صفحة الكاتب : مجتبى الساده

المهدي المنتظر في فكر الشيعة الإمامية
مجتبى الساده

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن أصل المهدوية (المنقذ) هو محل اتفاق جميع المسلمين ، وهي فكرة ضرورية في الدين الإسلامي ، ومن صميم السنن والنواميس الإلهية والتعاليم الربانية ، وهي أيضاً من عقائد الأديان الأخرى .. فأصل الفكرة (المخلص) بصورة موجزة لا تختص بطائفة معينة من البشر ولا بمنطقة من الأرض دون أخرى ، بل هي مسألة عامة تستوعب كلّ الأرض وكلّ البشر ، وهي الأمل لحياة سعيدة تنتظر البشرية في المستقبل ، حتى ترتقي وتصل بمستواها الى مرحلة الرشد والبلوغ والنضج والكمال، وهذا مضمون الآيات القرانية والروايات الإسلامية.
من خصائص عقيدة الشيعة الإمامية: تجسيد الأمنية الكبرى لجميع الأمم والأديان وعبر جميع العصور (أطروحة المنقذ والمخلص) إلى حالة واقعية موجودة ، شخص يعيش بين الناس ويشعر بالآمهم وأسقآمهم ، ويتلمس مشاكلهم وأتعابهم .. فقضية المهدي المنتظر تحتل مساحة كبيرة في الفكر الشيعي الإثني عشري ، نظراً لارتباطها بعقيدة (الإمامة) ، وبالأحرى تشكل المهدوية عند الشيعة منعطفاً هاماً (تاريخياً و مستقبلاً) فيما يتعلق بتسلسل الإمامة ، فالمهدي (ع) عند الإمامية هو الإمام الثاني عشر والأخير ، وهو إمام الزمان الحالي.
نشأة التشيع والشيعة:
الشيعة الإمامية: طائفة دينية إسلامية ، تمتد جذورهم وأصالتهم إلى زمن بداية الرسالة وعهد رسول الله (ص) ، إذا تعد الشيعة أولى الفرق الإسلامية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي ، واصطلح وتعارف على أن لفظة (الشيعة) إذا قيلت مطلقة دون تخصيص فإن الذهن ينصرف نحو الإثني عشرية أو الجعفرية لكونها الطائفة الأكبر من حيث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى ، وتُسمىّ بذلك تميزاً لهم عن الإسماعيلية والزيدية ، ولاعتقادهم بأن النبي (ص) قد نصّ على إثني عشر إماماً خلفاء من بعده ، بدءاً بالإمام علي (ع) وختماً بالإمام المهدي (عج) ، فكانت عقيدة الإمامة هي المميز الرئيس لها عن بقية الطوائف الإسلامية الاخرى.
•    الشيعة في اللغة: هي المشايعة والمناصرة والموالاة ، أي الأتباع والأنصار. 
•    الشيعة اصطلاحاً: هم أتباع الإمام علي (ع) ، أي من شايع علياً وقدمه على جميع الصحابة ، واعتقد أنه الإمام من بعد رسول الله (ص) ، بوصية ونص مباشر منه (ص) وبإرادة إلهية  . 

لم يكن ظهور التشيع حصيلة لإفرازات سياسية أو صراعات فكرية أو جدالات كلامية ، بل هو امتداد حقيقي للفكر العقائدي للدين الإسلامي ، وأنه الاستمرار الصحيح لرسالة الإسلام .. لذا فإن التشيع بدأ في زمن رسول الله (ص) ، فقد ثبت في الروايات النبوية الشريفة أن النبي (ص) أول من أطلق لفظ الشيعة على من أحب علياً وتابعه ، وقد اعترف بذلك المخالفين وأثبتوه ، جاء في صواعق ابن حجر: (أن النبي (ص) قال: "ياعلي إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين" )   ، وجاء في الدر المنثور للسيوطي : (أن النبي (ص) قال: "إن هذا – وأشار إلى علي (ع) – وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة" )    ، وجاء في تفسير الطبري: في تفسير سورة البينة (أن النبي محمد (ص) قال في تفسير الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}  هم أنت وشيعتك يا علي)   .. وقد ثبت تاريخياً أيضاً أن اسم الشيعة كان على عهد النبي (ص) ، وكان يدل على مجموعة من الأتباع والموالين وهو لقب ثلة من الصحابة في بدء الدعوة الإسلامية وهم : أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وجابر بن عبدالله الانصاري ، وحذيفة اليمان ، وأبو أيوب الانصاري ، وسهل بن حنيف ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وأبا الطفيل ..... وغيرهم ، وجميع بني هاشم .
منذ عهد الرسول (ص) كان الشيعة يسيرون على نهج الإمام علي (ع) ، لأنه الامتداد الطبيعي للرسول (ص) والرسالة ، ولذا يعتقد الإمامية بأن التشيع هو الإسلام الحقيقي ، ويؤكدون أن المذهب الشيعي لم يظهر بعد وفاة الرسول (ص) ، بل يعود تاريخ الشيعة إلى عصر الرسالة المحمدية وهو الإسلام ذاته ، وأن النبي (ص) وضع أساسه بنفسه على مدار حياته ، وأكده قبل موته في يوم غدير خم بنص جلي عندما أعلن الولاية لعلي (ع) من بعده .. كما يرون أن الطوائف والفرق الإسلامية الأخرى هي المستحدثة ، ووضعت أسسها من قبل الحكام والسلاطين وغيرهم بعد ذلك ، لتكون لبعض العلماء والفقهاء مكانة سامية عند الناس ، باعتبارهم أئمة في الدين ، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت (ع).
هناك الكثير من الأدلة على نشأة التشيع في زمن الرسول (ص) أشار إليها العلامة القرشي  ننتخب شذرة منها:- 
1)    من مكملات دعوته ورسالته (ص) أن لا يترك الأمر فوضى من بعده ويهمل شؤون الخلافة.
2)    من جملة متطلبات قيادة الأمة أن يختار لها النبي (ص) قائداً وإماماً من بعده.
3)    أنه قد أثرت عن الرسول (ص) مجموعة ضخمة من الأخبار والروايات الصحيحة كحديث المنزلة والغدير التي تشير إلى الإمام علي (ع) خلفاً للنبي (ص) بقيادة الأمة.
4)    تخلف خيار الصحابة عن بيعة الخليفة الأول ، واحتجاجهم بأن علياً أولى من غيره بمقام رسول الله (ص).
5)    إن وصية النبي (ص) لعلي (ع) بأن يكون خليفة من بعده كانت شائعة في الأوساط الإسلامية في العصر الأول.

كل ذلك يدل على أن نشأة التشيع كان في عهد الرسول (ص) وهو الذي وضعها وأقامها بنصب الإمام علي (ع) خليفة من بعده.
لم يوال الشيعة أشخاصاً لمجرد أنهم ينتمون إلى أسرة معينة ، وإذا كانوا قد وآلوا من سمّاهم القرآن والنبي (أهل البيت) ، فلأن الأدلة الشرعية قد أمرت بذلك .. وأما سبب تمسك الشيعة بمذهب أهل البيت (ع) ، فقد قال السيد عبد الحسين شرف الدين : "الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده ، وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة والكتاب ، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب ، نزولاً على حكم الأدلة والبراهين ، وتعبداً بسنة سيد النبيين والمرسلين ، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين .. ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم ، لقصصنا أثر الجمهور، وقفونا إثرهم ، تأكيداً لعقد الولاء ، وتوثيقاً لعرى الإخاء ، لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم " .. والتشيع في حقيقته هو النهج الذي خطه رسول الله (ص) ، وهو الإسلام كلّه في خطه الأصيل ، ولذلك قال (ص) : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"  . 

تعداد الشيعة في العصر الحاضر:
إن الشيعة طائفة كسائر الفرق والطوائف التي لها كيانها ، وهم اليوم منتشرون في طول الأرض وعرضها ، ويعدّون من الفرق الكبرى ، ولا يمكن حصر تعداد الشيعة اليوم بكافة أرجاء المعمورة لصعوبة ذلك ، (ولكن القرائن تشهد على أن الشيعة بطوائفها الثلاث : الإمامية والزيدية والإسماعيلية يؤلفون خمس أو ربع المسلمين )   ، حيث تعتبر الإمامية هي الطائفة الأكبر ، وتليها الإسماعيلية ثم الزيدية بنسب صغيرة ، ويتراوح عدد الشيعة في العالم ما بين 250 مليون إلى 300 مليون نسمة ، وأكثرهم عدداً هم الإمامية المعروفون بالإثني عشرية .. يشكل الشيعة أغلبية سكان بعض البلدان كإيران والعراق وأذربيجان والبحرين ، وفي بعض البلدان هم من كبرى الطوائف كلبنان و الكويت ، كما يشكلون أقليات كبيرة في بعض البلدان كبقية دول الخليج وباكستان وأفغانستان والهند وغيرها .. وفي السنوات الأخيرة أخذ التشيّع في الانتشار في بلاد ينعدم فيها الوجود الشيعي أو يوجد بنسبة صغيرة جداً.

موجز عقائد الشيعة الإمامية:
روى الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون (الخليفة العباسي) الإمام علي بن موسى الرضا (ع) (الإمام الثامن لدى الشيعة) أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار ، فكتب (عليه السلام) له : " إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلها واحداً ، أحداً ، فرداً ، صمداً ، قيوماً ، سميعاً ، بصيراً ، قديراً ، قديماً ، قائماً ، باقياً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنياً لا يحتاج ، عدلاً لا يجور ، وأنه خالق كل شئ ، ليس كمثله شئ ، لا شبه له ، ولا ضد له ، ولا ند له ، ولا كفو له ، وأنه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة . 

وأن محمداً عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه ، وسيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، لا نبي بعده ولا تبديل لملته ولا تغيير لشريعته ، وأن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله ، وأنبيائه ، وحججه ، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }  وأنه المهيمن على الكتب كلها ، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه وأخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله . 
وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين ، والناطق عن القرآن ، والعالم بأحكامه : أخوه وخليفته ووصيه ووليه ، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى : علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، وأفضل الوصيين ، ووارث علم النبيين ، والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثم محمد بن علي باقر علم النبيين ، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم علي بن موسى الرضا ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم الحجة القائم المنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين). 
أشهد لهم بالوصية والإمامة ، وأن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان ، وأنهم العروة الوثقى ، وأئمة الهدى ، والحجة على أهل الدنيا ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأن كل من خالفهم ضال مضل باطل ، تارك للحق والهدى ، وأنهم المعبرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) بالبيان ، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية ، وأن من دينهم الورع والفقه والصدق والصلاة والاستقامة والاجتهاد ، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وطول السجود ، وصيام النهار وقيام الليل ، واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن العزاء وكرم الصحبة "   ..  ثم ذكر الإمام فروعا شتى من مختلف أبواب الفقه لا يهمنا في المقام ذكرها.
مقام الإمامة عند الشيعة الإثنا عشرية:
إن مسالة الإمامة لها أهميتها الخاصة عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع) ، وهذا هو الأصل  الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وأن الشيعة تعتقد أن الإمامة بعد النبوة ، وهي أصل من أصول الدين ، وأن النبي (ص) قد أوصى قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى بالإمامة والولاية إلى الأئمة الإثني عشر أولهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (ع).


هذا الأصل الاعتقادي عند الشيعة المستند والدليل والأساس فيه هو (الدليل العقلي): العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام المعصوم  في كل عصر وزمان بناءً على قاعدة اللطف  الإلهي (الإمامة لطف واجب من قبل الله سبحانه وتعالى كالنبوة)   ، فالإمام منصوص عليه من قبل النبي (ص) عن الله عز وجل ، أو من قبل الإمام الذي قبله.

وهكذا يتضح مفهوم الإمامة باعتبار أن الإمام هو القائد الذي يحمل مسؤولية الدين بعد النبي ، وبمعنى آخر استمراراً لوظائف النبوة ماعدا تحمل الوحّي: بيان الأحكام الإلهية (النبوة) ، وإكمال وظيفة تبليغ الأحكام الإلهية (الإمامة) ، وتعتقد مدرسة أهل البيت (ع) بأن الإمامة ولاية كاملة ، وأن الإمام هو الإنسان الكامل وهو حجة العصر وإمام الزمان ، وهذا الإنسان لابّد من وجوده في كّل عصر وزمان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، ولهذا الشخص (الإمام) مقاماتٌ ودرجاتٌ عالية ، وأن هذه المرتبة ثابتة للنبي (ص) وللأئمة الاثنا عشر (ع) من بعده .. ويتم اختيار هؤلاء الأئمة عن طريق التعيين والنص ، فإن الإمامة ترتبط بالله سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}  فهذه الخلافة الإلهية غير منقطعة ، وفي آية أخرى قال تعالى { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}  فكما هو واضح أن الإمامة غير النبوة والرسالة ، وهي جعل إلهي ومنصب رباني مثلها مثل النبوة ، ولا شأن للناس أو الأمة بها ، فيستحيل فيه على الإنسان أن ينال هذا المقام السامي وهذه المرتبة العالية من خلال انتخاب الأمة أو من خلال انتخاب أهل الحلِّ والعقد له ، أو من خلال الشورى أو ما شابه ذلك.

إن الإمامة من المسائل الأساس في استمرار الإسلام وضمان له من الانحراف ، وقد نصت عليها الأدلة والبراهين الثابتة من العقل والقرآن والسنة: فالإمامة مقام بعد النبوة ، وضرورية لحاجة المسلمين والبشر لتوضيح أحكام الله بعد ختم النبوة .. والقرآن الكريم ذكر في آيات عديدة مقام الإمامة وأهميتها مثل: آية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}  ، وآية الطاعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }  ، وآية التطهير ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التبليغ وكثير من الآيات .. وكذلك اهتم الرسول (ص) بأمر الإمامة وصرح في أحاديث كثيرة جداً أهميتها ومكانتها مثل: حديث الثقلين (الكتاب والعترة) ، وحديث إمام الزمان (وموتة الجاهلية) ، وحديث المنزلة ، والطير ، والغدير ، والسفينة وكثير من الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذه النصوص لم تنفرد بها الإمامية ، بل روت العامة في مصادرها مثل هذه الأحاديث وتفسير الآيات ، واتفقت مع الإمامية بشكل يوجب الحكم بصحتها .. وكذلك ورد عن رسول الله (ص) عدد كبير جداً من الروايات التي تنص على الأئمة الإثني عشر بأسمائهم واحداً واحداً ، ومن هذه الروايات قوله لجابر بن عبد الله الأنصاري عندما سأله عن الذين وجبت طاعتهم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.. فقال (ص): "هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي ، وأولهم علي بن ابي طالب ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي"  .

من مجمل ما تقدم ، يظهر وبشكل جليّ أهمية الإمامة في مدرسة أهل البيت (ع) والمقام الرفيع للإمام : (الرئاسة العامة ، والمرجعية الدينية ، والولاية الكاملة)    .. ولا بد أن تتوفر في الإمام ثلاث خصال لكي يكون إماماً مفترض الطاعة ، وهي:
1 - أن يكون معيناً من قبل الله تعالى ومنصوصاً عليه في كلمات النبي أو الإمام الذي قبله.
2 - أن يكون مؤيداً بالعلم الإلهي بحيث لا يحتاج إلى علم الناس وهم يحتاجون إلى علمه.
3 - أن يكون معصوماً   بحيث لا يخطأ ولا يعصي ، كما هو حال الأنبياء (ع).
فمن توفرت فيه هذه الشرائط مجتمعة كان الإمام ، ولو انتفى عنه شرط واحد خرج عن أهلية الإمامة.

إن الخلاف بين المدارس الإسلامية المختلفة   ليس في أي شخص له مثل هذا الأمر ، وإنما في أصل وجود مثل هذا الشخص ، فمدرسة أهل البيت (ع) أثبتت المرجعية الدينية (جزء من الإمامة) للإمام علي (ع) وللأئمة من بعده ، فهي تستمّد أحكامها منهم كما كانت تستمدها من الرسول (ص) ، وتعتبر أن كل الأحكام قد بينها الأئمة (ع) بعد الرسول (ص) ، ولديها ما يكفي لحلّ جميع ما يستجد من مسائل ، سواء عبر اللجو إلى الكتاب والسنة النبوية مباشرة أو من خلال الأئمة (ع) ، فالله سبحانه وتعالى لم ينزل ديناً ناقصاً ، بل كاملاً تاماً مصداقاً لقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}  ، وأن النبي بلغه كاملاً ، ولكن الصيغة الكاملة من الأحكام لم يبلّغها النبي (ص) لعامة الناس ، وإنما خص بها الإمام علي (ع) والأئمة من بعده ، وأمرهم ببيانها للناس متى دعت الحاجة إلى ذلك ، وهذا يعني أن النبي مبلغ عن الله والإمام مبلغ عن النبي .. مع الأخذ في الاعتبار عدة نقاط جوهرية في هذا الجانب لإيضاح المرجعية الدينية:-
o    ما يتضمنه القرآن الكريم من أحكام ، ليس سوى أحكام مختصرة جداً ، مضافاً إلى كونها كليّات.
o    ما ورد من خلال السنة النبوية من أحكام ، فإنها مختصرة مجملة أيضاً ، ومحدوده ومستجدة حسب الحاجة ، وليس قبل أوانها.
o    إن الإسلام دين يبسط حاكميتّه على جميع شؤون البشر ، فبملاحظة الفترة التي عاشها (ص) ، فالوقت لم يكن كافياً لبيان جميع ما وصله من رسالة الإسلام.
o    ضياع الكثير من أحاديث رسول الله (ص) ، وذلك بسبب منع تدوين الحديث ، وهو أمر ثابت تاريخياً.
وبملاحظة هذه النقاط ، يظهر بوضوح الحاجة الضرورية إلى الإمامة بعد النبوة الخاتمة ، أي الحاجة إلى المرجعية الدينية (وهي جزء من مفهوم الإمامة) لإيضاح أحكام الله في المسائل المستجدة في الحياة ومواكبة تطور مسيرة البشرية .. ومن هذا الباب والمدخل ترى الشيعة الإمامية أن البحث والحديث حول الإمام المهدي (عج) يجب أن يكون ، من هذا المنطلق وبهذا المفهوم ، باعتباره الشخص الذي يجمع المسلمون على حتمية ظهوره في آخر الزمان وهو القائد الرباني للبشرية حالياً ، وإن أمر وجوده ثابت بكل الأدلة العقلية المنطقية والنقلية الصحيحة ، ولهذا تعتقد الإمامية وتؤكد بأن وجود الإمام في كل عصر وزمان ضروري لبيان أحكام الدين وحقائقه ، وإرشاد الناس وهدايتهم ، وهذا أصل العقيدة المهدوية وحقيقتها عند الشيعة الإثنا عشرية .. أفكار تثار وأسئلة ينبغي أن تطرح: ماذا كان سيجري لو أن المسلمين اتبعوا أئمة أهل البيت (ع) وطبقوا تعاليمهم وعقائدهم؟   أي وجه كان سيبدو به الإسلام أمام العالم؟.


