إعداد القائد في منهج الإمام علي (عليه السلام) 1
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنَّ من الطروحات الخاطئة، أو التي تشوبها الشبهات والشكوك هو قول بعض المسلمين وغيرهم بأنَّ الدين لا علاقة له بالسياسة، وأنَّ الدين له مجاله الخاص به، وكذلك السياسة لها مجالها الخاص بها، وهما نقيضان لا يلتقيان في الواقع، وغير ذلك من الكلمات التي تجعل الدين في مجال معين ومحدود، وكُلُّ ذلك -بصراحة وتجرد- أوهام وقصور، أو تقصير في الرؤية والغايات التي من أجلها خلق الله تعالى الإنسان، وسخر له ما في الوجود من موجودات، إذ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ ([1])، بل رفد الإنسان بقوى متعددة يستعين بها لتحقيق غاياته، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ([2]) وغيرهما من الآيات البينات التي تؤكد أهدافاً عظيمة من خلافة الإنسان في الأرض.
إنَّ تلك المقولات الداعية للفصل بين الدين والسياسة قد شجَّع عليها أعداء الدين الإسلامي، وقاموا بدعم تلك الأفكار لتصبح حقائق في الواقع، حتى غدت أو كادت أنْ تغدوا من المسلَّمات الشرعية أو العقلية، لولا بعض الأمثلة الرائعة في التأريخ الإسلامي والمعاصر اللواتي لو تدبَّرنا بها -حقيقة- لرأينا شدة العلاقة الوثيقة بين الدين والسياسة، وأول تلك الصرخات التي مزَّقت ذلك الثوب البالي وأثبتت بعض الأسس المقومة للسياسة في المنظور الإسلامي قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَٱللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْ لاَ كَرَاهِيَةُ الغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ)) ([3])، ويرى الباحث -بتواضع- أنَّ هناك رؤية غير واضحة وضوحًا إلهيًّا لمفهوم الدين في المستويين الفكري والتطبيقي ([4])؛ لذا يجب علينا التعمق في فهم مصطلح "الدين" وحدوده وأبعاده وغاياته لدراسة وحلِّ هذه الإشكاليات؛ لئلا يُجَرَّدَ من روحه الحية، التي تبعث في تعاليم الشريعة الحياة إلى يوم القيامة، بل يبقى غضًّا طريًّا على مر الدهور.
نحاول في صفحات هذا البحث أنْ نستضيء بكلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان أسس إعداد القائد وتربيته ليكون مؤهَّلاً لإقامة أحكام الشريعة المقدسة، وسوف تكون الاستضاءة بكلماته الخالدة لتلميذه "مالك الأشتر" لما أراد أنْ يوليه مصر؛ إذ تضمن كُلَّ ما يحتاجه القائد في تربيته لنفسه والمجتمع بكُلِّ أبعاده، والتي تؤكد مشروع الخلافة والحاكمية للإنسان في الأرض في ممارسة الحكم والسلطة، والسياسة للرعية والبلاد، وما دعاني لكتابة هذه السطور هو الأهمية البالغة في معرفة مفهوم القائد سواء على المستوى الاجتماعي أم السياسي؛ لما يمر به بلدنا من مرحلة تحوُّل وٱنتقال تأريخي للحكم في العراق، وخصوصًا ما تحتاج إلى معرفته الشخصيات السياسية والدينية، فليست تعاليم الإسلام مجرد كلمات ونصوص تُكتب وتُحفظ وتُردد، بل هي حياة للأمة، إذ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ ([5])، فالله تعالى قد مَنَّ على المؤمنين -اليوم- بالتمكين ولو بنسبة معينة فيجب عليهم أنْ يُأدوا ما عليهم من حقوق وواجبات؛ لنؤكِّد عظمة التشريع الإسلامي، وصلاحيته للتطبيق والتغيير في الفرد والمجتمع، وإقامة العدل، ونشر البر والإحسان، ورفع الظلم.
وكُلُّ ما تقدم لا يخفى على أحد أهميته في حياة الأمة، ولكنه في الوقت نفسه تحتاج إلى قيادة لها القدرة على التغيير في نفسها، ثم المجتمع، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾. ([6])
والإضاءات العلوية التي نراها من أسس تربية القائد خمس:
1- التمسك بالشريعة المقدسة ٱعتقادًا وعملاً -النظام والقانون-.
2- تهذيب النفس وتربيتها -النزاهة-.
3- التحلي بالعلم والحكمة -الكفاءة-.
4- الشجاعة والدفاع عن الوطن.
5- التحلي بالعدل والإنصاف.
