعروفة .. وهذا الامر يترك  مساحة شعورية  ندية تحفل بالجمال ..
:ـ ألايستحق هذا  الشعب أن يتنفس يوما  مثلما يريد .. ؟!!! أليس من حقه التعبير  عن مشاعره ،  والتعويض  عن ما فاته من  تعبير  
:ـ ومثل هذا الفعل سيعمق  لديه الشعور  بالحرية  المذبوحة  فيه منذ عقدين  
:ـ وقد تم إستخدام الألآت الصوتية  كإذاعة تؤدي مجموعة أغراض  منها توزيع  التعليمات  والأوامر  والأخبار  بشكل مباشر  ..   وفي الصباح التالي نهض الصباح على أدعية تبثها العتبتان المقدستان يصل الصوت الى الأحياء  ...
فتجمعت بعدها الاطراف جميعها وخشية أن يفعلها الحزبيون كي يشوهوا سمعة الانتفاضة لغايات ملعوبة بألف وجه  ، الكربلائييون هم من هبوا لحماية  مصرف الرشيد  ومصرف الرافدين  ومصرف باب بغداد في عمارة التأمين، ليس هناك ممتلكات أبيحت  إطلاقا اثناء الانتفاضة ، 
:: ، تصدت  المرجعية  الدينية المباركة  في النجف الاشرف  بزعامة  المرجع الديني الأعلى  الراحل اية الله العظمى السيد أبي  القاسم الخوئي قدس سره، لقيادة الانتفاضة  المباركة  في سبيل  الخلاص  من  الطواغيت وقد صدر البيان الأول من قبل سماحة  السيد الخوئي  بتاريخ  الخامس  من اذار  1991م 
بسم الله الرحمن الرحيم 
ابناءنا الاعزاء  المؤمنين  السلام عليكم  ورحمة الله وبركاته  
 الحمد لله  على نعمه  والآئه والصلاة والسلام  على أفضل  أنبيائه  محمد وآله (ص)وبعد لاشك  إن الحفاظ  على بيضة  الاسلام  ومراعاة مقدساته أمر واجب على كل مسلم  وأنني بدوري أدعو الله  تبارك وتعالى  ان يوفقكم  لما فيه  صلاح الامة  الاسلامية  أهيب بكم ان تكونوا مثلا  صالحا للقيم الاسلامية  الرفيعة  برعاية  الاحكام الشرعية  رعاية دقيقة في كل أعمالكم  وجعل  الله تبارك  وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر  عنكم  فعليكم الحفاظ  على ممتلكات  الناس وأموالهم  وأعراضهم  وكذلك  جميع المؤسسات   العامة  لأنها ملك الجميع  والحرمان منها حرمان الجميع كما اهيب  بكم بدفن جميع الجثث  الملقاة  في الشوارع  ووفق  الموازين  الشرعية  لاالتمثيل  بها لأنه  ليس من اخلاقنا  الاسلامية  وعدم التسرع  باتخاذ القرارات غير المدروسة  التي تتنافى والاحكام الشرعية  والمصالح العامة  حفظكم الله  ورعاكم  لما يحب ويرضى  انه سميع  الدعاء 
:ـ وصدر بيان ثاني وتلاه الرحوم  الشهيد العلامة  السيد محمد  تقي الخوئي  نجل المرجع الاعلى ، تدور في نفس منوال الوصايا  السابقة لكنها تعلن عن تعيين لجنة  عليا تشرف على شؤون المجتمع 
ـ السيد  محيي الدين الغريفي /ـ  السيد محمد رضا  الموسوي الخلخالي / السيد جعفر بحر العلوم /السيد محمد رضا الخرسان /  السيد محمد السبزواري /الشيخ محمد رضا شبيب  الساعدي  / السيد محمد  تقي الخوئي  / السيد محمد صالح  السيد عبد    الرسول  الخرسان / بدأ الناس يصفون اليوم الاول بشغف ,  قد تختلف تفاصيل الأحداث من منطقة لأخرى لكنها تتوحد في  الايمان كونها  الرد الطبيعي  لجريمة  منعهم من اداء  طقوس شعائرهم وحرمانهم من حقوقهم  ... وهذا  ليس من حق  السياسة والسياسين التدخل في الشأن الايماني  فلهذا كانت الانتفاضة الرد الوطني  ضد من إتهم هويتهم  ... 
اسألة امتلكت  الطرف الشمالي من الهم العام  ... حيث بدأت الخطورة تتسلق جذع الاحداث .. امتلأت سماء كربلاء بالطائرات السمتية  المقاتلة والممنوعة الطيران...  
:ـ ماذا يعني طيران السمتيات في هذا الوقت الحرج ؟ 
:ـ من رفع عنها المنع ؟
:ـ لاشك إن مثل هذه المسألة تحتاج الى فيض من نقاشات ودراسات لمعرفة حقيقة كسر الممنوع والسماح بالسمتيات لضرب  الناس .. 
 :ـ لعبة أمريكية قذرة .. وهذا يكشف عن خارطة الحرب برمتها .. الحرب ضد الشعوب وليس ضد السلطات .. وما إن إهتزت السلطة حتى إستعانت بهم فسمحوا للطائرات أن تدمر  هذا الشعب 
:ـ يقال إن وساطة  حجازية  فرعونية  اقنعت امريكا  برفع الحظر الجوي .. يتوسطون لطاغية  هم قاتلوه !!! هم من دمروا آلة بلاده العسكرية والاقتصادية وقتلوا الالاف من أبناء الشعب العراقي عادوا ليديميوا حكم الطاغية من خلال رفع منع الطيران ويعني السماح لقوته الجوية بالهجوم  على شعب بأكمله ..
:ـ الحرب عندهم  خدعة سوق 
:ـ إكتشف حكام الخليج  بأن الطاغية وجوره أهون عليهم من ان تقود الشعوب بلدانها ... معادلة محكومة بالنظرة الطائفية المقيتة .. ...مجموعة من التحليلات التي ملأت أرصفة العراق  مذهولة بما يحدث ..
يا إلهي كم مرعبة لحظات المواجهة ،  في أشد ساعات التوق  الى الحرية  تقف الحواجز  بين الحلم  وبين الحقيقة  .. حلم التحرر  والخلاص  وواقع  تسلبه الطائرات .. فهي مصدر القلق الأول خشية أن تقتل الأطفال والنساء وهذا هو المتوقع منها  وباقي القوات رغم فحولة شأنها تستطيع كربلاء على معالجة أمرها 
:ـ مناشير .. مناشير ...
هب الصبية  خلف أكداس  المنشورات الهابطة من الجو  والمنثورة في السماء  .. ولاشيء فيها سوى التهديد  بالموت  والمطالبة  بإخلاء المدينة  ..
:ـ يسعون دائما لتكون كربلاء بلا ناس ...والناس بلا كربلاء  ولو إتحد الاثنان لكان الهدم عندهم أولى .. وهذا الاتحاد أصبح اليوم  يمثل الواقع الحقيقي لمدينة  إزدهت بتلاقي حضور الإرث المبارك مع الدماء التي سالت لتجدد عهد هذه العوائل دماء الكثير من ابنائها مثل  فتاح وبدري  ويوسف ومحمد اولاد مزهر عبد علي البو شمطو و دماء ابناء عمهم حسون ومفيد وعلي  وطالب جاسم سعيد ودماء  رسول وشجاع وعادل ابناء رزاق  الخباز. ليديموا تضحيات الشهيد صباح وعبد الجبار  وحمودي كاظم ابو شمطو  الذين استشهدوا عام 1981م  
..القصف المدفعي يغرز أنياب الحقد الطاغوتي  في جسد المدينة وضواحيها ... قصف مدفعي..يحاصر المدينة من أغلب جهاتها ...من جرف الصخر  ومن الرزازة  ومن طريق  النجف  ومن المحاويل  وبمختلف الاسلحة  هاون (60ـ 80ـ 120ملم) وليتم من خلال هذا القصف  تحرك الدبابات  مع قوات الحرس الجمهوري المتنوعة الصنوف  ...  البيوت بدأت تتهاوى  على رؤوس ناسها  ولم يبق من العوائل  سوى النزوح  عن المدينة  ...هناك من يرى إن  سر نظارة كربلاء تظهر في الاحداث الدامية وعند هدير التضحيات  فندرك متانة جوهرها الممتد الى عمق الجراح ... 
:ـ القصف المستمر على هذه المدينة حد الكثير من النشاط الفعلي ، النشاط الشعبي العام .. وشاغل الجهد الحربي عن  المواجهة لأنشغاله بنقل وإسعاف الناس  أغلب أصحاب السيارات إستخدموها لاغراض الجهد الأنساني ...
كربلائي آخر يقول 
:ـ بيوت كثيرة  تهدمت وضحايا عرفوا لكونهم ضحايا البيوت كبيت (حسن كعكجي ) ومحمد علي المضمد وولده اسامة وبعض الضحايا لم يتركوا في الذاكرة الكربلائية سوى شكلهم وأسماءهم الاولى مثل ( محمد ، حسن ، علي ، حسين ) هؤلاء الشباب أصيبوا في منطقة باب السلالمة ـ وفي منطقة البوبيات استشهد (السيد علي نوري ، وحسين عواش ، حسون كلثومة ، نزار نزر) 
:ـ  عندما تفقد الجيوش توازنها  تفشل في السيطرة على مصادر نارها  وعلى إتخاذ سياسة متزنة إتجاه الآدمية بمعناها الأسمى ... فالمدينة أبيحت لكونها أصبحت ساحة حرب وإلانسان مهما كان وضعه أو شكله أو هيأته رجلا أو امرأة شيخا أو صبيا هو يحسب في عداد هذا الفشل هدفا عسكريا مباحا ... وهذه الامور تحسب لاقتحام المدن المعادية والناس الذين يمثلون الكيانات القتالية  فكيف والمدينة عراقية  ومن واجبات هذا الجيش حمايتها والناس أبناء هذا الوطن ..
&&&&&
الرابية السابعة
   ( المواجهة)       
اطفال ونساء مرعوبين وهم ينظرون بخوف الى أخطبوط الطواغيت والطائرات تستعرض فوقهم جبروتها ... يبدو إن هذا الجيش يخشى براءة الاطفال وحنين الامهات  فيسعى جاهدا لإبادتهم ..والنظام القائم يخشى من فاعلية كربلاء فهذه  المدينة المقدسة تمتلك نصرة روحية من جميع العراقين على إختلاف انتماءاتهم ومن العالم العربي والإسلامي .
:ـ مدينة وسمها العطش  فصار هويتها.  جذرها المؤسس  .. إنسانيتها  .. وهي اليوم  تعود لتنتمي  لأصلها  ...
:ـ  يمنع عنها الفرات  وتقطع  عنها كل وسائل الحياة  ..طفل يؤمىء الى السماء 
:ماما .. ماما انا أحب الطائرات ، إشتري لي واحدة .
:ـ ماما ماما حين أكبر  ساكون طيارا  لأحمي العراق .
:ـ سر يا بني  أين ما تذهب فوقنا سماء  ...
رؤوفة تلك الطرق وهي  تحمل  الأهالي  الى مفترقات  المدن .. كل يودع فيها  غده المأمول ويحاول النجاة  إذا رجعنا الى التأريخ سنجد  إن أغلب الحروب  التي إعتمرت ضد العراق  كان ضحيتها الاهالي والناس البسطاء الاطفال والنساء  .. ويعني توحدت مساعيهم  في الأذى وضرب  العوائل  على أساس هي نقطة الضعف الاكبر عند الانسان ..  فتراهم اتفقوا في مضامين  قتل الأطفال وحرق البيوت  وهدمها،  هي خطط إعتمرتها  صدور القتلة  منذ  المرسى  الأموي  الى الأيوبي  الى طواغيت  العهد الحديث.جميل جدا حين تحتضن الشوارع الناس  والأجمل عندما تحمل قلب وطن  يخفق عند دمعة طفلة أرعبها القصف  .. تجربة الخوف عند الأطفال تجربة مريرة عاشتها كربلاء منذ أن إشتعلت النار في أردان صغار الطف الحسيني .. مذ لهبت الخيام وأفزعت الاطفال سعيا  لأفتراس هيبة القداسة التي تحتويهم .... هم يبحثون  عن مأمن  ينجيهم  من براثن القصف  الذي إشتد  حتى أصبح مهلكا .. وفي ساعة المحنة  تتوحد السبل  لذلك إتجهت بعض العوائل الى بغداد .. والبعض الاخر الى طريق عين التمر (شثاثة)  وأغلب الناس إتجهوا الى قضاء الهندية (طويريج)  وتوزعوا ببساتينها  
:ـ لماذا تركتم كربلاء ؟ 
:ـ لنبعد الأهل ونعود  .. فليس منا من يتخلى عن هويته 
:ـ شعارات ....من المؤكد ان كربلاء  أكبر من أي شعارات  تطلق هنا وهناك  وعودته هذه المرة تختلف عن سواها  فهو جاء وحده دون أهله ليبحث  عن نزف يحتويه ... جاء من المدينة خبر سقوط بعض السمتيات بنيران المنتفضين   فلم يفرحه الخبر 
:ـ عجيب .. !!
:ـ   سقوط سمتية وإحتراق طيارين  ليس بالخبر المفرح 
:ـ إذاً ما الذي يفرحه؟
:ـ حسم الأمور ..لابد أن ندرك  الزمن الفعلي  لمقاوماتنا  الأرضية هل نكتفي باسقاط طائرة أو طائرتين ؟ 
:ـ طبعا لا
:ـ   علينا أن ننظر لصلاحية كل سلاح .. مثلا مدافع ال ( 23) ملم  لاتنفع لمقاومة السمتيات بل  تنفع لمواجهة الجيش القادم من بغداد .. هذه المقاومات تستخدم في بلادها  لصد الهجومات الارضية  وشغلها الثانوي الدفاع الجوي .. يعني  عكس مدافع المقاومات الارضية .. أجاب  احدهم واسمه سعد ويلقبونه الملازم سعد 
:ـ الشباب يعرفون عملهم ويدركون ما تقوله وهو حقيقة لكنهم يحتاجون خدماتكم في أمور أكثر أهمية ،مثلا عليكم أن تتكفلوا عملية التحريض  الفاعل لتمويل التبرع بالدم..نحن بحاجة الى دم ..،شكلت وحدة طبابة كبيرة في الصحن الحسيني المبارك  باشراف الدكتور عزيز الشيخ جابر ....ومعه فريق طبي  وبعض الاساتذة المدرسين والمعلمين  وكل من لديه خبرة في التداوي ،  ,وصل محمد السعدي المستشفى الحسيني العام عقب هجوم كبير شنته فلول النظام من البعثيين كمحاولة لإثبات الذات  وهو يعد من الاعمال الانفلاتية الخالية من القيم والاخلاق  وإلا ماذا يعني ضرب مستشفى  فيه من ضحايا القصف العشوائي شيوخ عزل ونساء وأطفال تهدمت عليهم بيوتهم أو قصفتهم الطائرات  وهم يغادرون كربلاء  بعيدا عن الدمار.والمهم إن الرد اليقظ من الاهالي  كان يحمل عدته  للكثير من المفاجئات  ..  المودة الانسانية التي يتمتع بها  الناس دفعت  العشرات الى المستشفى  من أجل التبرع بالدم  ولايحتاج الأمر الى  تحريض  ..
يحاول  دائما أن  يواجه  نفسه بحقيقة  ما يحدث  فهذا الفعل  التحرري فعل شعبي عام  لكنه لاحظ   البعض يتفاؤل خيرا بحجم الذي سيقدم من مساعدات ومساندات الجهد السياسي أو العسكري أو المعنوي القابع  خارج الحدود  .
:ـ هذا جهد عراقي خالص لايمس  الهوية بشائبة المروق
قال أحد الخبراء 
:ـ القضية أكبر من حدود  أوجدها المستعمر لإيجاد مناخات تحتضن الرضوخ 
أجابه مقاتل كربلائي
:ـ هذه هيبة الجراح  يا صديقي .نتمنى أن لاتمس .ليس هناك أي أتصال سياسي أو تنظيمي 
:ـ بدأ  تقدم الوحدات العسكرية على كربلاء  وبدأت الوية الظلم والكفر والطاغوت  تتلاشى أمام هؤلاء الشباب  رغم ضعف النار لديهم  لكن الذي أذهل الكون هو حجم  هذا الإيمان الذي أركن الموت خلف ظهره وراح يقاتل ...
:ـ  سجلها لكربلاء مقاتل كربلائي ذهب ليعود بسيارتين  محملتين بمدافع  ذات قذائف  كيماوية  أُعدت لضرب كريلاء ..  وتم إبعاد السيارتين الاسيرتين  لتأمين هذه المدينة  من خطر الكيماوي ... 
كربلاء تبحث عن مطر يغسل الدم ويرطب رمق العطشان ونحن بحاجة إلى تفاصيل  أكثر دقة  لنتقصى الوجع الكربلائي  أسماء غرست  قلوبها على ربى هذا المصير فهي تحركت دون قيادات  منظمة ولا استعدادات  مسبقة رغم إن بعضاً يؤكد وجود مثل هذه الاستعدادات. 
والخوف!!! 