المهدي المنتظر في معتقد الإمامية:
ينطلق الشيعة الإمامية في نظرتهم إلى المهدوية من معتقد الإمامة ، فهي الإمامة الباقية ، والتي تتفرع من النبوّة ، فأننا نجد أن من مهمات الإمام – والمهدي المنتظر إمام الزمان الحاضر – الولاية الكاملة على الأمة وتعليمها وتربيتها ، وله حق الحاكمية عليها وإدارة شؤونها والهيمنة على مسيرتها .. والإمام هو ذلك الإنسان الحاضر والناظر والراصد لحركة الإسلام في المجتمعات ، والشاهد على الناس في مدى استجابتهم وتفاعلهم مع الإسلام .. مما يؤكد أن وجود الإمام في كل عصر وزمان ضرورة لا غنى عنه ، وذلك لتحقيق الأهداف الإلهية ، وضمن دائرة السنن الإلهية الجارية وبالطرق الطبيعية (الطوعّية والاختيارية) وليس بأسلوب إعجازي قاهر.
ومن هذا المنطلق: ضرورة الإمامة ، وضرورة وجود إمام في كل زمان ، وطبيعة عمل الإمام في الأمة ضمن السنن الإلهية الاعتيادية: يأتي ضمن هذا السياق أيضا ، إن الإرادة الإلهية والمشيئة الربانية اقتضت ألا يزيد عدد الأئمة الاطهار على اثنا عشر إماماً ولا ينقص عن هذا ، ولم يُترك هذا العدد للزمن (أي مفتوح وغير محدد) ، حتى لا يكون سبباً في بلبلة أذهان الناس وتحيرهم وتضليلهم .. ولأجل هذا وذاك اقتضت الحكمة الإلهية أن يطول عمر الإمام الثاني عشر (ع) ، بانتظار أن تسنح الفرصة له للقيام بالحركة الإصلاحية الشاملة على مستوى العالم بأسره.
بملاحظة جميع ماتقدم ، فإن غيبة الإمام واتخاذه موقعاً آخر يمكن من خلاله مواصلة الاتصال بالأمة والتعامل معها ، ولو من خلال سفرائه ووكلائه الخاصّين والعامّين ، وغير ذلك من وسائل تقع تحت اختياره   .. فإن الغيبة تصبح هي القرار الحكيم الذي يعطي مسيرة الصلاح والإصلاح عامل استمرار بقوة وفاعلية أكثر .. ولولا هذه الغيبة فإن فرصة الحفاظ على منجزات الرسالات السماوية والتي هي ثمرة جهود الأنبياء عبر التاريخ البشري ، لسوف تتقلص وتصل إلى درجة الصفر وتدمر وتنتهي الأطروحة المهدوية بأسرها من خلال القضاء على المحور والقلب النابض لها والمتجسد في الإمام .. ومما يساعد على حفظ الهدف الكبير ، وكذلك المحافظة على الروحية الإيجابية والتفاؤل والحيوية المؤثرة في الأمة ، تم إبلاغ الناس بعلامات الظهور .. وبرؤية العلامات تتحقق واحدة بعد الأخرى على صفحات التاريخ ستشحذ العزائم وتستنهض الهمم ، ويكون انتظار الفرج بمثابة ماء الحياة الذي يغذي الأمة بالفاعلية والنشاط ، والعلاج المؤثر الناجع على المشكلات والمصاعب والمتاعب.  
 جذور وأسس الأطروحة المهدوية عند الإمامية:
أنبثقت جذور الاعتقاد بالأطروحة المهدوية عند الشيعة الإمامية من ركنّي الإسلام الكتاب والعترة ، فشق الاعتقاد طريقه بيسر وسهولة باعتبار أن أصل القضية ومنبع الفكرة هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية  :

      القرآن الكريم: 
يمكننا أن نتلمس الآيات الكريمة التي تشير إلى المهدي المنتظر ، فقد تطرق كتاب الله إلى القضية المهدوية بطرق وأساليب شتى ، ويمكن تلخيص منهج القرآن في ذلك بالآتي:

أولاً: تحدث القرآن الكريم عن وجود إمام لكل زمان: بالعنوان العام (الإمامة) أشارت آيات عديدة عن ضرورة وأهمية وجود إمام لكل عصر وزمان ، وهي واضحة الدلالة على وجود الإمام المهدي (عج) بالدلالة الالتزامية ، ننتخب شذرات من هذه الآيات الكريمة:
-    قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } .
-    قال تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} .
-    قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } .
فالآيات السابقة تشير إلى عقيدة الإمامة ، والمهدوية هي الإمامة الباقية والحاضرة.

ثانياً: بشر القرآن الكريم بوعد إلهي بنشر العدل والقسط على كافة الأرض: وعد إلهي وبشارة سماوية بأن العالم سينعم بعصر مشرق مفعم بالإيمان والعدل والسلام ، على يد منقذ البشرية الإمام المهدي (عج) ، نختار جواهر من هذه الآيات الكريمة:
-    قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ } .
-    قال تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } .
-    قال تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } .
لم يتحقق الوعد الإلهي ، ولم يحل اليوم الذي يسود فيه الإسلام ربوع الأرض .. نحن ننتظر تحقق ذلك بخروج المهدي المنتظر(ع).

ثالثاً: ذكر القرآن الكريم بعض ملامح عصر الظهور: إشارات ودلالات قرآنية عديدة تخبر العالم والمؤمنين ببعض الحوادث المرافقة لقيام المهدي المنتظر (عج) ، نقتطف زهوراً من هذه الآيات الكريمة:
-    قال تعالى: { وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ    يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ }  ، مصداق لعلامة الصيحة السماوية (من المحتوم): وهي صوت ونداء من السماء في شهر رمضان في ليلة القدر ، يسمعه أهل الأرض كلهم ، وكل قوم بلغتهم.  
-    قال تعالى: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }  مصداق لعلامة ركود الشمس (من غير المحتوم) : وهي توقف الشمس عن الحركة من الزوال إلى العصر في شهر رجب.
-    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا }  ، مصداق لعلامة خسف البيداء (من المحتوم): وهي تحويل وجوه أشخاص من جيش السفياني إلى القفاء ، وهو الجيش الغازي والمتجة لمكة أثناء ظهور المهدي بها.

هذه أمثلة ونماذج لبعض علامات اليوم الموعود وإرهاصات الظهور ذكرها القرآن الكريم ، فسرتها الروايات الشريفة بعلامات ظهور المهدي المنتظر (ع).
من هنا نؤكد أن مصطلح (المهدي المنتظر) لم يذكر في القرآن صراحة ، ولكن هناك بعض الآيات الكريمة مفسرة ومؤولة في المهدي المنتظر .. وتمتلك المكتبة الإمامية مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الإمام المهدي في القرآن ، بعكس مكتبات المدارس الإسلامية الأخرى التي تفتقر إلى مثل هذا النوع من الكتب.
من أمثلة كتب الإمامية في هذا المجال:
    كتاب: المحجة فيما نزل في القائم الحجة ، للسيد هاشم البحراني.
    كتاب: المهدي في القرآن والسنة ، للسيد صادق الشيرازي.
    كتاب: معجم أحاديث الإمام المهدي (الآيات المفسرة) ، المجلد الخامس ، الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية.
هذه المصادر تذكر الروايات والأحاديث عن الرسول الاكرم (ص) وأهل البيت (ع) التي وردت في تفسير الآيات أو تأويلها أو تطبيقها أو الاستشهاد بها في القضية المهدوية.

      السنة الشريفة: 
إن مسألة المهدوية في الإسلام لها أعمق الجذور وأعلى درجات الأصالة والصحة من جهة الحديث ، باعتبار أن الرسول (ص) أول من طرح موضوع المهدوية في الإسلام ، وكان يبشر الأمة بظهوره في كل منتدى ومحفل ، ويتحين الفرص للإخبار عنه ، بحيث أن النصوص والروايات الشريفة قد تواترت حول المهدي وأخباره وعلامات ظهوره ، ويمكن القول أن موضوع المهدي قد أحتل مساحة واسعة من الحديث والرواية.
أجمع عمداء أهل بيت النبوة والأئمة الأطهار ، الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب ، والذين اختارهم الله ، وأعدّهم وأهّلهم لقيادة الأمة ومرجعيتها طوال عصر ما بعد النبوة ، والذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله بأسمائهم قبل أن يولد تسعة منهم .. على أنهم قد سمعوا رسول الله (ص) يبشر بالمهدي المنتظر ويسمية باسمه : ( م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، حفيد النبي الأكرم ، وحفيد ابنته فاطمة الزهراء ، ويكنى بأبي القاسم) وأنهم سمعوا رسول الله يصفه وصفاً دقيقاً ، ويؤكد على حتمية ظهوره ، وأن هذا المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهكذا حسم أهل بيت النبوة اسم المهدي المنتظر ، واسم أبيه وجده وكنيته.
ننتخب شذرات من الأحاديث النبوة الشريفة الصحيحة والمتواترة والتي تدل على ولادة ووجود الإمام المهدي (عج) حالياً ، وإن لم ترد هذه الروايات بخصوصه وعنوانه ، ولكنها واضحة الدلالة:
-    قال رسول الله (ص): "إني تارك فيكم الثقلين : كتـاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، أحدهما أكبر من الآخر ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" .
-    عن جابر بن سمرة يقول: دخلت مع أبي على النبي (ص) فسمعته يقول:"إن هذا لاينقضي حتى يمضى فيهم إثنا عشر خليفة"، ثم تكلم بكلام خفي عليّ، فقلت لأبي ماقال؟ قال:" كلهم من قريش" . 
-    قال رسول الله (ص): "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" .
في ضوء هذه الأحاديث الثلاثه المتواترة عند المسلمين (الثقلين - الأئمة الإثني عشر - إمام الزمان) والتي تحمل دليلاً إضافياً على صدق وصحة صدورها عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، عدا الحكم بصحة أسانيدها من قبل جميع علماء الحديث ، وأنه من شواهد النبوة لأنه كان مأثوراً في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام مباشرة ، ولكنها بالدلالة الالتزامية تدل على أن الإمام (ع) قد ولد وتحققت ولادته ، وهو حالياً موجود ويعيش بيننا ، ومن المحتوم والمؤكد أنه لا يمكن أن تخلو الأرض من حجة لله على عباده.

الأحاديث الشريفة: بعض الملاحظات الهامة حول الأحاديث المتعلقة بالمهدي:
o     المهدي المنتظر (ع) حقيقة دينية ، بشر بها الرسول الأكرم (ص) ، وثبت وجود مئات الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله بهذا الخصوص .
o     روى أحاديث المهدي عدد كبير من الصحابة مثل: أهل بيت النبوة وآل محمد ، زوجات النبي (ص) ، طائفة كبيرة من الصحابة.
o     أخرج أحاديث المهدي جمع كبير من علماء الحديث ودونوا ذلك في كتبهم ومسانيدهم ، وأجمعوا على أنها قد صدرت من رسول الله (ص) بالفعل.
o     صرّح جمعٌ من أهل الاختصاص بعلوم الحديث بصحة وتواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي مثل: يوسف الكنجي الشافعي ، وسليمان القندوزي الحنفي ، والألباني ، وابن باز.
o     اجمعت الأمة الإسلامية بكون المهدي المنتظر (ع) من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، والكل متفق على أن المهدي من صلب الإمام علي بن أبي طالب  (ع)، ومن أحفاد فاطمة الزهراء عليها السلام.
o     كتب عن الإمام المهدي (ع) ودونت الروايات والأحاديث بهذا الخصوص  ، حتى قبل أن يولد (ع) وتتحقق الفكرة.

 احصائيات: عدد الأحاديث المتعلقة بالمهدي في التراث الإسلامي كثيرة جدا ، وبالرجوع إلى موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته مؤسسة المعارف الإسلامية والواقع في خمسة مجلدات نجد الكم الهائل من هذه الروايات الشريفة:-
1)    المجلد الأول والثاني: قد اشتملا على (560) حديثاً من الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله ، وبطرق الشيعة وأهل العامة.
2)    المجلد الثالث والرابع: قد اشتملا على (876) حديثاً مسنداً إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام ، واشترك أهل العامة برواية الكثير منها مع الشيعة الإمامية.
3)    المجلد الخامس: فقد اشتمل على (505) أحاديث وكلها من الأحاديث المفسرة لآيات قرآنية .. وغطت هذه الأحاديث ماأورده المفسرون من الشيعة وأهل العامة.
4)    يتضح أن مجموع الأحاديث النبوية وروايات أهل البيت (ع) (1436) حديثاً ، وإذا أضفنا لها محتويات المجلد الخامس ، يكون مجموع الأحاديث المتعلقة بالمهدي (1941) حديثاً مجموع المعجم.
5)    كتاب: (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني أحصى عدد (5303) حديث مما رواه المسلمون عن القضية المهدوية.

المسلمون بشكل عام قد آمنوا بفكرة خروج المهدي آخر الزمان ، ومصدر اعتقادهم في ذلك الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، وسلّموا بأن الوعد الإلهي والبشارة النبوية سوف تتحقق ، فأصل فكرة المهدوية مسلّم بها من قبل عامة المسلمين إلا من شذّ وندر.
هوية وخصائص الإمام المهدي عند الإمامية:

أجمع المسلمون على أصل فكرة المهدوية في مفهومها العام وخروجها آخر الزمان ، ولكن وقع الخلاف بينهم في تحديد شخصه الكريم .. والإمام المهدي حسب تصور الشيعة الإمامية يتميز بخصائص مهمة:

     هويته: 
الاسم: (م ح م د) .. اللقب: المهدي .. الكنية: أبو القاسم .. اسم الأب: الإمام الحسن العسكري .. اسم الأم: السيدة نرجس (مليكة) بنت يشوع الذي ينتهي نسبه إلى قيصر ملك الروم ، كما أن أُمّها ينتهي نسبها إلى (شمعون) الذي هو أحد أوصياء السيد المسيح ومن حواريه .. تاريخ الولادة: يوم الجمعة 15 شعبان 255 هـ الموافق 869 م .. نسبه الشريف: قرشي ، هاشمي ، من عترة النبي (ص) ، من صلب الإمام علي بن ابي طالب (ع) ، من أحفاد فاطمة الزهراء (ع) ، من نسل الإمام الحسين السبط الشهيد (ع).

     إمامته:
هو الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى (ع) .. بدأت إمامته من وفاة والده الإمام العسكري (ع) 260 هـ  وحتى آخر الزمان .. بدء الغيبة الصغرى:  260 هــ .. بدء الغيبة الكبرى: 329 هـ .. يوم الخروج (اليوم الموعود): السبت 10 محرم من عام (مجهول عند الناس) .. من خصائصه ومميزاته الشخصية: (العصمة والعلم التام والارتباط بالغيب و ..... ) فهي مشابهة تماماً لخصائص آبائه الأئمة الطاهرين ، بالإضافة أنه يمتاز بمزايا أخرى كالإمامة المبكرة (إمام وهو ابن خمس سنوات) ، طول العمر (عمره حالياً اكثر من 1190 سنة) ، الغيبة (صغرى و كبرى) ، سيسيطر على العالم كله وينشر التوحيد والعدل.

      موجز تاريخي عن ظروف ولادته:
بناءً على البشارات الصادقة من رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) ، بأن نجل الإمام الحسن العسكري (ع) هو آخر الخلفاء والأئمة الإثني عشر ، وأنه المصلح الأعظم الذي ينشر العدل والقسط ويقضي على الظلم والجور ، لذا فقد خاف العباسيون منه ، واعتقدوا أنه هو الذي يقوّض عروشهم ويدمّر كيانهم ويزيل دولتهم القائمة على الظلم والجور ، فانتشرت شائعات قوية وعلى نطاق واسع مفادها أن ملك بني العباس سيزول على يد رجل من آل محمد يقال له المهدي وأن ولادته قريبة وهو ابن للإمام الحسن العسكري (ع).
وهكذا نجد أن التاريخ يعيد نفسه ، فكما علم فرعون انهدام صرح طغيانه بواسطة النبي موسى (ع) ، فجمع كيده وبذل جُهده للقضاء عليه وقتله حين ولادته .. كذلك أخذت السلطة العباسية بنفس الإجراءات والاحتياطات فعرضت الإمام العسكري (ع) للسجن والاضطهاد ، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في (مدينة سامراء) ، ومنعت شيعته من الاتصال به ، وقد حاولوا عدة مرات اغتيال الإمام العسكري (ع) ليقضوا عليه قبل ولادة ابن له ، فجندت الدولة مخابراتها وأجهزتها السرية للتحري والبحث عن هذا الطفل (المهدي) الذي سيولد قريبا ، فزرعت الجواسيس والعيون في كل مكان يحيط بالإمام وبالذات في داخل بيته .. هذه الحملة الظالمة من السلطة اضطرت الوالد الإمام العسكري (ع) أن يقوم بإجراءات متعدّدة للتمهيد لإمامة ابنه (المهدي) منها: أن يُخفي نبأ ولادة ابنه عام 255 هـ ، وألا يطلع أحداً عليه إلا للخواص والخلص من شيعته ، ولـمّا علم الإمام العسكري (ع) أنه مفارق الحياة ، نصّ على إمامة ولده الوحيد (م ح م د) ، وعرّفه لخواص أصحابه ، وثقات شيعته .. ونفذ المعتمد العباسي خطته باغتيال الإمام العسكري سريعاً فدس له السم ، فانتقل الإمام الحادي عشر إلى جوار ربه عام 260 هـ وهو في مقتبل العمر (28 عاماً) ، وآلت الإمامة إلى ابنه (م ح م د) وعمره خمس سنين .. انتشر خبر وفاة الإمام العسكري (ع) وهرع رجالات بني هاشم وجميع من كان في سامراء إلى دار الإمام للفوز بتشيع جثمان الإمام ، وجهز الجسد الطاهر لصلاة الجنازة ، وانبرى جعفر (أخ الإمام العسكري) للصلاة عليه ، فتقدم الإمام الصبي (م ح م د) وقال له: أنا أولى بالصلاة على أبي ، ثم صلى على الجثمان المقدس ، وأمّ الجميع دون اعتراض من أحد وسط دهشة الكل (بتحقيق بشارة الرسول) ، وتسليمهم بأن هذا الصبي هو القائم مقام أبيه في الإمامة وهو الإمام المنتظر ، وبعد انتهاء مراسم الصلاة اختفى الإمام الصبي.
اضطربت السلطة العباسية اضطراباً شديداً في موضوع الابن ، وتساءلت متى ولد !! وقدرت أنه المهدي المنتظر ، وبدأت تستفيق من هول الصدمة ، وتتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته !! وصْدَقت الإشاعة التي انتشرت بين الناس !! وأخذت أجهزتها الأمنية استعدادها للامساك به والقضاء عليه ، فكبست دار الإمام العسكري (ع) ، وكبسوا الدور والمنازل القريبة وفتشت تفتيشاً دقيقاً .. وهكذا اتّخذ العباسيون جميع الإجراءات الحاسمة للتفتيش عن الإمام المهدي (ع) لإلقاء القبض عليه وتصفيته جسدياً .. وكان من عظيم لطف الله تعالى وعنايته بالإمام المنتظر أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العباس ، فقد غيّبه تعالى عن أبصارهم كما غيّب جدّه رسول الله (ص) عن أبصار قريش حينما اجتمعوا على قتله.