فهذه الإضاءات الخمس إنْ توفَّرت في الإنسان كان قائدًا شاء أو لم يشأ، ويتوصل بها إلى تحقيق السعادة للآخرين.
وسيقوم البحث على مقدمة وتمهيد وإضاءات خمس فخاتمة،
ومسألة مهمة نود بيانها أنَّ البحث لم يقم بالاعتماد على دراسات سابقة في شرح ذلك العهد مطلقًا، وإنما قائم على قراءة ذاتية مستقلة للباحث يرى أنها تصب في حقيقة فهم تلك الإضاءات العظيمة، فلم يتم الرجوع إلى أي دراسة في ذلك، وإنْ لم يكن هذا المنهج مؤلوفًا لدى الباحثين، ولكن حاولت الاستعانة بما أملك من مقوِّمات فكرية متواضعة لقراءة ذلك، ولا أدَّعي كمالاً، بل هي مشاركة متواضعة .. نتمنى أنْ نوفَّق في بحثنا لعرض قراءة موجزة لهذه الإضاءات العلوية؛ لتكون دستور عمل، ومنهج بناء لحياة أمة.
- الإضاءة الأولى: التمسك بالشريعة المقدسة ٱعتقادًا وعملاً
-النظام والقانون-
إنَّ أولى الخطوات التي يجب أنْ يُربَّى على أساسها القائد ليكون مُعدًّا كقدوة للآخرين هو التمسك بتعاليم النظام الذي يمثله ويدعو الآخرين إليه، بل محاولة عدم مخالفته مطلقًا؛ ليجعل من القانون نظامًا عمليًا وتربويًّا لأبناء المجتمع، وقد أكد على ذلك المشرِّع للنظام الإسلامي في كثير من موارد نظامه في القرآن الكريم والسنة الشريفة، قال تعالى في حقيقة التربية للنفس والالتزام بالنظام وتوبيخ مخالفيه: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ([7])، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾([8])، فالآيات المباركة صريحة في الدعوة إلى التمسك بتعاليم النظام لكُلِّ فردٍ ليكون مثالاً لغيره.
والإمام علي (عليه السلام) لما كان ربيب الشريعة المقدسة قرآنًا وسنةً بذل كُلَّ ما بوسعه من أجل ترسيخ هذه المبادىء في نفسه أولاً، وفي تلامذته وأصحابه ثانيًّا، من أجل إعداد جيلٍ قد تربَّى في رحاب النظام الإسلامي لقيادة خير أمة أخرجت للناس، فقال (عليه السلام) في وصيته لمالك والتي هي -كما تقدم- مجموعة من المبادىء السامية لإعداد القائد وتربيته: ((أَمَرَهُ بتقوى اللهِ، وإيثارِ طاعتِهِ، وٱتِّباعِ ما أمرَ به في كتابِهِ من فرائضِهِ وسننِهِ التي لا يسعدُ أحدٌ إلا ﺑﭑتِّباعِها، ولا يشقى إلا مع جحودِها وإضاعَتِها، وأنْ ينصرَ اللهَ سبحانَهُ بقلبِهِ ويدِهِ ولسانِهِ، فإنَّهُ جَلَّ ٱسمه قد تكفَّلَ بنصرِ من نصرَهُ، وإعزازِ من أعزَّهُ)). ([9])
إنَّ هذا النص يؤكد على وجوب أنْ تكون التربية والإعداد وفق النظام والقانون، والذي يتمثل بتعاليم الشريعة المقدسة، وفقرات هذا المقطع تبين سبيل العلاقة مع الله تعالى -المُشَرِّع- لاستمداد الشرعية والقوة والتأييد، فهو يظهر أمورًا متعددة منها:
1- تقوى الله تعالى بعد الإيمان به.
إنَّ التقوى من المنازل الرفيعة والتي لها أثر بالغ في إصلاح النفس وتربيتها وإعدادها للدرجات العالية، وإجمالاً فقد حثت الشريعة المقدسة على الوصول إلى هذه المنزلة العظيمة، فهي سبب للمعيـة مع الله تعالى، قال سبحانه: ﴿وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ ([10])، وهي سبب محبـة الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ([11])، وهي سبب ٱستجابة الدعاء من الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. ([12])
فإذا كان الإنسان مع المشرِّع للنظام قولاً وعملاً، ومن محبيه ومُقَرَّبيه فأيُّ قوة سيمدُّه بها !! وأي سندٍ سيكون له !! لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلام): ((مَنِ ٱتقى اللهَ عاشَ قويًّا، وسارَ في بلادِ عدوِّه آمنًا)). ([13])
2- إيثار نظام الله على سواه.