:ـ ممن والمدينة يرعاها الحسين عليه السلام ؟ 
:ـ الخشية من برود الهمة والاتكال على بهجة نصر مؤقت  بينما هناك جيش  يعمل بحرفة  عالية  قد يفاجىء كربلاء باختراق مدمر  
:ـ المنتفضون لايمتلكون أوامر  صارمة تجعل الالتزام فرضا قانونيا  ليس لديهم سوى هذا المحفز  الايماني الذي أصبح  هو الشعار  
:ـ والقيادات ؟
 :ـ كانت القيادات مناطقية  بينما المرتكز  مثّل حلقة الوصل 
:ـ الاسماء ؟
 :ـ فعلا  اندمجت الاسماء  لتصوغ أسما واحدا  يمثل  إنسان كربلاء  بما يملك من وعي  وإدراك مفاهيم  تضحوية 
توزعت المسؤوليات كمرتكزات قيادية رغم جماعية المسعى  فكان الإشراف على الأبواب  والتوجيه المعنوي  من مسؤوليات السيد علي التاجر .. وتحمل السيد(علي الرسام ) مسؤولية توزيع الاسلحة  والإشراف  على الواجبات  والحراسات الليلية  وتنظيم  سير المعارك  وأسماء كثيرة و البعض عرف بعائلته مثل(السيد كاظم الهندي وابن سيد حسين جلوخان  ورضا الدباغ  وعدة أشخاص من السادة آل طعمة) 
:ـ والمقاومات الأرضية ؟
:ـ كان عليها (أحمد فاطمي  هو وإخوته الشهيد مكي والشهيد رسول  وجماعته)  وممن تذكرني أسماءهم  أبطال اولاد ( ميري العبيس ) ومن المقاتلين الصلبين ( ثائر وإخوه هاشم ـ وعلي قامة  وشاكر عبد إبراهيم وفي السعدية المرحوم السيد صادق السندي  وأبنائه وحشد من أبناء السعدية  و  باب بغداد  وأبناء الطيار  وأبناء  صاحب الخباز وابن بحر وأيمن وأيسر علي الرسام  والسيد صالح  السيد رسول طعمة إذ كان مسؤولا  في صحن العباس عليه السلام وابن الحلاق  مذيع الصحن  الحسيني)  وصار عدد المرابطين حتى اللحظات الأخيرة بحدود الخمسين فدائي في العتبة الحسينية وحدها  ..وقاتل رسول آل طعمة ورسول كريم فارس الرجل الذي واجه الدبابات بشجاعة أذهلتهم ، والمقاتل الذي فقد عينيه بعدما اذهلت العالم شجاعته ( علي نعمانية ) رياضي لعب في نادي كربلاء لفترة ، وتقدم جميع افر اد بيته  لخدمة الانتفاضة من بينهن من تعالج الجرحى ومنهن من تخبز ،
مدينة صغيرة تواجه بكل هذا العنف  يعني أنها فهمت من قبل الأعداء بصورتها الحقيقية،..  فالأرض لها أمزجة وهذه الأمزجة تنتقل إلى الأبناء مثلا هناك أرض تدفع أبناءها إلى الانتحار وهناك أرض تدفع أبناءها الى حضن الحياة بقوة و كربلاء مدينة لها تأريخها التضحوي الذي يدفع نحو التسامي  والخوف منها إدراك حرفة يعرفها أبن حرب .. 
:ـ هل حقيقة ضربت كربلاء بالكيماوي ؟
 :ـ لقد تم تحديد مناطق الكيماوي بدقة ..  كان أول قصف كيماوي أمام مضيف العباس عليه السلام  حيث يهيأ  طعام المقاتلين    وأستشهد رجل أثر الكيماوي وعند الكراج  الموحد  وجامع الصادق  والاوقاف ومنطقة بين الحرمين الشريفين  ... 
:ـ القصف ... 
:ـ احذر ردوا القصف 
يروي المقاتل عبودي الدباغ أحداثا مريعة عن قصف باب القبلة لصحن الإمام الحسين وقد أودى القصف بحياة بعض المقاتلين الذين نقلوا للعلاج إلى مستشفى طويريج فاعترضهم الجيش وقتلهم بدون تردد  فكان من ضمنهم مكي فاطمي ونجم وباسم أبناء عبد الله الدباغ ، معارك كثيرة وفي أماكن متعددة من كربلاء  لتبدأ  المعركة الأم ، كانت هناك مواجهة عنيفة من فوق  الصحنين الشريفين ، مقاومة اذهلت الجيش رغم ضخامة القوة المهاجمة من طائرات هليكوبتر  والدبابات وأفواج المهاجمين   ومع هذا استخدموا  الغدر مستغلين عفوية المقاومين  حيث تم خرقهم بقوات مدنية مدعية إنها من  المقاتلين المساندين لنا ومن محافظات مجاورة فاعتلوا السطح يقاتلون معنا لأيام إلى أن تم اكتشافهم وهم عكس ذلك واستطعنا أن ننفذ منهم عن طريق باب صغيرة موقعها مقابل السوق  العرب ، انقذنا الجرحى  وبعض المجاهدين  من سوق الحسين إلى سوق  باب السلالمة  ومن ثم على البوبيات  نحمل معنا بعض الجراح و ذكريات فخر لاينسى    ،
 :ـ بدأ القصف منذ يوم8/3من قبل الطائرات  ... 
 ورغم شدة القصف ودخول الجيش الذي اقتحم كربلاء بقوة  وصوت التفجيرات  وضربات الكيماوي ، كان(محمد) يدخل كربلاء دون سلاح يتفرس في طرقاتها ليرى عظم الجراح ويعود مشيا إلى طويريج كل يوم ..   وحين احتل الجيش علوة المخضر القديمة في باب طويريج أصبح الطريق أكثر خطورة والهاونات صارت تهدد كل مسير  بينما الطائرات  مشتغلة بالقصف والإبادة.. لقد رأى بعينيه  كيف تحتطب الحياة من متن طائرة و كيف تسرق ابتسامات الأطفال  وكيف تسلل الجرح إلى جسد  أسقمته السنوات ..  وفي إحدى المرات  حاصرته نيران قناص  مبهم الاتجاه .. آوته صخرة كبيرة  ما إن يتحرك عنها حتى يعود  رصاص القناص ثانية..
:ـ ماذا يريد منه هذا الأبله ؟.. سيدخل المدينة رغما عنه ..وإذا بأمرأة تقف عند رأسه  دون أن تبالي بالرصاص , تناديه 
:ـ قم ما الذي أتى بك ؟
:ـ وأنتِ ماذا تفعلين هنا ؟ ألا تخشين الموت ؟ 
:ـ جئت إليك قم معي ولا تخشى شيئا  ... 
وهكذا  عبر المحنة  ..  التفت كي يشكرها فلم يجد أحد .. أين ذهبت ؟ ولهذا صار يؤمن  بأشياء لم يألفها من قبل .. وقد أكد  أغلب المقاتلين بأن هناك  عون غيبي يحرس هذه المدينة رغم كل ما أصابها من دمار ..  بعد ساعات وجدها  تساير فتاة  أسر الجيش  أباها .. ذهبت الأم لتسترحم القادة ولم تعد  .. فظلت البنت وحيدة   عند مشارف القنطرة البيضاء ..  وشاهدها  تبكي عند جثث عوائل طمرها طيار ضال تحت مظلة معمل الطابوق الذي يقع عند مشارف (فريحة)  ولمحها أيضا عند  حشد نساء وأطفال يباغتهم الطيار بارتفاعات واطئة حتى تركهم يغوصون في وحل  الطريق،
 شن الهجوم المدرع من أربعة محاور المحور الاول حي العسكري والمحور الثاني حي الحر والمحور الثالث سيف سعد والمحور الرابع من جهة بغداد.  ... 
.. نفدت  المؤونة  ولم يجد المقاتلون مساعدة من  أي أحد  ..لابالأسلحة  ولا بالمواد الغذائية لامن الداخل ولا من الخارج  حتى نفد الماء  فكانوا يحفرون داخل(نهر الحسينية) ليجود  لهم بقليل  من الماء 
:ـ والنهر ؟ 
لقد قطع الفرات من ( السدة )  كان الثوار ينتظرون  المدد من العراقيين.. فالعتاد نفد وبحاجة إلى تموين مستمر  وبهذا فقدت عملية التكافىء  القتالي مع العدو  ..فليس هناك مفاجئة إذا ما دخل الجيش  بعد كل هذه المطاولة المعجزة ورغم هذا كان الأمر في غاية المفاجئة بدخول  الدبابات الى المكامن  القتالية  .. لم يستطع البعض الرجوع الى بيوتهم...  بسبب كثرة  الدبابات فتسلل البعض عبر المنافذ التي تركها الجيش و  كتل الدبابات المحترقة  ....
لاشك أن مثل هذه الرؤى ترسم مدارات عديدة لحدث أكبر من أن تلمه إستذكارات تحمل العويل  
:ـ لاأحب أن أسمع رثاءً لمدينتي
قد رأيت هولا  يختصر كل شراسة الدهور .. جيش استحضر إرث طغاة العالم ..فلا هولاكو أكبر بطشا ولا جيش  جنكيز خان يمتلك مثل هذا الجيش لشهية القتل والفتك والتدمير,مع بدأ دخول القوات  العسكرية كربلاء رفع الجيش نداءات شديدة اللهجة تطالب الرجال بتسليم أنفسهم ولم يبق أمامهم سوى الرضوخ لحتفهم بهدوء ,  وحينها تم تفتيش كل بيت من البيوت  وأقيمت إعدامات  فورية أمام العوائل كالتي حصلت  ,في المنطقة المفتوحة حي البناء الجاهز و أمام مطعم كباب المصطفى حي المدراء الحالي ،  .. حضرت امرأة تتوسل  آمر الوحدة القتالية  بالعفو عن ابنها الغائب عن وحدته والعائد نادما .. فقبل  التوسل ورحب بها وهي تدعو له بالخير وإذا بالآمر يرمي ابنها مذبوحا  في احضانها وهو يقول لها بكل برود 
:ـ  خذيه لقد عفونا عن ابنك  ولو عدنا إلى واقعة الطف الخالدة  سنجد هناك من ذبح غلاما  ورمى الرأس في أحضان أمه وهو يقول 
:ـ خذيه لقد عفونا عن ابنك  ..
لنستدرج التفاصيل إنصافا  لنصرة الضحايا .. مثل   ( رسول وأحمد وعباس ) وهم قرابين مواطن عراقي من كربلاء اسمه عدنان كاظم .طلبوا منه ابعاد النساء وإجراء تحقيق روتيني مع أولاده  وحشروهم مع أبناء عوائل أخرى فصار عدتهم عشرة أشخاص  وإذا بالمجرم حسين كامل يحضر بطائرة عمودية  
:ـ أشار لأحد حمايته وقال بلهجة عامية  ( حشوهم )  وتم أعدامهم ..  وقادته مزاجيته أن يوقف الرمي بعدما قتل خمسة شبان وهو يقول ضاحكا كافي خمسة بخمسة .. وأخذوا الباقين إلى السجن ..
:ـ  ما الغرابة في بلد يستقطع من العوائل ثمن الرصاص الذي استقر في  جسد ابناءها ؟
في احصائية مختص جرى حساب القذائف التي سقطت على كربلاء ليوم واحد كانت  الحصيلة  2400 قذيفة لكل ساعة .
:ـ  ماذا بقى من كربلاء .؟
:ـ بقى إيمانها  ورعاية دعاء سيد الشهداء عليه السلام ...
اتفقت جميع روايات الأصدقاء الذين اشتركوا في الانتفاضة الشعبانية  بأن طيران السمتيات غير وجه المعادلة وجعلهم  لايقدرون من  استثمار الدبابات والمدرعات التي اغتنموها ، فالطائرات حرقت كل مايقع بين أيديهم من دروع  ، حدثت معارك كبيرة اشترك فيها المقاتلون من جميع الأحياء  ومنهم أبناء حي العباس الذين خاضوا معارك كبيرة دارت  في تلك المناطق وكبدوا الجيش خسائر فادحة فعند أبواب النقطة الخارجية  تقريبا عند منطقة فندق الحوراء سابقاً  أقاموا أولاد موحان الشجعان أربع سيطرات  لضبط المرور خشية خرق كربلاء قاتَلوا وحملوا دم الأبناء وسام عز ومفخرة .. وكان معهم مجاميع  شبابية من أبناء كربلاء ومنهم  نعمة الصواف  من باب الطاق ، سيد احمد الحيدري  واولاد سيد عمران وياسر عبود  وعارف الطباخ  عارف احمد المله  وفي السعدية كان هناك  حمد حديد يحمل الهاون ويقاتل قتال الابطال  كفاح جليل عباس  هو ابن الزبيدي  وعلي أبو شنه في  المخيم .،واولاد الحاج مصلح ومنهم قاسم وعلي مسكوا البوبيات وهناك برز دور بطل حقيقي  اسمه ابو حمادة التورنجي  فهناك اشتد وطيس معارك كبيرة  والتقى الثوار مع الجيش، مقاتلون قدموا الشجاعة النادرة حقا والتي اذهلت الخصم ,الحاج زكي (السقاء) حمد ابو الصوف وحسين ابو الحياية  وبيت علي الكويتي الذين حملوا اصابة عين اخيهم هوية.. 
&&&&&&
         الرابية الثامنة 
                  (  التحدي)
التأمل في وجدانية الموضوع سيكون الأقرب إلى حقيقة كربلاء ومكوناتها ومثل هذا التصور يمنحنا الفهم الواعي ..دهشة أحد المقاتلين وهو من الرتب المتقدمة في الجيش ، تصوغ لنا حقيقة هذا المكنون...
:ـ أنشغل ذهنه بذاك الكم الكبير من القذائف التي سقطت على هذه المدينة .. و فراسته العسكرية لها  خبرة تخيل  كونت له مشهد ما سيراه  من مدينة استقبل صدرها آلاف  القذائف المدفعية وتعرضت لعملية تدمير وتهديم ..حتى تصور أنه سيدخل مدينة مهدمة تماما ولكنه ذهل وبسمل حين رأى أن تلك القذائف لم تصب المدينة بالشلل  .. وصار يؤمن بأن هذه المدينة محروسة  بعين الجليل ..
اقتحمت القوات العسكرية الجنوبية واستقرت في الوادي القديم 
واقتربت في اليوم التالي حيث أتخذت موقعا قرب مرقد أبن فهد الحلي ...والآخر صوب مغتسل المخيم ومن ونهاية شارع السدرة ... احاطوا العتبتين الشريفيتين من اربع جهات 
كان القتال يجري على عواهنه وهذا ما أدهش قادة الجيش جميعهم يؤكد عدم وجود  إدامة لقتال  أو مدد او مساعدات حتى لوكانت معنوية .. إحدى السواتر القتالية كانت عبارة عن كدس تبغ ( تتن) احترقت في باب قبلة العباس عليه السلام ؟  وعند بناية غرفة التجارة الواقعة بين الحرمين في حينها, وفي مناطق أخرى ، ووصول الجيش الى باب القبلة  يعني نجاح احدى الخروقات وهذا لايعد مفخرة لجيش بهذه العدد والمدد ، قوات مجهزة بأحدث الاسلحة ومعدة لمثل هذه  المواجهات تواجه أبناء محافظة صغيرة وفي أجواء انعدمت فيها الرؤية وأزقة معرضة للسقوط  بأصوات القصف وإذا بقتال عنيف يدور في باب الصحن مع إن المقاتل الكربلائي يشغله القلق على أحوال أهله  وعلى حياة الناس المحجوزين داخل المرقد عوائل لاذت بقبر الحسين عليه السلام  وقررت أن توحد المصير عند عتبات حضرته المباركة ... أصبحت أقبية الفنادق هي  المكمن القتالي لهؤلاء المقاتلين  ، التفكير العسكري يرى أن سقوط مقاتل من العدو يزرع الرعب في الخصوم ، هذه معلومة تفاجئت في كربلاء بنقيضها المؤمن،حيث كان جرح شهيد يوآزر كل القيم المحفزة فيهم للصلابة أكثر  حيث تضرج الكثير من الابطال بدمهم ، كانوا بعفويتهم يرفضون إستخدام سقط شهيدا لكونهم ادركوا إن الشهادة ترتفع بالانسان لاتقع به أرضا هنا إرتفعت ارواح الكثيرين ومنهم الشهيد  علي مرتضى التكمجي وهو يستنجد باخيه (عماد مرتضى) طلقات احتوته واذا بهياج الألم ينقلب إلى صرخة ايمان
 :ـ واحسيناه..... اللهم انت العون ,
 ويخرج من سرداب غرفة التجارة المكمن منتفضا باتجاه نقطة التحدي الأقوى التي تعني  مواجهة النفس  أمام المخاطر، الصلابة أمام الوجع ـ الجراح النازفة ترى بعينيك  الإخوة والأصدقاء يتعالون  سموا  وهم لايملكون من الموقف سوى التقدم إلى أمام  فكربلاء أسمى من كل المسميات ، حتى التي تكسر القلب ،
لقد نفذ الجيش حكم الأعدام ببعض المقاتلين في باب الصحن الحسيني الشريف  بعدما قدم الشباب الكثير  من بسالة المواجهة مثل  إحسان ابن شيخ باقر الآن هو طبيب واصيب في حينها ، جبار زيارة وهو يقاتل على مدفع مقاومة 57ملم والشهيد حسين مكي كريم  القريشي  والشهيد حسين حسن عبادة قتل في باب الصحن الشريف هو ومجموعة كبيرة من كربلاء ،  قالوا لأحدهم مشجعين 
:ـ  انتم مفخرة .. كربلاء تقاتل بكم  .. وترفع الراس بكم عاليا .. 
بكي المقاتل ليجيب بتشنجات الم 
:ـ  نحن الذين   نقاتل بكربلاء .. بهذا المجد  الذي يرفع رأسنا يوما أمام الأمم حين تنصف الضمير  ..
ولذلك يؤكد البعض بان بعض الدبابات إنفجرت لوحدها .. دمعة مقاتل  تنهض الما 
:ـ الجنود المحترقون يذهبون باتجاه الثوار  يلوذون بهم كي يطفئوا النار .. والمقاتلون وهم يواجهون الموت يذهبون لأداء مهمتهم الانسانية مع اخوان كان الاولى بهم ان يقفوا في صفهم لاأن يقاتلوا شعبهم وناسهم بشراسة من أجل عرش مهزوز  
ـ كيف ترى كربلاء وهي تلبس جراحها ؟ 
:ـ  إنها جميلة  للغاية   وحدتها الجراح .. سعى المجرم أبن كامل لتحويلها الى جثة  ..  وراح يتلمس المواضع الحساسة من قلب كربلاء  وجه المدافع لتقصف  العتبتين المقدستين وقاد بنفسه  دبابة  في شارع باب قبلة الامام الحسين عليه السلام   ورمى باب القبلة بعد ان رأى جثث عسكره قد ملأت الشوارع  وهو ينظر غير مصدق ما يرى  وقال قولته الخائبة والتي ستبقى خزيا يلاحقه الى يوم الدين 
:ـ انا حسين وانت حسين ،
ونحن قبلنا التحدي لثقتنا بما نؤمن .. لكننا ننظر الى أبعاد أعمق من مجرد قول تافه ... هناك مساحات تستوعب الارث المتنامي في قلوبهم  من تحدي لهذه الموجهات الايمانية وتحدي المقدس يعتبر محاولة لزرع  الإحباط الروحي لناس  تمثل عمق الانتفاضة أينما كانت 
:ـ يا بني هذه مصاهرات فشل تعتمر أرواحهم ..  فعل مدرك بان هذه الانتفاضة وليدة  النزوح الحسيني إلى كربلاء ، وليدة المواجهة مع السلطة عام 61هـ ..  وهي تتنامى في كل جيل ولذلك كان التحدي الأبله  للرمز الذي قاد الانتفاضة قبل قرون .يعني أنه نظر نظرة حقيقية لمعنى الانتفاضة ، قيمها التقييم الصحيح .. 
:ـ حسين كامل قيم الانتفاضة التقييم الصحيح ؟
:ـ نعم .وإلا ماقيمة التحدي الأبله ضد الإمام  ..؟ أليس إدراكا بأن القائد لمثل هذه الانتفاضات هو الحسين (ع) .. ربط الانتفاضة بقائدها الحقيقي 
.:ـ ...لكنه تجاهل
يقاطعه بانفعال ....
:ـ  تجاهل قيمة التبجيل العام مع هذا المقدس الذي لايمكن أن يتأثر بقرارات سياسية أو عصاباتية ولا بقوة القسر المدفعي .. دخول  المجرم أبن  كامل  إلى ألاحداث بهذه القوة كان سعيا لتشويه الصورة  الحقيقية للمعنى الأسمى .. 
كان يسأل من يقع بين يديه من أهالي كربلاء 
:ـ  أنت معي ام مع الحسين بن علي ؟  
ذات سؤال وجهه لرجل مع  إبنه وهو صبي صغير القي القبض عليهما  بتهمة المشاركة في الانتفاضة .. فأجابه 
:ـ أنا مع  مولاي الحسين  عليه السلام والتفت حينها للصبي  يسأله
:ـ  وانت ؟  
 أجابه الصبي بثبات 
:ـ  أنا مع أبي أينما يذهب سأذهب معه..
وكما يحدث في أفلام السينما  تناول من أحد حمايته الرشاش بطريقة استعراضية  واطلق الرصاص على راس الأب ثم عاد ليختبر صبر الصبي 
:ـ والآن ؟
اجابه الصبي وهو  يبكي 
:ـ مع ابي ..
 وبعدما قتلهما, طافت رؤيا مباركة لأكثر من شخص يرى مدفنهما مع أنصار الحسين عليهم  السلام .... 
ساد هدوء صموت إلى اليوم الثالث  حيث بدأ دخول المدرعات والدبابات وناقلات الاشخاص مدرعة وسيارات ايفا وحينها شهدت باب بغداد بعض الاصابات اثر رمي قناص مجهول المصدر ، تم نقلهم الى المستشفى ، وبعدها إتجهوا الى  النهر لغرض غسل ملابسهم  من الدم .. صاح احد الشباب   
:ـ المدرعات .. المدرعات .. 
 واذا بها قريبة عنهم  ولايملكون سوى الاسلحة الخفيفة فتركوها توغل بالدخول الى باب بغداد  ، رمت احدى الدبابات الصورة الكبيرة لطاغية العراق كي  لاتصبح ساترا للمنتفضين  رمي عنيف دار بين الطرفين .. صار الثوار يحسون بالفخر فعلا فهولاء الشباب واجهوا جيشا محترفا على القتال  ودمروا خرافته .. فصارت خشية قادة الجيش فقط من تسرب المعلومات  الواقعية الى عمق المعركة  التي أذهلت العالم ، لذلك هم يسحبون القتلى والجرحى بسرعة مذهلة ، بقع الدم المنتشرة في الشوارع تعطي مقاربات  عن الخسائر ،سرعان ما عادت القوات متقهقرة ، كتيبة دبابات تنسحب بسرعة مرعوبة  وصل الانسحاب إلى مايقارب مشارف حي العباس وبدأ الرمي العشوائي ثانية  ،  فقرر مجموعة من الابطال وهم يحملون  قاذفات  الاربيجي سفن ـ تقدم   احدهم وهو يرمي  دبابة ويصيب برجها والبقية افزعت بالحال فسقطت الاولى باربع نهران  والأخرى سقطت في بستان قريب وهرب الجنود دون أن يرمي أحدهم أو يتعقب أي منهم لأن الثوار فعلا لايريدون  أن يقتل أحد ،  فتحوا إحدى المدرعات فوجدوا ذخيرة سلاح خفيف وصندوق رمان دفاعي ومؤونة أكل وسكائر  تم توزيعها على المقاتلين .. وهناك أعداد من الدبابات والدروع المتروكة من قبل الجنود بين مضروبة وصالحة ،
:ـ هل تمت الاستفادة منها ؟
:ـ لا 
:ـ لماذا ؟ !!! هل صعب على الثوار تشغيلها وسياقتها 
:ـ لقد تم قصفها فورا من قبل طيران الجيش  فقصفتها السمتيات  وأحرقتها كي لاتتم الأستفادة منها ، 
:ـ  هذا يعني إن  الجيش وبقواته الكبيرة  بدأ يحسب  ألف حساب لهولاء المقاتلين وانتهت محاولات التقدم السريع التي بدأ بها لكونه أحس بثقل المقاومة  الشعبية 
:ـ لقد واجه الثوار العديد من الخطط التكتيكية وأفشلوها ، حتى الطيران بدأ يستخدم العديد من التمويهات ، والتي كان بعضها ينجح بسب  عدم وجود قيادة توحد الأمر القتالي ، 
:ـ البعض يؤكد وجود قيادات؟ 
:ـ لا أبدا بل هناك مجموعة تمركزت في الصحنين المقدسين تبين الموقف القتالي للمناطق .. ليس هناك حالة قسر لقتال...  ليس هناك حساب ضد من يترك القتال إذن كان قتالهم طوعيا مائة بالمائة ، الجيش بدأ يعرف مكامن قوة الكربلائيين   فهم أبناء حرب الشوارع ، المناطق المفتوحة تجعلهم لقمة سائغة للقصف الكثيف جدا ، لهذا فشل الاقتحام العسكري من منطقة باب بغداد ومن باب طويريج ودمر في ازقة باب السلالمة ولاقى فشلا ذريعا وتكبد الجيش خسائر كبيرة لكنه استغل المناطق المفتوحة مثل منطقة سيف سعد ومنطقة الحر ، سيطر عليها بجهد أقل ، فعند دخوله  الى المدينة لاقى مقاومة كبيرة في طريق الجمعية  و اتفقت المجاميع القتالية .... ان اتركوا الجيش يدخل ، كي يقع في شباك النار  وحتما توغل الجيش حتى وصل في شارع الشهداء  بينه وبين العتبة الحسينية المقدسة ـ شارع الشهداء / فهب الثوار من عدة محاور مستثمرين وجود الأزقة وتفرعاتها من المخيم ومن السعدية  ومن محيط باب السلالمة  إضافة إلى قوة  الشباب الموجودة واغتيل احد الرتب العسكرية الكبيرة بدرجة لواء  في خان ( الحاج جودي الصفار ) هو وسائقه واخفيت الجثث عن الانظار مباشرة وقد انسحب الجيش  مرعوبا إلى قرب الحر، وبعدها تعرضت الجمعية إلى قصف مدفعي  عنيف ، لينهك اهلها رجما بصواعق الموت  دون حساب لإنسانية شعب، وبدأ الجيش يزرع الكمائن النارية  للمقاتلين ليعيق حركتهم فقد تمت السيطرة على سطوح المباني العالية .. وتعرض البعض  إلى كمين في طريق الهنيدية منطقة محمد الأمين حاليا ...  اخذوا وضع الانبطاح سقط بينهم الشهيد ( سيد جواد الحائري ) استشهد بقناص  في القلب .. 
:ـ هل مسهم في هذه اللحظات خوف ؟
:ـ  يبدو أن الله نزع من قلوبهم الخوف تماما...عادوا الى داخل المدينة ونصبوا ربايا قتال وأداموا التواجد في منطقة الحرمين ، ازداد القصف من منطقة قاطع حي العباس 
فصار لابد من مواجهة قريبة لإسكات مصادر النار ، فهب وفي هذه اللحظات الحرجة بحدود 150 مقاتلا من أبناء هذه المدينة وفعلا تقدمت السيارات باتجاه بغداد إلى منطقة مستشفى الأطفال بطريق عون والتي كانت  فندقا بأسم فندق الحوراء ، تجمعوا دون أن يعرف أحدهم اسم صاحبه أو ربما عرفوا اسمه الأول فقط دون معرفة من يكون فهم من عدة مناطق تجمعوا للدفاع عن كربلاء ، والبعض الاخر معروفين حق المعرفة فقد كان هناك من الابطال الذين قاتلوا ببطولة مثل محمد وكريم ابناء الحاج جليل النجار،والحاج علي الوزني والاخوة احمد وعلى وطلال حمزة  وسيد حسين الموسوي ابو ضرغام  وعدنان ابو الحب ودريد وعلي ابناء طالب الرشدي  وحميد معتوك  وعلي الوكيل  وعلي بن سيد حسين وعلي مالك المعمار  وياسر بن ناصر ابو المسامير  قاتل الجميع  في جو مغبر اثر عاصفة هبت على كربلاء فلم يروا شيئا سوى انهم يواجهون عدوا لانراه ،  قابلهم الثوار برمي مكثف لكنه عشوائي كان القصف يأتي من بعيد لذلك عادت المجاميع المنتفضة الى الداخل خشية اختراق غير متوقع من احدى مناطق كربلاء ، تميزت كربلاء في المواجهة القريبة لكون الاسلحة التي يحملها الشباب خفيفة والتحرك نحو الخروقات بواسطات نقل متنوعة منها السيارات والدراجات النارية والهوائية ايضاً.
،وبعد قتال شديد شيع الخبر بان العباسية قد احتلت من قبل جيش السلطة بعدما  تكبد الجيش خسائر جسيمة ، ثم تهاوت منطقة المركزية من شدة القصف ووحشية الهجوم الضاري ،وبقى القتال مشتعلا في مناطق باب السلالمة وباب بغداد وباب الخان ،وجميع مناطق كربلاء البطلة 
:ـ ومشاعر المقاتلين ؟
:.. روح معنوية عالية وأسف كبير لكون مثل هذه الانتفاضة لم تحدث يوم عرش شر الطغيان على العراق قبل دهور  ، كانت  زيارة الحسين عليه السلام  تعتبر منشطا روحيا يبعد تعب الاجساد ويزيد الاصرار ويعيد تنظيم التشكيل ثانية رغم ان  القتال أصبح قريبا جدا من المقاتلين  ، هناك هجوم كبير على شارع قبلة الحسين  ،واستطاعت تلك الحشود من احتلال الصحن الحسيني وذبح من فيه،وبعدها تم التركيز على منطقة مابين الحرمين والعتبة العباسية المباركة ..
جاء في مذكرات أحد امراء الوحدات بان وحدته رمت سبعين صاروخ ارض ارض على كربلاء والنجف 
:ـ  كيف واجه المقاتلون مغريات التخلص والهرب؟
:ـ لابد ان تعرف انهم لو كانوا يفكرون بالهروب لهربوا منذ البدء فقد كان الهروب حينها  أسهل ومن يريد الهرب لايبقى إلى حد المواجهات الخطرة ، صلابة المقاتلين تعد مفخرة حقيقية،هذه المساحة المكانية الصغيرة في حسابات العسكريين أذهلت العالم بصبرها وصمودها وشراسة قتالها ,أمام قصف مركز  وقذائف تنويرية  تكشف خلايا المنطقة  وقوة قناصين يعيقون حركة المقاتلين إقتحم الجيش العتبة العباسية المقدسة من باب القبلة ،قصف دبابات وزحف مشاة متسترين بالبنايات  ، قصفوا باب القبلة ، هل تعرف ما معنى أن تقصف قبة العباس عليه السلام؟ ،   زاد إصرار المقاومين حماة الديار وكبدوا  الجيش خسائر  تعد في العرف العسكري خسائر حرب بين دولتين ، تقدم احد الابطال نحو الدبابات بشراسة(محمد بن عارف البناء ) فاستشهد في نفس المكان  رحمه الله متأثرا بنزف شديد وقدمت كربلاء ابطال كبار وشهداء يفتخر بهم كل محفل .. وفي باب الخان (الفسحة) كان القتال يدور عبر الازقة وجميعهم تقدموا لحماية صحن ابي الفضل العباس عليه السلام ، ظهر صنف عجيب من المقاومين الذين تخلصوا من الموت باعجوبة والمقاتل الشهيد (مكي ابو اللول) واخوته  محمد والشهيد مؤيد ، اشرس ابطال المقاومة الحسينية  خرج امام الجيش وهو يقابلهم بصليات رمي متواصلة  ،ووردت بعض الاسماء التي تحمل نفس اللقب مثل هادي ابو اللول واخوه نعمة   .. 
وكان أفراد قوات الحرس الجمهوري يعانون من هستريا قوية كونت قساوة غير طبيعية أبعدتهم عن إنسانيتهم ،حتى إن بعض السرايا أطلقت النيران على سرايا أخرى من الجيش ،
:ـ لماذا هذه القسوة؟
 :ـ ثأرا ممن كسر حاجز الخوف ...وتصفيتهم سعيا واضحا لموازنة  هذا الخوف الذي بداخلهم  وكي لاتعاد هيبة لأي خارج عن الارادة التحزبية لنظام لايمتلك إدارة معناه بغير القوة والقسوة والبطش ،
  ،:ـ .. كيف لايخافون وقد ثارت أغلب المحافظات العراقية وحتى في بغداد حدثت بعض الاضطرابات التي كادت تشكل انتفاضة  يوم 5/3 /1991مدينة  الثورة ( مدينة الصدر) قمعت بشدة  وبعد يومين أي في 7/3/1991حدثت اشتباكات عنيفة قرب الاذاعة في الصالحية ، كل هذه الامور دفعت النظام للقسوة.. ولذلك أقاموا الاعدامات دون اجراءات قضائية .. وعمروا المقابر الجماعية أمام انظار  أهاليهم ومنها مقبرة جماعية في شارع طويريج قرب مدرسة العزة ،  وأخرى في ساحة المخيم  وثالثة قرب المستشفى الحسيني  وقرب منطقة الرزازة وقرب حي السلام وهدموا جميع الحسينيات  والمساجد وسرقوا اثاثها ..وعمرالجيش سوقا من البضائع المسروقة حتى من اغراض  العتبتين المقدستين .وتم منع أي مظهر من مظاهر الحزن واذيعت عبر مكبرات الصوت اناشيد غنائية ..
تنوعت الشهادات الواردة عن الفعل الثائر وحتى من قبل الجنود الذين قاتلوا ضد كربلاء  فهم يتحدثون.. عن بطل  ساهم في صد الهجوم من فوق سور العتبة العباسية .