      غيبته:
نجحت خطة الإمام العسكري (ع) بكتمان خبر ولادة ابنه وإخفائه عن عوام الناس ، وأثمرت جهوده في الحفاظ على ابنه .. وكذلك فشلت أجهزة السلطة العباسية في القبض على الغلام والقضاء عليه ، بعد أن تيقنت من وجوده ، بل عجزت وبكل قوتها عن تحديد مكان وجوده ، واحتارت أين ذهب الإمام الصغير وكيف اختفى ، ولم يجزم أحد بموته ، بل ولم يدع أحد موته .. مما يعني بأن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (شريك القرآن وأنهما لن يفترقا)   مازال حياً يرزق ، ولكنه غائب أو مغيب إلهياً عن الناس إلى أن يأذن الله بظهوره في اليوم الموعود.

يقسم الشيعة الإمامية احتجاب أو اختفاء الإمام المهدي إلى مرحلتين ويطلقون عليها مصطلح الغيبة:
الأولى - الغيبة الصغرى   (260 هـ - 329 هـ): بدأت منذ وفاة أبيه الإمام العسكري (ع) في الثامن من ربيع الأول عام 260 هـ ، وتولّي الإمام المهدي الإمامة والولاية ، ففي هذه الفترة احتجب الإمام عن الناس ، إلا أنه كان يلتقي بخيار المؤمنين والصالحين ، وبدأت ترتيبات عصر إمامة المهدي وقيادته للمجتمع ، وتعيين سفراء له ، وإن لم يكن أمر السفارة غريباً على أذهان الموالين (الشيعة) بعد أن كان نظام الإمامين الهادي و العسكري (ع) قائماً على ذلك بشكل طبيعي واعتيادي:
· السفير الأول : عثمان بن سعيد العمري - بداية عام (260 هـ) ، ولمدة (5 سنوات).
· السفير الثاني : ابنه محمد بن عثمان العمري ، ولمدة (40 سنة).
· السفير الثالث : أبو القاسم حسين بن روح النوبختي ، ولمدة (21 سنة).
· السفير الرابع : علي بن محمد السمري ، ولمدة (3 سنين) - حتى عام (329 هـ).

ففترة الغيبة الصغرى دامت على التحديد تسعا وستين عاما وستة أشهر وخمسة عشر يوماً .. وانتهت بوفاة رابع وآخر سفير ونائب خاص للإمام المهدي (ع).
هناك أهداف اساسية من وراء الغيبة الصغرى وتعيين السفراء كنواب ووكلاء مقامه (عج) تتمثل في:
1.    كانت ضرورية لإيجاد الارتباط بين الإمام المهدي وبين الخواص من شيعته ، وكانت فترة 70 سنة كافية لإثبات وجود الإمام ، وترسيخ ثقافة الغيبة عند الناس.
2.     تهيئة الأمة وخاصة القواعد الشعبية الموالية للأئمة (ع) لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى ، وتعويدهم عليها تدريجياً ، وعدم مفاجئتهم بذلك.
3.    قيام السفارة بمصالح المجتمع وشؤون الأمة ، وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام واختفائه عن مسرح الحياة.

الثانية - الغيبة الكبرى ( 329 هـ - اليوم الموعود ) : كانت وفاة السفير الرابع يوم الخامس عشر من شعبان عام 329 هـ إيذاناً بابتداء عصر الغيبة الكبرى ، وكان التوقيع الصادر عن الإمام (ع) إلى علي السمري قبل وفاته بستّة أيّام هو الإعلان عن انتهاء أمد الغيبة الصغرى وانقطاع السفارة والنيابة الخاصة  وبدء عصر الغيبة الكبرى .. وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة النيابة العامة: فالنائب العام لم يشخص بالاسم ، وأنّما شخص بالصفة (ملكة الفقاهة)  ، وذلك باعتبار ماورد من روايات في هذا الخصوص منها: عن الإمام العسكري (ع) : "... فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه" ، وقد تقلّد الفقهاء ومراجعنا العظام هذا الدور .. وفي هذه الفترة والمرحلة من الغيبة يكون احتجاب الإمام عن الناس شبه تام وكامل ، وإن كانت له (عج) عدة لقاءات ومراسلات مع جهابذة العلماء والمتقين من أعلام الشيعة.   
طرق احتجاب الإمام عن الناس: يمكن تصوير تحرك ونشاط الإمام خلال احتجابه في عصر الغيبة الكبرى بأحد شكلين :
1 - خفاء الشخص: وهي أن يختفي الإمام بجسمه عن الأنظار ، فهو يرى الناس ولا يرونه ، ويتمّ ذلك عن طريق الإعجاز الإلهيّ ، مثل ما حدث لرسول الله (ص) حينما اجتمع مشركي قريش على قتله ،  وهذا الاحتجاب قد يزول أحياناً عندما توجد مصلحة في زواله.
2 – خفاء العنوان: وهي أن الناس يرون الإمام المهدي بشخصه ، دون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقة أنه المهدي ، وهذا هو الشائع في عصر الغيبة الكبرى ، وهذا الاحتجاب يزول ويتحول للشكل الأول عندما يوجد خطر يهدد حياة الإمام أو كشف أمره. 

من التكاليف المطلوبة إسلامياً في فترة الغيبة ، ومن الضروريات العقائدية الواضحة في مدرسة الشيعة الإمامية: الإيمان بوجود الإمام المهدي (م ح م د  ابن الإمام الحسن العسكري) والاعتراف به كإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأمة والالتزام بذلك ، وإن لم يكن عمله ظاهراً للعيان ، ولا شخصه معروفاً لدى الناس ، فإنه الإمام الثاني عشر ومعرفته تنقذ من موتة الجاهلية   ، إرتكازاً على الأدلة العقلية المنطقية والأدلة النقلية الصحيحة.

      صفاته الجسدية:
صفات الإمام المهدي الجسديه كما وردت في الروايات الشريفة ، حيث وصفه جده أمير المؤمنين: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان ، أبيض مُشَرَّبُ حمرة ، مبدح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاش المنكبين ، بظهره شامتان: شامة على لون جلده ، وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله)    .. ومن أوصافه (ع) التي وردت على لسان الإمام الباقر (ع) : (أنه شاب ، أكحل العينين ، أزجّ الحاجبين ، أقُنى الأنف ، كث اللحية ، على خده الأيمن خال ، وعلى يده اليمنى خال)   .. وعن الإمام الباقر (ع): (يا أبامحمد بالقائم علامتان: شامة في رأسه وداء الخراز برأسه ، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر تحت كتفه الأيسر ورقة مثل ورقة الآس)   .. عن أمير المؤمنين (ع) (هو رجل جلي الجبين ، أقنى الأنف ، ضخم البطن ، أذيل  الفخذين ، بفخذه اليمنى شامة ، أفلج الثنايا)  .

وهنا تنبع الحكمة من ذكر أوصاف الإمام المهدي (ع) وعلامات تعيين شخصه ، بالإضافة لعلامات ظهوره ، لتقطع الطريق أمام مدعي المهدوية كذباً وبهتاناً.

      بعض مزايا المهدوية بشكل موجز:
o    الاسم: م ح م د (إمام العصر والزمان الحالي) وعدم معرفته يموت المسلم على الجاهلية.
o    الأب: الإمام الحسن العسكري (ع) ، الإمام الحادي عشر للمسلمين.
o    الأم: السيدة نرجس (مليكة) رومية الأصل.
o    ولادته: يوم الجمعة 15 شعبان 255هـ ، وعمره حاليا أكثر من ألف عام.
o    هو الإمام الثاني عشر للمسلمين ، والذي نص عليه رسول الله (ص) ، وهو القائد الشرعي الوحيد للعالم الآن.
o    يتمتع بمزايا الإمامة كــ: العصمة ، العلم التام ، الولاية التكوينية والتشريعية ، الاتصال بالغيب.
o    لا يزال حياً يرزق ، ويعيش على الأرض ، وينتظر الأمر الإلهي له بالخروج.
o    يعيش في فترة الغيبة الكبرى ، وقد يراه الناس ولا يعرفونه  بما يصطلح عليه غيبة عنوان.
o    له إشراف على العالم ، وإحاطته بأخبار العباد والبلاد وكل ما يجري في العالم بإذن الله.
o    سيظهر في يوم معلوم عند الله مجهول عندنا  ، وتحدث علامات حتمية قبل ظهوره.
o    إذا ظهر يحكم الكرة الأرضية كلها ، وتخضع له جميع الدول والشعوب في العالم.
o    يطبق الإسلام الصحيح كما جاء به رسول الله (ص) ، وتنقاد له كافة الأديان والملل.
o    ينزل النبي عيسى (ع) من السماء ويصلي خلفه.
o    خروجه إحدى علامات يوم القيامة الكبرى.
o    يُقتل ابليس اللعين في عصره الميمون.
o    يحقق حلم كل الأنبياء بنشر التوحيد والعدل على الأرض كافة.


علامات وشروط ظهور المهدي عند الإمامية:
 
      علامات الظهور:
إن أخبار وعلائم الظهور   كثر ذكرها في كتب وآثار الإمامية ومصدرها روايات رسول الله (ص) وأهل البيت عليهم السلام ، وقد أوضحوها (ع) في مسار حديثهم عن الإمام المهدي (ع) ، وحظيت باهتمام خاص من قبلهم (ع) ، ويهدفون من وراء تكرار ذكرها إلى تثبيت العقيدة المهدوية وترسيخها في أذهان المسلمين على طول العصور ، حيث جعلوا من الانتظار الذي أعلنوا ثوابه مسبقاً قاعدة عظيمة يمكن على ضوئها تثبيت القضية المهدوية في المجتمع الإسلامي ، لذلك نجد أن العلائم موزعة الحدث على فترات زمنية متباعدة وعلى طول تاريخ الغيبة ، وتنقسم علامات ظهوره (ع) عند الإمامية إلى نوعين:

علامات عامة: تصف حالة المجتمع من حيث شيوع بعض الظواهر المنافية للدين والأخلاق ، أو بعض الأحداث التي جاء ذكرها متناثراً هنا وهناك من حيث الزمان والمكان ، ومن دون إشعار بالارتباط بينها وبين العلامات الأخرى ، وليس هناك إرتباط زمني محدد أو قريب من عصر الظهور ، ولذا لا تُعطى تلك الأهمية من المتابعة والتأمل والتحليل .. ننتخب شذرة منها ، ونركز على بعض العلامات العامة الموجزة القريبة من الظهور:
•    خروج المهدي في وتر من السنين.
•    سنة الظهور سنة غيداقة (كثيرة المطر).
•    سنة الظهور كثيرة الزلازل والخوف والفتن.
•    يخرج في مكة المكرمة في يوم السبت العاشر من محرم في سنة مجهولة عند الناس.
•    خروج الخراساني (الرايات السود) من قبل المشرق.
•    ظهور صدر إنسان ووجهه في عين الشمس.
•    ظهور مجسم في السماء على شكل يد بشرية تشير.
•    ركود (توقف) الشمس عن الحركة لعدة ساعات في رجب.
•    كسوف الشمس وخسوف القمر في غير وقتهما في رمضان.
•    تقع معركة قرقيسيا في شمال سوريا يقتل فيها مائة ألف شخص.
•    ثلاث رآيات تخرج في الشام (الأصهب - الأبقع - السفياني) تتقاتل مع بعضها.
•    تقسم الشام إلى خمس كور (محافظات منفصلة).
•    خسف قرية من قرى الشام تسمى حرستا.
•    هدم السور الأيمن من مسجد دمشق الكبير (المسجد الأموي).
•    فراغ سياسي وعسكري في الحجاز واضطرابات أمنية شديدة في المنطقة.  

علامات خاصة (المحتومة): وهي عبارة عن ظواهر وأحداث كونية أو حضارية أو عسكرية ، وقد وضحت الروايات تفاصيلها مما يجعلها من هذه الناحية هامة وملفتة .. وهي مرتبطة بعصر الظهور مباشرة ، ومرتبطة بعضها ببعض كنظام الخرز ، وفي الروايات حددت الأماكن والأزمنة فيها بشكل قاطع ودقيق ، ولكن من غير تحديد للسنة أو العام التي سيظهر بها الإمام ، أي يظل العام الذي به اليوم الموعود مجهول لدينا .. وهذه العلامات الخاصة تهدف إلى تنبيه المؤمن المنتظر أن يستعد لاستحقاقات اليوم الموعود ، ومن المهم متابعتها بدقة واهتمام لاستقراء ملامح يوم الظهور.  
المحتومات الخمسة: هي علامات خاصة أُطلق عليها في الروايات المأثورة بالعلامات الحتمية والتي لابد من وقوعها ، عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (للقائم خمس علامات: السفياني ، واليماني ، والصيحة من السماء ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء)  .

الأولى - السفياني: خروج رجل يقال له السفياني: (عثمان بن عنبسة من آل أبي سفيان من نسل يزيد بن معاوية) من ناحية الشام من الوادي اليابس ، ويمثل رمزاً للحكام المسلمين الظالمين ومناهض للمهدي ، وهو مدعوم من قبل الروم ، يستولي على محافظات الشام الخمس ، يشارك في معركة قرقيسيا ، ثم يغزو العراق ويرتكب مجازر بشعة ضد الشعب العراقي ، ويغزو الحجاز ويكون خسف البيداء بجيشه ، يخرج في شهر رجب في سنة زوجية قبل عام الظهور ، ويفصل بينه وبين ظهور المهدي (ع) في مكة ستة أشهر فقط .. وهذا الحدث أو العلامة متفق عليه بين الشيعة والسنة.

الثانية - اليماني: خروج سيد حسيني من نسل زيد بن علي بن الحسين (ع) من ناحية اليمن ، ولذا أطلق عليه اليماني ، وتصف الأحاديث حركته بأنها راية هدى وهو يدعو للإمام ، يخرج في شهر رجب في نفس يوم خروج السفياني والخراساني وسوف يتوجه إلى العراق والشام ويشارك مع الخراساني في قتال السفياني ، وهو أحد أفراس الرهان في المنطقة. 

الثالثة - الصيحة من السماء: حدث كوني غريب ، وهو حدث من عالم الملكوت ، وهو صوت ونداء من السماء (صوت جبرائيل) يسمعه أهل الأرض جميعاً ، كل قوم بلغتهم ، يحدث هذا الصوت في شهر رمضان ، ويخبر: ألا إن الحق مع المهدي وشيعته .. وهو دليل واضح من الله سبحانه وتعالى إلى كل الناس على قرب ظهور المهدي ، وهذه العلامة إعجاز إلهي وهامة جداً حيث لا يمكن التلاعب بها ، وهي أوضح وأصدق علامة لقرب ظهور الإمام ، وقد اشار لها القرآن الكريم في قوله تعالى:
{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ    يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} .. ثم تعقبها عملية تكذيب عالمية واسعة (بقيادة ابليس اللعين) للتعمية على هذا الإعلان وتشويهه ، فيقال إن هذا الصوت من سحر الشيعة .. وبين الصيحة وبين اليوم الموعود ثلاثة أشهر ونصف الشهر. 

الرابعة - قتل النفس الزكية: وهو الشاب الحسيني الذي يبعثه الإمام المهدي (ع) لأهل مكة لتهيئة الأجواء للحركة المباركة ، فينقل في يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة ، أي قبل ظهور الإمام المهدي (ع) بخمس عشرة ليلة ، خطاب شفهي من الإمام إلى الحجاج في بيت الله الحرام ، وقبل أن يكمل كلامه ترتكب جريمة قتله في الحرم المكي بين الركن والمقام .. وهذا الحدث آخر العلامات ، ومتفق عليه بين الشيعة والسنة.

الخامسة – خسف البيداء: الخسف الذي يقع بجيش السفياني القادم من الشام إلى الحجاز ، والمتجه إلى مكة المكرمة للقضاء على حركة الإمام المهدي (ع) في بدايات ظهورها .. ومكان الخسف أرض البيداء الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة .. وهذا الخسف كمعجزة إلهية من الدلالات القوية على صدق وحقيقة ارتباط المهدوية الصادقة بالغيب.

إن هذه العلامات الخمس الخاصة والحتمية ،  أخبر بها الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قبل أن يولد الإمام المهدي (ع) بأكثر من قرنين .. وبدراسة هذه العلامات نستنتج عدة أمور:
أولاً - معالم الطريق: رسم منهج به تحذيرات وإنذارات مسبقة ، ومنارات هدى على الطريق ، بإيضاح صورة ومعالم رآيات الهدى ، وصورة ومعالم رآيات الضلال.
ثانياً – مناهج عمل: رؤى عملية ومناهج حركية نستهدي من خلالها للتمهيد لحركة الظهور ، وأن تأخذ هذه العلامات دورها الموجّه والراسم لمسار الحركة الرسالية في زمن الغيبة الكبرى.
إن علامات الظهور عبارة عن خارطة زمانية ومكانية للمنتظرين ، دالة للمؤمنين على إمام زمانهم كي لا يخدعوا بالمدعين للمهدوية ، وخير مثال على ذلك (الصيحة وخسف البيداء) ، وأن هذا البلاء والظلم قد أزف زواله لقرب ظهور الإمام المنتظر ، وخير مثال على ذلك (السفياني) .. فواحدة من مهمات علامات الظهور أنها تشخص ذلك الوقت الموعود (يوم الظهور) وتدلنا عليه ، وفي نفس الوقت تزرع الامل والتفاؤل في نفوس المؤمنين في مواجهة المصاعب والمحن ، وما علينا إلا أن نراقب هذه الخريطة.
   
