صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

ج4 قراءة في المقتل الحسيني
علي حسين الخباز
 ( شعرية المقتل )
من احدى اهم مهام الشعر تشكيل مسار مفاهيمي  ينقل لنا  الكثير من المفاهيم الانسانية  التي رفعت الواقعة الى مسار تضحياتها الكبيرة  ، فلاشك ان الشعر بطبيعته يجيد  التعبير  عن المواقف المهمة في حياة الامم  لكونه يتكيف مع الواقع بجميع اشكاله ، وقد مثل دورا حيويا في واقعة الطف المباركة  عبر العديد من المحاور 
1ـ الرجز ... 
يحمل الرجز اسمى الطاقات الزاخرة ببعث الهمم  في النفس الانسانية  ويستطيع بالمقابل ان يزعزع موقف  العدو داخل قيمه الروحية  المعنوية  .. ويتقدم لنا بمحور تعريفي مهم له الفاعلية  في تصميم وترسيم  الموقف فلو تأملنا رجز الحر  بن يزيد الرياحي  
( أني انا  الحر ومأوى الضيف ...
                            اضرب في اعناقكم بالسيف 
عن خير  من حل بارض الخيف 
                             اضربكم ولا أرى من حيف) 
ثم نتأمل في ابجديات  رجز وحيد في الواقعة لأمرأة  من الانصار ..
( انا عجوز سيدي ضعيفة  
                         خاوية بالية  نحيفة    
اضربكم ضربة عنيفة 
                        دون ابن فاطمة الشريفة ) 
وعلينا ان نعرف  ان قائلة هذا الرجز  كانت تحمل راس ابنها الذبيح  ورمت به رجلا  فقتلته وهي تقول لولدها  ..أحسنت يا بني  يا سرور قلبي وياقرة عيني   ومن ثم حملت عامودا  وهي ترتجز  وهذا الموقف  وحده هو رجز  فعلي دون قول  وأكبر من الشعر  ...  ثم نقرأ رجز  ابو بكر  بن علي  واسمه عبد الله 
( شيخي علي ذو الفقار الاطول  
                    من هاشم الصدق  الكريم المفضل 
هذا حسين  أبن النبي  المرسل 
                      عنه نحامي بالحسام المصقل 
                 تفديه نفسي من أخ مبجل )
ويرتجز جعفر بن علي  (ع) 
(أني انا  جعفر ذو المعالي  
            ابن علي  الخير ذي النوال 
حسبي بعمي شرفا  وخالي )
****
2) شعر الاستبصار 
ولااعلم هل يحق لي  تسميته استبصارا   واعني به  هو الشعر الذي يترجم  المشاعر  ويتبصر  عمل الرمز  والحدث  بدقة  ويروى من قبل الراوية  موضحا خصائص  الرموز الفكرية  والوجدانية  وموضحا القيم  التي افرزتها الواقعة  ثم ليحيط  بالرمز احاطة كاملة  ويعبر عنه بصدق  فنجده مثلا  يتحدث عن بلاغة  الحسين واهل بيته عليهم السلام 
( من جاء بالقول  البليغ فناقل  
                           عنهم وا لا فهو منهم سارق 
ساووا كتاب  الله الا انه 
                         هو صامت وهم الكتاب الناطق ) 
ونقرأ ايضا ... حين صرع مسلم  بن عوسجة  ، دنا منه حبيب  ، فرأى به رمق وقال له  عز علي مصرعك  يا مسلم ابشر  بالجنة .. فقال مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير .. ثم قال له  حبيب :ـ  لولا اني اعلم اني في الأثر  من ساعتي  هذه لأحببت ان توصيني  بكل ما أهمك  ، فقال  له مسلم :ـ فأني اوصيك بهذا واشار  الى الحسين عليه السلام فقاتل دونه  حتى تقتل :ـ 
( نصروك احياء  وعند مماتهم 
                    يوصي بنصرتك  الشقيق شقيقا 
أوصى بن عوسجة  حبيبا  
                     قال قاتل دونه  حتى الحمام تذوقا ) 
**** 
3ـ شعرية الجملة 
