المرجعية الدينية العليا : المجتمعات لا تحب الناصح الذي لا غرض له إلا الهداية

أوضحت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ التاريخ يعيد نفسه في مجتمعنا، وبيّنت أنّ المجتمعات في كثيرٍ من الحالات لا تحبّ الناصح الذي لا غرض له إلّا الهداية، والمأمون في النصيحة لا يعرف الغشّ حتّى لو اتُّهِم جزافاً. 
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف اليوم الجمعة (10شعبان 1439هـ) الموافق لـ(27نيسان 2018م) وكانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزُّه) وهذا نصّها:
إخوتي أخواتي.. قال الله تبارك تعالى في سورة الأعراف: بسم الله الرحمن الرحيم ((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴿65﴾ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿66﴾ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿67﴾ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴿68﴾)).
هذا المطلب المهمّ، وهي هذه المحاورة التي حدثت بين الناصح الأمين وبين قومه ومن عاش معهم، القرآن الكريم –إخواني- يتكلّم عن بعض القواعد بمنتهى الروعة، وأنا قلتُ عندما نذكر هذه الآيات في الخطبة الثانية ليس المقصود هو التفسير الحرفي، وإنّما نطلّ على هذه الآية وكأنّنا نعيش مع قوم هود ونستمع لما جرى ما بين هود وبين أتباعه.
القرآن الكريم –إخواني- يتحدّث برؤوس المطالب، إن كان لك أخٌ وتريد أنت أن توجّهه الوجه الصحيح، ماذا عليك أن تقول؟! فقط عليك أن تبيّن وترشد وفي بعض الحالات تبيّن مساوئ الطريق الذي سلكه وتوضّح، أكثر من ذلك لا تتمكّن، هو عليه أن يسمع وعليه أن يلتفت أنّ هذه النصيحة فائدتها لي؟ أو فائدتها لمن نصحني أوّلاً؟ وبالذات الفائدة الحقيقية، هذا الحوار هو حوار اجتماعي، نعم.. من جهة نبيّ ودين نعم، لكن أنا أتكلّم الآن عن حوار حدث في مجتمع، التاريخ يعيد نفسه فهذه المجتمعات دائماً ومجتمعاتنا أيضاً ومجتمعات غيرنا أيضاً وما يأتي، هناك حالات اجتماعيّة ما بين ناصح وما بين قوم يشترط أن يُنصَحوا، لاحظ العبارات التي استخدمها الناصح والعبارات التي استخدمها القوم.
دقّقوا معي بطريقة هذا الحوار، كما قلت في الكلّيات، أنّ القران يتكلّم بقواعد الكلّيات، أوّلاً قال: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ) لاحظوا هذا التعبير الجميل الوديع، ليس غريباً عنهم بل هو منهم، أخوهم يعرفهم ويعرف طبيعتهم، عاش معهم وأراد الآن أن يوجّه لهم هذه النصائح، ماذا قال هذا الذي عاش معهم وهو نبيّ الله هود؟ (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) لم يقل: اعبدوني، قال: اعبدوا الله، هذه حقيقة أنّي أوجّهكم الى حقيقة أنتم في غفلةٍ عنها، نعم.. ولكن جحدتموها لمصالح فماذا قال؟ (ما لكم من إلهٍ غيره) على نحو الواقع، فقط هذا الطريق الذي يُنجيكم، الكلام ليس لي فأنا نبيّ من الله تعالى، وإنّما أخاطبكم أوجّهكم وأنصح، كما ستأتي الإشارة الى ذلك.
لاحظوا في هذه العبارة، أنّ القرآن الكريم أوّلاً يستعمل (أخاهم)، ثانياً حوار (قال لهم اعبدوا الله)، ثالثاً قد بيّن السلبيّة بأنّه (ما لكم من إلهٍ غيره)، رابعاً على نحو الحثّ (أفلا تتّقون)؟ أنتم إذا سمعتموني وأنتم إذا توجّهتم اليه أفلا تتّقون؟، أنا أدعوكم الى أمرٍ واضح جدّاً، لاحظ الجواب.
المجتمعات في بعض الحالات وفي كثيرٍ من الحالات لا تحبّ الناصح لأسبابٍ نحن الآن لسنا في معرض الكلام عنها، (قال الملأ الذين كفروا من قومه) لاحظوا أنّ القرآن دائماً يعبّر عن الملأ بالطبقة الراقية، طبقة النفوذ، طبقة النفوذ أو طبقة السلطة وطبقة الاستفادة، هؤلاء هم الطبقة المهمّة، هؤلاء سيتضرّرون جزماً، كما قلنا في الخطبة الأولى هؤلاء يصطادون على ضعفاء النفوس وعلى الجهلة، كاهن جالس فيما يدّعي على عرشه وتأتي الناس بهذه الطيّبات والنذور بزعمهم أنّ هذه هي التي تُحيي وتُميت وترزق وتدفع ووووو.
قطعاً الملأ المستفيدون سيعترضون، لاحظوا التّهمة لم يقل: قال القوم، بل الملأ الذين كفروا من قومه، يعني الطبقة النافذة والمتنفّذة في المجتمع وهم من قومه أيضاً، ماذا قالوا؟ (إنّنا لنراك في سفاهة) ولم يقولوا قولوا له إنّه سفيه -والعياذ بالله-، بل خاطبوا نبيّ الله هوداً(عليه السلام): (إنّنا لنراك في سفاهة)، إمّا أنت جاهل أو سفيه، طبعاً لبلاغة القرآن عبّر عنها -نراك في سفاهة- ومعنى السفاهة أنّ الإنسان لا يفهم شيئاً، وهذه من أكثر الاتّهامات التي يتحمّلها الأنبياء إخواني.
إنّ الأنبياء تحمّلوا من قومهم ما تحمّلوا، وهذا ديدنُ المصلح الذي ليس له غرض سوى الهداية، (وإنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين) وهذه تهمةٌ جاهزة على طول الخطّ، يستعملها المتنفّذون للنكاية بالمصلحين، لا يستطيعون أن يسمعوا وأن يقولوا ما دعوتنا اليه حق أو أعدْ علينا لعلّنا نسمع، (قال يا قوم ليس بي سفاهة)، أنا عاقل، أنا مدركٌ ما أقول، (ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين) أنتم لا تعرفون، اسمعوا أصغوا أطيعوا وتعلّموا، ثمّ قال (أبلّغكم رسالات ربّي) ليس عندي وظيفةٌ أخرى أو مطمع بل (أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمين)، وأنا مأمونٌ في النصيحة لا أعرف أن أغشّكم حتّى وإن اتّهمتموني بالسفاهة، لكن أبقى أنا أنصح لكم.
في دعاء مكارم الأخلاق الذي قرأناه قبل سنوات، جاء ما مضمونه: (ووفّقني الى مَنْ غشّني بالنُّصح)، أنا أعلم أنّ فلاناً يغشّني لكنّ تكليفي أن أقابله بالنُّصح، أن أقابل من غشّني بالنّصح، يقولون عنه سفيه أو يقولون عنه كذّاب، هو يقول: لا.. وإنّما أنا ناصحٌ أمين.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الأذن الواعية والأذن التي تسمع النصيحة من الناصح الأمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، تابع اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّ اللهمّ على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/27



كتابة تعليق لموضوع : المرجعية الدينية العليا : المجتمعات لا تحب الناصح الذي لا غرض له إلا الهداية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net