      شروط الظهور:


ترتكز العقيدة الشيعية بالإمام المهدي (عج) على أنه القائد المنقذ والمخلص للعالم من الظلم والجور ، ومطبق للقسط والعدل ، وناشر للتوحيد على الأرض المعمورة .. يتحتم توفر بعض الأبعاد الاستراتيجية الضرورية يكون وجودها أساسي ورئيسي في بداية نشوء حركة (الفتح المهدوي العالمي) لتحظى هذه الثورة العالمية والتغيير الشامل بالنجاح ، وتستطيع أن تحقق أهدافها المنشوده على المدى القريب والبعيد ، وتتوفق لإحداث تغييراً جذرياً شاملاً في حركة ومسيرة البشرية ، وأهم هذه الأبعاد أو الشروط  هي:

أولاً: البعد القيادي: القائد الحكيم ، ذو الخبرة والكفاءة لإدارة هذا التغيير الشامل وتأسيس الدولة الفاضلة ، وهذه القيادة متمثلة في المهدي المنتظر (الإمام المعصوم).
ثانياً: البعد الأيديولوجي: العقيدة أو الشريعة أو القوانين التي تنظم أمور هذه الدولة ، والتي تصلح لكل زمان ومكان ، وهذه العقيدة متمثلة في آخر الأديان السماوية (الإسلام).
ثالثاً: البعد الاستراتيجي المستقبلي: رؤية واضحة وبصيرة ثاقبة للتغيير الشامل ، ونظرة مستقبلية لتطور المجتمع البشري ، وهذه الرؤية متمثلة في نشر التوحيد والعدل (دولة آل محمد).
رابعاً: البعد البيئي: والمتمثل في أبعاد متعددة لها علاقة بتهيئة الظروف البيئية العامة التي تساعد على النجاح:
•    وجود العدد الكافي من الأفراد والكوادر المنفذين والمضحين بين يدي القائد العظيم في بداية الحركة (الأنصار 313).
•    يأس شعوب العالم من القوانين والأنظمة الوضعية وتجارب الثورات السابقة ، وعدم تحقيق طموح هذه الشعوب بفشل الحلول التي طرحتها النظريات والسياسات المختلفة (تهيئة القاعدة الشعبية).
•    التقدم العلمي والتكنلوجي لتوفير الوسائل التي تساعد القائد على إدارة العالم - ومع اتساع نطاقه وحجمه - بيسر وسهولة ، وضمان توفير الرفاهية والرخاء الأمثل للبشرية لاحقاً.
وبعبارة أخرى ، هذه الأبعاد الاستراتيجية ضرورية لبناء الدولة الفاضلة ، القائمة على وجود قيادة حكيمة ، وأيديولوجية متكاملة ، ورؤية استراتيجية مستقبلية ثاقبة ، وقبول شعبي عالمي وتوفر الوسائل لهذا التغيير ، ليتسنى للدولة النجاح وتحقيق طموح كل الأنبياء.

معالم الدولة المهدوية الفاضلة:
تمتاز الأطروحة المهدوية الإمامية بأنها ترسم نهاية سعيدة ومشرقة لتاريخ البشرية ، وأن المحطة الأخيرة التي سيصل لها الإنسان في مسيرته المستقبلية أفضل المراحل وأجمل المحطات ، عصر متألق بالسعادة والرفاهية والخير والعدل والقسط ، وانعدام الظلم والجور والحروب والقتل والفساد ، عصر تشرق به الأرض بنور ربها ، نظرة متفائلة إيجابية تحمل روح الأمل الكبير الذي لا يتوقف ولا ينطفئ ، نظرة تحث على الحيوية والنشاط وتدفع للتقدم والعمل ، نظرة متطابقة مع القرآن الكريم في وراثة الأرض .. بعكس النظريات والأطروحات الفلسفية الغربية التي تؤكد وتقول: (بأن الإنسان في تدهور ، وأن العالم في تأخر ، ويسير نحو الأسوأ ، وأن البشرية تحفر قبرها بنفسها)   ، نظرة كلها تشاؤم وإحباط ، نظرة سوداوية قاتمة لمستقبل البشرية. 
للتعرف على معالم وسمات الدولة المهدوية وما تمتاز به من خصائص ، لابد أن نرسم بعض التصورات والآمال المستقبلية عند الشيعة بناءً على الروايات الشريفة عن دولة السماء في الأرض دولة آل محمد (ص):
1 - إسلامية: الهدف والغاية من بعثة الأنبياء والرسل هو نشر التوحيد والتعاليم الإلهية بين الأمم والشعوب ، والدين الإسلامي هو خلاصة كل الأديان السماوية وخاتمها ، فدستور الدولة المهدوية الأساس هو القرآن الكريم والسنة الشريفة والعمل على تطبيقهما وتنفيذ أحكامهما ، فالإسلام الصحيح كما جاء به الرسول (ص) في الدولة الفاضلة هو الدين والمعتقد والنظام والدستور ، نظرياً وعملياً وقولاً وفعلاً.
2 - العالمية: حكومة الإمام (ع) تبسط هيمنتها وسيطرتها على جميع أنحاء العالم ، من خلال فتوحاته لكافة أركان الكرة الأرضية ، وأن تكون مقاليد المجتمع البشري بيد الصالحين ، ويشكل حكومة عالمية واحدة تسقط فيها الحواجز القومية ، وتتوحد فيها كل البشرية تحت ظل سيادة واحدة .. فهو (ع) الوارث الحقيقي للأرض وله الحاكمية المطلقة كما وعد الله سبحانه وتعالى الاستخلاف في الأرض.
3 - العدالة: هو المعلم البارز في الدولة المهدوية ، وهو مدلول أيديولوجي وسياسي يرتبط بأهداف ومناهج وأولويات الدولة ، يطبق العدل والقسط في أنظمة الدولة وتترجم إلى أفعال وأعمال حقيقية ، ويزيل آثار الظلم والجور ، فتتحقق أحلام الإنسانية في حياة قائمة على العدل والمساواة ، ويتشكل المجتمع العادل كما دعت وطمحت له الشرائع السماوية.
4 - الأمن والقضاء: في بداية تأسيس الدولة المهدوية ستشن عملية تطهير واسعة ، وإعلان حرب صريحة ضد الظلم والجور ، ويتم قلع جذور الفتن والحروب والجريمة من الأساس ، فيزول الخوف ويستتب الأمن ويستقر الاطمئنان في المجتمع البشري في ظل دولتة (ع) .. ويرجع الفضل في ذلك لإعطاء الأهمية والموقع الكبير للقضاء والمحاكم ، والذي سيكون الفصل فيها على أساس الحقائق والواقع وليس على أساس الأدلة التي تثبت الإدعاء القائم على الظن والظاهر ، فينتشر العدل ويستتب الأمن.
5 - الازدهار الاقتصادي: يتنامى التقدم الاقتصادي وتطبق سياسة اقتصادية فاعلة ، وتدار الأسواق العالمية بكفاءة وفاعلية ، وتوزع الثروة المالية بشكل عادل ، وتستخرج الموارد الطبيعة بشكل تكفي الحاجة ، إضافة إلى ذلك فإن الدولة الفاضلة توفر الغذاء والسكن والتعليم والعلاج وتضمن للفرد مستقبل مريح في آخر العمر ، فتنعدم الحاجة لجمع المال والاستكثار منه .. فتنقلب القيم حينها ، فلا يعد للمال قيمة تذكر ، بل للتقوى والأخلاق (القلب السليم) ، فيعم الرخاء والرفاه الاقتصادي والمعيشي على كل البشرية ، إلى درجة أنه لا يجد الرجل موضعاً لصدقته.
6 - التقدم العلمي والثقافي: ستكون هناك قفزة في تقدم الحياة الإنسانية على الأرض في جميع مرافقها ، فيتنامى البُعد المعنوي لدى المجتمع إلى جانب التقدم العلمي ، فيبرز التقدم الصناعي والتقني على أثر تكامل العقول في عصر الإمام (ع) ، فتتطور وسائل المعرفة والتعليم وتكتشف علوم جديدة (25 حرف كما عبرت عنه الروايات) ، فتحدث نهضة علمية وقفزة ثقافية هائلة ، ونقلة نوعية حضارية في مسيرة البشرية من ناحية العلم والمعرفة ، بحيث يصنع من العالم جنة حقيقية.
7 - تكامل الصحة: في عهده الميمون ومع تقدم العلم وتكامل العقول ، يتم في البدء اكتشاف وتوفير العلاج الناجع لكل الأمراض (الجسدية والنفسية والروحية) ، وبعد أن تشع أنوار الولاية المهدوية في كل مكان وعلى جميع الأشخاص ، ستصل أبحاث الإنسانية في مجال الطب والعلاج إلى أعلى مراتبها ، فتكتشف طرق وأساليب جديدة ومبتكرة للشفاء ، فتزول الأمراض تدريجيا عن المجتمع ، وتمحى من قاموس اللغة في ذلك العصر كلمات مثل المرض والألم ، وينال الجميع السلامة والصحة الكاملة ، فيمتاز أبناء ذلك الزمان بطول العمر ، حتى يعمر للرجل ألف ولد.
8 - الانفتاح على العوالم الأخرى: الرحلات الفضائية في عصرنا الحالي بداية الخطوات للانفتاح على عالم الفضاء والوجود ، وفي ذلك العصر المشرق سيضحكون على وسائلنا ومناهجنا الحالية (فاقصى ما وصلنا إليه سرعة الضوء) ، فعندها تصل الإنسانية إلى الكمال والحضارة الواقعية المطلقة ، عصر التكنولوجيا وتسخير السحاب في الفضاء ، والتعرف على أسباب السماوات ، والاستفادة من القدرات الكامنة وراء المادة ، عصر التطور المادي والمعنوي في أعلى مراتبه .. وتسنح الفرصة للبشرية الاتصال بسكان الكواكب البعيدة ، والانفتاح على عالم الموت وحياة البرزخ ، وتدخل البشرية في عصر ومرحلة جديدة لم تعرفها من قبل.

إن هذه السمات والمعالم هو الوجه المشرق في ظهوره (ع) ، وهذا ما ينتظر الإنسانية على يده المقدسة ، وهذه هي الرؤية الشيعية وأسس نظرتها المستقبلية المشرقة والواضحة للأجيال المسلمة وغيرها .. فالحديث عن الخطوط العريضة لدولة المهدي (عج) وعصره الميمون ، ومايكتنفه من تطور وأحداث ، سيجذب القلوب الطاهرة ويجعلها تنبض بشوق وحماس للوصول ولتحقق ذلك العصر المتألق.    

إيضاح لشبهات وإشكالات حول الأطروحة الإمامية:
صعب على البعض أن يستوعب العقيدة المهدوية حسب الأطروحة الإمامية ، فلا زالوا ينظرون إليها من خلال الذيول التاريخية وما يرتبط بها ، دون إعمال فكرهم وعقولوهم لدراسة جوهر منهجها ومبانيها العقائدية ، مما أدى الى أن تكون نظرتهم سطحية وهامشية وبعيدة كل البعد عن الحقيقة .. لذا نجد أن القوم يجهلون الكثير من المعطيات بخصوص الفكر والثقافة المهدوية ، والتي بقيت ملتبسةً ومشوشةً في تراثهم ، ولهذا نجد كثرة ظاهرة إدعاء المهدوية والانتساب الى عنوانها في أوساطهم ، بالأضافة للأهداف المشبوهة للبعض والذي يسعى من خلال بث وإشاعة الشبهات لتشويه صورتها وتزييف حقيقتها بعد استثقالها.
إن العقيدة المهدوية مع ثبوت يقينيتها وصدقها عقلاً ونقلاً وبالأدلة الصحيحة والمتواترة ، إلا أنها لم تسلم من توجيه سهام الشبهات وترادف الإشكالات عليها ، فضلاً عن التشكيك بأصل القضية ، بل تطاولت بعض الأقلام المغرضة لتصف القضية المهدوية بأنّها من القصص والخرافات التي ابتدعتها الشيعة .. ولكن الحقيقة التي يجب إدراكها قبل الإيمان بالأطروحة المهدوية الإمامية وتصديق كل مايتعلق بها من قبيل الغيبة وطول العمر و.. و.. الخ ، وجوب إدراك ومعرفة حقيقة ومنصب ومقام وعقيدة (الإمامة) ، حيث هناك تلازم وارتباط وثيق بين مهدوية الشيعة ، وبين فهم حقيقة الإمامة الربانية لمذهب الإثني عشرية في ضوء القرآن الكريم وحديث الثقلين ورواية الخلفاء الإثني عشر وحديث الكساء .. فعند التأمل بعمق في الآيات القرآنية والنصوص النبوية حول هذه الحقيقة ، حينها ستكون هذه الشبهات لا مكان لها من الإعراب ، ومن السهل تقبلها وتصديقها وإدراك حقيقتها وبمنطق العقل والعلم.
مازال البعض يحاول إثارة الإشكالات والتساؤلات حول الإمام (م ح م د) بن الحسن العسكري (ع) ، وعادة تتردد هذه الشبهات بكثرة على لسان بعض المتطفلين على تراث الثقافة الإسلامية ، ولهذا تجدهم يتذرعوا بحجج واهية ، كما سيتضح ذلك من دراستها ومناقشتها ، ومن الذرائع الهزيلة التي تمسكوا بها في هذا المقام مايلي:
1)     إنكار ولادته.
2)     استهجان إمامته المبكرة.
3)     التشكيك في طول عمره.
4)     ما فائدته في غيبته.
5)     فرية السرداب.
هذه هي أهم الإشكالات التي يوجهونها للأطروحة الإمامية ويسوقونها في هذا المقام  ، وسوف نقف عندها بالمقدار الذي يسمح به البحث ، لكي يتضح بجلاء أن تلك الشبهات الباطلة ، مخالفة لمنطق العقل ومنهج العلم ، وغريبة عن العقيدة الإسلامية وثقافتها ، فمنهج الإسلام يقوم على العقل والمنطق ، ويعتمد على الفطرة ويستند إلى الغيب ، والمهدوية الإمامية تنبثق من كل ذلك ، وحقيقتها تتوافق مع المنهج القرآني والمنهج النبوي.

الأول: إنكار ولادته:
من الشبهات التي تثار هنا : هل المهدي ولد ، وهل هو موجود حالياً ؟ .. أم أنه سيولد في المستقبل ؟ .. لماذا نعتقد بأن المهدي قد ولد فعلاً ، وما المانع من أن يولد قبل ظهوره بقليل ؟ .. هذا الإشكال هو أهم اختلاف بين الشيعة وأهل العامة في موضوع المهدي.
يعتقد الإمامية بأن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر ، والذي ولد بسامراء (العراق) في 15 شعبان من عام 255 هـ ، وغيّبه الله (لحكمة لم ينكشف لنا أبعادها ، وتعتبر سر من أسرار الله) ، أما مدرسة أهل العامة فذهب فريق كبير منها إلى أنه لم يولد بعد وسيولد في آخر الزمان.

الإمامة المهدوية أمر عقائدي ، وللاستدلال على أمر عقائدي نحتاج إلى دليل من ثلاثة:
1 - دليل عقلي: مبني على برهان ، بمعنى أنه مبني على بديهية عقلية وليس مغالطة أو جدل.
2 - دليل نقلي (القرآن الكريم): آية محكمة ، وليست متشابهة. 
3 - دليل نقلي (السنة الشريفة): حديث أو رواية قطعية الصدور ، قطعية الدلالة.
o    قطعية الصدور: أي رواية متواترة بحيث تفيد اليقين.
o    قطعية الدلالة: أي ظاهرة المعنى ، ولا تقبل التأويل.

أن مسألة ولادة الإمام المهدي (ع) ووجوده وحياته وغيبته (أمر عقائدي - غيبي -كوني) ، لا يمكن الاكتفاء فيه بالبحث التاريخي فقط ، بل هو إثبات عقائدي وتاريخي في آن واحد ، تقوم فيه العقيدة بلعب دور أساسي ، فيما يلعب البحث التاريخي فيه دوراً تكميلياً .. فنحن لا نتحدث عن قضية مادية محسوسة بكل أبعادها ، حتى نعتمد في إثباتها وإنكارها على المؤرخين فقط ، وإنما نتحدث من حيث الأساس عن قضية غيبية (كونية) مرتبطة بسنن الله في الكون ، أي أن الدليل عليها عقائدي قبل أن يكون تاريخي.
الشيعة الإمامية يستطيعون أن يستدلوا بأدلة وبراهين عقلية ونقلية ، عقائدية وتاريخية وافرة للتأكيد على ولادة المهدي (م ح م د) بن الحسن العسكري (ع) ، ووجوده وغيبته ، وبقائه إلى أن يأذن الله له بالظهور في اليوم الموعود:

أولاً: الدليل العقلي والناحية العقائدية:
الشيعة تقول إن ولادة المهدي ووجوده ثابت على نحو اليقين بالعقل ، فضلاً عن النقل .. "وهذا الأصل الاعتقادي عند الإمامية ، ليس مستنده الأدلة النقلية فقط ، بل الأساس فيه هو العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام الهادي في كل عصر ، المنصوص عليه من قبل الله تعالى على لسان النبي (ص) .. فالمنهج والاستدلال العقلي على ولادة ووجود الإمام المهدي ، تقسمه الإمامية إلى قسمين :
1 - الدليل العقلي على ضرورة وجود الإمام وتعيينه أو نصبه من قبل الله عز وجل.
2 - الدليل العقلي على استمرارية هذه الإمامة للوصول إلى إمامة المهدي المنتظر (عج).
ومن هنا يتبيّن لماذا طُرحت الإمامة في الفكر الشيعي كأصل عقائدي ، لا كحكم فقهي فرعي ، وهذا هو مبنى الشيعة في اعتقادهم بضرورة الإمامة بعد النبوة الخاتمة .. فالله تعالى لم يترك الأرض ولن يتركها على الإطلاق من دون إمام معصوم يحمل مواصفات الرسول (ص) ويستمر في أداء الوظيفة الإلهية التي من أجلها بُعث إلى البشرية هادياً ونذيراً ، وأما إثبات خصوص إمامة (م ح م د) بن الحسن العسكري ، فإنما يستند فيه العقل إلى النقل بعد ثبوت أصل الدليل العقلي على ضرورة الإمامة"  .
إضافة إلى تلك الأدلة والشواهد العقلية ، فإن هناك الكثير من الروايات التي أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها ، لأن الإمام المعصوم سبب لتنزل الرحمة ورفع العذاب عن أمته ، قال تعالى :{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}  ، وهناك روايات تؤكد على ضرورة وجود إمام في كل زمان ، وعدم إمكانية وجود إنسان على الأرض مع غياب الحجة ، قال الإمام الرضا (ع): "لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها"   ، وإمامة أهل البيت (ع) امتداد لخط النبوة والهداية ، واكبر مصداق لامتداد الإمامة هو وجود الإمام المهدي (ع) ، ومن هذا المنطلق كان التأكيد على ضرورة معرفة الإمام في كل زمان ، كما في الحديث النبوي: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية". 