إنَّ طاعة الله تعالى من أعظم الخصال التي يجب أنْ يُربَّى القائد عليها؛ ليكون مصداقًا حقيقيًّا لخلافة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في تطبيق الشريعة المقدسة، وأنْ يجعل نصب عينيه طاعة الله ورضاه، ويكون في رحاب عزه ورعايته، ويبتعد عن التفكير في عبادة غيره من معبودات تريد للإنسان الابتعاد عن رحمة الله وعنايته؛ لذلك نرى أنَّ الإمام (عليه السلام) يؤكد ذلك بلفظ (الإيثار) ومعناه كما ورد فيه: تفضيل المرء غيره على نفسه. ([14]) فالتأكيد واضح من الإمام على إيثار طاعة الله تعالى على كُلِّ شيء؛ لأنَّ فيها غنًى وعزًّا وكرامةً عن سواه، فإذا كان الإنسان هذا منهجه في الحياة والتعامل مع الآخرين فإنه سيجعل لنفسه شخصية قوية تتحمل هموم الآخرين، وتحقق لهم العدالة الاجتماعية ولو بنسبة معينة.
3- التمسك بفقرات القانون والنظام.
إنَّ من مقومات الشخصية القيادية هو الإيمان بالقانون والعمل به؛ لأنَّ هذه الشخصية هي التي تدعو الآخرين نحو تنظيم الأمور العامة، وإنَّ أغلب فشل القيادات السياسية والاجتماعية ومنها الإسلامية -بصراحة- هو الابتعاد عن تطبيق القانون والشريعة إذا تعارض مع أهواء النفس ومعطياتها؛ لذلك فإنَّ الشريعة المقدسة تؤكد ذلك في أول خطابتها للمسلمين، فنرى ٱقتران الإيمان بالعمل في جميع المجالات، وهو بالتالي ٱقتران الإيمان بالقانون مع التمسك بتطبيقه، قال تعالى في إحدى تشريعاته المقدسة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ ([15]) وغيرها من الآيات المباركة، فالإمام (عليه السلام) يشير إلى هذا في نص وصيته، وأنه سبيل السعادة والوصول إلى الغايات العظيمة، بل يحذِّر من تسويف ذلك وٱفتراق التطبيق بين الإيمان والعمل فإنَّ ذلك طريق الضياع والهلاك فيقول: ((ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها)). ([16])
4- نصرة القانون والنظام.
إنَّ نصرة القانون تكون دائمًا على قدر الإيمان به من جانب، وقدر تحقيقها للسعادة من جانب آخر، وبما أننا نتحدث عن التجربة الإسلامية للحكم فيجب أنْ يكون هذان الجانبان من أولويات التسليم لهما من الإنسان المسلم بصورة عامة، ومن الذين نقوم بتربيتهم لقيادة الأمة بصورة خاصة، وأنَّ هذا الإيمان يجب أنْ يُضَحَّى من أجله كُلُّ شيء؛ لترسيخ أسسه في المجتمع، والأمثلة في التأريخ الإسلامية والمعاصر كثيرة، ٱبتداء من سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في مدة حكمه وقبلها، مرورًا بالحوادث الكثيرة ومنها في الوقت المعاصر ما قدمه علماء الأمة من تضحيات من أجل الحفاظ على قوانين الشريعة المقدسة، ونصرتها بتضحياتهم، ومنهم على سبيل المثال السيد الشهيد "محمد باقر الصدر" (قده) وغيره، فتربية الإنسان على ذلك من أهم الواجبات بعد تعرُّفه على النظام وتطبيقه، فليست النصرة تكمن في أداء التعليمات المقدسة التي لا تعارض هوى النفس وتضحياتها، بل يجب أنْ يكون الإنسان عامة والقائد خاصة مستعدًّا دائمًا لذلك، ويتسابق مع الآخرين في تثبيت دعائم النظام الذي يعتقد به، لذلك قال تعالى مخاطبًا أولئك القادة بقوله: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ ([17])، فالآيات واضحة الدلالة في أنَّ تمكين المؤمنين لا يكون إلا بعد إيمانهم ونصر الله تعالى لهم، والآية المباركة جاءت في سياق ذلك إذ قال عزوجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ﭐسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. ([18])
وقد أكد الإمام على نوع النصرة وصورها، فجعل جميع الحواس متفاعلة مع العقيدة والإيمان بالنظام والقانون، وأنَّ نصر الله تعالى يكون على قدر الاستعداد لنصره، والقيام بذلك، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾([19])، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. ([20])
إنَّ ما تقدم نبذة موجزة عن هذه الإضاءة الأولى لتربية القائد وإعداده في منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) حاولنا قراءتها من خلال فقرة من فقرات عهده اليتيم.