تمنحنا الشعرية  مساحة اكبر  للتأثير  وتعطينا  الاحساس  بحرارة الموقف  ومن احدى مميزات الشعرية خلق  التكثيف الجملي نحو المعنى  والارتكاز على  حيز الاعارة  المجازية  والتشبيهات البلاغية  .. فلنقرأ  مثلا قول الحسين (ع)  ( فلا  تغرنكم  هذه الدنيا فانها  تقطع رجاء من ركن  اليها ) او نقرا في جملة اخرى ( زحفتم الى ذريته  ...، أما  في هذا حاجز لكم ) أو قول زهير  ( اذا وقع  السيف  انفصمت  العصمة )  ولنعد الى قول  الحسين عليه السلام ( سللتم سيفا لنا في ايمانكم ، وتركتمونا  والسيف مسيم والجاش طامن )  او لنقف عن جملة جون رحمه الله  ( نفس علي بالجنة )  أو لنقف عن  حديث الراوية ( كان اصبح الناس وجها ) ( وكأن وجهه شقة قمر ) والاستشهادات كثيرة ، 
*** 
4ـ الخطبة 
تستوعب الخطبة  المعنى المباشر  لمضمون الاحداث  ومساراته  وتعكس لنا أراء  الرموز  وبصيرتهم  وتثير دواخل  كل حدث  لتعرفنا بالشخوص  وتفصيلات أدق عن معاناة  الرموز  ولنبحث  في مدلولاتها اثناء القراءة 
( المدلول الاول ... ) 
( ايها الناس  اسمعوا قولي  ولاتعجلوا  حتى أعظكم  بماهو حق  لكم علي ) 
تؤكد دلالة النهي ( لاتعجلوا ) الى عدة أوجه  استدلالية  منها ان الحسين عليه  السلام يدرك تماما ان أمرهم  بني على عجل  وحكمهم العاجل  على الامور قادهم  الى ان يقبعوا تحت ظل مصالحهم الآنية  ويقادوا الى التهلكة .. ثم  قد لايعرف  البعض منهم  اسرار  القضية  أو حرفت له  القصة باكملها  .. فالخطبة  كانت عملية افصاح وتبيان  حقيقة  الوقف  ولذلك نجد تغييرا  في اسلوب التخاطب بعد التبيان  .. والنقطة الثانية ..  الأدراك بحالهم  فهم احوج  الى الموعظة  والقيمة  الأهم في ( حق لكم علي )  فان الحسين  عليه السلام  إمام وتقع عليه مسؤولية واجب  تعديل الخطأ  والتنبيه عليه 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
( المدلول الثاني ) 
( حتى أعتذر  اليكم  عن مقدمي  اليكم ) 
لم يكن طبيعة هذا الاعتذار  ناتج عن خطا تقدير او عن زلة  لاسمح الله ارتكبها  سيد الشهداء  بل كان  تفهما بمهمته كإمام  ان يرشده هذه العقول  غير الناضجة  لمفهوم الرسالة ونوعيتها  حسب  فهمهم  للأمور  ، ونجد ان  الأعتذار  لم يطلب  الصفح  مثلا  بل طلب  التصديق  والقبول  والأنصاف  وهذه مرتكزات  يبحث عنها  اي مرشد  اصلاحي .. 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
( المدلول الثالث ) 
( ثم  اقضوا  الي ولاتنظرون ) 
وهذا يؤكد ان الحسين  عليه السلام ما كان يبحث عن شواهد لكسر الخواطر وانما كان يبحث عن استلالات  عقلية  تعطي الحكم  المنصف   والا فهو يؤمن  .. ان وليه  الله الذي نزل  الكتاب وهو يتولى الصالحين  
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
( المدلول  الرابع ) 
ارسل الحسين  (ع) اخاه العباس وابنه عليا الى النساء  وقال لهما ( اسكتاهن لعمري  سيكثرن بكاءهن )  فالحسين عليه السلام يدري بهذه الاشارة انه مقتول  لامحالة وهؤلاء القوم لاتصلح مقامهم خطبة مهما كانت مصداقيتها  وحقيقتها .. فما حاجة هذه الخطبة .. بلا شك سيكون الجواب  ان الهدف الاساسي  اثبات حجة ويحتمل الطرف الآخر المسؤولية 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
( المدلول الخامس ) 
يستخدم الحسين عليه السلام  اشد العبارات توبيخا   مما يشعرنا بقيمة الغضب الحسيني  من خلال مفردات  تظهر لنا هشاشة الاعداء  ( فناء ـ زوال ـ غرور ـ  شقاء ـ  فتنة ـ قطع رجا ـ خيبة ـ طمع ـ نقمة ) .. 