ثانياً: الدليل النقلي والناحية التاريخية:
من الناحية التاريخية فقد وردت قصة ميلاد الإمام المهدي في عدد كبير من كتب الشيعة ، من أهمها موسوعة بحار الأنوار للمجلسي  ، وتثبت بالفعل ولادته من حيث المصداقية التاريخية ، إضافة إلى ذلك عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على تحديد نسبه وأنه من أهل البيت (ع) ، وأن ظهوره يكون في آخر الزمان.
للاطلاع والتعرف على الأدلة والبراهين النقلية والتاريخية ، فقد ذكرنا شذرة من تلك الحجج في بداية هذا البحث ، في فقرة (جذور وأسس الأطروحة عند الإمامية) - بالإضافة إلى أننا كتبنا بحث مطول   بعنوان: (اليقين بوجود المهدي) تطرقنا فيه إلى الأدلة التاريخية والنقلية بشئ من التفصيل - ونشير هنا لعناوين تلك الأدلة وبعض الشواهد بإيجاز:
1 - الآيات القرآنية (دليل نقلي): التي تؤكد على ضرورة وجود إمام لكل عصر وزمان ، بالإضافة للآيات  التي يستدل بها على موضوع الإمامة ، والآيات التي تشير إلى استمرار الإمامة بعد النبي (ص) ، والتي أحصاها العلماء بما يزيد على المائة آية  .
2 - الأحاديث النبوية الشريفة (دليل نقلي): التي تطرقت إلى الإمام المهدي بعنوانه العام (الإمامة) ، فقد تواترت في الدلالة والإشارة إلى أن ظاهرة الإمامة مستمرة غير منقطعة ، ومنها الأحاديث المتواترة : الثقلين ، الخلفاء الإثنا عشر ، إمام الزمان ، والتي تفيد بالدلالة الالتزامية بولادة الإمام ووجوده حالياً  .
3 - اخبار الرسول (ص) والأئمة (ع) (دليل نقلي): بأنه سوف يولد للإمام العسكري (ع) ولد ، ثم يغيب ويتمتع بعمراً مديداً حتى يأذن الله له بالظهور ويملأ الأرض عدلا .. مما يلزم على كل مسلم تصديق ذلك  .
4 – شهادة والده والقابلة (دليل تاريخي): شهادة واعتراف والده الإمام العسكري (ع) بولادة ابنه الإمام المهدي الموعود ، وكذلك شهادة السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (ع) ، وهي القابلة التي أشرفت على الولادة.   
5 – عشرات الشهادات برؤية الإمام (دليل تاريخي): قائمة طويلة من الأسماء ، ممن رأى الإمام واتصل به في مراحل حياته ، سواء مع أبيه أو في الغيبة الصغرى أو في الغيبة الكبرى وشهدوا بذلك ، وسجلتها المصادر التاريخية.
6 – تصرف السلطة العباسية مع الحدث (قرينة تاريخية): بعد وفاة الإمام العسكري (ع) تعاملت السلطة مع عائلة الإمام المهدي (ع) بطريقة تدل على خوفها من مولود خطير خفي عنها ، وقد سجل التاريخ ذلك ، كموقف فرعون من موسى (ع).
7 – اعترافات بعض علماء السنّة بولادة الإمام المهدي (ع) (قرينة تاريخية): الكتب والمصادر تثبت اعتراف صريح لأكثر من مائة عالم من أهل السنة ومن أجيال مختلفة بولادة المهدي ، وبعضهم قال بأن ابن الحسن العسكري هو الإمام الموعود بظهوره في آخر الزمان.
8 – قضية السفارة وتواقيع الناحية المقدسة (قرينة تاريخية): خروج التواقيع وأجوبة الإمام على المسائل بواسطة السفراء الأربعة ، وبالخط نفسه المعروف للإمام ومن دون تغيير طوال (70 سنة) وبنفس الأسلوب والمضمون ، وهذه مسألة واضحة في تاريخ الشيعة. 
9 – اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (ع) (قرينة تاريخية): الرجوع إلى أصحاب كل فن أمر ضروري ، ولاسيما فيما نحن بصدده من الحديث عن علماء الأنساب ، فذكر اسمه الشريف في مصنفات الأنساب دليل إثبات على إيمانهم وتصديقهم بولادته ، وخاصة إذا كانوا من مذاهب مختلفة ، فنجد فيهم من أهل العامة والزيدي إلى جانب الشيعي ، فأهل مكة أعرف بشعابها.
10 – قرائن تاريخية عديدة مثل: شهادة الخدم والإماء برؤية المهدي في بيت الإمام العسكري (ع) .. وضوح فكرة ولادة الإمام وغيبته بين الشيعة وعلى طول مراحل التاريخ من عام 255 هـ وحتى يومنا هذا .. آثار تدل على وجوده مثل: أقواله وكلماته وتعليماته ووصاياه وأدعيته وصلواته ورسائله وتوجيهاته .. وغير ذلك من القرائن والشواهد التاريخية ، مما لا يعطي مجالاً للشك بوجوده (ع).

أدلة وبراهين وشواهد وقرائن عديدة ، وأحاديث وروايات متواترة وصحيحة وواضحة الدلالة على ولادة الإمام المهدي (عج) .. هل بعد كل هذه الأدلة وإضافة القرائن والعوامل المساعدة معها : هل يخالجنا أدنى شك بولادته ووجوده (ع)؟!! .. لنسأل منطق العقل ومنطق العلم بعد هذه البراهين ماذا يقول؟. 

الثاني: استهجان إمامته المبكرة:
إن الإمام المهدي (ع) خلف أباه في إمامة المسلمين في وقت مبكر من حياته الشريفة ، وهو يومئذ ابن خمس سنين .. وهذا ما يستشكله المخالفين على الشيعة قبولهم وإيمانهم بإمامته وهو في هذه السن الصغيرة ، علماً بأن من شروط إمام صلاة الجماعة عند الشيعة (البلوغ) ، فكيف بإمامة جميع المسلمين في كافة شؤون الحياة ، وبتحمل مسؤولية تبليغ الشريعة والحفاظ عليها ، وهذا من الشبهات التي تثار وتطرح بخصوص الإمام المهدي (ع).
إن خصوصية الإمامة المبكرة للإمام المهدي (ع) ، لهي إمامة حقيقية واقعية تحمل المؤهلات الكافية بكل مافي الإمامة من محتوى فكري وروحي ، وهي ليست إمامة مفترضة أو مدّعاة ، ويمكن النظر إليها من ناحيتين:
1 - الناحية العقائدية:
إن الشيعة الإمامية تؤمن بأن الإمامة من اصول الدين ، والتي هي من شؤون رب العالمين ، وليست من خصائص المكلفين ، أي أنها مسألة عقائدية مثلها مثل النبوة تقوم بالدليل والبرهان ، ولا تخضع لمقاييس الناس أو المقاييس الفقهية (كالبلوغ - الحجر على الصغير) ، فإذا قام الدليل على إمامة الصغير فلابد من الإذعان لها كما أذعنا لنبوة الصغير ، وهكذا نجد القرآن الكريم يصرح بثبوت النبوة للصبي ، وعندنا مثالان على ذلك:
•    النبي عيسى بن مريم (ع) وهو من أولي العزم ، جُعل نبياً وهو رضيع ، قال تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا    قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} .
•    النبي يحيى بن زكريا (ع) جُعل نبياً وهو صبي أبن تسع سنوات ، قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} .
فالنبوة مقام رفيع ووسام عظيم لا يتقلده إلا المؤهل لهذه المنزلة ويختاره الله لذلك ، وهكذا بالنسبة للإمامة ، فهي مقام شامخ ومنزلة رفيعة يتم أختيارها من قبل الله سبحانه وتعالى .. فالإمامة امتداد للنبوة ، فالإمام المهدي (ع) ليس نبياً ، لكن فيه شبه من سنن الأنبياء ، وهؤلاء المجتبون مرتبطون بمهمة ربانية ، وسبحانه وتعالى هو الذي يزودهم بالعلم والحكمة ، ولهذا فان كانت الشبهة والإشكال تطرح على الإمام المهدي (ع) في إمامته المبكرة ، فإنها أيضا تطرح على الأنبياء قبله ، والجواب هنا هو الجواب هناك.

2 - الناحية التاريخية:
 إن الإمامة المبكرة قضية ثابتة في التاريخ الإسلامي ولم تكن وهماً من الأوهام ، لأن الفرد الذي يبرز على المسرح الاجتماعي والديني وهو صغير ، ويعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين ، ويدين له بالولاء والإمامة تيار واسع من المجتمع وقاعدة شعبية عريضة من الشيعة ، لابد أن يكون على قدر كبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق ، والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد ، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع القواعد الشعبية بإمامته .. بالإضافة لذلك ، لماذا سكتت السلطة العباسية وهي قوة معادية ، وتعتبر الإمام مصدر خطر كبير يهدد كيانها ، ولم تعمل على كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟  وتفضح هذه الإمامة الصغيرة في السن ، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية للأمة.
إن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت (ع) ، وليست مجرد افتراض ، ويكفي مثالاً لها في التاريخ الإسلامي الإمامان:
•    الإمام محمد الجواد (ع) ، الإمام التاسع للشيعة ، تسلم الإمامة وعمره 6 سنوات.
•    الإمام علي الهادي (ع) ، الإمام العاشر للشيعة ، تسلم الإمامة وعمره 8 سنوات.
أن التفسير الوحيد لسكوت السلطات العباسية المعاصرة عن عدم استخدام هذه الورقة ، هي إدراكها أن الإمامة المبكرة حقيقية وليست مصطنعة ، فقد حاول العباسيون في زمن (المأمون) إفشال إمامة الجواد (ع) وإحراجه باعتباره صبياً ، فرتبت مناظرة   بينه وهو يومئذ ابن تسع سنوات ، وبين قاضي القضاة يحيى بن أكثم وهو أكبر قامة علمية لدى السلطة ، ولكنه غرق في شبر ماء من علم الإمام الجواد (ع) ، وبالفعل قد أثبت الأئمة (ع) جدارتهم أمام كل التحديات بعيداً عن أعمارهم ، بل تحدّوا بعلمهم وفضلهم كل الشخصيات التي كانت ذات صدى علمي في العالم الإسلامي وغيره ، ومن هنا نعرف عظمة أهل البيت (ع).
نحن ماذا نطلب وننتظر من الإمام المعصوم غير العلم الوافر والخلق العظيم وهداية البشر ، بالطبع لا ننتظر منه أن يكون رياضي مبدع أو ملاكم قوي أو مصارع ضخم حتى يكون للعمر والوزن دور ومقياس .. كذلك شاهدنا في بعض الاحيان وعلى طوال صفحات التاريخ ، بروز اطفال يمتازون بذكاء حاد يفوق الرجال ، فعشرات من العباقرة نبغوا في طفولتهم ، فعندما يحبو الله هؤلاء العباقرة الصغار بنعمة العقل والنبوغ ليصبحوا نوادر عصرهم وفرائد زمانهم ، أفتراه يعجز عن اختيار إنسان لجعله خليفته وحجّته وإماماً للزمان ، ومثالاً وقدوةً لأبناء البشر ومسؤولاً عن شريعته فيهم.
مدرسة أهل البيت (ع) ترى أن الإمامة منصب إلهي لا يتمتع به إلا من تكتمل لديه صفات أساسية تتلخص في العلم والعصمة ومجموعة من صفات الكمال ، لابد للقائد الربّاني من الاتصاف بها ، وهذه المواصفات إذا اجتمعت في إنسان جعلته جديراً بها مهما كان عمره ، فلا مانع من اجتماعها في طفل لم يبلغ الحلم .. لقد ثبت أن النبوة والإمامة المبكرة حقيقة واقعية من الجهة الإسلامية والناحية التاريخية ، فلم الاعتراض إذاً فيما يخص إمامة المهدي (عج) ، وقد نال هذا الوسام الربّاني وهو في الخامسة من عمره المبارك.    


الثالث: التشكيك في طول عمره:
من الشبهات التي تثار وتطرح حول الأطروحة الإمامية بخصوص الإمام المهدي (ع) طول عمره في فترة غيبته: كيف يكون الإمام حيّاً يُرزق حالياً ، وقد ولد في عام 255 هـ ، فهل يمكن في منطق العلم والعقل أن يعيش إنسان هذا العمر الطويل؟ .. كيف عاش الإمام هذه المدة الطويلة التي تزيد على ألف ومائة وثمانين عاماً ، ولا يخضع لأعراض الشيخوخة ، وتتعطل قوانين الطبيعة التي تقضي بهرم الإنسان وفنائه؟.
إن امتداد عمر الإنسان مئات السنين وقرون عديدة وفوق الحد الطبيعي أضعافاً مضاعفةً ، هو أمر ليس مشاهداً ومألوفاً ويبدو غريباً في حياة الناس ، ولكنه أيضاً ليس ضمن دائرة المستحيل .. لابد لنا أن نناقش الموضوع بمنطق العقل والعلم وقبل ذلك الدين ، ونرى ماهو الرأي الصائب والسديد في هذه المسألة:
أولاً: إن إطالة عمر الإنسان أمر ممكن عقلاً وليس مستحيلاً ، فبقاء الإنسان قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً (لا يتعارض مع العقل) ، وممكن علمياً (من وجهة النظر العلمية ، ومن الناحية النظرية) ، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً ، إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الامكان.
ثانياً: الأعمار من حيث الطول والقصر مسألة بيد الخالق سبحانه وتعالى ، وكذلك فإن عناية الله تعالى قد تتدخل لتجميد قوانين الطبيعة ، فقد جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم (ع) ، وفلق البحر لموسى (ع) ، وستر النبي (ص) عن عيون قريش ، وهكذا تكون قوانين الشيخوخة من هذا القبيل مع ولي الله المهدي (ع) .. فما المانع أن يمنحه الله تعالى حياة طويلة ويبقيه شاباً مصوناً عن عوارض الشيب ، خصوصاً أنه القائد المنتظر الـمُعد لليوم الموعود، والدور المطلوب منه استثنائي وفريد ، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة ربانية عطلت قانوناً طبيعياً.

طول عمر الإمام المهدي (عج) من الحقائق التي لا مجال لإنكارها أو التشكيك فيها ، فهو أمر لا يثير إشكالاً إلا حين ينظر إليه بالقياسات الطبيعية العادية لا في إطار المشيئة والقدرة الإلهية التي لا تحكمها قوانين الطبيعة ، ولاثبات هذه الحقيقة لنستقرئ بعض الادلة والشواهد والبراهين ، ونقتطف شذرات من هنا وهناك ، ونستضي بهدي الإسلام ومصادره الرئيسية:
1 - القرآن الكريم: قد ثبت في كتاب الله أن تمتع بعض الأفراد بأعمار طويلة مثل:
o    شيخ الأنبياء نوح (ع): {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} .
o    نبي الله يونس (ع): {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .
o    نبي الله عيسى (ع): {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} .
o    أهل الكهف: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} .
o    ابليس اللعين: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ    قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ    إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} .
أليس الله بقادر على حفظ وابقاء وليّه المهدي (ع) ، الذي وعد أن يحقق على يديه: ظهور الإسلام على الدين كله ، ويمكّن له في الأرض ، ويجعله من الوارثين.
2 - السنة الشريفة: مضافاً للأحاديث الخاصة بطول عمره المبارك ، والمروية عن رسول الله (ص) فإنه:
o    لا شك في أبدية الدين الإسلامي إلى يوم القيامة ، وباعتبار أن الأئمة الأحد عشر آباء الإمام المهدي قد مضوا واستشهدوا ، فلابد من بقاء وإطالة عمره المبارك ، مصداقاً لحديث الخلفاء الإثني عشر.
o    إن الإمام حياً يُرزق ولابد من بقائه لأن هذا الدين باق ، ولأن هذا القرآن باق ، وقد قال الرسول (ص) إنهما يردان عليّ الحوض يوم القيامة (القرآن والعترة) ، فما دام هذا في الوجود فذاك معه لايفارقه ، مصداقاً لحديث الثقلين.
o    إن عدم وجوده وعدم إطالة عمره الشريف ، يلزم عدم وجود إمام رباني بين المسلمين ، فتكون ميتتهم جاهلية ، ولزم عدم الحجة من الله على الخلق ، ولاشك في بطلان هذه الافتراضات ، مصداقاً لحديث إمام الزمان.
فيثبت شرعاً كون الإمام المهدي (ع) باقياً وعمره طويلاً ، حفظه الله ورعاه.

3 - برهان من التاريخ: إن التاريخ البشري يزخر بنماذج من المعمرين   مثل:
o    النبي آدم عاش 930 سنة.
o    النبي شيث بن آدم عاش 912 سنة.
o    النبي نوح عاش 2500 سنة.
o    ذو القرنين عاش 3000 سنة.
o    لقمان بن عاد ذو النسور عاش 3500 سنة.
o    الخضر اطول بني آدم عمراً.
مما يثبت كون طول عمر الإمام المهدي ليس ممكناً فقط بل طبيعياً أيضاً ، قياساً مع مسيرة المعمرين في تاريخ البشرية ، مما يسقط دعوى المنكرين كون عمر القائد المنتظر شيء غير مألوف أو لا مثيل له. 
4 - شواهد من الوجدان: لقد التقى ورأى وشاهد كثير من المؤمنين الإمام المهدي (ع) مراراً وتكراراً سواءً في حياة أبيه (ع) أو في زمن الغيبة الصغرى أو في زمن الغيبة الكبرى ، فالذين تشرفوا وفازوا بلقائه (ع) كثيرون جداً   ولايمكن إحصاؤهم ، وقد كتب علماؤنا مصنفات عديدة في هذا الموضوع ، فرؤيته (ع) حقيقة ثابتة على طول صفحات التاريخ وتشكل مقداراً من التواتر .. فيتحصل أن طول عمر الإمام المنتظر حقيقة لا جدال فيها ، فالعيان يغني عن البرهان ، ووجوده يُحس بالوجدان.

وبناءً على هذا تندفع شبهة استحالة أو استبعاد طول عمره (ع) على ضوء القرآن الكريم والأحاديث النبوية ثم تواتر الرؤية وشواهد التاريخ ، وقبل ذلك لا ننسى أنها قدرة الخالق عز وجل كمعجزة وكرامة للإمام المهدي (ع) .. وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بإعادة برمجة الحياة البشرية وتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد ، أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح ، والآخر يمارس دوراً في مستقبل البشرية وهو المهدي .. فلماذا نقبل نوحاً الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي ؟!!.


الرابع: ما فائدته في غيبته :
يتفق علماء الإمامية على غيبة الإمام المهدي (غيبة عنوان) ويعتقدون بأنه لا زال حياً حتى يأذن الله له بالظهور .. وهنا تثار كثير من الأسئلة والإشكالات حول هذا الموضوع مثل : اليوم وهو غائب ماذا ينفعكم؟  إذا كان وجود الإمام ضرورة عقلية دينية ، فكيف تفسرون غيبته عن الناس؟ وهل ينتفع منه في غيبته؟  .. وغيرها من الأسئلة؟!!.
في البدء لابد أن نوضح بأن الغيبة ظاهرة عامة وليست خاصة بالمهدي ، فالقرآن الكريم يثبت أن الغيبة متكررة في التاريخ ، فحدث أن غاب بعض الأنبياء عن قومهم فترات من الزمن وإن اختلفت مدتها ، فمثلا : غيبة نبي الله موسى (ع) كانت قصيرة ، ولكن غيبة نبي الله عيسى (ع) عن قومه طويلة جداً ، بل غاب عن البشرية كلها ، وقد مّر على غيبته حتى الآن الفي عام ، وهناك غيبتان لنبي الله ابراهيم (ع) وهي شبيهه بغيبة المهدي ، ويخبر القرآن كذلك عن غيبة أهل الكهف (309 سنة) ، وغير ذلك من الأنبياء كيونس (ع) ويوسف (ع) و و و و ... فغيبة المهدي لها نظائر في الأمم السابقة ، فالغيبة إذن ظاهرة عامة ، والسؤال عن علة الغيبة وسببها وفائدتها ، يكون سؤالاً عاماً أيضاً ، لماذا غاب عيسى؟ مافائدة نبي يعيش بعيداً عن قومه؟ ولماذا غاب أهل الكهف؟ ولماذا غاب الإمام المهدي أيضاً؟.
 كما وضحنا سابقاً ، أن غيبة المهدي (ع) هي غيبة عنوان ، فإن الإمام حاضرٌ معنا ، غاية الأمر أننا لا نعرفه فقط ، فهو ليس بعيد عن الأمة وشؤونها ، بل هو يعيش مع الناس ، يشاركهم في حياتهم ويسمعهم ويراهم ويرونه ، ويتحسس مشاكلهم والآمهم ، إلا ان الناس لا تعرفه بعنوانه الحقيقي (المهدي) ، وخير مثال على ذلك نبي الله يوسف (ع) فقد تعامل مع أخوته في مصر ومع ذلك لم يعرفونه ، فانقطاع صلتنا بالإمام بحكم الغيبة لا يعني انقطاع صلته بنا .. فالقرآن يعرّفنا أن الولي ربما يكون غائباً ، ولكنه مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته ، بل يتصرف في مصالحها ويرعى شؤونها ، من دون أن يعرفه الناس ، كما هو ثابت عن الخضر {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} .
إن الإمامية تؤمن وتعتقد بأن الإمام المهدي (ع) موجود وغائب بناء على الأدلة العقلية ، مثل أي أصل اعتقادي عند الشيعة ، فالأساس فيه هو العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام المعصوم في كل عصر من قبل الله تعالى على لسان النبي (ص) ، بالإضافة للأدلة النقلية من القرآن الكريم والسنة الشريفة التي تؤكد على استمرار الإمامة والخلافة وعدم انقطاعها ، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}  ، وتمسكاً بأحاديث الرسول (ص) وأهل بيته (ع) التي صدرت منهم قبل وقوع الغيبة ، بل قبل ولادة المهدي (ع) بأكثر من مائتين سنة.
من الحقائق التي يجب أن لا نغفل عنها ، أن إيماننا بالمهدي لا يرتبط بأنفسنا وبمزاجنا ، بحيث لو أحببنا: نؤمن به ونصدق القضية ، أو عندما لا نحب: نرفض القضية ، ليس هكذا القضية المهدوية ، بل الثابت أن إيماننا بالمهدي بناءً على الأدلة والبراهين الحقة ، وحسب العقل والعلم ، وهذا خضوع وتسليم لإرادة الله سبحانه وتعالى ، فالأمر كما شاء الله لا كما يشاء خلقه.
إن الله قدّر للمهدي أن يكون أحد الأئمة الإثني عشر ، وقدّر بحكمته أن يكون آخرهم ، وأن يكون منقذ البشرية ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وهو الذي يظهر الإسلام على الدين كله - وكوعد قاطع  - ونحن كمسّلِمُون لإرادة الله لا يسعنا إلا أن نؤمن بأن عدد الأئمة قد اكتمل ، وأنهم لا يفترقون عن القرآن ، وهكذا لا يمكننا إلاّ أن نقر بوجود الثاني عشر وغيبته وظهوره بعد غيبته ، وأن هذا الظهور قطعاً يكون بعد الغيبة لأنه لم يكن له ظهور قبل ذلك ، وذلك استمراراً للإمامة الإلهية ، ومنجزاً ما وعد الله به خلقه ونبيه .. إن غيبة المهدي وظهوره قدّره الله سبحانه وتعالى ، وأنه اللطيف الخبير يفعل ما يشاء ولكنه لا يفعل إلاّ لحكمة ، ونحن لا نتدخل في حكمة الله ، فمن المؤكد أن الإنسان أقصر ذهنياً من أن يحيط بحكم الخالق العظيم في تصرفاته وشؤونه .. إذاً لابدّ لنا أن نلتزم بفائدة غيبته ، وإن كنا لا نعرف وجه الحكمة منها ، وكما قال الإمام الصادق (ع):" إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره ، ثم قال: إن هذا الأمر أمر من أمر الله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا إنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف" .

الفائدة من الإمام في زمن الغيبة الكبرى: 
من الضروري أن نشير ، أن الفائدة من الإمام لا تتوقف أو تنحصر في حال ظهوره فقط ، بل هناك فوائد جمة حتى في حال غيابه واحتجابه عن الناس ، فالروايات الشريفة تشبه الفائدة من الإمام في غيبته بالشمس إذا سترها السحاب ، فالشمس تصل فوائدها من دفئ ونور وغير ذلك وإن جللها السحاب ، كذلك الإمام وإن كان غائباً فإن له فوائد ، فعدم علمنا بوجود الفوائد لا يدل على عدمها .. لنستقرئ الأدلة النقلية والعقلية ونستشف بعض من فوائد غيبته:
1- وجوده أمان لأهل الأرض: لولا وجوده (ع) لساخت الأرض بأهلها ، وبسببه يدفع البلاء عن المسلمين ، قال رسول الله (ص): " أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض"  ، قال تعالى :{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}  .. إن مجرد وجوده (عج) هو سبب لبقاء البشر على الأرض ، فهو قلب العالم الإنساني ، ومن هذه الأدلة نلمس لوجود الإمام أثراً تكوينياً ، ولولاه (ع) لانعدمت الحياة ، ولا فرق هنا بين ظهوره وغيابه ، فهو كالشمس ودورها في استمرار الحياة على الأرض.    
2- واسطة الفيض الإلهي: إن فيوضات الله تعالى لا تنزل على الأرض وأهلها إلاّ بواسطة ، وليس هناك شخص في هذا الزمان أهلٌ لها غيره (ع) ، فإن الإمام مركز للأمور الكونية وتنجيز المقدّرات التكوينية التي تقدّر للخلق في ليلة القدر ، ففيها تتنزل الملائكة والروح على الإمام ، ولولاه لما تم هذا التنزيل ، قال تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}  ، فالإمام (ع) مهبط الملائكة ، وواسطة وصول النعم الإلهية إلى عباد الله ، هذا شأن من شؤون الإمام - حتى مع غيبته واحتجابه عن الناس - لابد من وجوده لتنجيز المقدرات الإلهية بواسطته ، ووصول الفيض إلى خلقه. 
3- له مقام الشاهدية على الخلق: الإمام (ع) يُعدُ شاهداً على أعمال العباد كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ، فالجزاء والحساب يوم القيامة يكون على الأعمال المشهودة ، وهذا الشاهد في زماننا الحالي هو إمام الزمان وهو الحجة على الخلق ، فالإمامة استمرار للنبوة ، ووجوده (ع) في عصرنا الحاضر كوجود رسول الله (ص) في زمانه ، فلابد من وجوده لأجل شاهديته ، غائباً كان أو حاضراً.
4- فوائد عديدة على وجوده الشريف: فالاستفادة من الإمام (ع) غير متوقفة على ظهوره ، فوجوده يبعث على طمأنة النفوس واستقرارها وتقوية عزيمة المؤمنين ، فهو أمان الله في البلاد والملجأ والمفزع للعباد يلجؤ اليه في الشدة والرخاء ، فالأمل بظهور الإمام يخلق التفاؤل والإيجابية ويبعث على العمل .. علاقة الإمام (ع) مع الأمة ومع قاعدته الشعبية كبيرة وعظيمة ، فمن مهامه (ع) أن يصون الشريعة ويحافظ على الإسلام ، ويسدد ويصوّب حركة الشيعة ويرعى أمورهم ويشفق عليهم ، والوجدان خير دليل ويغني عن البيان.
5- واجبات الإمامة لا تتعارض مع الغيبة: مجرد وجوده يدخل ضمن دائرة واجبات الإمامة ، حيث أن معرفة الإمام - بغض النظر عن حضوره أو غيبته - تنقذ المكلفين من موتة الجاهلية ، وعدم معرفته تدخل الأفراد ضمن دائرة الجاهلية ، فإذن وجوده ومعرفته يدخل ضمن تكاليف العباد ، قال رسول الله (ص): "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
وعلى أي حال ، فغيبة الإمام المهدي (ع) حكمة بالغة وحقيقة حكيمة ، حتى إذا لم نعرف حكمتها ، وقد قال (عج) عن الفائدة من غيبته : "وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء"  ، فمنكر وجوده في غيبته كمنكر وجود الشمس خلف السحاب.

اسباب غيابه: 
يطرح في هذا المقام تساؤلات : لماذا غاب الإمام؟ ماهي الاسباب التي أدت الى غيابه؟ وماهي العلة الرئيسه للغيبة؟ .. من المؤكد تاريخياً أن الأئمة (ع) اضطهدوا جميعاً وشردوا ، وكان يمارس بحقهم القسوة والظلم ، فقد سجن بعضاً منهم وحوصر الآخر ، وقد استشهدوا جميعا إما بالسيف أو بالسم .. ومع كل ذلك كان اتصالهم بشيعتهم مستمراً ، وأياديهم على الأمة ظاهرة ، وكلما رحل واحد منهم خلف مكانه آخر ، وفي مرض الإمام الحسن العسكري (ع) اهتمت السلطة العباسية بالبحث عن ولده ، الذي وعد الله في كتابه وعلى لسان رسوله بأنه سينشر العدل ويقضي على الظلم والجور ، وعلى يديه تزول دول الضلال ، وهكذا كانت القوات العباسية تفتش عن طفل للإمام العسكري (ع) لتقتله ، أو تبحث عن جنيناً له لتقضي عليه ، ففي هذه الظروف والأجواء ، كيف يتسنى للإمام المهدي الظهور ، وقد وصل الأمر إلى أشد حالاته وأصعب مراحله؟  كفرعون موسى ونمرود إبراهيم.
     انحراف الأمة عن نهج رسول الله (ص):  إن العلة الأساسية للغيبة هي عدم التزام الأمة بشرع الله  وتضييعها لحقوق أهل البيت (ع) ، فحصلت الغيبة حفظاً لآخر الخلفاء الربانيين (الإمام الثاني عشر) ، فالإمام المهدي اذا قتل فليس له من يخلفه .. علماً بأن علة الخوف من القتل ستنتفي عندما تتوفر الشروط الموضوعية التي ستوجد في عصر الظهور وهي غير متوفرة الآن ، حيث أن الأمة لا تزال مصرة على موانع الظهور.
     لا بيعة لظالم في عنقه: فالإمام المهدي بواسطة غيبته ، يكون مستغنياً عن التقية مع حكام عصره ، فلا تكون في عنقه بيعة لأحد منهم ، لأن زمان ظهوره هو زمان ظهور الحق المطلق بأجلى صوره ، فلا يحتج أحد عليه عند خروجه بأنه نقض البيعة ، وكذلك عدم وجود حقٍ لأحدٍ من الظالمين عليه أيضاً ، حتى يلزم مراعاته أخلاقياً .. فالغيبة تعني الاستقلال وعدم التقيد بالتقية أو البيعة.
     امتحان العباد واختبارهم وتمحيصهم: فمسألة غيبة الإمام والاعتقاد بها من موارد الامتحان ، حيث تحتاج إلى نفس مؤمنة مطمئنة والى عقل كامل يؤمن الدليل ، عن الإمام الكاظم (ع) قال:" لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه"  ، ومما امتحن الله تعالى به الأمم السابقة غيبة أنبيائهم وأوصياء انبيائهم لاختبار حالهم ، وجرت هذه السنّة الإلهية والحقيقة الامتحانية في الأمة المحمدية بغيبة آخر الأوصياء.

إن الغيبة في الواقع تعد حرماناً كبيراً للناس من الفوائد المترتبة لوجود الإمام ، فإذا صد الناس الإمام عن أداء واجبه واضطروه الى الغيبة ، وحالوا بينه وبين أداء رسالته ، فعليهم يقع اللوم وعلى عاتقهم تقع المسؤولية .. إن الغيبة في الحقيقة هي إبعاد أهل البيت (ع) من قبل الظالمين عن القيام بدورهم ومسؤليتهم الربانية ، لا ابتعاد أهل البيت (ع) عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها.
من هنا نؤكد إن الإشكالات أو الشبهات التي تثار حول جدوى إمام غائب ، إنما تصدر عن الذين لم يدركوا المعنى الحقيقي للإمامة ، ولا يرون فيه سوى مفتياً أو منفذاً لحدود الله .. طوبى للمؤمنين المتمسكين بحبل أهل البيت (ع) في غيبة قائمهم ، وطوبى للثابتين على ولايتهم.   


الخامس: فرية السرداب :
من الإشكالات والتهم التي وجهت للأطروحة الإمامية: هل يمكن أن يعيش شخص في سرداب مئات السنين حتى  موعد ظهوره في آخر الزمان؟ .. أليس العقل يمتنع عن تصديق بقائه في مثل هذه الظروف (السرداب) من دون أن يقوم أحد بطعامه وشرابه وقضاء حوائجه؟.
الأسطورة: إن حكاية غيبة الإمام المهدي (ع) في سرداب وأنّه حي يرزق ، ومازال إلى الآن مختفياً فيه دون طعام أو شراب ، وسوف يظهر منه يوما ما ، وأن الشيعة تزور هذا السرداب بقصد الإلحاح على المهدي للخروج .. إن هذا القول في غاية السخف والافتراء ، وهذا الاتهام التافه لا أصل له ، قد ردده المخالفون واختلقوا قصته ولا زالوا يكررون هذه الكذبة حتى اليوم .. انتقاصاً لمسألة الغيبة ، حتى يعدها الآخرون عملية مستهجنة تدل على سخف فكرة الغيبة ، وقد الصقت هذه التهمة بالشيعة ، ظناً منهم بأن الإمامية سوف تبحث عن إمامها في السرداب ، وتتوقع ظهوره فيه.

