صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

الحسين الذي كفر بالطاغوت ...!
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال الأمام الحسين عليه السلام وهو يسمع البعض وهم يحذرونه من مغبة السفر إلى العراق  :[إني لاأرى الموت إلاّ سعادة ،والحياة مع الظالمين إلاّ برماً] .
وقال عليه السلام يوم عاشوراء وهو يقف مع القلة القليلة من أنصاره أمام الآلاف من أعدائه:[ والله لاأعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولاأقر لكم إقرار العبيد...
وقال عليه السلام وهو يبين منهجه ، ويوضح مقصده من ذلك الخروج :[إني لم أخرج أشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً ، وإنما خرجت لطلب الأصلاح ، لأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ،وأسير بسيرة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ] ..   
إن المسلم الحق إنسان يحمل بين جنبيه عاطفة صادقة جياشة تجاه الخلق أجمعين هذه العاطفة الصادقة هي التي تحمله على أن يدعو إلى الحق ويرحم الخلق ويمضي في طريقه يلقي إليهم بالثمر وإن رموه  بالحجر..
لأن شعاره[اللهم إغفر لقومي فانهم لايعلمون] وهو يرث هذا الشعار من الرحمة المهداة الذي وصفه الخالق العظيم فقال: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ]107 الأنبياء.
والرحمة الحقيقية تلزم صاحبها أن يوضح لمن سلك منهم سبيل الضلال أن نهاية سبيله الهلاك وسوء المآل ، ولو إستطاع إستعمل معه القوة ليمنعه، أرأيت والداً رفيقا رأى ولده متجهاً إلى هاوية من نار؟! بل إن هذا دليل الصدق في العاطفة والقوة في العلاقة الرابطة، بل هو غاية الرحمة كما عبر عنها تلميذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم  الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام  في تفسير قوله تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] آل عمران/110  فقال: خير الناس للناس من أتى بهم والسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام! .
ولم تفارق النبي المعلم صلى الله عليه وآله وسلم  رحمته ،بل كانت تلازم دعوته من أول يوم وهو يندد بآلهة المشركين ويعلن بأنها لا تنفع ولا تسمع ولا تضر ولا تدفع، ويضلل آباءهم ويسفه أحلامهم حين إحتجوا لما يصنعون بما كان يصنع أولئك الآباء الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون! .
ويشتد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحياناً في دعوته ، ويعلو في نبرته حتى يحمر وجهه وتنتفخ أوداجه ، ويلين أحياناً حتى تتندى عيونه الكريمة بالدموع حسرة على قومه ولسان حاله يقول:)يا ليت قومي يعلمون( يس/26... فإن للشدة في ظل الرحمة موضعاً لو جعلنا اللين فيه بدلاً، لم يبق للرحمة معنى أو جدوى، كما أن للين موضعه في ذلك الظل الظليل .
وقد تكون الشدة رداً بالمثل كما قال تعالى :[ فَمَنِ إعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا إعْتَدَى عَلَيْكُمْ ] (البقرة/194)، وقال تعالى :[ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ] (العنكبوت/46).
وليس من دين الله الصبر المستديم على الضيم أو الأعتداء، بل الحكمة تلزم المسلم أن يعرف متى يصبر ويعفو، ومتى ينتصر ويقسو ، وقد قال تعالى مادحاً : )والذين  إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ( (الشورى/39). فلم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم متناقضاً مع نفسه[ وهو الرحمة المهداة ] حين سمل أعين الغادرين من قبيلتي عُكْل وعُرَينة ، وقطع أيديهم وأرجلهم ، وتركهم وهم على هذه الحال في الشمس يستسقون الماء فلا يسقون ، ويستغيثون ولا يغاثون حتى ماتوا ! جزاءاً وفاقاً ، وإلا لعمّ الفساد وأمن العابثون فتجرأوا فزالت الرحمة من المجتمع ، إن هؤلاء قوم أفسدتهم الرحمة فحقهم أن يحرموا منها جزاءاً وشفاءاً وحماية للناس ...و رحمة بهم كما قال تعالى:[وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة/179) ، والقصاص موت ولكن .. لا بد منه أحياناً لتحفظ الحياة !
ولقد فرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم  - وهو يدعو الناس - بين الحق والباطل تفريقاً ما عليه مزيد ، أليس الكتاب الذي أنزل عليه هو (الفرقان) ؟! وصرح بفساد ما عليه المشركون تصريحاً ليس معه تأويل أو إبهام، وكذلك فعل مع اليهود والنصارى حتى قال لهم: [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ] (المائدة:86).
وفضح أحبارهم ورهبانهم فقال: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] (التوبة/34).
وواجه جمهورهم بالحقيقة المرة وهي أنهم [إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ] (التوبة/31) . بل فسّقهم صراحة ، وشهد لهم بالنار مع أنهم يعيشون معه في مدينة واحدة ، وبينه وبينهم وثيقة تعايش ومعاهدة ! لكن ذلك لم يحمله على أن يجامل أو يكتم عنهم الحق والحقيقة، [إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ( (الطارق/14).
إن اللين وحده ميوعة لا تليق بالجادين ، ولا تنبغي لحَمَلَة قضية صدقوا في حملها وجدوا في تبليغها ونقلها، إنما ذلك شأن الأدعياء الذين نذروا الدين لأنفسهم وليس أنفسهم للدين.. كما يدعون.
وإن الشدة وحدها غلظة وفظاظة تعبر عن عوج في النفس ، وضيق في الأفق لا يليق بمن سمت غايته ، ولا ينبغي لمن عظمت قضيته ، و( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ) ، وإن طريقه لطويل ، وغايته وراء الأفق - أو قل هي عنده - فمن أنبت وأشتد على طول الطريق تعب وأنقطع ، فلا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع،ولكن البعض تراهم يقولون  : دع الخلق للخالق ولا تتعرض لباطلهم بسوء،أو [خليه وهي تصفه]...! ولكننا نعلم أن لوجه الحق جانبين أوله جناحين لا يطير إلا بهما مجتمعين، أو قل: له عينان إحداهما تنظر إلى المعروف فتمدحه وتدعو إليه، والأخرى تنظر إلى المنكر فتذمه وتنكره و..تدعو عليه.
فالحق لا يُعرف ولا يبصر ولا يَستقيم إلا بأن يبين وجهه بجانبيه ،وينظر بعينيه، ويطير بجناحيه .وإلا كان مبهما أعور كسيراً وهو الواضح المبصر المستقيم.
من أجل هذا جاء في التنـزيل : [فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا إنْفِصَامَ لَهَا] (البقرة/256) ، فكان الكفر بالطاغوت قرين الإيمان بالله بل.. مقدماً عليه!
وقد أدى سيد الشهداء [عليه السلام ] والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه كل مايترتب على المسلم من فروض الجهاد والشدة مع الظالمين ،كما أدى الرحمة والنصيحة والعفو لجميع المسلمين من خلال موقفه يوم عاشوراء ،لأنه كفر بالطاغوت ،وآمن بالله ،فهداه الله إلى طريق الجنة راضياً مرضياً..فالسلام على الحسين وعلى آل الحسين وعلى أصحاب الحسين ..والحمد لله رب العالمين 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/01



كتابة تعليق لموضوع : الحسين الذي كفر بالطاغوت ...!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net