([3]) الشريف الرضي، محمد بن الحسين: نهج البلاغة، شرح: محمد عبده، (مط النهضة، قم، ط1، 1412ﻫ): 2/180
([4]) إنَّ البحث على إيجازه يتضمن بيان مستوى معين يتعلق بالقائد وإعداده، ولم يتطرق إلى تلك المفاهيم والأقوال الواردة في معنى الدين وما يتعلق به، فذلك يحتاج إلى تفصيل يُخْرِج البحث عن جوهره.
([9]) الشريف الرضي: نهج البلاغة 3/83
([13]) الريشهري، محمد: ميزان الحكمة، تح: دار الحديث، (دار الحديث، الناشر: دار الحديث، قم، ط2، 1416ﻫ): 8/3627 باب (التقوى) الحديث (22381).
([14]) مجموعة مؤلفين، مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط مادة (الإيثار).
([16]) أي إضاعة الفرائض والسنن والتي هي تعاليم النظام الإسلامي وفقرات قانونه، فتارة يكون التضييع بعدم الاعتقاد، وأخرى بمخالفة العمل للاعتقاد، وهذا الذي نراه اليوم من بعض القيادات السياسية التي تؤمن بالنظام الإسلامي نظامًا متكاملاً، ولكنها تخالف بعملها عقيدتها بأسباب مختلفة، قد تكون حقيقة في الواقع، وقد تكون من أجل مصالح أخرى، ولكن النتيجة أنَّ ذلك يعكس في المجتمع صورة بأنَّ الشريعة المقدسة لا يمكن أنْ تطبَّق في الحياة المدنية العامة، لذا يجب علينا أنْ نقوم بتثقيف المجتمع على أمرين مهمين: الأول: بيان الفرق بين الإسلام كنظام إسلامي كامل وبين المسلمين الذين يتصدون لبعض المناصب القيادية السياسية أو الاجتماعية، والآخر: إنَّ الإسلام يؤكد في نظامه على المثُلِ والمبادىء الإنسانية وهي أساس تشريعاته دون المسائل المادية الخاصة، فيدعو -مثلاً- إلى إنفاق الأموال والقرض في سبيل الله تعالى مع ما فيه ظاهرًا من تعطيل المال أو نقصانه في الواقع الخارجي، ولكنه يحارب القرض الربوي مع ما فيه من زيادة الأموال والأرباح وإنْ كان فيه نقص للمروءة والإنسانية، وهذه مسألة مهمة جدًّا، وتُعَدُّ شاقة اليوم، ولكنها بالنتيجة ليست مستحيلة.
([17]) سورة الحج: الآية 41 ، فالله تعالى في نظامه العظيم يريد أنْ يبين وظيفة الإنسان عند تمكنه وتسلطه للقيادة، من حيث تطبيق فقرات الشريعة المقدسة لتحقيق العدالة الاجتماعية، فالصلاة مثالاً للعبادة ونشر تعاليم الله تعالى، وتحقيق إقامة الفرائض بشكل واسع، والزكاة مثالاً للقضاء على الفقر والفاقة والحاجة وتحقيق العدالة بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثالاً لإقامة الحدود وردع المجرمين والمعتدين، فليس التمكين في الأرض هو فتح أبواب المساجد والمراقد المقدسة وإقامة الشعائر جسدًا بلا روح، أو رفع شعارات إسلامية من غير تطبيق، أو القعود في البروج المشيدة وأبناء الأمة بأمس الحاجة إلى المأكل والمسكن وغيرهما، ولا يكون الاتصال بهم إلا عن طريق شاشات التلفاز أو صوت المذياع، فكُلُّ ذلك مخالف لحقيقة التمكين، ولحقيقة منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أعطى أنموذجًا عظيمًا للحكم والحاكم، وعلى كُلِّ مَنْ يفكر في أنْ يكون قائدًا بأنْ يقرأ فقرات هذا العهد اليتيم ليعرف قدر نفسه ومسؤوليته.
([18]) سورة الحج: الآيات 38-40 ، فلو تأمَّلنا في هذه الآيات المباركة لرأينا أنها حقيقة تتجلى في واقع المؤمنين في العراق، فالمرحلة الاستبدادية والقهرية التي مرَّت علينا لا يمكن للسان أو مقال أنْ يبين حقيقتها، ولكن الله تعالى كان مدافعًا عن الذين آمنوا، حتى مَنَّ علينا بصبح أسفر عن ليالي الظلم والظلمات، وخصوصًا لمن هم اليوم في المواقع القيادية السياسية والاجتماعية.
([20]) سورة المجادلة: الآيتان 20-21
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat