صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

كيف نعالج شحة رأس المال في العراق ؟
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد استعملت الحكومات العراقية السابقة كل الطرق المستهجنة للقضاء على القطاع الخاص , العمود الفقري لتكوين وتوفير رأس المال . لقد بدأت  الحرب على القطاع الخاص مع حملة التأميم التي قادها الدكتور خير الله حسيب عام 1963 باسم الاشتراكية القومية , حيث باسم الاشتراكية القومية قضى النظام على مجموعة كبيرة من شركات الإنتاج وعلى التجارة الخارجية , بعد ان حصرت جميع الاستيرادات تحت دائرة " مصلحة المبايعات الحكومية" . وفي عهد نظام حزب البعث , قام هذا النظام باحتكار جميع وسائل الإنتاج ولم يسمح للمواطن ان يدير الا دكاكين البقالة او العمل في احد شركات النظام . النظام لم يسمح للقطاع الخاص بالتحرك . هذا الاجراء والذي طال فترة 40 عاما بالتمام والكمال كان له اكبر الأثر بإفلاس العراق من طبقة أصحاب رؤوس الأموال .

هذه الشحة في رأس المال مازالت موجودة في العراق خاصة وان الطبقة الرأسمالية  التي ظهرت بعد التغيير ترفض باستثمار أموالها في القطاعات الإنتاجية , وتصر على الاعمال التجارية والعقارات وفي كلا الحالتين لا تعود للبلد المنفعة المنشودة بقدر ما تدر على أصحابها أرباح كبيرة و مريحة . الاستثمار في القطاع الصناعي على سبيل المثال يحتاج الى موافقات كثيرة ويحتاج الى عمليات انتاج والتعامل مع العمال والنقابات العمالية والتسويق , و هذه تعتبر وجع راس لأصحاب الأموال الجدد في العراق , وبذلك فانهم يختصرون الوقت بالاستثمار في العمليات التجارية والتي لا تأخذ الكثير من طاقاتهم , وبالمقابل توفر لهم أرباح وفيرة . هذا السبب جعل تجار العراق يرفضون أي ضريبة جديدة على استيراداتهم او تنظيم التجارة او حماية بعض المنتوجات الوطنية . ان حماية المنتوج الوطني مثل انتاج الملابس على سبيل المثال سيجابه برفض من تجار الملابس الجاهزة وبجملة من الحجج , منها ان نوعية الملابس المستوردة ارخص من المصنوع محليا او نوعية الملابس المستوردة احسن من المصنوعة محليا.

لا يجوز ان يبقى العراق بدون طبقة من أصحاب راس المال , وعلى الدولة العمل بكل طاقاتها لخلق مثل هذه الطبقة لأهميتها . ان خلق طبقة من أصحاب المال في العراق يعني قدرة البلد على الإنتاج والتوزيع , لان جميع البحوث الاقتصادية اثبتت كفاءة القطاع الخاص في الإنتاج والتوزيع والمنافسة. القطاع الخاص يركض وراء الربح ( احد اهم قياس النجاح) وان هذا الربح يقود المنتجين بالإنتاج الواسع و بأسعار تنافسية ونوعية وفق المقاييس الدولية . القطاع الخاص لا يمكنه الاستمرار طويلا في حالة فشله , مثل مشاريع القطاع العام الموجودة في العراق والتي مازالت تعاني من العطل او الخسائر المالية . القطاع الخاص , بطبيعته اكثر مرونة واكثر كفاءة من القطاع العام , لان القطاع الخاص معروف بسرعة اتخاذه القرار . في القطاع العام ربما يحتاج العطل شهرا لإصلاحه بعد حصول الموافقات اللازمة , بينما لا يحتاج القطاع الخاص اكثر من دقائق معدودة .