.. قاتل ببطولة  لفتت الانظار اليه .. يبدو ان هذا المشهد اثر كثيرا في ضابط كبير يوعد جنده بجائزة كبيرة لمن يأتي به  اسيرا ..والكل يتحمس لنيل الجائزة  ، وواه .. سحب صاعق رمانة يدوية وقذف بنفسه ليفجر دبابة تجرأت على  صحن الأمام . .. قفز الضابط من شدة دهشته ليصرخ اعجابا 
:ـ هذا رجل من طراز خاص0
لا اعتقد ان هناك أي مبرر يجيز لهم ضرب المستشفىى العام ومثل هذا الفعل الجبان أثر كثرا في نفسية الناس ...وليس هناك ما يرمم خاطر السؤال ،  سوى قصة امرأة تدعى (رياضة) بطلة  قادت دبابة   وحملت اخويها  رماة  واستطاعت بدباتها كسر الحصار  عن المستشفى  وحينها هرب  الأقزام مع سرايا الجيش الذي معهم الى عار، وحين دخلت المدينة أربع دبابات  من محيط العباسية الشرقية .. تصدت لهم امرأة اخرى ، كانت تجلس القرفصاء وهي تحمل على كتفها ( اربيجي سفن )  وبجوارها صبي صغير يديم لها العتاد  .. امرأة عراقية من كربلاء  بعبائتها السوداء  فجرت المدرعة  الاولى والثانية والثالثة لكن خانها  عتادها فهربت داخلة  الى مرأب  بغداد وهناك  شاغلها رشاش  الدبابة الرابعة فارادها قتيلة .نعم هذه الكربلائية هي بطلة موقف حقيقي وليست بطلة فلم اكشن امريكي امرأة من دم ولحم ومشاعر .. تلف عباءاتها  وتقاتل .. واكيد بكت الارض لحظة مدفنها0 وقصة اخرى عن امرأة كبيرة السن من أهل بغداد الكرادة كانت هذه الحاجة تحمل بيرغا حسينيا وتهزج به عند قدوم كل صولة ..امرأة مدهشة حقا وساهمت مساهمة فاعلة في خلق اجواء من الصمود ..واخت من الاخوات  تهز مشاعر الناس وهي ترفع حربة بغمدها وتصيح كربلاء لك الفدى كربلاء وتشجع المقاتلين  للهجوم 0
:ـ  في منطقة مكشوفة امام قطعات الجيش وقع بعض الضحايا .. وكان هناك احتمال كبير  وجود جرحى  ينتظرون من ينقذهم .. ركز الجيش على تكثيف  الرمي الثقيل على هذه المنطقة .. وشاغلها بمختلف الاسلحة لينقطع المدد عنها ،كان بين الضحايا اشخاص نعرفهم ونعرف بيوتهم  وبعض منهم لانعرف هويته ..  وفجأة  اقتحمت الصفوف امرأة متلفعة بعبائتها  وهي  تنادي (يا حسين )  صوت يدوي ويهتف وهي ترتجف من ثورة الغضب ... امرأة تتحدى اسلحتهم الفتاكة وتتقدم  بقلب يفور ... عبرت هذا الزحام الناري الى حيث يرقد الضحايا في المنطقة المعزولة ..  كثف العدو النار  .. أصبح المشهد ملثما بالدخان.. أين المرأة ؟ يبدو إنها اصيبت  ... وبعد برهة ظهرت وهي تسحب رجلا من الضحايا ..موقف عظيم قدمته هذه المرأة يبقى أهم واعظم درس قدمته الانتفاضة للعالم  .. هذه المرأة هي من بيت الدباغ ..عبرت الشارع لتنقذ اخاها لكن حين رأته شهيدا  بكت عند رأسه ..وبدل ان تسحبه سحبت جريحا لاتعرفه .. وانقذت حياته بالفعل.
:ـ  تذكر احدى الاخوات  (علياء) ممرضة جامعية كانت تعالج المرضى في المستشفى  وتؤآزر المجاهدين ، تصف الاجتياح العسكري  عندما إحتل المستشفى  حيث القي القبض على الجميع وكانت معاملة الجرحى معاملة تبكي الحجر ، قصص كثيرة لايمكن جمعها سوى انه يمكن  العثور  على الجراح  ، ومتابعة  بعض ملامحها  يقول أحد الكتاب .... الانتفاضة كتاب مفتوح فاقرأوا فيه ما تريدون ،  قصص تنتضم لبعضها لتشكل منها هوية كربلاء 0 .. القصف العشوائي مع شراسة الهجمات جعلت الناس أسرى الخوف داخل البيوت  دون ماء ولا طعام  وحتى  محلات المدينة لقد تم تفريغ معظمها والباقي الذي اصبح في المناطق التي احتلها الجيش عرضة للسرقة  كغنائم .. رائحة الاموات بدأت تغزو الانوف يالله هذي هي رائحة الانسان حين يموت ..ودفن الناس موتاهم  في بيوتهم  امانة مع حساسية الموقف فحتى على الموتى حساب في سنة هذا الجيش الذي لايشبه جيوش العالم أبداً فهو يقتحم البيوت بين برهة وأخرى وهم يشتمون ويطلقون زفرات سباب معيب وحصول تجاوزات معيبة من جيش بهذه السمات لا يشكل غرابة  وحتى البكاء على حال المقتولين يشكل خطرا واخذوا بعض النساء واقتادوهن بلا حشمة بمظهر لايليق بأمة عراقية ولايليق بمن يدعي الاسلام ، اطفال رضع يقذفون  من نوافذ السيارات كما تلقى القناني الفارغة ،

شباب بعمر الزهور ونساء واطفال تعرض هؤلاء المساكين الى  دفن جماعي بعد التعذيب والتنكيل وامور اخرى ،
  فلتحدثنا الجراح عن اي زهو تريد... 
:ـ سيدة من قضاء الهندية عرفتها الجراح مدرسة لغة عربية وتربية دينية ، زوجة الرائد عبد السجاد سلمان  عبود قاتل في الانتفاضة  الشعبانية  المباركة ،حيث كانت له خبرة كبيرة في وضع السواتر  وقيادة العمليات  العسكرية .. ضد الاوغاد ..  وبعد إنتهاء الانتفاضة سحبوها واطفالها الستة  الى مديرية أمن الهندية  ومن ثم في فندق كربلاء  مع عوائل معروفة مثل  عائلة صلاح ابو الخيرة وقد اعدم ومعه  الشهداء  حيدر عبد الرضا  وسنان مكي خضير وجاسم محمد سرحان  وحمودي  سجاد  والشهيد أمير عبد الكريم  ومنهل تركي سلمان والشهيد حيدر هادي  والشهيد قحطان عدنان يوسف الكريطي الذي هو بعمر الورود  والشهيد السيد علي وبلال وغيرهم الكثير الكثير.  
&& 
الربية التاسعة 
              (شذرات)
 كانت انفعالات تلك المشاهد ترسم للمدامع دلالات  تضحوية في غاية  البهاء ...عائلة  تمد قرابين  الدم  هوية انتماء  كربلائي  .. أنور ، جعفر ، شاكر ،  عماد ..أبناء أب حمل النزف  كيان فهم ابناء  الحاج عبود  حسون طابور اغاسي .
خطوات لاتقف  عند حد بل تذهب  إلى كوثر  نبع آخر  تمد الذاكرة  بلهب  المواجع  عائلة  السيد مرتضى  آل لطيف..محمد وباقر  ومحسن  وعائلة السيد حسن آل علّو حيث ابلوا بلاءً حسناً واستشهد منهم السيد نوري علّو  وعائلة بلاش جبر الدعمي عقيل  ومخلص .
 تحرص الذاكرة  على  استحضار  حقائق الامور  لحادث اكبر من حجم  التفاصيل  فهو يتنوع  بتنوع  شواهده .. في استذكار  المقاتل علي حميد ظاهر ( علي نعمانية ) وهو يستذكر  شذرات  هذه الواقعة  .. استشهد  أحد  السادة في انتفاضة  المشخاب  وهو يحتضر لوداعه الدائم  أوصى أبنه الوحيد
:ـ يا بني أذهب  للدفاع  عن كربلاء .
  فجاء  الشاب  من المشخاب  يحمل ثنائيته  وقاتل  قتال 
الابطال  ... ومقاتل آخر من محافظة النجف الاشرف ومن بيوت علمائها ومقاتل آخر  وفد من  السماوة ( قاسم عبد الله) وهو يستغيث بالمقاتلين  
:ـ اريد الشهادة في كربلاء وغيرهم الكثير الكثير ممن لا يمكن ان نحصي عددهم او نتذكر اسمائهم.
:ـ حدثت في  كربلاء اشياء مذهلة ... فقد شاهد الناس ابطالا يرفعون الرأس،  ومنهم من أمتشق بطولة نادرة فقد كان يتقدم بوجه الدبابات غير مباليا بالموت .. تقدم هذا المقاتل وهو بطل كبير من ابطال الانتفاضة عرف اسمه بعد استشهاده  ( ثائر لطيف )..عند دخول الدبابات في شارع العباس تصدى ابناء كربلاء وخرجوا لها من جميع الأزقة ...وشكل هذا البطل علامة خارقة عند المواجهة ،اصيب برصاصات قدمت اليه خلسة..كابر على جراحه ووقف ليستمر بالقتال حمل الجراح ترانيم شهادة لاتموت .وهو اب لطفلين  ( كرار ، ذو الفقار ) .  
:ـ والمقاتل الذي فجر الدبابة المتقدمة صوب شارع العباس عليه السلام وهو الشاب احمد حمزة ليتبعها بالثانية وسط هتافات التشجيع من بقية الابطال الذين كانو معه .
ومقاتل آخر له الفضل بتوثيق بعض لقطات الانتفاضة وفي ظروف هي في غاية الحراجة وهو المقاتل السيد عماد زين العابدين. 
ويسرد الراوي القلب حكايات شاهدها  بالعين وعاشها على مايبدو اعزلا، استنطقته الجراح .. 
:ـ قرب الوادي القديم تقدم مقاتل بمواجهة لواء مدرع،  ببندقية من السلاح الخفيف .
:ـ الا تعتقد انك تبالغ بعض الشيء من هول الصدمة ؟
:ـ ، لقد  كنا نغبطه لشجاعته ،لكونها لم تخذله من مواجهة سيل النار لكن للأسف خذله نفاذ العتاد 
ـ هل عرفت اسمه ؟
:ـ  هو بطل معركة الوادي...(عباس كزار حسن)   ....برهة صمت يستجمع قواه ، وكأنه لايريد أن يفاجئنا بمآثر قد تشكل خوارق ذهنية تتجاوز  حدود امكانية التصديق .يقول 
:ـ كنا نندهش بما نراه بأعيننا فكيف سأضمن أندهاشة من يسمع الحكاية  دون أن يرتاب من تفاصيلها ويضع في باله حسابات المبالغة ، هؤلاء الابطال ناس من دم ولحم  لكنهم خرقوا نواميس الطبيعة بما يتمتعون من شجاعة وصبر وقيم سامية ،
فقد كانت مثلا  معركة الوادي من أشرس المعارك التي خاضها الكربلائييون في منطقة مفتوحة ...استشهد في هذه المعركة مجموعة طيبة  من اهالي كربلاء  مثل الشهيد مناف ورديف زنكي وتسامت هناك 21جثة  لمجهولي الهوية في الوادي القديم  ، 
:ـ انها امانة ... ولابد من انصاف ذكرهم  على اقل تقدير 
:ـ إنهم ابطال حقيقيون ولولا نقص العتاد لما استطاع احد التقرب اليهم .. أنا رأيت الاسف على وجوه الكثيرين ممن غدر بهم نقص العتاد .. الشهيد( خزعل قلي عزيز الكعبي )أحد ابطال الانتفاضة سقط في شباك اسره وعانى الكثير من الاذى والمقاتل الكربلائي (شمسي صادق الصخني) واخوته  ...
وهناك  فتى لم يكتمل عمره الاربع عشرة سنة ولم يتدرب يوما بأي نوع من انواع السلاح .. لكنه اذهل من شاهده مقاتلا شرسا  له هيبة  وصلابة لاتنسى  في قاطع حي الحر .. فقد كان الفتى الصغير يرعب المقاتلين وهم على صهوات دباباتهم .. هذا الفتى كان يعرف جيدا امكانية الدبابة  واندر مافي الحكاية أنه غاب عن الانظار برهة ليعود ومعه ضابط اسير برتبة  رائد .. كان الفتى  يغتسل غسل الشهادة ويصلي في العتبتين المقدستين زيارة الوداع ويتوجه إلى  المعركة .. ومعه اخوته0 
من يعرف حدود الشيء لايمكن أن تدهشه أبعاد مسافة يعرفها جيدا 
:ـ تم اخلاء مستشفى الولادة  لجرحى المعارك  ، وقد حمل اليه شاب كربلائي  في صدره فتحة كبيرة   وبعد اجراء العملية  .. كان يستقبل زائرين بصوت مسموع ويبتسم لهم ويحاورهم بكل مفردات الوقار كان يود من معه ان يساله من ضيوفك ؟ عندما مات او هكذا يقولون صار الناس يسألون هل حقا مات؟ ينظرون لوجهه الجميل الشاحب المعفر بصفرة الجرح والموت ، وكلما يطيلون النظر اليه يتخيلوه يقوم يسألهم اين سلاحي ؟ يعرف أهله إن عليهم ان يتصرفوا بجلادة اكثر،  يكفي انه ذهب شهيدا طاهرا رفض الجور الذي آلفه البعض حتى صار جزءا منه ، "،
:ـ لاترفعوه هو طلب مني بخفوت ان يرى والدته ويريد ان يرى اخوانه واخواته  ..
 وابتسم الجرح  حينها للغافين حوله
:ـ  هل يقدر الموتى أن يطلبوا رؤية اهاليهم ، من  يا ترى هؤلاء الذين كانوا يرحبون باستقباله ، أراد أن يسأله من كان معه، لكنه نسي ولم يتذكر سؤاله إلا بعد رحيله ..  وجاء في مذكرات الجراح   إن الجيش  جعل من نادي الطف معتقلا  ثم توسع بعدها ليشمل  فندق كربلاء ومنهما يتم ترحيل المعتقلين إلى بغداد ..
قصص اعتاد  أن يلوذ بعوالمها ،لكونها تمتلك الكثير من المحفزات التي تعني له التواصل مع سبل التضحية والسير على خطى الملهم   
لم تكن مهمته     أن يجمع الحكايات ليوثقها  من باب النشر فهو عاش وشاهد وسمع الكثير من روايات البطولة التي حفلت بها الانتفاضة لكن هناك بعض الاحداث التي تشكل العمق الكربلائي الحقيقي الذي هو أكبر من مسألة التدوين التوثيقي 0 
:ـ طفل لايزيد عمره على العشر سنوات  لصغر حجمه كان يراوغ الدبابات ويقذف الرمانة ويهرب  ليباغت دبابة اخرى لقد كررها ثلاث مرات وفي المرة الاخيرة تعثرت  قدمه وسحقته الدبابة تحت سرفتها ، أكيد هذا الطفل كان من اطفال الطفوف الذي استنهضت بهم كربلاء ،ويروي احد المقاتلين/  السيد علي بن السيد أموري العطار/كنا  بمواجهة مباشرة مع نيران  الحرمين عند بناية غرفة تجارة كربلاء  القديمة وكان الجيش يتجه صوب باب بغداد ،وكان  الرمي المواجه  يخرج  من عكد  السادة  وبالقرب ( جامع ابن عوز ) اصيب  سماحة الشيخ ( عبد المهدي الكربلائي)  اصابة بليغة  واصبت انا ايضا ـ شعرت حينها بمسؤولية  الموقف  حملنا الشيخ بواسطة عربة بناء  إلى اقرب وحدة ميدان طبية  حيث عالجه  (خضير ياس) وكان قد اصيب بأصابع قدميه  إصابة بليغة ،
0 كلما حاول العدو أن يبعد كربلاء عن معناها يقربها اليه، فالعطش هوية  هذه المدينة  وعند شغاف قلبها تجد عطشا مباركا  يزكيها في المحن  0 العوائل البعيدة عن الصحن الحسيني  حفرت أبار وبقيت تشرب منها  بينما البيوت المحيطة بالصحن المبارك صارت تستقي الماء من الروضتين الطاهرتين 0يرى البعض أن هذه الانتفاضة أخذت طابع المذهبية .. وهذه الصبغة بطبيعة الحال هي دعاية بعثية حاول النظام ترويجها ليتحرك تحت هذا الأفق الطائفي ..بطعن هوية الثوار ..بينما حقيقة هذه الانتفاضة عراقية قاتل فيها أبناء كربلاء وهم أهل تأريخ مشرف ولهم صفحات بيضاء في تحرير العراق  ولهم وثبات شهد لها التأريخ 0على أرضهم رفع أول علم عراقي  وبنفس الأكف التي رفعوا بها العلم رفعوا السلاح ومنهم أحمد سرهيد  وحمد نداف وأولاد عبادة وبيت جعفر عودة وكثير من البيوت الكربلائية التي قدمت مواقف لاتنسى ..ومن المواقف التي يتذكرها الكربلائييون  عند اشتداد القصف  دخل الناس  في فندق الحر لصاحبه المرحوم الحاج  حسين امين والرجل قد فتح باب القبو ليكون ملجأ آمنا للعوائل  وإذا  بامرأة كبيرة السن ضخمة  تحمل في يديها عصا غليظة تخرج لتوبخ الرجال الذين لجاوا الى داخل الملجأ  لعدم خروجهم للقتال  .. وتنادي 
:ـ  اخرجوا هي كربلاء تناديكم 
ألا تسمعون صوت الحسين ينادي هل من ناصر ينصرنا  وإذا الشباب يخرجون بثورة ضمير وينظمون انفسهم ويستلمون السلاح ومن ثم هجموا هجمة موحدة اعادوا الجيش إلى اندحار موغل في الانكسار  واسروا ثلاثة ضباط كبار  وآمر اللواء  وكان من بيت الدوري   وكان من قادة هذه الهجمة  أهل باب الطاق والمخيم ومنهم ( حسين كرخي )  الذي قاد مجموعة استطاعت لوحدها من اسر عشرين جنديا .. والمقاتل (حمودي عصفور  وستار الحكيم)  وهناك ياتي ذكر المقاتل  فارس بن صالح  زنكي نديا 
كانت المجابهة  الشرسة  من قبل البعثيين  ملاذا لمخاوف تسربت  من عمق   عجزهم  المستفحل  وهذا وحده  يكفي ليتدرعوا  قساوة قل نضيرها  .. لم تكن هذه  المجابهة آنية كما تبدو للناظر  بل هي وليدة قرون  مضمرة  .. سعت من خلالها السلطات  لزراعة  الخوف المستديم   ضمانا   لمستقبل مستكين  مشحون بالانكسار  ... هذا الأمر  سيطر  تماما  على طريقة  تفكيرهم  ويخشون  إنهيار الأرث   الطاغي  بانهيارهم  فواجهوا كربلاء بوحشية نادرة  .. حفروا مقابر   جماعية وشمت جسد  كربلاء  في باب القبلة  ومنطقة المخيم  وحي البناء الجاهز  والرزازة ومناطق اخرى مقابر جماعية أقيمت لشهداء أكراد  أعدموا في كربلاء ... وجثث شاهدها أهل كربلاء بأعينهم ترش بالوقود  وتحرق من قبل  الجيش  فملأت  رائحة الشواء  منطقة باب القبلة والمخيم  ومقام المهدي  عجل الله فرجه الشريف ..واصيب في معارك المخيم جعفر صباح داود (عفولي) وعزيز حمد النجار وجعفر داود عوز وقد اقتيدت مجموعة منهم الى الرضوانية كالشهيد جواد السعدي الذي اعتقل في ميسان وتم تشخيصه في الرضوانية مع عباس المحامي واحمد حسون  الذي افرج عنه ، بعدما عانى أنواع التعذيب حيث نقل إلى هناك... وهو مصاب في بطنه وتلك محنة المحنات حيث القساوة تستميل المناطق المصابة ،  ومن الظواهر المؤلمة قضية اولئك الذين يمتلكون  صلة اقليمية  مباشرة  لكنهم يعيشون  نفس  توابيت الحزب  البعثي ويخشون  سطوة الشعوب  لذلك تخلوا عن العراق  ... وهذا يكشف  عن سلبية الموقف الاقليمي  والدولي إتجاه قضية الشعب العراقي ..  
