صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

ما شكل الاقتصاد العراقي بعد عامين؟
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

درجة النمو الاقتصادي تحدد درجة المستوى المعاشي لمواطنيه. ارتفاع نسبة النمو يعني سرعة وتيرة الرفاه الاقتصادي للمواطن , بينما تباطىء النمو يعني تباطىء في تحسن المستوى المعاشي للمواطن . ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي يؤدي الى سرعة مضاعفة دخل المواطن وانتقاله من مستوى معين الى مستوى اعلى. على سبيل المثال، نمو اقتصادي سنوي بنسبة 10% يؤدي الى مضاعفة معدل دخل المواطن خلال سبعة سنوات , بينما نمو اقتصادي نسبته 5% يحتاج الى 14 عاما لمضاعفة معدل دخل الفرد .

نسبة النمو الاقتصادي السنوي يقاس بعد جمع جميع ما ينتجه البلد من سلع وخدمات في العام الواحد . على سبيل المثال لو كان البلد ينتج مليون نوع من السلع و 500 الف نوع من الخدمات (قائمة طويلة جدا) فان مجموع ما ينتجه هذا البلد هو مجموع عدد أنواع السلع والخدمات بعد ضربها بأسعارها . ولو كان مجموع اسعارها هو 100 مليار دولار، ومجموع الإنتاج في السنة القادمة هو 110 مليار دولار , فان النمو الاقتصادي لهذا البلد هو 10%. نسبة عزيزة على قلب كل سياسي يحب وطنه , ومؤشر موثوق به ان ساسة البلاد يعملون بكل طاقتهم من اجل اسعاد منتخبيهم .

ليس من العادة ان يكون النمو الاقتصادي موجبا , فهناك سنوات عجاف ينتج عنها انخفاض النمو الاقتصادي الى دون الصفر (سالب او تراجع), وبعض الأوقات صفرا . السنوات العجاف التي تصيب اقتصاديات العالم الثالث عديدة منها الحروب الداخلية , عدم الاستقرار السياسي, الكوارث الطبيعية , وجهل القادة في القيادة . في العالم المتقدم , سنوات العجاف أسبابها محدودة منها الانتفاخ الغير طبيعي في بعض القطاعات الاقتصادية والذي يقود الى الانفجار , تلاشي أهمية الاختراعات ( الركود الاقتصادي الذي شاهده الاقتصاد الأمريكي بعد تلاشي الطلب على جهاز الحاسوب ), وانهيار القطاع المصرفي الذي كان هو السبب في الركود الاقتصادي لعام 2007-2008 في الولايات المتحدة الامريكية وبقية بلدان أوربا.

العراق ابتلى بمشكلة من نوع اخر في اقتصاده، وهو اعتماده بشكل يكاد ان يكون تاما على انتاج وبيع نفط الخام في الأسواق الخارجية  . هذا الاعتماد جعل من اقتصاده تحت رحمة الأسواق الخارجية , ارتفاع أسعار النفط يرسم الفرحة في وجوه الكل , بينما انخفاضه يجلب الهم والغم والكروبات , كما حدث في السنوات الثلاثة الماضية حيث انخفض سعر برميل النفط من 140 دولار في بداية عام 2014 الى ما يعادل 34 دولار في منتصف عام 2016 ومعدل 45 دولار منتصف عام 2017 , والان يقارب 65 دولار. ليس الأسعار وحدها تؤثرا سلبا او إيجابا في الاقتصاد العراقي , بل حتى حجم المبيعات منه. فلو ثبت السعر على 65 دولار للبرميل الواحد, ولكن انخفض الطلب على النفط العراقي من 3.5 مليون برميل يوميا الى 2.0 مليون برميل نفط يوميا , فان  تأثير هذا الانخفاض على الطلب سيكون مشابه الى الانخفاض بأسعاره.

على كل حال, حسب وكالة ستاندرد أند بورز الامريكية , فان نمو الإنتاج المحلي الإجمالي المتوقع لهذا العام هو 1.9% و يرتفع الى 2.5% لعام 2019.  هذه التوقعات ليست قرأنا لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من امامه , وانما قد تتحرك نحو كلا الاتجاهين جنوبا وشمالا . استمرار الجفاف قد يؤثر على الإنتاج الزراعي ويضطر البلد على استيراد اكله من الخارج . ركود اقتصادي اخر يضرب العالم قد يؤدي الى انخفاض في  الاستيرادات النفطية ويكون العراق احد ضحاياه . وربما يكون النمو اكبر مما توقعته الوكالة الامريكية اذا زاد الطلب العالمي على النفط بسبب تحسن الأداء الاقتصادي للهند او الصين او البرازيل او الارجنتين . او استمرار هطول الامطار في جميع مناطق العراق حتى شهر نيسان , وهي نعمة ينتفع منها الحيوان والنبات , ويزداد انتاج الحنطة والشعير والرز و الفاكهة والخضر ولحوم الحيوانات . النتيجة هي ان ارقام النمو الاقتصادي التي صرحت بها الوكالة الامريكية هي مجرد تنبؤات قد تصيب وقد تخطا.

لنفترض ان توقعات الوكالة كانت صحيحة , فماذا تعني للمواطن العراقي ؟ الأرقام تقول ان المواطن العراقي سوف لن يشعر بالتغيير في مستواه المعاشي هذا العام والعام القادم . السبب هو ان 1.9% هي نسبة اقل من النمو السكاني للعراق والبالغ 2.5% . وعليه فان المستوى المعاشي للمواطن العراقي على المعدل سوف تنخفض بنسبة 0.6% من العام الماضي . كما وان النمو الاقتصادي للعراق للسنة القادمة وهي 2.5% هي الاخرى لا توفر أي تحسن اقتصادي في المستوى المعاشي للمواطن لان 2.5% سوف تأكلها الزيادة السكانية البالغة 2.5%.

الحديث يقودنا الى القول , حتى يشعر المواطن العراقي بالتحسن في المستوى المعاشي له , يجب ان تكون نسبة النمو الاقتصادي السنوية اعلى من نسبة النمو السكاني في البلد . على سبيل المثال , ان نسبة نمو اقتصادي قدرها 6% مع نمو في عدد السكان يبلغ 3% , فان صافي النمو في البلد هي ليست 6% , وانما 3% فقط. هذا يقودنا الى حث الحكومة العراقية الى محاربة دواعش الوظائف الحكومية والذين يعطلون معاملات الاستثمار الأجنبي في العراق . لان الاستثمار الأجنبي هو الطريق الاخر لسد حاجة العراق الى راس المال الذي يحتاجه من اجل دفع التنمية الاقتصادية الى الامام . إضافة عشرة مليارات دولار سنويا على شكل استثمارات في المشاريع الزراعية او الخدمية او السكنية يعني توفير فرص عمل لمئات الالاف من العاطلين عن العمل , فك الاختناقات في الاقتصاد الوطني , فتح فرص استثمار في مشاريع جديدة أخرى , زيادة في دخول المواطنين , وارتفاع في النمو الاقتصادي بعيدا عن وجع راس القطاع النفطي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/27



كتابة تعليق لموضوع : ما شكل الاقتصاد العراقي بعد عامين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net