ولكن كيف على العراق ان يخلق طبقة من أصحاب المال ؟ الجواب هو كالاتي:

1. فتح باب الاكتتاب لتأسيس شركات صناعية يقودها بعض الصناعيين المعروفين في العراق . على سبيل المثال , الاعلان عن تأسيس شركة صناعة اسمدة كيماوية برأسمال 100 مليون دولار , على ان يكون سعر السهم الواحد هو 10 دولارات . اعتقد ان المواطن العراقي لديه القدرة على شراء مثل هذه الأسهم , خاصة اذا كانت الحكومة العراقية هي الضامنة لهذه الأسهم في مرحلة التأسيس .

2. هناك ما يقارب 70 شركة عامة تعود ملكيتها للدولة , كلها شبه معطلة او خاسرة . اعتقد حان الوقت لبيع هذه الشركات الى القطاع الخاص بأسعار رمزية من اجل اعادتها الى الخدمة والربح بدلا الخسارة. واذا لم ترغب الدولة بيع هذه الشركات الى اقطاع الخاص بأسعار رمزية , فلتكن عن طريق المشاركة . على سبيل المثال , امتلاك الدولة 51% من اسهمها  وامتلاك القطاع الخاص 49% منها.

3. دعوة الشركات العالمية الى تأهيل شركات القطاع العام ( 70 شركة) , ومن ثم جعل اداراتها تحت إدارة القطاع الخاص بعد طرح أسهمها في السوق العراقية .

4. اعتقد ان الطريق الأكثر نجاحا في خلق رأس المال في العراق هو طريق إعطاء المنح والقروض الكبيرة لبعض الصناعيين و القادة العسكريين والحشد الشعبي الذين قاتلوا تنظيم داعش . انا من الداعين الى مكافئة القادة العسكريين والحشد الشعبي ورجال الدين وشيوخ العشائر وقادة أبناء العشائر وقادة البيشمركة بمنح مالية تؤهلهم بتأسيس شركات إنتاجية . لان هذه الشريحة البطلة وهبت دماءها من اجل العراق , فعلى العراق مكافئتهم . الشيخ في المنطقة الغربية والذي وقف ودعم القوات المسلحة العراقية لحرب تنظيم داعش يستحق ان يكون متميزا عن اقرانه من الشيوخ الذين اختاروا السكوت , الهروب الى إقليم كردستان, او التعاون مع تنظيم داعش. وكذلك رجل الدين من اهل المنطقة الغربية والذي حث اتباعه بمحاربة تنظيم داعش يجب ان يعامل معاملة تختلف عن رجل الدين الذي سكت وجلس داره. هذا الحديث ينطبق على القادة العسكريين أيضا. ان من قاد اعنف المعرك في تاريخ المنطقة يستطيع ان يدير شركة صناعية من 100 او 200 عامل , كما وليس من العدالة الجلوس في بيتهم بعد التقاعد . اعتقد ان على الدولة ان تعرض على هؤلاء القادة الابطال منح مالية كبيرة مشروطة بتأسيس شركات صناعية وتحت مراقبة الحكومة.

كما لا يفوتني من القول , ان الدولة العراقية تملك أراضي شاسعة في كل محافظات العراق , فما المانع من توزيع أراضي للاستثمار الزراعي على من وقف مع العراق ضد الإرهاب ؟  على سبيل المثال هناك شيوخ عشائر كثيرين من اهل الانبار الكرام والذين وقفوا مع الحكومة ضد الإرهاب يجب مكافئتهم وذلك عن طريق توزيع أراضي لغرض الاستثمار الزراعي او من اجل الإسكان . هذه المكافئات والمنح والقروض يجب ان تكون تحت شروط صارمة من اجل تحقيق نجاحها . ان خلق طبقة وطنية و موالية للعملية السياسية من أصحاب المال في العراق يعتبر ضمانة اكيدة للاستقرار السياسي والأمني , لان من خلال هذه الطبقة يتحول العراق تدريجيا من بلد ريعي يعتمد على بيع النفط الخام , ليتحول الى دولة مدنية متحضرة و منتجة يشعر كل مواطن فيها بالفخر والاعتزاز.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/25



كتابة تعليق لموضوع : كيف نعالج شحة رأس المال في العراق ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net