حقيقة السرداب : في العهود القديمة كانت أكثر المنازل في المناطق الحارة مزودة بسرداب لاتقاء حرارة الصيف ، وكانت دار الإمام العسكري (ع) في مدينة سامراء بالعراق بها سرداب ايضاً .. المعروف حالياً باسم (سرداب الغيبة  ) وهو مكان ومعلم بارز في العتبة المقدسة بسامراء ، ويقع في الجهة الغربية من قبري الإمامين علي الهادي (ع) والحسن العسكري (ع) ، والشيعة تحترم هذا المكان لشرافته وقدسيته ، ولأنه كان جزءاً من بيت الأئمة الهادي والعسكري والمهدي (ع) ، وكان موضعاً لمبيتهم وعبادتهم في بعض الأحيان ، وهو مصلى للإمام الصبيّ وأبيه وجده حيث اعتادوا أن يعتزلوا فيه للتأمل والعبادة ، ولتحاشي المزعجين لا سيما مضايقات عَسس الخليفة العباسي ، وهو من الأماكن المباركة التي أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، وحيث أن الإمام المهدي (ع) ليس له مكان محدد يقصد فيه ، كان من المفضل زيارته في بيته الذي ولد فيه .. وقد قال الشاعر العلامة السيد محسن الأمين في قصيدة رائعة بعنوان (أتى سائلاً)  :
وما شُرّف السرداب إلاّ لأنه   * * *  بدار تناهى عندها العز والفخر
تشرف مغناها بسكنى ثلاثة  * * *  من الآل يُستسقى بذكرهم القطر
وقد أذن الباري تعالى برفعها  * * *  وذكر اسمه فيها فطاب لها الذكر

نشأة الأكذوبة: قد نشأت شبهة وأكذوبة السرداب ، من زيارة الشيعة لذلك المكان وصلاتهم فيه ، وقراءة زيارة الإمام المهدي ، فتوهم المخالفون أن الشيعة يقولون بوجوده فيه ، وأصبح الموضوع من الشائعات التاريخية المغرضة بلا سند أو تحقيق .. فمن الثابت والمؤكد علمياً وتاريخياً أنه لا يوجد أحد من الشيعة يعتقد بأن الإمام المهدي (ع) غاب في السرداب ، أو أنه ساكن ومقيم فيه ، ولم يقله علماؤهم ولا عوامهم ولا يوجد مصدر لهذا القول في كتب ومؤلفات الشيعة .. بل الشيعة تعتقد بوجود المهدي حياً يرزق في هذه الدنيا يعيش مع الناس يراهم ويرونه ، يحضر الحج ويكلم الناس وينصب السفراء ويقبض الأموال ويكتب التوقيعات ، ويواكب الأحداث عن كثب ، وفرصته كبيرة بأن يعيش كأي فرد من الناس ، ولكن من دون معرفتهم بحقيقة أمره .. وقد قال الشاعر العلامة السيد محسن الأمين  : 
وما غاب في السرداب قط وإنما   * * *   توارى عن الأبصار إذ ناله الضر
ولا اتخذ السرداب برجاً ومن يكن     * * *      لنا ناسباً هذا فقولته هذر
بلى أمست الدنيا به مستنيرة      * * *     ومنه على أقطارها يعبق النشر

تهم وافتراءات: ما نسج حول السرداب من أساطير ، ونظم من شعر ساخر بناءً عليه ، لا يجد أساساً حتى لو كان واهياً ، بل هو محض افتراء ، وقد بقيت هذه الأكذوبة تتداول بين أقلام الجهال وتتطور في عالم الوهم والخيال ، وقد علق العلامة السيد محمد كاظم القزويني : " ويأتي آخر ويضيف إلى هذه الأكذوبة - من نسج خياله - تهمة أخرى وافتراءً آخر ، فيقول: إن الشيعة يأتون - في كل جمعة – بالسلاح والخيول إلى باب السرداب ، ويصرخون وينادون : يا مولانا أخرج إلينا !.. وياليت هؤلاء المنحرفين اتفقوا – في هذه الأكذوبة – على قول واحد ، حتى لا تنكشف سوءتهم ، ولا تتساقط أقنعتهم المزيفة ، ولكن أبى الله إلا أن يظهر الحق ويدمغ الباطل ويفضحه ، فتراهم يتفرقون على أقوال متناقضة ، فيقول أحدهم : إن هذا السرداب في الحلَّة ، ويقول آخر : إنه في بغداد ، ويقول ثالث : إنه في سامراء ، ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو ، فيطلق لفظ السرداب ، ليستر سوءته." .  

الحقيقة: إن غيبة الإمام المهدي (عج) في السرداب أسطورة لم يقل بها أحد من الشيعة منذ فجر تاريخهم حتى اليوم ، وإنما افتعلها خصومهم والحاقدون عليهم .. وقد قال الشاعر العلامة السيد محسن الأمين  : 
لنا نسبوا شيئا ولسنا نقوله         * * *         وعابوا بما لم يجر منّا له ذكر
بأن غاب في السرداب صاحب عصرنا * * * وأمسى مقيماً فيه ما بقي الدهر
ويخرج منه حين يأذن ربه         * * *         بذلك لا يعروه خوف ولا ذعر
أبينوا لنا من قال منا بهذه      * * *       وهل ضمّ هذا القول من كتبنا سفر
وإلاّ فأنتم ظالمون لنا بما         * * *          نسبتم وإن تأبوا فموعدنا الحشر

اعتقادنا بأن الإمام ليس غائباً في السرداب فهو محل لسكن والده وجده ومنزله الذي عاش فيه مع والده ، فهو موضع مفضل لزيارته فيه .. أما الحقيقة فإن الإمام حاضر في قلب الأحداث ، وله طريقته وأسلوبه في معالجة القضايا التي تواجه الأمة ، وهذا ما يفسر لنا الحديث الوارد عنه (عج) بأن فائدته حال غيبته كالشمس إذا غيَّبها السحاب.

حقيقة الشبهات: هذه هي الإشكالات ، رأينا أن منطقها هزيل بحسب موازين العلم وأصول المنطق والمنهج السليم ، وهكذا انكشف واقعها وأصبح ساقها هشيماً وعودها حطاماً وبناؤها ركاماً .. حتى صار التشكيك في القضية المهدوية شكاً في البديهيات التي لا يقرها العقل ولا العلم.
خلاصة القول:
الإمام المهدي المنتظر (ع) حسب الأطروحة الشيعية الإمامية هو: (م ح م د) ابن الإمام الحسن العسكري (ع) ، ولد بسامراء (العراق) ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ ، وهو الإمام الثاني عشر عند الإمامية ، وهو آخر حجج الله على الأرض وخاتم خلفاء رسول الله (ص) وآخر ائمة المسلمين الإثني عشر .. بعد استشهاد والده عام 260 هـ أنيطت به مهمة الإمامة وله من العمر خمس سنين ، وجعله الله إماماً وهو طفل كما جعل المسيح نبياً وهو رضيع ، وبأمر من الله تعالى اختار الغيبة .. وتدرج في الاحتجاب عن الناس حيث كانت له غيبتان: الأولى (الصغرى) ومدتها 69 سنة ، بدأت عام 260 هـ وامتدت حتى عام 329 هـ ، وكان اتصال الشيعة به عن طريق سفرائه ، وهم أربعة وكلاء نص عليهم بأشخاصهم .. والثانية (الكبرى) بدأت عام 329 هـ بعد وفاة آخر نائب خاص له (علي السمري) ، وبذلك انتهت فترة السفارة وبدأت مرحلة الغياب والاحتجاب التام عن الناس إلى أن يأذن الله له بالخروج ، وليس له في هذه الفترة نواب محددين ، ولكن نيابة عامة للفقهاء العدول .. لا زال يعيش في دار الدنيا وأن مثل عمره وحياته كمثل عمر وحياة الخضر وعيسى (ع) بإعجاز إلهي .. تتفق الإمامية مع بقية المسلمين على ظهوره آخر الزمان لإزالة الظلم والجور ونشر التوحيد والعدل ، ولكن لا يعلم أحد من الناس وقت خروجه بالتحديد ، وهناك علامات محتومة تسبق ظهوره مثل: خروج اليماني في اليمن ، خروج السفياني بالشام ، الصيحة السماوية في رمضان ، قتل النفس الزكية في الحرم المكي ، وخسف البيداء بين مكة والمدينة ، وتعتقد الإمامية اعتقاداً صريحاً بخروجه بين الركن والمقام في مكة ، ثم يبايعه الناس.

الشيعة الإثنا عشرية لم تقم عقيدتها بوجود المهدي المنتظر وبضرورة بقائه على الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة فقط ، وإنما يقوم اعتقادهم هذا على أصول عقدية  (أصل: الإمامة) وبناءً على أدلة عقلية ونقلية .. فمن منطلق ضرورة الإمامة ، وضرورة وجود إمام في كل عصر وزمان ، فإن الشيعة ترى من هذا الباب والمدخل يجب أن يكون الحديث والبحث والنقاش حول الإمام المهدي (ع) ، فهذا أساس ومبدأ وجوهر العقيدة المهدوية عندهم ، فالعقيدة المهدوية وحدة متكاملة ، فكما أن الاسلام وحدة متكاملة والتوحيد وحدة متكاملة ، كذلك القضية المهدوية ، فهي قضية دينية منطقية يساندها العقل والأدلة المعتبرة ، وهي ليست مسألة تخص الشيعة دون غيرهم ، بل هي أكبر وأوسع من ذلك ، فهي كمال وخاتم الإمامة ، وهي المرحلة السعيدة لنهاية تاريخ الإنسانية في الدنيا .. وبكل تأكيد لا يمكن فهم وإدراك حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر قبل إدراك حقيقة الإمامة الربانية ، حيث هناك تلازم بين حقيقة الإمامة وحقيقة الغيبة ، وهذا هو المنهج القرآني والمنهج النبوي الذي يبين حقيقة المهدوية بصورة صحيحة ودقيقة ، أما النظرة التجزيئية الفردية الضيقة لحقيقة من حقائق المهدوية: كالغيبة مثلاً أو الإمامة المبكرة أو طول العمر ، ودون النظر إلى بقية الحقائق أو دون أخذ نظرة وصورة شاملة عن القضية كلها أو دون النظر إليها كوحدة متكاملة ، فسوف لن يتم التوصل إلى معرفة حقيقتها وجوهرها حسب الأطروحة الإمامية ، وإن كانت حقائق أساسية مستمدة ومنبثقة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

كل الشرائع السماوية والمذاهب الوضعية وغيرها تنتظر المخلص ، فقد اتفق الجميع على فكرة المنقذ الذي يخلص العالم من الظلم والجور ، واختلفوا في اسمه وشخصه ونسبه ، ومع هذا فإن الإسلام الحنيف والمذهب الشيعي بالخصوص ذكر القضية المهدوية ووضحها بشكل لم تبيّن في دين ومذهب آخر ، باعتبار أن القضية المهدوية تمثل لدى الشيعة الإمامية الإثني عشرية شيئاً هاماً ومهماً من حيث الموقع العقائدي ، فهي تتصل بأصل من أصول الدين لديهم (الإمامة) ، ومع الأطروحة المهدوية تبلورت فكرة المخلص بشكلها النهائي ، وبلغت معه أرقى صور نضجها ، فالمسلمون متفقون على خروج رجل من نسل فاطمة (ع) في آخر الزمان يسمى (المهدي) ، ولكن في البعد الأساسي المتعلق بتحديد ومعرفة شخصية المنقذ ، ينقصهم الكثير من المعرفة ، بعكس مدرسة أهل البيت (ع) فإنهم يعرفون شخصية المهدي بالاسم والنسب والهوية والعلامة والخصائص وتاريخ الولادة ، وعلى أساس ذلك التحديد انفرد الشيعة ببعض الأمور داخل القضية المهدوية أو بالأصح اختصت الإمامية في أطروحتها ببعض التفاصيل ، ومن أهمها واكثرها جدلاً ولادته (ع) وغيبته .. فخصوصية المدرسة الإمامية في القضية المهدوية أنها بدلت حالة الأمنية والأمر النظري إلى حالة واقعية موجودة ، فوضحت للمؤمنين وللعالم أنها تنتظر مهدياً واحداً محدداً ، وهو من نسل فاطمة الزهراء (ع) ومن أحفاد الإمام الحسين (ع) وابن للإمام الحسن العسكري (ع) ، وقد ولد في عصره ، وهو الآن في فترة الغيبة الكبرى ، وسوف يظهر في آخر الزمان عندما يأذن الله تعالى لينشر التوحيد والعدل على كافة المعمورة ، فالوعي الشيعي مشدوداً نحو قادم محدد مشخص وبعلم ومعرفة .. هذا التحديد الدقيق في شخصية وهوية المهدي المنتظر هو تثبيت للعقيدة المهدوية وتجسيد للأمنية الكبرى لجميع أمم العالم ، إذن مهدي الشيعة عقيدة واقعية جسدها التاريخ ، بوصفه شخصية تاريخية بسنة ميلاد معينة ، وبسنة اختفاء تاريخية معينة ، وكان بعد اختفائه على صلة بشيعته خلال الغيبة الصغرى عن طريق سفرائه ، فهو إذن شخصية محددة عاشت حياتها في الماضي ، فارتبطت عودته بأتباعه الشيعة ارتباطاً وثيقاً ، فالمهدي وإن ظل محتجباً عن الناس في هذا العالم إلا أنه يظل حاضراً في قلب شيعته ، يقول السيد محمد باقر الصدر : (إن الإسلام حول فكرة المخلص من غيب إلى واقع ، ومن مستقبل إلى حاضر ، ومن فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلع إلى مصداقها ، إلى واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه ، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا ، ويترقب مع الآخرين اللحظة الموعودة)  .

قبل أن نصل إلى نهاية بحثنا ، علينا أن نضيف سطوراً نوضح فيها وبنظرة كلية عن مكانة المهدوية وأهميتها الاستراتيجية عند الإنسانية عموماً والشيعة خصوصاً .. فقراءة سريعة وشاملة للتاريخ البشري وحركة المسيرة الإنسانية في مبدأها ومنتهاها ، نجد أصالة فكرة المخلص (المهدي) في روافد التراث الإنساني: الدين والفلسفة والتاريخ والاجتماع السياسي وفي النظريات الوضعية ، وكلها تشير وتبشر بأن الاعتقاد بالمهدوية يتوافق بالإجمال مع تطلعات وأحلام الإنسانية ، فهو منتظر البشرية على الإطلاق ، يقول السيد محمد باقر الصدر: (المهدي عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغة لإلهام فطري ، أدرك الناس من خلاله أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض ، تجد فيه استقرارها وطمأنينتها)  .

فكرة المخلص والمنقذ كتطلع إنساني بشرت بها ملل العالم كافة ولكن بمنهج عام وافتقاد للتفاصيل ، بعكس الأطروحة الإمامية فقد شخصت المهدوية ووضعت النقاط فوق الحروف وبأدق العلامات وأوضح التفاصيل وبشمولية المنهج وعالمية الرؤية ، ولذا نجد لبعض الفلاسفة والمتكلمين غير المسلمين آراءً دقيقة ورائعة في وصف الأطروحة المهدوية الشيعية وتأثيرها الهام ودورها الريادي على مسيرة مدرسة أهل البيت (ع) ، يقول المستشرق الفرنسي هنري كوربان  : (بأن المهدوية تشكل ركناً هاماً وأساسياً في المعتقد الشيعي جعله يفوق كافة المذاهب الإسلامية ، وكانت سبباً في رقيه وازدهاره)   ، وفي مكان آخر يقول كوربان: (يجمع التراث الشيعي فكره العميق عن المهدي بما هو خاتم الولاية المحمدية ، ويختلف هذا الفكر في ماهيّته عن تصور المهدي المنتشر في الإسلام السنيّ ، حيث لا يمكن بداهة أن يتصل عضوياً بفكرة الإمامة بالمعنى الشيعي للكلمة ، ولا بالتالي بفكرة الباطن وتأويله ، أو بما تعنيه من مستقبل ، وكنا قد خرجنا بالفارق الواضح والأساسي ، أن محمداً كان خاتم النبيّين ، لكن في هذا الختم للبعثة النبوية ، يدرك التراث الشيعي مؤشر افتتاح دائرة جديدة ، دائرة الولاية ، دائرة الهداية الروحية)   .. ويقول الفيلسوف الامريكي فرانسيس فوكاياما  : (إن الشيعة طائر يطير أعلى من مرمى سهامنا وله جناحان: جناح أحمر (الماضي) وجذوره في كربلاء ، وجناح أخضر (المستقبل) وهو المهدوية وطلب العدالة على يديه ، فهم منتظرون والمنتظر لا ييأس ، وهذا مايمنعهم من الفناء .. فالشيعة تطير عالياً بهذين الجناحين ، بحيث يكون بعيداً عن مرمى سهامنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .. فكيف يهزمون؟؟؟)  .. وهكذا نجد أن للعقيدة والثقافة المهدوية تأثير هام وكبير على كثير من الأفكار والأنشطة الكلامية والسياسية عند الشيعة ، فدورها فاعل وركن أساسي في ظهور الحركات التحررية الشيعية تاريخياً وحاضراً ، وتنير الطريق أمام الأجيال في الحركة والنشاط والجهاد وتضئ في نفوسهم بارقة أمل في التضحية والصمود والتفاؤل بالمستقبل.

بعض الفلاسفة والمستشرقين والبعيدين عن الثقافة الدينية وعن تطلعات الإنسانية وفكرة المخلص ، والذين يحملون في نفوسهم نظرة تشاؤمية ويقرؤون مستقبل البشرية بعيون سوداء يقولون ويؤكدون: (أن الدنيا سوف تدمر وتفنى ، وأن البشرية في تمدنها وحضارتها قد وصلت إلى مرحلة بحيث لم يبق أمامها إلا خطوة واحدة لتسقط في القبر ، الذي حفرته لنفسها بيدها)   فنظرية نهاية التاريخ هذه تعبر عن رؤية الغرب لذاته ، ولكن غفل هؤلاء بأن هذه الزلات والسقطات في السير الأساسي والخط العريض في حياة وتاريخ البشرية ، هي أمور جزئية ، فالإنسانية منذ البدء كانت تتكامل وتتقدم نحو الأفضل ، وما التقدم والتكامل في الشرائع السماوية إلا أصدق مثال على ذلك ، ولذا فالإنسانية تتحرك بأمل وبفطرة وبإيمان نحو المستقبل .. وهذا ما تؤكده الأطروحة المهدوية الإمامية التي تثبت بأن الفساد الموجود شئ موقت ، وأن هناك حياة سعيدة وعصر متألق ينتظر البشرية في المستقبل على يد المنقذ (الإمام المهدي) وهذا ما يؤكده القرآن الكريم ويبشر به ويعتبره كوعد إلهي  لابد من تحقيقة ، فالاعتقاد بالمهدوية يعطي وضوحاً في الرؤية للتاريخ الإنساني ، وفهماً للسنن الإلهية في التاريخ التي تحدث عنها القرآن الكريم .. فالمستقبل الذي ينبغي أن تعقد عليه الآمال ، والذي شاءت الإرادة الإلهية أن يسير نظام العالم تجاهه هو الطور المهدوي ، حيث يلغي الإمام (عج) الصراع بين البشر ويزيل أسبابه المادية والمعنوية ، فتتحقق مرحلة قيام دولة آل محمد (ص) ، يقول المفكر مرتضى مطهري  : (لا الشر والفساد والتعاسة صفات تلازم البشرية ، ولا التطور المدني المادي بقادر على إبادة البشرية ، بل إن البشرية تتجه نحو مستقبل مشرق سعيد ، تنقلع فيه جذور الظلم والفساد .. وهذه النظرية يبشر بها الدين ، ونهضة المهدي ترتبط بهذه البشرى)   .. فالقضية المهدوية تمثل تفسيراً للتاريخ يتطابق مع النظرية القرآنية التي ترى وراثة الأرض لعباد الله الصالحين ، ومن وجهة نظر أهل البيت (ع) وشيعتهم تمثل تجسيداً حياً للحقيقة التاريخية ، ليس على مستوى المستقبل غير المنظور فحسب ، بل على مستوى الحاضر المعاش وتحقيق حكومة العدل الإلهي المطلق في مستقبل البشرية.   