ترتبط الاحداث  بفواجع  قد  تدهش  أي متدبر  .. فما يحصل هو إبادة  شعب وامة بكاملها ..  شل لقدراتها  المستقبلية  أثر القتل والدمار  والتنكيل  الجماعي .. لقد أصدر الحزب أمرا بإعدام الحياة في كربلاء وتدمير زهوتها أحرقوا بساتينها العامرة بالنخل والحمضيات لكن بقيت هناك علامات واضحة دالة على وجود الشيم العربية والاخلاق الحسينية فمن يقدر أن ينسى موقف العوائل التي رفعت طعامها الى الصحن الشريف وفي تلك الازمة القاتلة واطعمت به  الناس في الصحن ومنهم أسرى الجيش ومن ينسى كرم الحاج  عزيز الصفار  الذي مد سفرة الخير من فندقه الى الناس فصار الفندق مطبخا يطعم اسرى الجيش والسجناء والمقاتلين .. هي كربلاء .. التي لاتتشاطر على قيد مهما كان ولمن كان 0 
صدر نداءً  وارد من الطائرات السمتية  إلى جميع العسكريين التوجه إلى وحداتهم والتجمع في سيطرة الطاقة  ـ جميع العسكريين  تجمعوا هناك من أجل توفير عربات نقل لهم وإذا بهم يفاجئون بمقدم ركن  يطلق اقذر عبارات السباب ثم يصعدون عنوة بسيارات تريلات كشفة  ـ إلى الرضوانية وليجدوا استقبالا حارا  فيه انواع التعذيب وهناك إزدحم الشباب مئات من الشباب الكربلائي يحشرون ، ومنهم وجوه مالوفة  وشخصيات معروفة  مثل بدر بن الحاج  علوان جار الله  وسيد سعيد الطويل واولاد مهدي القهواتي وجميع ولد الحاج حسين الكاظمي ـ محمد ـ محمود ـ قاسم ـ ،فقد كان عدد المعتقلين من كربلاء (360) معتقلا بعد التصفيات الاولى ومنهم أبناء حبيب ... علوان ومحمد و كريم ميري والسيد زهير المضمد ومحمد وكريم مجيد وغيرهم الكثير ،ثم  نقل جميع الكربلائيين الى سجن رقم واحد و تم فرز جماعة كبيرة للاعدامات ومجاميع اخرى اخذت الى معتقلات غير معروفة مجهولة المصير مورست بحقها امام الجميع  انواع  التعذيب  كقص اللسان والاذن وتعذيب لايضع لحرمة الانسان حرمة  وبعد كل ذلك احيل عددا  منهم  إلى محاكم صورية أفرج عن بعض المتبقي ، 
:ـ لماذا صورية ؟ ألم يطلق سراحهم ؟
:ـ نعم هي صورية ، فقد سعت إلى بث اعلان مجاني يخدم أهداف الحزب المتسلط ويرسم للعالم صورة واهمة عن عدالة البعث وإنسانية القائد الذي يمنح المكرمات حتى لمن يرفضه زعيما وقائدا 
والمحور الثاني
فهو إراد التغطية للجرائم التي أرتكبت بحق السجناء لقد خنق التعذيب حياة العشرات من المعتقلين  من كبار السن وضعيفي البنية ، وتغطية الامور البشعة كحرق  بعضهم بأحواض التيزاب أمام عوائلهم  وحرق بعضهم بالبنزين والنار وأمام أعين السجناء ،
:ـ والمحور الثالث ؟..
:ـ  أغلب الذين تم إطلاق سراحهم خرجوا وهم يحملون أوسمة من جراح وكسور اضلاع وتعب ومشاكل صحية أثر التعذيب ، وحتى إن البعض تعرض الى  الكي في مناطق حساسة في الراس  افقدهم  الذاكرة فلم يعيشوا بعد اطلاق سراحهم كثيرا 
:ـ المحور الرابع ؟
:ـ جعلوا من العراق سجنا لمن اطلق سراحهم أصغر من  سجن رقم واحد ، متابعة ليل ونهار وإستفسارات أمنية  وزيارات قسرية بين مدة وأخرى ومحاسبة دائمة لأقارب الأقارب من أجل خلق تعب عند الناس وشعور غضب ينتج لوما دائما للمعتقلين ، وجميع التجارب الذي خاضعها البعثيون طوال السنوات التي تسلطوا بها على رقاب الناس أثبتوا إنهم غرباء عن جوهر هذا الشعب الذي كان يعد ضحايا الانتفاضة  مفخرة وطنية أربكت عرش  الظالم  وهدت كيان الجور  وعرت طغيانه أمام العالم  .. 
:ـ هل كان المشخصين معروفين عند  الشباب الكربلائي ؟
:ـ نعم فقد برز بعضهم بلا لثام وتصرف مع الموقف بشكل علني وبعضهم مصريين مثل وليد المصري وهو رجل تميل بشرته الى الحمرة يعمل في احدى المطاعم المقابلة  للمخيم الحسيني  وبعدما اجرى نهر دم في الرضوانية بتشخيصاته المرعبة رجع عائدا لبلده مصر،والبعض الآخر نزل إلى التشخيص ملثما فتبقى المسألة حينها خاضعة إلى التخمين ، كان المحقق يجلس أمام منضدة صغيرة  ويجلس بجانبه مشخص معنون مناطقيا  بينما يتربع المتهم على الأرض .
جهاز التعذيب عبارة  عن جهاز تليفون يصعق المتهم كهربائيا  ويقف خلف كل متهم مجموعة  من الحرس الخاص ـ ويحمل اغلبهم  كيبلات (صوندات). 
:ـ والاسئلة ؟
:ـ أولا يدور السؤال عن الأسم ، يعطي إسمه الرباعي  واللقب  ومن ثم يسألونه عن اسماء معينة ،
:ـ والمعتقل ؟
:ـ  عبارة عن جملونات قواويش لا أماكن صحية  فيها وفي نهاية  الجملون  كومة نفايات  تستخدم للمرافق دون ماء للغسل , ماء شرب معدوم .
:ـ ألقي القبض على الكثيرين ، 
أسماء كثيرة تدونها قائمة التضحيات ـ وتتوهج الحكايات  بأسماء الزهو  مثل حمد كردلة  والحاج محمد رضا كاظم  الذي اخذوا معه اولاده ..علي ، حسين ، محمد .. ومن ثم تعرض لجلطة في الدماغ ومضى شهيدا اثر التعذيب  وابنه عباس يفر من اثر الى اثر حتى تم القاء القبض عليه نتيجة متابعة دقيقة وتعرض إلى انواع الأذى ومنها التماسات الكهربائية الحساسة التي دست في شبابه الكثير من الامراض وأهمها العقم  ؟؟
الموت يعد في جميع دول العالم  وعند سلطات الكون كله انه العقوبة القصوى لمعاقبة الانسان إلا عند هؤلاء الأوباش الذين حكموا بغداد  ، عندهم الموت عقوبة غير مقنعة وهم بحاجة إلى شيء أكبر للتشفي ، المجرمون البعثيون فعلوا جرائم بشعة وأبشعها تلك التي فعلوها في سجن المحاويل ، لقد جمعوا السجناء واحرقوا أمامهم  مجموعة من الشباب رشوا عليهم البانزين ثم اضرموا النار،  ومثل هذه الحالات التي كانت تقابل عندهم بحالات تشفي عجيبة تكشف الكثير من هويتهم الوجدانية   
، وكان المشرف  على هذه التحقيقات هو صدام كامل ،
:ـ هل وقف دور المصريين على التشخيص ؟
:ـ لاطبعا .. هناك مصريون اشتركوا  في المعارضة منهم  .. شعبان وعبدو ومصطفى فمنهم من عمل طباخا و من عمل خطاطا  .. واعدموا جميعهم  في الرضوانية 
:ـ وماشكل الطرفة التي تأتي مع نزيف الدم ؟
:ـ تقدم احد الكربلائيين ليشاور الضابط وطلب منه بكل جرأة  اختبار المشخص  الذي قاد العشرات من الابرياء الى الاعدام  دون ذنب .. استجاب الضابط  ودس  عشرة رجال من المخابرات .. وتم تشخيصهم جميعهم  .. فسأل الضابط حينها المشخص 
:ـ  كيف رأيتهم يقاتلون في مدينة لم يدخلوها بحياتهم 
امتلأت  معتقلات الرضوانية  والحارثية  ودوائر الأمن  ومعسكرات التاجي  والرشيد  ومعسكر المحاويل والكثير من الثكنات   .. والملاحظ  أن الحرب الانتقامية على الانتفاضة  خلق لها الديمومة 
شعور كبير بالانتصار  في نفس كل  عراقي .. ولكن ما يؤلم ويحز في كل نفس هو اقتحام قوات الجور مدينة النجف الاشرف واقتادت  سماحة   المرجع الديني  ابو القاسم الخوئي قدس سره وقد ناهز  التسعين من عمره تحت تهديد السلاح  من بيت نجله الشهيد محمد تقي الخوئي  الذي كان  مقرا  للقيادة الدينية  والعسكرية للانتفاضة الى بغداد بصحبة  ولديه  السيد محمد  تقي  الذي اغتيل  في حادث  مدبر  على طريق النجف  ـ كربلاء  في 1994م وتم اعتقال  105من عائلته ومريديه 
..  كانت القسوة  البالغة هي الطاغية على مجمل الامور  لتعبر عن خور فكري  وعن (حيونة)  تطبعية  عاشها  شرطي المخابرات  عاملت المعتقلين  معاملة مزرية.. ضرب وشتم وسباب من النوع الرخيص مع الجوع والعطش .. قصاع  تنصب حسب الاوامر (واحد.. اثنين .. ثلاثة ) انتهت الوليمة ولابد للسجين ان يكف يده وهيهات إن وجد شيئا من الاكل في يديه  .. تعتبر هذه المسألة من الجرائم الكبرى والتي تعرض مرتكبيها للاهانة والتنكيل المعيب  .. كان الجنود يتبجحون  بجرائم اخلاقية بشعة  تجري خلف دهاليز  الليل  .. أين الشرف الذي يتشدقون به في خطابات قادتهم ... أين الغيرة العربية  والناموس وهزة الشوارب ؟وجميعهم يحملون القابا  طويلة عريضة  .... ويحملون الهراوات  والعصي  والصوندات  المضغوطة والتي   تترك اثرا وحشيا على  اجساد المعدومين .. نعم كانوا يضربون الاموات نكاية بالاحياء . .. ذرائع مشبوهة النوايا  والاهداف  جندها الحزب  للقضاء  على أي معارضة مستقبلية .. فأطلق العديد من التسميات على المنتفضين ،
 كربلاء مدينة شمخت على الموت وعانقت   الحياة  عبر قرون  من التضحيات .. رفعت المنائر  بيارق نصر   فتسامت عناوين  النصرة والولاء  0
 لقد اقيمت ضجة اعلامية كبيرة عن تبرع  القائد الضرورة ب(175) كغم ذهب الى الروضتين المقدستين التي هي اساسا  ارسلت له هدية  من قبل العصابات العسكرية التي دخلت الى داخل الحرم الحسيني وقتلت الناس اللائذين  و  اطلق الجيش الرمي عشوائيا  فقتلوا النساء والاطفال .. لاحرمة لهم لشيء.. وهذه الضحايا تركت تواقيع دم لاتزول ، وسرق جماعة قصي الذهب من  مرقد ابي الفضل العباس عليه السلام 
:ـ   ادعى النظام   بان ضحايا  الصحنين هم من العوائل البعثية  قتلهم الغوغاء ومثّل  الغوغاء بهم داخل الصحن الشريف وصوّر للعالم بان هناك محاكم وغرف تحقيق وتعذيب نصبها الثوار داخل الصحن..

:ـ سيل من القنابل والقذائف والمدفعية الثقيلة  على المرقدين المباركين لمدة اسبوعين او اكثر  مما أدى الى اصابة القبة  الشريفة للمولى ابي الفضل العباس واصيبت الساعة الدقاقة  باضرار فادحة  ونهبت المكتبة ومخطوطاتها  واحرقت  الكتب الثمينة  وبعض النفائس  والهدايا  واعدم  من بقي  حيا داخل  العتبتين  المقدستين
:ــــــــ  لحظة القي القبض على بعض اركان البعث ممن يسمون انفسهم رفاقا وهم لارفقة لهم ... فرح  الناس كثيرا لمنظرهم الذليل ..كونهم من اصحاب السوابق الاجرامية المعروفة .. لقد قتلوا الكثير من ابناء كربلاء .. سرعان ما هربت الفرحة منهم  واعتلتهم موجات الدهشة والغضب ..وراح يسأل عن الذي حدث ؟ لماذا تم اطلاق سراحهم ؟  كان يخشى  سلامة النوايا فهي الخطر الحقيقي على مثل هذه الانتفاضات .. سمع ان  بعض الوجوه المعروفة  في المدينة توسطت  مستشفعة لاطلاق سراحهما ، كان يفترض النظر الى عواقب كل خطوة .. ماذا لو عاد البعث وسيطرت فلول عسكره على كربلاء بالتاكيد ستكون الوجوه المستشفعة هي اول وجوه تعانق المشانق / وهذا ماحدث..  
:ـ قتلوا  من تشفعوا لهم ؟
:ـ اول يوم بعد عودة الجيش الى كربلاء.
:ـ والمحكمة التي في الصحن الشريف ؟
 :ـ هناك غرفة تحقيقات شكلت محاكمة بعض اذناب النظام من المجرمين  برئاسة احدالاخوة المؤمنين المشهود لهم بحسن السيرة والسلوك  ، وهذه المحاكمات خلقت حالات توازن وضبط نفس شعبي 
واوقفت سيل دم ربما يذهب به الكثير من الموظفين المحسوبين على السلك التحزبي0.
وقف المخرج  في زاوية من زوايا المخيم الحسيني يأمر ببدأ التصوير ( اكشن )  فيتحرك الكادر  ليعمر  مقاصل واعدامات   .. وحينها يصيح المخرج   
:ـ اريد روحا في المشاهد ، اريد ملامحا تعبر عن جذور  متعثرة من الحقد  .
. يلتفت نحو الممثل  الذي لعب دور الضحية  وهو بملابسه العسكرية  
:ـ انت عبّر  عن الالم والترقب والخوف  0..