هذا يعني  امتلاك  صاحب الخطاب  للرؤية  الصائبة  والتي تمتلك تشخيصات دقيقة  لبلورة  مفهومه المعلن  وقدرته  على النظر داخل  النفس الانسانية  وأدراك قلق الذات 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
( المدلول السادس ) 
ثراء هذه الخطبة  يكمن في بحثها داخل النفس البشرية  .. انتبه للحسين عليه السلام لم ينكر ايمانهم بالله  وعهدهم للرسول (ص)  ومعنى هذا ان اي ايمان  لكم وانتم  بقى وانتم تقتلون  الأ الرسول (ص) اليوم 
****** 
5ـ الدعاء 
يؤآزر الدعاء  الحدث العاشومرائي لأعطاء عمق البنية النصية  ثم نجده يمحور الفكرة  باتجاه المقصد المؤثث  والاهم من كل هذه الامور  ان مفهوم الادعية يمنحنا  مدلولات كبيرة   عن مفاهيم اخرى عميقة المعنى كمفهوم البطولة في رؤى هذه الواقعة التي  اعتمدت على البعد الايماني ..  والدعاء  يعكس نمطا سلوكيا  عند رموز  الواقعة  فهو عامل من العوامل  النفسية المهمة  التي ارتكز  عليها  رمزنا  في السراء والضراء  وعند كل موقف  يلجأ  اليه يخاطب  ربه راجيا وداعيا  .. فنحن  نجد ان  تلك الأدعية  شكلت فيما بينها  قيما انعكاسية  استخدمت  كمحفزات  لتعرية  دواخل  الحدث التاريخي  والتوغل في اعماقه  .. وحين  نظر الحسين الى جمعهم  كأنه السيل  رفع يديه بالدعاء ..( اللهم  أنت ثقتي  في كل كرب  ورجائي قي كل شدة  .. وأنت لي  في كل أمر نزل لي ثقة وعدة ... وكم من كرب  يصعق  فيه الفؤاد  وتقل فيه الحيلة  ويخذل  فيه الصديق  ويشمت فيه العدو  انزلته بك وشكوته اليك رغبة  مني اليك  .. عمن سواك  ففرجته علي وكشفته  .. فأنت  ولي كل نعمة  وصاحب  كل حسنة  ومنتهى كل رغبة )  فلنتابع مفردات  الدعاء ثانية ( كرب ـ شدة ـ الأمر ـ نزل ـ ضعف ـ حيلة ـ خذلان ـ شكوى )  ونضع امامها  مفردات أخرى  ( رغبة  ـ فرح ـ نعمة ـ حسنة ـ ثقة ـ رجاء ) ولهذا يسود المعتقد بان الحسين عليه السلام  كان مهيأ  لنتيجة المعركة مسبقا  ... ندرك من خلاله هذه الثنائييات  بان الطف تختلف  عن باقي المعارك  والحروب  فهي واقعة  تأريخ  والنصر فيها  ليس نصرا  آنيا  فقيمة النصر  ما سيبقى للتأريخ   وتلك قراءة لايجيدها  الامن عرف قيمة الخلود ومعناهفالحسين توكل على الله  واعلن في ثيمات هذا الدعاء  بان الفرج والنعمكة والحسنة فيما أختاره الله  وهي الشهادة  وتلك رغبة الحسين لكونها مسعى من مساعي رضى الله سبحانه وتعالى   .. وهذا الشأن يوضح لنا  الموروث اليقيني  كون هذا الدعاء هو دعاء النبي  (ص)  يوم بدر  ونقطة التركيز تدور عن شرعية  الرث المحمدي  فهمامة  الحسين عليه السلام هي عمامة جده  النبي (ص)  والسيف سيفه ودعاء الرسول دعاءه ،  ولو تأملنا في حيثيات  الدعاء الحسيني عند نزول  علي الأكبر عليه السلام  الى ساحة  المعركة  ( اللهم  كن أنت الشهيد  عليهم فقد برز اليهم  غلاما اشبه  الناس  خلقا ومنطقا برسولك  وكنا  اذا اشتقنا  الى نبيك  نظرنا اليه ) أو نجد مثل هذا  المفهوم  في خاتمة  دعاءه ( الهي تعلم انهم يقتلون  رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره ) 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/02



كتابة تعليق لموضوع : ج4 قراءة في المقتل الحسيني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net