إن العالم ينتظر بشوق وتلهف إلى اليوم الذي تشرق به الدنيا وتضئ فيه الآفاق بالمظهر الإلهي لولي الله الأعظم ، وخاصة بعد أن اتضحت معالم مستقبل البشرية الزاهر والعصر المتألق الذي ينتظرها .. فكم هو عظيم هذا الحلم ، وكم هو كبير هذا الهدف ؟! .. فعندما نقول إن البشرية بانتظار المهدي وانتظار راية التوحيد والعدالة ترفرف في العالم ، يجب أن نعرف أن القائد العظيم (ع) لن يحقق هذا الهدف بمفرده ، بل يطلب وينتظر العون والمساعدة منا ، فهو ينتظرنا أن نتكامل ونستعد ليوم ظهوره ، فمن الحكمة أن نكون من الممهدين لإقامة الدولة العادلة ، وعضداً له عند خروجه ، ويجب أن يكون الانتظار الإيجابي هو عنوان المسؤولية العامة في هذا العصر ، وأن يكون همنا التطلع إلى المستقبل بشكل مستمر ودائم ، فالكل ينتظر أن يتحقق الفتح المهدوي العالمي بقيادة صاحب العصر والزمان (عج).

من مجمل ما تقدم نقول: هذه هي العقيدة المهدوية في فكر شيعة أهل البيت (ع) ، وهذا هو فكرها الوضاء المنبثق من كتاب الله والسنة النبوية الشريفة والمستمد من العقل والعلم ، وهذا هو المستقبل الزاهر الذي ينتظر البشرية بظهور قائم آل محمد (ص) ، وهذه هي أُطروحة خاتمة المطاف لحركة الأنبياء والرسل جميعاً.                    


المصادر 

..................................

[1] - الشيعة في التاريخ ، للسيد عبد الرسول الموسوي ص 12.

[2] - الصواعق المحرقة : 92.

[3] - الدر المنثور 8 : 589.

[4] - سورة البينة : 7.

[5] - الطبري في تفسيره ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج 2 ص 356.

[6] - الشيعة رواد العدل والسلام – الشيخ مجيد الصائغ ص 32 و ص 81.

[7] - كتاب : حياة الإمام الباقر (ع) دراسة وتحليل للشيخ باقر شريف القرشي  ج 2 ، ص 96 - 102

[8] - كتاب المراجعات ، المراجعة الرابعة.

[9] - صحيح مسلم ح 4425 ، بحار الانوار 2 : 99. وقد صححه الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة 4/355 حديث 1761 وذكر مجموعة من طرقه.

[10] - الشيخ جعفر السبحاني ، بحوث في الملل والنحل ج 6 ص 753.

[11] - سورة فصلت : آية 42

[12] - عيون أخبار الرضا 2 : 121 – 122.

[13] - الإمامة هي الأصل الثالث عند الشيعة الإمامية .. ومن أعتقد بالإمامة فهو عند الشيعة الإمامية : مؤمن بالمعنى الاخص ، وإذا اقتصر على الاركان الأربعة ولم يؤمن بالإمامة ، فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الاعم .. ولكن لو أنكر الرجل واحداً من (التوحيد – النبوة – المعاد) فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة محمد ، واعتقد بيوم الجزاء ، فهو مسلم حقاً ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم: دمه وماله وعرضه حرام .. المصدر: أصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص 133 و 134.

[14] - قال تعالى { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } تفسير الفخر الرازي-الجزءالرابع-ص46  .. المسألة الخامسة : قال الجمهور من الفقهاء والمتكلمين : الفاسق حال فسقه لا يجوز عقد الإمامة له ، واختلفوا في أن الفسق الطارىء هل يبطل الإمامة أم لا؟ واحتج الجمهور على أن الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية ، ووجه الاستدلال بها من وجهين . الأول : ما بينا أن قوله : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } جواب لقوله : { وَمِن ذُرّيَتِى } وقوله : {وَمِن ذُرّيَتِى} طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال ، فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظالمين ، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه ، فكانت الآية دالة على ما قلناه ، فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة ، قلنا : أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً ، وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك.

[15] - شرح دليل اللطف بشكل اكثر سهولة ووضوح: إن أي بلد يقوم بتصنيع آلة كبيرة ومعقدة ، لابد له عندما يقوم ببيعها أو تصديرها من إرسال خبير متخصص يشرح ويعلم كيفية عمل الآلة والاشراف على صيانتها ، أما الاشياء البسيطة والصغيرة لسنا بحاجة إلى خبير بها .. وعليه فالدين الإسلامي لابد من وجود شخص خبير باحكامة وتعاليمه ، ولا يمكن أن يقع في الخطأ (العصمة) ، يتحمل مهمة بيان هذا الدين وتوضيحه للناس ، وهذا الشخص هو الإمام (في كل عصر وزمان) حسب اعتقاد مدرسة أهل البيت (ع).

[16] -  "حكم العقل بوجوب اللطف على الله تعالى، وهو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية، ويوجب إزاحة العلة وقطع المعذرة بدون أن يصل إلى حد الإجبار لئلا يكون لله على الناس حجة وتكون له الحجة البالغة، فالعقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم من التكاليف المقربة من الخير والمبعدة عن الشر ويحكموا بينهم بالعدل، وأن يكونوا معصومين من الذنوب منزهين عن القبائح والعيوب لتقبل أقوالهم ويؤمن منهم الكذب والتحريف، وكما يجب إرسال الرسل من قبل الله تعالى يجب نصب أوصياء لهم يقومون مقامهم في حفظ الشريعة وتأديتها إلى الناس ونفي التحريف والتبديل عنها، والحكم بين الناس بالعدل وإنصاف المظلوم من الظالم، ويجب عصمتهم عما عصم منه الأنبياء"  - المصدر كتاب: ترجمة الإمام المهدي في أعيان الشيعة للسيد محسن الامين ص 50.

[17] - سورة البقرة : آية 30.

[18] - سورة البقرة : آية 124.

[19] - سورة المائدة : آية 55.

[20] - سورة النساء : آية 59.

 21 - غاية المرام ص 267ج10(ط قديمة( ، وإثبات الهداة ج3 ص 123، وينابيع المودة ص 494. 
 22 - من مقامات الامام أيضاً: شهادة الاعمال (أمة وسطاً) ، والهدايه (يهدون بامرنا) ، وواسطة الفيض (في ليلة القدر) ، والخلافة (جاعل في الارض خليفة).
 23 - العصمة : ملكة نفسانية راسخة في النفس ، تعصم الإنسان عن ارتكاب الذنب بصورة مطلقة فلا يرتكب المعاصي مطلقاً ، بل لا يفكر فيها أبداً ولا يحوم حولها .. بمعنى آخر : الدرجة القصوى من التقوى.
24  - عالم الاجتماع والتاريخ ابن خلدون استطاع أن يبين حقيقة النظريتين الشيعية والسنية في خصوص الإمامة ، أنظر مقدمة بن خلدون ج1 فصل 27 ص373 ، وبعبارة مختصرة عرف الإمامة عند أتباع  مدرسة الخلفاء بقوله : (الإمامة : من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ويتعيّن القائم لها بتعيينهم)  ثم قال: الإمامة لدى الشيعة: هي ركن الدين وقاعدة الإسلام ، ولايجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة ، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر).
وبعبارة مختصرة نوضح: أن الإمامة عند الشيعة :هي استمرار للقيام بوظائف الرسالة وهي منصب إلهي ، وأن الإمام يتولّى جميع وظائف الرسول ، وعند السنة: حصرت الإمامة في مجال السلطة والسياسة فقط وتفوض للأمة.

 25 - سورة المائدة : آية 3.
 26 - النتيجة هي الابتعاد عن الضلالة .. ائْتُونِي اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي = لا ضلال اي هداية  .. التمسك بالكتاب و العتره = الهداية.

 27 - بحث : المهدوية في موقعها الطليعي والطبيعي ، للسيد جعفر مرتضى العاملي ، موقع موعود الالكتروني.

 28 - من أراد التوسع في هذا الموضوع ، فليرجع لكتابنا (النور الغائب) ، الباب الأول – القسم الثاني: المهدي (ع) في المصادر الإسلامية.
  29- سورة الإسراء : آية 71.
 30 - سورة الرعد : آية 7.
 31 - سورة النساء : آية 59.
 32 - سورة النور : آية 55.

  33- سورة الأنبياء : آية 105.
  34- سورة القصص : آية 5.
 35 - سورة ق : آية 41-42.
  36- سورة الشعراء : آية 4.
 37 - سورة النساء : آية 47.
 38 - مصدر سابق . 
 39 - مصدر سابق . 
 40 - مصدر سابق . 

  41 - ولمزيد من الاطلاع على أسماء العلماء ومعرفة كتبهم ارجع إلى كتاب أصالة المهدوية في الإسلام ص57-68.
  42- مصداق لحديث رسول الله (ص) المتواتر و المعروف بالثقلين - مصدر سابق.
 43 - بعض العلماء يقولون: أن الغيبة الصغرى بدأت منذ ولادته (عج) وحتى عام 329 هـ.

[44] - لايوجد نائب خاص ، من زمن انتهاء الغيبة الصغرى إلى صدور الصيحة في السماء.

[45] - ملكة يحصل عليها الإنسان بعد دراسات مطؤَّلة ومعمَّقة في الفقه والأصول واللغة والمنطق والتفسير وغيرها من علوم ، قد تستغرق 40 عاما من الدراسة المستمرة والمثابرة التامة ، فإذا حصل على هذه الملكة وباقي الصفات المذكورة في محلها من العدالة وغيرها ، أصبح مؤهلاً لأن يتصدى لبيان شرائع الدين ، ويتصدى ليكون نائباً عاماً عن الإمام (عج) - المصدر: صحيفة صدى المهدي ، عدد 79 ، محرم 1437 هـ.

 46 - مصداق لحديث رسول الله (ص) المتواتر و المعروف " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" – مصدر سابق.
 47 - كمال الدين ص592، منتخب الأثر ص186، الزام الناصب ج1 ص475، بحار الأنوار ج51 ص35.
 48 -  منتخب الأثر ص187، الزام الناصب ج1 ص475.
  49-  غيبة النعماني ص145، بحار الأنوار ج51 ص41.
  50-  غيبة النعماني ص144

[51] -  السنة و العام الذي سيظهر فيه الإمام مجهول عند الناس  .

 52 - من أراد التوسع في هذا الموضوع ، فليرجع لكتابنا (الفجر المقدس) ، الفصل الثالث: به أحداث سنة الظهور بالتفصيل والأدلة وحسب التسلسل الزمني.

[53] - الإرشاد للمفيد ج2 ص379، كمال الدين ص590، غيبة النعماني ص169، غيبة الطوسي ص267، أعلام الورى ص426.

[54] - سورة ق : آية 41 - 42.

 55 - بعض العلماء يضيف الى الشروط: شرط الإذن الإلهي ، وشرط: القدرة على مواجهة الاعداء بشكل طبيعي وليس إعجازي.

[56] - ارجع الى الكتب التالية : كتاب الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكاياما (نهاية التاريخ والانسان الاخير) وغيره من الكتب الغربية في هذا المجال .. كتاب: نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ لمرتضى مطهري ، وكتاب : النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ لإسعد قيدارة.
[57] - قام علماء الإمامية بالرد على هذه الشبهات والإجابة عليها في مؤلفات مستقلة ، ومن أراد التوسع والاستفاضة نحيله إلى المصادر المؤلفة في هذا المجال مثل : موسوعة الإمام المنتظر (ع) قراءة في الإشكاليات (5 مجلدات) للسيد عبدالله الغريفي ، وكتاب العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات للسيد احمد الإشكوري .. والعديد من الكتب في هذا المجال.

[58] - نقل وبتصرف كبير من كتاب: بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت (ع) ، مركز نون للتأليف والترجمة – أدلة وجود وإمامة المهدي ص 316 – 321.

[59] - سورة الانفال ، آية 33.

[60] - مختصر بصائر الدرجات ص 228.

[61] - موسوعة بحار الأنوار ، مجلد 51 ، الباب الأول : باب ولادته وأحوال أمه ، ص 2 - 28 .

[62] - كتابنا النور الغائب ، الباب الأول: الفصل الثاني ، بعنوان (اليقين بوجود المهدي) من ص 65 – 125.

[63] - آيات عديدة تؤكد على ضرورة وجود امام  في كل زمان مثل:-

{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد:7 ، {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} القصص: 51  وإيصال القول أي تبليغهم بآيات الله وأحكامه وهذه لا يقوم بها إلاّ الإمام الرباني وفي زماننا الحاضر هو الإمام المهدي ، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} البقرة:30 ، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} الصف:8 ، سورة القدر ، وكلها أدلة قرآنية قبل الحدوث أي قبل ولادة المهدي عليه السلام.

[64] - أرجع إلى عنوان: جذور الأطروحة المهدوية ، أمثلة لكتب الإمامية في هذا المجال.

[65] - موسوعة معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) ذكرت 560 حديثاً مروي عن النبي (ص) في المهدي ، راجع عنوان إحصائيات.

[66] - راجع الإحصاء الذي ذكره الشيخ لطف الله الصافي في منتخب الأثر ، والذي يتضمن عدد ومجموع الروايات التي رواها الشيعة والسنة حول الإمام المهدي (ع) .. كذلك الإحصائيات التي ذكرت في فقرة جذور الأطروحة.

[67] - سورة مريم : آية 29 & 30.

[68] - سورة مريم : آية 12.

  69 - مناظرة مشهورة في التاريخ في مسألة مُحرم قتل صيداً ، ذكرت في كتاب الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 444 ، وهناك مناظرات عديدة غيرها.

[70] - سورة العنكبوت: آية 14.

[71] - سورة الصافات : آية 144.

[72] - سورة النساء : آية 158.

[73] - سورة الكهف : آية 25.

[74] - سورة الحجر : آية 36-38.

[75] - كتاب المعمّرون لأبي حاتم السجستاني ، وكتاب مروج الذهب للمسعودي ذكر عدداً من المعمرين .. وقد ذكر العشرات من المعمرين في كتب التاريخ.

[76] - قصص عديدة ذكرت في: بحار الانوار ج 52 للمجلسي ، وجنة الماوى للشيخ النوري ، وتبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي للبحراني.

77 - سورة الكهف : آية 65

[78] - سورة البقرة : آية 30.

[79] - سورة النور : آية 55.

[80] - كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ، باب 44 ص 438.

[81] - مستدرك الصحيحين 3/458 ، كنز العمال 6/116.

[82] - سورة الانفال ، آية 33.

[83] - سورة القدر : آية 4.

[84] - سورة البقرة : آية 143.

[85] - كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ، باب 45 ص 441.

[86] - بحار الانوار ، ج 52 ص 113.

 87 - السرداب: عبارة عن بناء في المنزل تحت الأرض ، ينتشر في الأماكن الحارة ، عادة يكون بعيداً عن الشمس وقريبا من الرطوبة ويكون بارداً ، وهو ما يعرف اليوم بأسم (القبو).
 88 - للتوسع عن تاريخ سرداب الغيبة ، أرجع لكتاب: مأثر الكبراء في تاريخ سامراء للشيخ ذبيح الله المحلاتي ، ج 1 ص 292 وما بعدها ، فقد أستوفى الموضوع بحثاً وبين الحقيقة على نحو صحيح وسليم.
 89 - قصيدة (أتى سائلاً) جاءت في 309 بيت وهي عبارة عن قصيدة جوابية لقصيدة وردت من بغداد في 25 بيت لناظم لم يسم اسمه – المصدر: كتاب البرهان على وجود صاحب الزمان للسيد محسن الامين القصيدة مع شروحها – وكذلك مجلدات: الموسوعة الشعرية المهدوية ، عبد القادر ابو المكارم ، ج 6 ص 88.
 90 - الموسوعة الشعرية المهدوية ، عبد القادر ابو المكارم ، ج 6 ص 89.

  91- الامام المهدي من المهد إلى الظهور ص 202.
 92 - الموسوعة الشعرية المهدوية ، عبد القادر ابو المكارم ، ج 6 ص 90.

  93- أصول الدين عند الشيعة الإمامية خمسة وهي : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.

 94 - السيد محمد باقر الصدر (1935م – 1980م) مرجع ديني شيعي عراقي ، مفكر وفيلسوف إسلامي ، ولد بالكاظمية / بغداد 25/11/1353 هـ .
  95- بحث حول المهدي  ، للسيد محمد باقر الصدر ، ص 10.
 96 - بحث حول المهدي للسيد محمد باقر الصدر ، ص 8.
 97 - هنري كوربان (1903 – 1978) : فيلسوف ومستشرق فرنسي ، صب اهتمامه على الاسلام في ايران وبشكل خاص الشيعة ، من أهم كتبه الإمام الثاني عشر في الإسلام الإيراني – مشاهد روحية وفلسفيه للإسلام .. المصدر: موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
98  - تاريخ الفلسفة الإسلامية ، السيد جواد الطباطبائي ، ص 105.

 99 - كتاب: الإمام الثاني عشر ، لهنري كوربان ، ترجمة نواف محمود الموسوي ، ص 53 و 54.
 100 - يوشيهيرو فرانسيس فوكاياما : عالم سياسة واقتصاد سياسي ومؤلف وأستاذ جامعي امريكي ، ولد بمدينة شيكاغو في 27 اكتوبر 1952م ، حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد، أمريكي من أصول يابانية ، أشتهر بكتابه: نهاية التاريخ والإنسان الاخير الصادر عام 1992م ، والذي يقول فيه: ان المذهب السياسي المخلّص الذي سيكون في النهاية مذهب كل البشرية ، هو نظام الديمقراطية الليبرالية الغربية على أنها النظام الأكمل الذي ينبغي أن تبلغه كل البشرية على حد قوله .. المصدر: موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
 101 - قال فوكاياما هذا الكلام : في مؤتمر بالقدس عام 1986م عنوانه: معرفة جديدة عن الشيعة ، رسم الفكر السياسي للشيعة.
 102 - كتاب: أمل الإنسان ، الإمام المهدي في الفكر الإسلامي الاصيل ، ص 62.

 103 - سورة النور : آية 55.
 104 - الشهيد مرتضى مطهري (1919م – 1979م) عالم دين شيعي ايراني ، مفكر وفيلسوف إسلامي ، ولد في محافظة خراسان 31/1/1919 م .
105  - كتاب: نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ ، للشهيد مرتضى مطهري ، ص 62.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجتبى الساده
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/17



كتابة تعليق لموضوع : المهدي المنتظر في فكر الشيعة الإمامية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net