 ومثل هذه المشاهد الخادعة قدمها  احد الفنانين المأجورين  ليعطي صورة  واهمة عن جرائم يزعم  انها ارتكبت  من قبل الثوار  في المخيم الحسيني ليقدم في برنامج تلفزيوني  تحت عنوان ( الملف )  هذا الملف المخادع الذي حاول ان يقدم  الحزب بريئا في جميع تجاوزاته  اللاأنسانية .. كيف لأنسان مثقف ان يقدم كل هذا البهتان كي يعيش ؟ فعبّر هذا الاعلامي وامثاله عن خواء  اعلامي  ولذلك بقى الفضاء محموما  بصدى نشيج  اعتمر كل ذات   
طبيب يقاد من عيادته  ويعدم بحجة عدم تعاونه مع البعثيين  . امرأة تجر امام الناس واطفالها يجرون بحجة انها زغردت للغوغاء .اب يقتل امام عائلته ولاتستطيع زوجته ولا امه ان تسحبه وهو الشهيد منذر الياسري من ناحية الجدول الغربي.  تشابه الملامح .. وتشابه الاسماء  ..  سببت احداث دامية  أوجعت القلب  .. شكاوي كيدية   وتهم مزاجية  أودت بحياة الكثيرين .. سيارات تجوب كربلاء ليل نهار تلقي القبض  على كل من تصادفه بحجة الاشتباه فالقي القبض على الكثير من الشباب  منهم (عماد ابو طحين ) فشلوا بالقاء القبض على اخيه المحكوم بالاعدام  وعرضوا الاب لتعذيب لايحتمل .. اغلب اهالي السجناء تعرضوا لحالات الابتزاز وفعلا اطلق سراح الاب برشوة كبيرة واعدم الابن الضحية0عبد الكاظم  علي جواد الملقب حسن مردشوري اصيب  فحمل جراحه الى السماوة وهناك القي القبض عليه  تأذى كثيرا حيث وقف احد اذناب النظام في باب المحكمة مطالبا باعدامه  وطالب باعدام يحي زعيتر..وتم القاء القبض على قائد من اهم قادة الانتفاضة هو السيد مصطفى الاستربادي  ثم اعدم هذا البطل في الرضوانية  واعدم الشهيد  رضا عبد الرزاق ابو طحين  في الرضوانية ايضا  ومات بالتعذيب  السيد وهاب الوهاب رجل كبير  السن وهو احد رجالات الانتفاضة مات في التحقيق في فندق كربلاء0
 ..  وصف الصحفي  ميلتون  فايورست  الدمار الذي حل بكربلاء  مقارنا بماحدث في الحرب العالمية الثانية فالدمار الذي لحق بالعتبات المقدسة اكبر من الدمار الذي لحق بالكاتدرائيات  ولم تسلم جميع الاحياء وتظهر دلائل بوجود مقاومة كبيرة 
كما لاحظت الصحافة العالمية استمرار الهدم لمدة ثلاثة اشهر ،
 وكتب فرانسو اشيبو من صحيفة اللوموند ... لقد كانت الجرافات  تعمل باستمرار  لرفع الانقاض  المحيطة بالمساجد  ويدل هذا  على شدة العنف  الذي ساد  الاشتباكات  التي سببت  مقتل الالاف من كلا الجانبين  ، ولقد هدمت  عمارات  الشوارع المتاخمة  التي كانت تعج  بالحوانيت  التي تعرض الهدايا التذكارية  حيث تحولت  كل هذه البنايات  الى منطقة خالية  فسيحة  تحيط بالعتبتين المقدستين   للحسين  والعباس(ع) لكن كربلاء بقيت  زاهية في  ضمائر  وعقول الطيبين  .. 
:ـ اما في بغداد فلم تكن اخبار هذه الانتفاضة شائعة نتيجة للتعتيم الاعلامي الرسمي اولا وعدم وجود قنوات اذاعية اجنبية اضافة الى انقطاع التيار الكهربائي اصلا، وبعد الانتفاضة كان المنتفض يعرض في شارع العذاب وهو احد شوارع سجون البعث الكافر. 
:ـ  يبدو من اسمه المعلن انه مخصص للتعذيب ؟
:ـ يبلغ طول الشارع حوالي 60 الى 80 متر وعرضه حوالي 6 امتار يتم جلب المنتفضين وادخالهم شارع العذاب حيث يبدا الاحتفال الترحيبي بهم ...يبدا تصاعديا من الكلمات البذيئة الى الصفعات ثم الركلات وصولا الى استخدام اشكال من العصي او الخراطيم المطاطية والتي يتم انتقائها من قبل اصحابها بعناية فائقة ومزاجية عالية والملفت للنظر ان الجلاد او الجلادين عندما يبدأون باحتفالهم تنتابهم نفس مشاعر بعض مريدي الطرق الصوفية يبدأون الضرب بهدوء على المعتقل الذي يكون غالبا مغمض العينين بخرقة بالية ويده مربوطة الى الخلف ثم يصلون الذروة حين يشمون عرق ودماء المعتقلين فيعيشون حالة هستيرية تزيدهم نشوة كلما ازداد صراخ الضحايا .وكان من طقوس مثل هذه الاحتفالات في بعض الاحيان انها لاتتم في مكان محدد من الشارع بل احيانا ولدفع الملل عن الجلادين يتم دفع المعتقلين الى الركض على طول الشارع ذهابا وايابا ويستمتع الجلادون بالركض خلفهم وممارسة هوايات الضرب والاستمتاع باسقاطهم ارضا ثم معاودة الكرة مرة اخرى. 
مع بدء مرحلة الانقضاض على المنتفضين في المحافظة وآخرها في كربلاء  بدات قوافل المعتقلين تصل بكميات كبيرة الى المديرية بوسائل مختلفة وهناك معتقلين كان يتم جلبهم بطائرة الهليكوبتر تهبط في مطار صغير وسط المديرية المقابل لبنايات الشعبة الثانية واحيانا كان السجانون يستمتعون بلعبة صغيرة تثير بعض السرور في انفسهم وهي ابقاء الطائرة مرتفعة عن الارض عشرة الى خمسة عشر مترا ويتم دفع المعتقلين منها الى الارض وبعضهم مكبل الايدي ومغمض العينين وقسم اخر من المعتقلين كان يجلب اما بباصات حيث يجلس المعتقل على الكرسي منزلا راسه نحو الاسفل ومستندا الى الكرسي المقابل له كي لا يرى الشارع ولا يراه من في الشارع مع انه كان يحكم غلق ستائر الباص بشكل جيد ومن كان منهم يجرؤ على رفع راسه نتيجة لآلام الظهر التي تنتابهم للمسافات الطويلة فينهالون عليه ضربا  باعقاب البنادق او الخراطيم المطاطية بعضهم الاخر كان يجلب بسيارات الحمل الكبيرة (اللوري ) حيث يتم اجلاسهم القرفصاء ورؤسهم بين ارجلهم  ويقف الحراس في اطراف حوض السيارة ينهالون بالضرب على كل من يحاول رفع راسه ، يصرخون باصواتهم العالية بسب المعتقلين او ممارسة فعاليات التعذيب العلنية واحيانا المبالغ فيها كنوع من اظهار الولاء 
 ان اغلب جنود المخابرات وكثير من الاجهزة الامنية كان يتم استقدامهم من ابناء عشائر المناطق البعيدة عن محافظاتها  حيث يتميزون بالخشونة كون اغلبهم من رعاة الغنم ومحدودي الافق ،اغلبهم لم ير المدينة  القريبة منهم فما بالك بمدينة بغداد وكل معرفتهم في الكون تنحصر في المناطق الصحراوية التي يرعون فيها اغنامهم وهم يتميزون بالطاعة العمياء والالتزام الشديد بالأوامر لهذا كانوا محببين من قبل القيادة .0
رغم  الأحباطات  لم تفشل الانتفاضة  الآذارية الشغبانية بل اعطت  المردود  الأيجابي  لماهية  الشعب  واعلنت للعالم  رفض  الشعب  بمختلف قطاعاته  للظلم البعثي  ..
 اصوات  احتشدت عند هامة دعاء 
يقول مطلع على امر الانتفاضة 
 :ـ انها وحدت الجميع  تحت راية الحسين  عليه السلام  ..
 ويرى آخر 
:ـ ان العالم سيتخذ  هذه الانتفاضة  نبراسا  ودرسا نضاليا  لرسم المستقبل الافضل للجماهير  .. 
:ـ  علينا ان لاننسى  اولئك الذين قدموا التضحيات  
:ـ حرام  أن نرى  الكثير منهم  مهملين  فمنهم من يعاني  أمراض  السجن والتعذيب  ومنهم من فقد  العقل والمال 
:ـ  الواجب أن يحتفى  بالانتفاضة الشعبانية  بالشكل الذي  يناسب فعلها  الجبار 
:ـ هذا  الحدث الذي قدمه ابناء  العراق وهجاً لابد أن يضيء  كل روح 
 أما هو فيقول وهو يقبل ذرى العتبات المقدسة 
:ـ الحمد لله على السلامة كربلاء 
&&&&

استشهادات على روابي الانتفاضة )  
 ( كريم جواد مهدي الصيكر )
لبس النهار  ثياب  حداده  وهو يحمل  على اكتاف  المعزين  جسدين  لفهما العلم العراقي  ، تحول الصمت  الحزين فجأة  الى عويل يهز اذناب الطغاة ، اهازيج لا تخشى الموت تندد بالطاغية وتتوعد  الجناة ،  هذا كل مايفيض به العطاء العراقي يومها  ، لتتحول العتبة العباسية المقدسة  الى ميدان قتال غير متكافىء القوى انسانيا ،  معزون في جنازة ، عزّل  لايحملون الا  الجرح والدمع  والعويل  أمام قوات  أمن متدربة  عسكرتها  الحروب ، وإذا الخطوات  المرعوبة  تبحث عن  أمانها  في ازقة كربلاء  ، دخلت  زقاق  الكف الايمن  تتبعها ذئاب سلطة الغاب ، طراد تفرج عليه الكربلائييون  لتشتعل قلوبهم  حسرة وأنينا  ، حينها اطلق  الحاج( فاضل  عبد الامير ـ ابو صاحب )  توقعاته 
:ـ غدا ستثور كربلاء  ،
وامام هذا التوقع  اصبحت كربلاء على يوم يسبح بالصبر  والصمت والترقب  
:ـ لاشيء 
:ـ أن لم يحدث اليوم شيئا .. فغد ،
هناك توقعات ملغومة  ، حتى حان الحين وثار  كل شيء في هذه المدينة الحسينية    ، وانتفضت مدينة الرفض والتاريخ ، كل شيء حدث بشكل سريع ، باغت قوات الأمن  التي هي الاخرى باتت  تترقب مثل  هذه الانتفاضة ،  صور تبرق  امام عين الذكريات  .. الثائر  ( سعدون الكريطي )  يعد مجموعة  من شباب العباسية للوثوب لينطلقوا من جامع العباسية   وعيونهم ترنوا صوب  بناية  المحافظة ، وفي باب بغداد دوت زغاريد الصبر ، اطلاقات  تملأ الفضاء  ـ سيارة ( ايفا ) تمرق مرعوبة  ، فاض بها  الرعب  فحولها إلى ركام  محترق  بين الحرمين  ، بعض  الناس  تصيح 
:ـ سقطت كربلاء 
فاعترض رجل كبير السن وهو يبكي من الفرح 
:ـ بل قامت  كربلاء .. انتفضت كربلاء ثارت كربلاء ، 
كربلائييون  يتحدون  الموت ويعانقون بألفة سائق دبابة فر  من دائرة  الإقامة القديمة   ويحمل  ضنى هذا الحنين  الكربلائي، 
 هجوم كربلائي  على دائرة الأمن  / كل التواريخ   كانت تقاتل  مع هولاء الشباب ، كل القلوب المهضومة  كانت تدعوا لهم  بالنصرة  والسلامة و لم ينجل الضيم بعد ، 
أحد ما يطرق الباب ،
:ـ من ؟
واذا به  ( سالم النقاش )  وهو يحمل بين ملامحه وثبات الألم 
:ـ اخوك هادي اصيب في الهجوم  ،
دخلت معترك الصراع  / منطقة المواجهة  ، حملت أخي  إلى المستشفى وهو يئن من الجرح  ، حيث استضاف جسده  رصاصة لئيمة ، 
 القتال  غير متكافىء  طوال مساحاته الزمنية  والمكانية   ، الشاب الكربلائي  لايريد أن يقتل احدا  وإنما كل طموحه هو أن يزيح هذا الهم عن صدر مدينته كربلاء ،فهو يحارب الحرب و يقاتل القتل أساسا  ، يريد تحرير مدينته من  رجس أنظمة  باعت  الضمير  وفقدت  إنسانيتها  ، بينما رجل الامن  يريد ان يخرب الدنيا ،  خوفه يدفعه  لقتل  الجميع لايفرق بين  رجل ولا امرأة  ، شاب أو شيخ  أو طفل صغير ، 
يرى الجميع  أعداء له  ، لأنه  يعرف تماما  معاناة  اولئك البسطاء  من قسوة  التزوير  ، 
صار لزاما  على كربلاء  أن تعد العدة  لمواجهة  هادئة  مع القادم  من وبال ، 
، أصغر كربلائي  يعرف أن جيوشا كبيرة ستقدم  من بغداد  وستضرب  كربلاء  بقسوة  ، ، لكنه يعرف  تماما حجم الإيمان  الذي سيواجه  تلك الجيوش  ، الجميع يتوقع  صمودا كربلائيا  نادرا عند المواجهة والنصر ، 
تشكلت  مجاميع  مقاومة  تتوزع  قلب كربلاء  واطرافها  ، وامتدت  على طريق  بغداد  من حي الزهراء  حتى تصل  أطراف عون عليه السلام ، كنا نرى  كيف تسحب  عجلات العسكريين  وكيف هربت مسرعة فهي محتاجة إلى ضمانات أمان  ـ وفعلا استقبلناهم  بالمحبة  واخذناهم  ضيوفا الى العتبتين المقدستين ، وبعضهم نام  في بيوت الكربلائيين انفسهم ، ضيوفا كراما  ، نوع من الاطمئنان  ساد الشارع  الكربلائي فالأخبار تتناقل  هلاك صدام  وسقوط عرشه  المهان  ، اجواء  الصمت  تنذر  بوعيد  اهوج  ، طال  ستة ايام  ليبدا المشوار ، قصف مدفعي  وبعدها بيومين   طائرات تضرب  كربلاء  بالكيماوي  ، سقطت  احدى  القذائف  الكيماوية في منطقة باب بغداد بستان ( ضوي ) والثانية  في ( باب الخان )وشارع العلقمي وتعرضت للاصابة  احدى النساء الكربلائييات ، وتحت هذا الغطاء الكيماوي والقصف المدفعي  تقدمت قطعات الجيش ، معارك  نشبت داخل مدينة كربلاء ، والنداء  يعلو مطالبا  بالاستسلام ، 
كالسهم  تمرق اخبار الجراح ، اصيب اخي  حميد اثناء المقاومة الحاسمة ، رصاصتين  في البطن   سببتا نزفا متواصلا   ومع اقتراب  المواجهات الى العتبتين المقدستين كانت المواجهة  تتناغم  وحجم كربلاء  المعنوي ، اذهل الجيش الحكومي هذا  الهوى الكربلائي  مجاميع من المدنيين يقفون امام ضراوة جيش منظم ومعروف بلا انسانيته لارتباطه بالسلطة  ، يقف امامهم دون مدد  او عناية  احد سوى الله ،  المفرزات الطبية  اغلقت تماما بسبب ضراوة القصف ، الدكتور ( علي ثابت )  يتفقد المصابين  في البيوت  ، لم يبق شيئا  لدي سوى  مراعاة اخويين  مجروحين  ، ،
:ـ ما الأخبار ؟
:ـ لااحد يعرف ، لقد انقطعت الأخبار  ولم نعد نسمع  سوى دوي صاخب لاينقطع .. يبدو انهم يضربوننا بجميع الاسلحة 
مزيج من الحزن  والتحدي  ، رغم جدران  السراديب  ترى المنائر  امامك شامخة  وكأنها تنادي ... هل من ناصر ينصرني ؟ وتضاريس  الألم تأخذني  نحو لوعة  المصاب  ،
هكذا دون مقدمات  دخل الجيش الدار  والقى القبض على من فيها ، واعترف احد الضيوف العسكرين على اهل الدار  بعدما رفعوا عنه  اي مظهر من مظاهر الاسر وعاملوه كواحد منهم ،
:ـ  يا لوقاحة هذا البشر ،
 بعد اعتراف الضيف العسكري انهارت المقاومة وبدأت مواجهة المصير كل شيء اصبح لديهم جاهز ، كلنا امامهم واعترفات العسكري هي المعلومات المعتمدة ، وعورة المعاملة  وخشونة الاسلوب  الذي ينحدر  الى اردأ الخطابات السوقية الرذيلة ، وفي العتبة العباسية المقدسة تغيرت ملامح  الحكاية  الى حرب معلنة  ضد  كل ماهو كربلائي ، والعيون الاسيرة  تتجه نحو كفيل زينب عليه السلام ، كان عدد المحجوزين من المدنيين حوالي ثمانين شخص من كربلاء ، تقف طابورا امام ضابط شاب وهو ينادي بالاسماء ومنها كانت ( الرزازة ) هي المأوى ، تلك الاجساد  المحشوة  قسرا في سيارات  الجيش ( الايفا )  كقطيع من الاغنام  ،  الجرح لم يزل في أوله  والكون اصبح مجرد قيد والإسلوب الوحيد الذي يتعاملون به هو السباب الفاحش واساليب اخرى لم تألفها الادمية من قبل ،  وحتى وجوهم يا سبحان الله اختلفت عن وجوه البشر واصبحوا اشبه بالذئاب لحظة الافتراس  ،  هل يعقل أن تلك العيون  التي تجدح شررا تقدر ان  تعرف الدمع  والشوق والحنين  ، تعرف ماذا تعني حسرة المظلوم  ، ودمعة المهضوم ، 
الرضوانية  هي الفجيعة  والموت  والقتل المحموم  هناك اجتمعت ضواري الدهور  من اشباه عمربن سعد  وابن زياد  وشمر  وحرملة  وكل جناة التواريخ  ليزرعوا في هذه  الارض الف طف من دم ، الصوت مضرج بدمائه  يتلو آيات بينات  من القرآن الكريم  لخلق الصبر  والصمود  والامآن وسط  هذا الرعب  ، هل يمكن  ان تتوقف  الحياة في جسد  ينبض بالمحبة  والولاء  ، التقيت اخوتي في الرضوانية ، كنا نسكن في جملونات كبيرة ،  يبدو انها  متعبة مما ترى كل يوم من مصائب وآلام  ، جلست أحمل قطعة صغيرة من المقوى  يساعدني بعض الاصدقاء من ابناء كربلاء نحرك الهواء  الى جسد  اخوي المصابين ، النفوس الكبيرة لاتصغر أبدا  ، تلك حقيقة عشناها عند شرفات الموت  ابصار تدمع من شدة الوجع ، اثنى عشر جملونا  وكل جملون  يحبس أنفاس  أربعمائة أنسان أو أكثر  ، ونعود..... 
:ـ تطبق أضلاع الكون لحظة التشخيص 
:ـ ياه ما اقساها تلك اللحظة 
:ـ المشخصون يملكون الموت بين اصابعهم  ، مجرد ايماءة واحدة الى اي احد هي كفيلة بان تنهي وجوده الادمي كليا ،
:ـ وكل هذا القتل التطوعي ثمنا لنجاة حياتهم الذليلة ،
:ـ  كيف يقول انا انسان من  بضاعته القتل والفتك ، 
كربلاء تلزم القلب عند كل شهقة جرح ، رأيت ( السيد وناس  ) احد خدام الحسين  تعرفه المواكب الحسينية كمصلح  للمشاعل العاشورائية  ، والتقيت السيد ( زهير  الطيف ) والمعلم  ( محمد باقر )  .. لااحد  يسأل هنا عن احد  ...قيامة  الدم هنا ، كم وريد يحز وهو على ضمأ ؟ وكم راس يرفع على رمح صلف لايختلف بشيء عن الرماح التي رفعت رؤوس شهداء الطف الحسيني عليهم السلام ؟ كم ضلع يا ترى تكسره عنجهية العروش ؟ ،  وعلى جانبي السؤال صرت لاادرك  اين اخوتي وما هو مصيرهم  واثنان  منهما يحملان جراحهما  ،مصيبة  ان تحمل جرحا في طوامير  اللئام ،  
وفي اقاصي الدهشة  صحونا على  نبأ اطلاق السراح ، كنا خمسة عشر كربلائيا نمسك بتلابيب  النجاة ، وقرر الجيش  نقلنا  بواسطة القطار الى بابل ، 
عند منصف الليل،  عند منصف الأمل بالنجاة والفرح  ظهر لنا غول الرضوانية ثانية  على بعد 500متر من  المحطة القي القبض علينا من قبل احدى السيطرات العسكرية واخذونا الى طوابير الاستجواب ثانية ، جميعهم يحاول افتراس الصمت  باسئلة تطل من احدى شرفات  الرضوانية ، وبعد اكثر من ساعة واحدة اطلق سراحنا  ثانية يا سبحان  الله ، ساعتها كل العراق صار رضوانية  تغير مسار  الطريق  فالتقيناها عند مشارف عون  بعدما تغير المسار قسرا ـ والقي القبض علينا  مرة اخرى وتم اقتيادنا  الى معمل طحين قرب مرقد عون (ع) عند مدخل بغداد كربلاء كان صوت الضابط  يتحكم بحياتنا  ـ يقف امام حزننا وتعبنا  موقف الامبراطور الآمر الناهي  ، اعمارنا صارت رهينة اشارته ، هو الذي  يقود اعمارنا  الى ما يشاء  ( استغفر الله )، توقف  امامي  القائد برهة حلق في ، 
وكأنه يبحث  في وجهي عن وديعة ما ، وتسربلت حياتي  بين نقاطهم  التفتيشية ، تمر علينا الوجوه الكربلائية  واعانق الاسماء  التي ترفع بصرها الى السماء  حيث التقيت ( لبيب ناصر كماز ـ وسالم كماز ـ وحسين رضا عباس  ) واسماء اخرى  حشرت معي في فندق  كربلاء  ـ اجساد تربط بالنخل وبالشجر ، وتمارس عليها  انواع  العذابات  من جلد وكهرباء  ، اجساد مفجوعة  بالوجع ،  صرنا لانسمع شيئا سوى كلمة 
:ـ اعترف 
:ـ اعترف
والانفاس المحمومة مسعورة تلهث بالسياط  لتلهب  اجسادنا  ، ورغم كل هذه الماسآة  هناك شيء ما  ، شعور  يتحرك  في دواخلنا  يحثنا  على الفرح  ، أي فرح  هذا الذي  يترعرع وسط اجواء ، السجن  والتعذيب ، 
:ـ من اين لهولاء  الناس كل  هذه البهجة والصمود؟!
:ـ سجناء يطلق سراحهم وتعيدهم السيطرات حتى اصبح  العراق موزع بين  فكي الرضوانية والسيطرات ،
كل مواطن بين عينيه سيطرة  يسكنها  الموت  ، وقد توحدت  الهويات  ، سجناء  من البصرة والكوت  وكربلاء ومن بقية المحافظات  يجمعهم ذات الجرح  ، يارب اي حياة  تلك التي  تتحكم بها اصابع المشخصيين  ، ايعقل ان يستوي الموت  والحياة  ، بل ليصبح الموت امنية عند بعض السجناء وخاصة الجرحى منهم ،  استغفر الله ...
يقف امامي المشخص ينظر بعيني  ويدقق في كل  السمات التي يحملها وجهي يستعرض كل ما في الوجه العين الانف الشفاه  ثم يرفع وجهه الحقير عني ،ذلك الوجه المختبأ خلف لثام الخوف  ورفع يده  علي وهو يصيح بي 
:ـ انهض كريم .....
.. وعندها تغير  شكل العالم  ، لاقميص يستر  هذا الظهر  الذي يجلد بسياط الجلادين  ليل نهار بواسطة سلك كهربائي غليظ ( كيبل) ، كنا نلتهم  الصبر وصمونة واحدة وكاس ماء  هذا هو قوت اليوم باكمله ، 
المعلقون  على مقصلة  الجلادين  يتراوح  عددهم ب ( 200)  شخص ، ينخفض  العدد  كلما سار  الوقت  حتى اصبحنا سبعة اشخاص فقط ، اين ذهب الاخرون لاادري  ويقينا اعدموا جميعهم  ، لم لا.... مادام الموت مجانيا  بهذه البساطة.... وانا رأيت بعيني  كيف تلتهم الكهرباء حياة  شباب من البصرة  ، وكيف زرعت  اجساد البعض منهم ثمرا على شجر يبكي شبابهم  ، كنت اشعر بان  اسم كربلاء له سطوة  تهز مراتبهم  السلطوية  ورتبهم العسكرية  ، كل من ينظر الي منهم ، يندهش لهذا الجسد الذي ذوى تحت التعذيب وانحنى ظهره وما زال يمتلك صلابته  ، حينذاك يسألني 
:ـ انت من كربلاء ؟
:ـ نعم انا من كربلاء 
شعرت حينها انا لست ضعيفا كما كنت اظن  فقد استطعت ان اهزم عنجهيتهم بصبري الكربلائي الذي  شعرت انهم يخشون منه كثيرا ، انا ابن كربلاء ابن المدينة التي زرعت فيهم  كل هذا الخوف  واقلقت عروشهم الهزيلة  ، 
وفي احدى تلك الصباحات  وقف عسكري برتبة عقيد  ، لينادي بالاسماء  ، واصطحبنا الى غرفة كبيرة  بان عليها سطوة  العروش ،  افتعلت الصرع  منقذا وبالفعل نجحت ، لكني ادركت درسا مهما   ان الصبر الكربلائي الحسيني يكبر فينا مع كل خطوة ، ما  كنت اعرف من اين اسقى الصبر، وكيف امتلكتني طاقة  الصبر والتطاول  على العذابات ، وهذا الجسد  الادمي الذي احنته  الجراح  صرت اراه شامخا لايطأطأ هامته ، 
 سعوا عن قصد لاذلال هذا الشموخ 
:ـ  اعترف ... كم واحد اعدمت  
 :ـ اعترف ... كم واحد قتلت  
:ـ اعترف 
لااعر ف بماذا اعترف  وانا فعلا  لم اشارك  بقتال  ، ولم اقتل احدا  كما يدعون  ، هم يشملون الجميع  بهذه التهم  الجاهزة ، 
وقف احدهم  ليطالب  باعدامي  واعدام السيد كاظم هندي  واعدام واصل ابو الكبة  ، وبين غرف  التحقيق وكيبلات  القسوة المريرة  ، صارت اجسادنا لاطاقة لها بالمسير  ، حتى وصل الامر انهم يحملوني ببطانية لامتثل  لوحشية التعذيب وقسوة الاستجواب ، عند ملتقى الموت  يصغر كل شيء في عين الانسان الا كربلاء ,, كربلاء التي ما صغرت ابدا في عين سجين ، هي تكبر مع كل آهة جريح او صمت  شهيد ، يقول احدهم ..
:ـ  ان صمت الشهيد اشهر انواع الصرخات واقواهن،
وانا الذي رأيت بعيني كيف  تسلب الحياة ، وكيف يخنق  الصوت البار  ، لقد خلعوا  كتف الدكتور  ( علي ثابت )  ثم اعدم ورأيت ماتعرض له سعدون كريطي،
ما اقساها الحياةحين تتوقف على اخبار  تلتقطها  من ايماءات  الجند واهات  السجناء  ومن عويل  النادبين على بعضهم  البعض ، 
اشاعوا اطلاق  سراح ( 31) سجينا  من شباب كربلاء  اقتيدوا الى مقاصل الاعدام وبعدها شكلوا مجموعة  ثانية من ( 51 ) سجينا  كربلائيا  ، و افرج عنا حسب دعابة العفو العام باعتبارها مكرمة من مكارم الشحة ، 
اشهد  ان كربلاء ما خافت ابدا ، وان اولادها  ابطال يشهد لهم التاريخ  استمدوا البطولة من راعي مجدهم الحسين عليه السلام 
&&&&& 
    ( الاستشهاد الثاني ) 
( احمد حمزة عبيد )  
كربلاء اكبر من كل  خرائط الكون، بما تحمل من هييبة وكبرياء يُحشد العبرة عند استغاثة  الجراح ، بقوافلها  السارية خلف  الركب الحسيني  المبارك ، عبر كل  جيل  ، تواريخ  الم تجمع شبابها ليتداولوا في امر انتفاضة  تبيض الوجه امام سيدها  الحسين ، التوقع  موجود  والاخبار  الواردة من محافظات الجنوب  تبارك  الخطوة ، لكننا  تنتظر الوثوب  وترى بالمقابل ، استعدادات امنية كبيرة تملأ الشوارع  من سيارات  امن  تجوب  كل خافق وطريق
دبابات  ومدرعات تستعرض قوتها، 
كربلاء كانت  لحظتها قلوب  تنبض  باللهفة  شوقا لتحين انطلاقة المصير ، كان معنا في  المجموعة  الحالمة  ، حسين اموري  ، علي حمزة عبيد  ، كريم  ومحمد اولاد  الحاج جليل النجار  ، وآخرون  يوقدون الصبر  ويتداولون  شأن الانتفاضة وامورها ، حلم ان يقف  الانسان بطوله يتحدى سطوة العروش ، يصيح بأعلى صوته 
:ـ لبيك يا حسين 
حيوية ما يرد من اخبار  الانتفاضة  في البصرة والناصرية  وميسان  والكوت وكركوك وبابل  ومحافظات اخرى تحفز فينا روح النهوض ، لااحد فينا يعرف شكل الانتفاضة  او لونها ولاكيف تكون في حكم عصبة تؤمن بالقتل والفتك وتستهين بدم الانسان ، المهم اننا سنقف امام  اكبر طغاة  العصور  السالفة والحديثة ،
ولذلك نزلنا بكامل اسماءنا  واشكالنا  ، لم  تجد فينا من فكر ولو تفكير بسيط بارتداء لثام ،  في جميع  محطات المواجهة في مبنى  المحافظة الى دائرة الامن  في باب بغداد  ، مجموعة  من ابناء المنطقة ، تجمعهما الالفة والصداقة  والسلام ،
كان الصمت  يلوح  في مديرية امن كربلاء  ، لارد سوى صدى  هذا الدوي  ، وهذا  الصمت مارد مخيف في لحظتها ، 
:ـ شباب  أحذروا  ، نخشى ان هناك كمين ،
 حاول الشباب  استدراجهم  الى المواجهة  طال الصمت  في ارجاء الموقف  ولم يبق امامنا  ، سوى المغامرة  بالدخول ، صاح احدنا 
:ـ هربوا 
عقب الآخر ،
:ـ لاشك انهم هربوا ، 
كنا لحظتها  خارج مديات  المعقول  ، توقف عندنا  الشعور بالخوف  او رهبة الموقف  المستوطن بالبال كمديرية  أمن  ، لها سطوة  مؤذية  على  مشاعر كل كربلائي  ، بيتنا القريب  عن هذه  المديرية  يجعلني  الاكثر الفة  مع المكان  ، انا اكثرهم قربا لكل وجع  كان ينزف  الجراح ، كنا  نسمع انين المجروحين من ليل المهالك  ، ونسمع صرخات  التعذيب ،
كنا نزاول  الحزن النبيل من اجل الآخرين ، انفلت  الصوت ليكسر  خشوع الصمت 
:ـ انا سادخل  من تحت الباب ، 
وبان لحظتها الفرح  والترقب على الوجوه ،  وانزاح خشوع الصمت ، هم يبحثون عن انواط  شجاعة  واوسمة  الرضى  من طاغيتهم  ، ونحن نسعى لرضىا الرحمن ونصرة المولى ، 
صاح احدنا ، 
:ـ انتبه ..
:ـ كن حذرا  خشية ان يكون في الامر مكيدة  ، اشعر  ان قوة ما  تدفعني للولوج الى  الداخل ، الصمت يدفعني  الى الخشوع ، 
احمد رحيم ـ حجي مهدي المصور  ـ مجموعة من شباب كربلاء  ، وجلال وياسر الصراف وعلي وطلال حمزة وعند الدخول وجدنا سرداب ارضي  يضم اجساد  المفجوعين  بمرارة  هذه السطوة  ، سجناء  ارهقهم السجن والتعذيب ، كانت المواجهات الاولية صعبة المراس وقد سقينا  حقل الشهادة  باول مضمخ  يحمل فصول  مواجهة تصل  به الى مرابع  الركب الحسيني ، حملنا اول  شهيد من شهداء الطف  التسعيني ياسر الصراف  وحملناه على الاكتاف  الى الطبابة للمعالجة ، وبعدها تم تشكيل  مجاميع قتالية حملت تواقيع اسماء بعض الشباب في الذاكرة الكربلائية  مثل (كريم جليل ومؤيد عبيس وطلال حمزة ) والكثير من الشباب  وقد عانوا من  صعوبة حركة الانتقال من مكان الى آخر لسد الثغرات التي يفتحها  الجيش  المهاجم من عدة محاور قتالية بسبب  شحة الوقود ، ولذلك كان تحركهم باتجاه المحاور القتالية مضنيا ويعرض المقاتلين الى الهلاك  ، وحين تحركنا الى طريق الرزازة  لمواجهة  احدى  القوى المهاجمة في معركة غير متكافئة  لضخامة النار الموجهة  ضدنا ،  شعرنا ان لابد من الرجوع الى تحصينات  اكثر نفعا للمواجهة  والى تحشيد قوة شبابية اكبرمن ابناء المدينة ، فعدنا مشيا الى مركز المدينة وليتوزع الشباب  ليلا لأقامة سيطرات تحمي دواخل كربلاء  مع شدة القصف الذي لاينقطع  دويه  ، وانين الارصفة  يبعد النوم من عيون  الساهرين على  ضفاف الصبر والتصابر  ، وتوزع بعض الشباب على سطوح  الفنادق  وعلى عمارة التأمين حيث كان يرابط هناك المقاتل الكربلائي( قاسم صالح  ابو الكبة  وحسين ناجي  النصراوي  وعند ملتقى  المواجهة  فاجئنا  سرب طائرات فعّل القتال وصعب  مهمة  المواجهة  ، كنت احمل حينها سلاح سترله محمول  ،نشبت معارك  ضارية  على عدد  من المواجهة  قدم فيها الكربلائييون  صفحات مشرقة من الصبر والتصابر  والصمود ، الجميع  يعرف  ان القوى المتحاربة  غير  متكافئة  ، هذا  اللاتكافؤ العسكري  لم يكن غريبا  على كربلاء  فقد شيدت من هذا اللا تكافؤ  العسكري فوزا معنويا  شيد لها الخلود ، عشرات من انصار الحسين عليه السلام ، واجهوا اشرس الجيوش  صفاقة في ال 61 هـ واليوم احفادهم يعيدون هيبة تلك الوقفة  ثانية ، عند الوادي القديم  اشتد اوار  المواجهة  ، شباب  استجابوا لنداء  النصرة وعانقوا  التراب الكربلائي شهداء ، يقول احد المدافعين  عن كربلاء ، الشهادة لها امكانية  تخطي الازمنة ، اذ يحمل الحسين عليه السلام جسد كل شهيد من شهدائنا  ليواريه  في خيمة المذبوحين ضيما من صحب الحسين وانصاره الميامين ،  هناك استشهد  عادل بن رزاق  الخباز ومجموعة  من الشباب  الكربلائي   ، وكلما نعود من مواجهة نركض لأخرى  اذ تقدم الجيش من طريق بغداد ، صوت المكبر ينادي  ، :ـ اخترق الجيش  طريق بغداد   وتجحفل قرب عون ،  صاح  الحاج  علي الوزني ... توكلوا  على الله  ، قمت ومعي مؤيد بن عباس فارس ، كان التفكير  يدور حول  قضية  اسكات المدفعية  المتوجهة  من مفترق الجمالية  ، نظرنا  الى القوة  المتقدمة  والى كثافة النار ، وبعدما كشفنا محاور العدو وعر فنا حجم النار رأينا من الانسب العودة  لجمع مزيد من الذخيرة  والرجال  ونحتاج  الى الاكل والشرب  ، يخيل  الي دائما اننا  عبارة عن  قوة خارقة  تقاتل  في عدة  محاور  دون راحة  أو  نوم او طعام ، عند  عودتنا  وجدنا امامنا نداء آخر  يخبرنا عن وجود  هجوم داخل كربلاء من صوب العباسية  ، ذهبنا لندخل قلب النار  مع اخوتنا ابناء العباسية ونصد الهجوم  بقوة وبعد جهد نهار مضن ،  
:ـ كان الله عونكم  
:ـ  اهلا ومرحبا 
:ـ  قسموا واجباتكم الليلية  ، تناوبوا الراحة فيما بينكم  فقد يحمل  الغد لكم الكثير  من القتال ، 
من منا يستطيع النوم وكربلاء  بين كفيّ  المدفعية  ؟ حقا  كيف يغمض جفن عين وهي ترى  عشرات الشباب يجودون بالنفس  ورغم الحزن الذي انتابني أشعر بأن  الموقف البطولي  الذي عشقته  قد منحني الكثير من الهيبة  مع نفسي ، وتعلقت روحي بمن حولي  من الرجال  ، ببنادقهم التي عانقوها وناموا  ، لينصركم الله  يا أبناء الحسين ، ساعات وتأتي المواجهة  ، هل سنكون قادرين على حمل الامانة  ـ كربلاء في الاعناق استيقظت على صباح النداءات  التي صرنا نسمعها وكانها تأتي  من أعماق  كربلاء  من صوتها  المتداخل  عبر القرون  ، 
:ـ لبيك يا كربلاء  
 ملحمة  تقودها طائرات  الهليكوبتر  في باب  بغداد ، كيف تقصف كربلاء بهذه الوحشية  وأولادها  ينامون ، ركضنا باتجاه  مصدر النار  توزعنا على سطوح العمارات  ومن على حسينية  أهل الكرادة في باب بغداد ، دارت معركة  غير متكافئة بين اسلحة  المقاتلين البسيطة  وطائراتهم ، حملنا بنادقنا  وتوزعنا  على طوال الطريق  المؤدي الى جهة بغداد  وصولا الى فندق الحوراء ، شباب تنمو في دواخلهم  مواسم الزيارة  ، يا ليتنا  كنا معكم  ، ونصرة  الحسين قذيفة  توجهت نحو سيارة  الاسعاف  التي كان يسوقها( ضياء ناظم)  ومعه ( طلال حمزة عبيد  )  احترقت السيارة  وقتل من  فيها من المصابين  وكانت نجاة طلال  وضياء تعد خارقة من خوارق  الانتفاضة ، واستشهد  ( علي السيد محسن البايسكلجي ) ومعه ( محمد عبد الواحد القصاب ) من باب السلامة بعدما قاتلا سوية وضربا عدة سيارات إيفا  بالقاذفات ، وترجل لهما الحرس وصارت مقابلة  قريبة  المسافة ولكثرة الأسلحة المواجهة قتلا رحمهما الله ،    جهزنا لنا مقرا مؤقتا اشبه بمقر القيادة  في بيت ( محمد عباس )  وتبقى اسلحتنا عامرة  باحلام  غد يرفع الراس واقسمنا ان نتقدم صوب بغداد  بقوة نرد بها الجيش ، وكل منا يرسم  صورة في مخيلته عن الدور  البطولي الذي سيقوم  به وفعلا  جاء الغد  وفيه بشائر  مواجهة شرسة ،  تقدمنا صوب فندق  الحوراء ،كانت القوة المجتمعة قرب مرقد عون كبيرة  جدا  ولها كثافة نار  لايمكن  مواجهتها  بهذا  العدد  القليل  من المتطوعين  الاهالي  وباسلحة  بسيطة ، اشتد القصف  بانواع  الاسلحة المتوسطة  والثقيلة  ، اصيب حينها الشهيد ( سعد بغدادي )  حقيقة هناك شجى والم في نفسية كل مقاتل يشعر انه لايقدر على ان يؤثر في الخصم لقوة عدته وكثرة عدده وفارق المسافة التي تطولنا مؤثرات سلاحه دون ان نؤثر فيه تلك مصيبة والله ، ولذلك  شددنا الهمة الى مايسمى بحرب المدن ، حينها سنكون وجها لوجه  ويعني ان الكثير من الاسلحة سيسقط مفعولها ويصبح حجمها عبئا عليها ، هناك داخل المدينة سنقدر على  سد الفوارق الكبيرة  ، فلذلك كان الهاجس الشعبي  العام عند أهالي كربلاء  يميل  إلى استدراج الجيش  إلى داخل  كربلاء  سيفّعل دور  الازقة ، التي يمكن أن تفضي  على فارق  القوة بين أهالي كربلاء  من المقاومين والجيش المهان  الباحث عن نصر  واه يغطي به العيب  التآريخي  الذي أصابه جراء حمقات قائد أبله ،  المهم تفرغنا تماما لنقل الجرحى إلى المستوصف الذي مازال قائما في باب بغداد ، حيث كان المضمد ( خضير  ياس ) يداوي الجرحى  ويجري عمليات جراحية وأجرى عمليات جراحية لبعض المقاتلين امثال  ( سعد بغدادي ـ عمار الأموي )  وكان القتال مستمرا طوال النهار  وأغلب ساعات الليل ، بدأت  اعدادنا تتقلص  شيئا  فشيء ، اذاع النداء  عن خرق  عدد من الدبابات  الى شارع  العباس  ، تلمسنا  المدينة  رصيفا  رصيفا  ، محروسة برب الكون  يا مدينة  الحسين ، الشباب  يعرفون كل طرقها ، شوارعها  أزقتها  ، ، لم يمر  في بالنا  سوى  هذا الشرف  العظيم  الذي يعني  الدفاع  عن ميدنتنا وناسنا واهلنا  ثمة التفاف خلف  البريد ، رفعت الدبابة سبطانتها نحوهم ومن ضمن هذه المواجهة احترق الاستوديو المقابل البريد ، سرب دبابات يحمل الموت والدمار واستشهد (محمد عارف البناء ) رحمه الله  وبعض الكربلائيين في سوق النجارين ،  وعند استدارة شارع العباس  ، كنت احمل صاروخ فازة وقفنا فجأة  مذهولين ، كل شيء صار أمامي بلا حراك  سوى  هذا  الموت المتعرش،  واجهنا الموت وجها  لوجه ،  أنا ويوسف كريم  يحمل خطوات  من الصمت ،توقف كل شيء في الحياة ،  يا الهي الدبابة أمامي هي تحاول ان تبتلع كل من يقف  أمامها ، مددت يدي وبسرعة مذهلة ، أصبت الدبابة  ، احترقت الدبابة ، يا الهي  سمعت كربلاء حينها تزغرد بصلواتها ـ واعتقد  ان هذه اللحظات قد وثقت من كاميرة السيد عماد  ،  فاستقبلتني محلة باب بغداد استقبال المنتصرين ، واما في حومة باب بغداد عند المواجهة  التي يتحدث عنها الناس الى اليوم فقد وفقني الله ،فضربت اول دبابة وصلت مقابل الأمن  ، وتقدمنا  في تلك  الساعة  صوب حسينية الكرادة ، وفي  الجهة المواجهة  لصوب المركزية تم أسر بعض المجاميع العسكرية  والملاحظ انهم استقبلوا استقبال الضيف العزيز ، تداعيات الزمان تلاشت مواقيتها  ، فاصبحنا  نحمل الذاكرة  مواقف بطولية  ، كل شيء  كنا نتوقعه لكن ان تضرب قبة العباس وأمام مرآى الكربلائيين ، ولذلك اشتعلت الغيرة في رؤوس الرجال  ، وعلا صوت  النصرة ياحسيناه يشق عباب السماء ، فارجعنا نحن الشباب وبالتعاون مع ابناء المخيم وباقي أطراف المدينة  الجيش الوحشي  رغم ضخامته ، إلى منطقة التربية من جهة بيت المحافظ ورغم كل  هذه الشراسة
كان المقاتل الكربلائي في قمة  الإنسانية ورهافة الحس ، ورقة المشاعر  وبارق مايملك الإنسان من طيبة وأخلاق لم يتخل عن المبادىء في كل تفاصيل المواجهة ، لذلك نجد الشباب قد هبوا لنجدة  السيد شمسي ضياء الدين ليساعدوه  في حمل أباه  إلى الملجأ كونه رجل مقعد ، فحملوه وعربته إلى الملجأ على الاذرع ،  لاشك أن الحمل ثقيل  والجيش يطوق كربلاء من كل حدب وصوب  وعند سيطرة الكفيل الحالية في باب بغداد  ـ سقط أمامي شاب يدعى السيد محمد لا اعرف اسمه الكامل استشهد عند مدرسة الحرية  ، كان القصف  كثيفا  فما استطعنا ان نصل  اليه  ، استفحل الموقف  فأحراق دبابة او دبابتين ماعاد ينفع ،  لكن ابناء كربلاء رفعوا الرأس وتقدموا بمواجهة  الموت  بشرف ، بعدما طوق الجيش كربلاء من جميع الجهات ، وكانت المواجهة مستعرة عند باب  بغداد قرب علوة الشروفي  حيث حرقنا لهم مدرعة    ، اصيبت قدمي  وحملوني الى المعالجة ، عند غرفة تجارة كربلاء،  فاعتزلت حينها المواجهة  ، ليصبح رامي الفازة  مصاب لايقدر  على المشي، حملوني على عربة معوقين واختبأت عائلتي مع مجموعة من العوائل في السرداب  ، وحين استيقظت من غفوة الجرح لك أجد أحدا من الشباب الجميع أسرهم الجيش وأنا الوحيد الذي فلحوا في اخبائه ،  وانتقلت بعدها إلى مرقد عون حاملا معي اجازة مستشفى تم تزويرها بشكل دقيق ،  العوائل التي جعلت من ضريح الحسين  ملاذا  لها عانقت  الشهاد  اثر الرمي العشوائي للرمانات التي اطلقها الجنود عبثا ، شهدت بعيني كيف ضربت  كربلاء بالخردل في اكثر من موقع  لكن بقيت انتفاضة كربلاء  هي الفخر والقوة ، ربما نستطيع الآن ان نُقيّم هذا الفعل  البطولي حسب منطوق المواجهات ، كان يطلق سراح الاسرى دون التحري عن هوياتهم  فكان فعلا فيهم من يحمل ذمة القصاص في دمه ، وهذا يدل على عفوية الانتفاضة  وعفوية مقاومتهم  بحيث نجد ان القتال قد استمر لمدة ثلاثة عشر يوما دون ان يشكل الكربلائييون  قيادة حقيقية  للانتفاضة  ويبقى الأمر  معلقا  في ورقة يمنحها  السيد كاظم الهندي رحمه الله ، فالحال كان جيش  بلا تمويل ومقر المعسكر بيت صغير  ولدينا شحة في العتاد  وشحة في الغذاء وفي الماء  وليس لدينا اي دعم من احد ومن اي مساندة  خارجة ولادعم  حتى لوكان معنويا ، لكن المقاتل الكربلائي كان متيقنا  ان قائده الحسين عليه السلام معه  في كل خطوة  والخطوة التي يباركها الحسين  مصير ، 
&&&& 
 ( الاستشهاد الثالث ...)
عباس نعمة الخفاجي 
تركت  الانتفاضة  الشعبانية الكثير من الذكريات  المضيئة والأسماء الخالدة التي التحقت بركب التضحية والولاء الحسيني وأقل ما نستطيع  أن تقدمه  اليوم لهم  هو استذكار تفاصيل عشنا  وقعائها والتوثيق مسؤولية  والشهادة واجب والاستذكار وفاء  ، وأنا عشت  شاهدا للكثير  من الأحداث  والمواقف المهمة  ، فقد كان الشهيد  مهدي عباس حمد يحمل ( آربي جي سفن ) ورايته يقترب صوب رتل  من الدبابات  في منطقة حي  العباس  يقف أمامه وجها لوجه  يرمي الصاروخ الأول ـ تحترق الدبابة ، ثم يرمي الصاروخ الثاني  ـ تحترق الثانية ، شعر لحظتها أن كربلاء  كانت معه ، يحمله بين  عينيه ولتحمله  من أضلاعها  ، فلهذا  يهرب  لحظة  اكتشف  نفاذ العتاد ،  لم يرتبك  وأنّما  عالج الموقف  رمى القاذفة أمام الدبابة الثالثة  وعالج الموقف برمانه اليدوي  ، احتشدت سنوات العمر  في هذه اللحظة  بكل ما تمتلك من جرأة ، يبقى عمر هذه المدينة حاشد بأسماء الشهداء  ، الناس هنا يموتون  لكن لا يتلاشون  بل  يكبرون  بالموت  يعيشون به  لكونه  يصلهم  يركب  سيد الشهداء في اوائل  ساعات الانتفاضة  قام العديد  من المقاتلين  الكربلائيين  مهاجمة  ثكنات  الجيش  في طريق الرزازة  بـ( القامات )  واستولوا  على  بعض  الأسلحة والاعتدة ،   بعض المقاتلين  كان يغير على الجيش  وياتي بعلامات تدل على استبساله  واقتحامه ، وهذا دليل  على ثقة المقاتل  الكربلائي الشجاع  وليعلن عن انجازه المهم ويزود المقاتلين بغنيمته فالأسرى  يسلمون  إلى الصحن المبارك  لاستضافتهم  والمحافظة  على حياتهم  ، والأسلحة والاعتدة  توزع على المقاتلين ، تسامت  الجهود المتنوعة مع حجم  الانتفاضة  الكربلائية  والجهد الصحي  الطبي  والعلاجي  برز في العديد  من المستوصفات  ، وخاصة  في مستوصف  غرفة تجارة  في باب السلالمة  لتداوي  الجرحى  وأسعافهم  وحتى تم إجراء  العمليات  الجراحية  نظرا  للحالات  الشديدة  الطارئة  ، كانوا  مجموعة من المقاتلين  الجيدين  ، هم يدركون  ما قدموه  ويعرفون أن ماقدموه يعد في عداد المواقف الإنسانية التضحوية الكبيرة   وأكبر من تستثمر  لصالح دنيوي  ولذلك هم  رفضوا  أن تذكر أسماءهم  في هذا التوثيق  ـ وكنا نتمنى  أن تطرز  من استذكاراتهم  راية نصر  مؤمنة  تحت  الناس على فعل  الخير ،  هناك ابطال قاوموا  في كل شبر كربلائي  رأيت بعضهم  في منطقة الحرمين  قاتل بضراوة  رغم اجواء المناطق المفتوحة  تضيق  الحركة  على المقاومين  كان منهم  الشهيد ( صباح نوري شكر ) وأولاده  ومجموعة .. ومجموعة  الشهيد  حسين أموري  التي قامت  بعمل رائع  حيث صدت  رتل  مدرع  حاول التقدم  باتجاه  مرقد أبي الفضل  العباس  أتذكر منهم  ( حسين أموري  ـ كريم جليل ـ محمد عارف ـ  جاسم أبو العز ـ  جعفر عباس ـ وقد  استطاعوا دحر  الرتل والعودة  به  إلى فوق  حدود  مديرية  المحافظة ، حدث إنزال مباغت  على السور  الثاني لمرقد  الإمام  الحسين عليه السلام فتصدى له بعض الاخوة  المقاتلين  ولم يكن  لديهم سوى  بندقيتين ولكنهم  استطاعوا  من خلال  المناورة  بأن يقتلوا  عدد من  الجيش مما  أدى إلى هروب  الباقيين  وإلقاء أنفسهم  من السور  وانسحاب  القطعات  إلى منطقة  أبو الفهد ، شمل القصف المدفعي جميع مناطق كربلاء ولم يستثن  من هذا القصف أحد  ، حتى العوائل التي لجئت إلى البساتين ، سبب القصف العشوائي ورمي الطائرات الكثير  من  الأذى حيث استشهد عدد غير قليل وجرح الكثير  منهم مثلما  وقع القصف  على بستان الحاج  جواد حساني المنكوشي  وجرح 11 شخصا من عائلة واحدة  كانت هذه العائلة قد تعرض بيتها  في داخل المدينة إلى الهدم فلجئوا إلى البستان  لاجئين ، وأما عدد القذائف  التي سقطت  على الصحن  الحسيني الشريف  ومنطقة  مابين الحرمين  كان بمعدل  3ـ5 قذائف  في الدقيقة الواحدة  ، غرض القصف العشوائي وبهذه القوة هي محاولة لأضعاف  الروح المعنوية  للمقاتلين  وجعلهم يعيشون الضغط النفسي ، والقلق الدائم على عوائلهم  وكانوا يمنون النفس أن يتجه الضغط السلبي من هذه العوائل إلى أبنائها لعدم جدوى المقاومة  زراعة اليأس فيهم لكن أغلب الناس كانوا  أشد حرصا على الخلاص ،  مقاتل كربلائي يدعى ( محمد هاشم سرهيد ) حاول التحصن بأحد الملاجيء وجد أثنين من العسكر يلوذان هناك وبدأ الصراع بينهم  واستطاع النيل منهم وأسر أسلحتهما ،  وما أن هم بالخروج حتى  تجمعوا عليه و أسروه ثم كوفىء برتبة شهيد ،   
&&&&


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/09



كتابة تعليق لموضوع : روابي الانتفاضة  الشعبانية ـ كربلاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net