صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

طهران ... عقدة العلم السفارات 1-2
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تعاطفي الشخصي مع الثورة الاسلامية في ايران يتجاوز بُعدَيهِ الديني والطائفي الى عامل آخر، وهو اني عايشت ارهاصات هذه الثورة منذ بواكيري وبواكيرها ، حيث تفجرشوطها الختامي في البدء على شكل كتابات احتجاجية خائفة على أبواب المرافق العامة لتنتقل بعدها الى منشورات خجولة على طاولات المكتبات العامة ،  ومن ثم الى شعارات احتجاج على شكل لوحات بخط التعليق الساحر على الجدران الخارجية للابنية المهمة وخاصة المساجد ، كانت تنفذ ليلا بعيدا عن اعين عناصر الساواك التي كانت مزروعة في كل مكان . كمعلومة اعتراضية فان كلمة ساواك - وهي بالواو وليس الفاء كما يكتبها البعض - التي كانت تشير الى منظومة المخابرات الايرانية في عهد الشاه هي كلمة اوائلية لـ " سازمان أمنيت واطلاعات كشور" وتعني باللغة العربية منظمة أمن ومعلومات البلد " وتقابلها مؤسسات المخابرات والاستخبارات في البلدان العربية . هذا التعاطف القديم دفعني لابرر الكثير من الممارسات التي اقدم عليها الشعب الايراني كرد فعل للظلم التاريخي الذي وقع عليه من القوى الكبرى قديما وحديثا، وقد تجلى هذا الظلم باجهاض ثورة الدكتور محمد مصدق الوطنية . مع مرور السنوات وتحول ايران من بيئة الثورة الى بيئة السلطة ، ومع خفوت السكرة ومجىء الفكرة بدأت اشعر بانحسار هذا التعاطف تدريجيا كون ايران لم تستطع التخلص من عقدة الظلامة التاريخية التي تراودها وبدت لي لا هي بسلطة ثورة ولا هي دولة مدنية قائمة ، وظهرت  لي هذه التركيبة المتناقضة اكثر تعقيدا مع جنوح ايران نحو التزود بتكنولوجيا الذرة والنواة. ولان شعوبنا على دين ملوكهم فان الشعب الايراني كغيره تبدى لي وكانه يساق الى حتفه بالعصا كما يصف الجواهري الشعب العراقي في مقصورته . وما كنت انظر اليه بهالة قدسية واعني به السيد الخامنئي تحول في نظري بمرور الايام الى دكتاتور روحاني بجبة وعباءة متوجتين بعمامة رسول الله . فقد بنى له بمرور الايام سلطة هي دون سلطة الخالق هبطت لتتحكم بمصائر المخلوق ، وقد زينت له حاشية مداهنة هذا الانجاز واستطاع خلال عقد من الزمن ان يتحول الى الصوت الذي لا يعلوه صوت والراي الذي لا يجرؤ على معارضته رأي. ففي ايران الحديثة يكفي ان تكون قيادة تشكيلات حرس الثورة " سباه باسداران " الى جانبك فان "المجد" من اطرافه سيكون تحت ابطيك . وللحق والحقيقة اقول ان الشعب الايراني عموما شعب متحضر وقد تجلت لي هذه الصورة قبل اندلاع الثورة على الشاه واثناءها وما بعدها في اكثر من ظاهرة . اتذكر انني زرت مجمعا لقصور الشاه محمد رضا بهلوي في شمال طهران قبل عشرين سنة اي في عام الف وتسعمئة وواحد وتسعين وهو مجمع سعد آباد ، وقد هالني مستوى التنظيم الفائق والحرص الخرافي على صيانة ممتلكات الشاه وعرضها وفق معايير عالمية للعرض . واذ انسى، لا انسى خزانة الملابس التي كانت تضم ازياء " الشهبانو فرح" حيث كان باب الخزانة مفتوحا لفضول الزوار وتستطيع من قرب ان تطلع على محتوياتها وقد رصفت كما كانت عليه ايام عز العائلة المالكة. والمجمع ، بمسطحاته الخضراء الواسعة وحدائقه الغناء ، من السعة بحيث تم تسيير حافلات انيقة للتنقل بين ابنيته الفخمة ولعل ابرزها - بالنسبة لي على الاقل - كان المبنى المخصص لعرض هدايا الرؤساء وكبار الشخصيات في العالم آنذاك . واتذكر هدية من الرئيس الصيني الراحل ماوتسه تونغ وكانت على شكل لوحة بالغة الجمال متوسطة الحجم شفافة يمكن مشاهدتها من الجهتين . كما اتذكر لوحة تشكيلية مهداة من هنري كسينجر واخرى لرسام فرنسي كبير افترض ان احد القادة الفرنسيين اهداها للشاه . وكانت القاعة تغص بروائع الهدايا والتحف لعل بعضها عربيا .استطعت ان اميز ذلك من خلال وجود عدد من السيوف والخناجر وادوات العنف الاخرى التي لا ينصرف الذهن انها هدايا جاءت من سويسرا او السويد ، فهي في احسن الاحوال ستكون قادمة من اليمن او عمان او السعودية . وجلب نظري سجادة فارسية عملاقة ، بنقوش وزخارف والوان تبهر الناظرين ، غطت قاعة استقبالات لا تقل مساحتها عن 300 متر مربع ، وقد اشار التوضيح الذي كان ملصقا الى جانبها الى ان فريقا من ابرع الفنانين الايرانيين حاكوا هذه السجادة النفيسة في نفس المكان الذي فرشت فيه . فضلا عن كل ذلك فان المجمع الملكي بحد ذاته بمثابة قلعة فخمة تشرف على العاصمة طهران من ضلعها الشمالي ولعل في ذلك حصانة امنية له ولساكنيه . كل هذه المشاهد استعدتها كشريط فديو ملون في مخيلتي عندما شاهدت عبر اجهزة التلفاز اخواني العراقيين وهم يسلبون وينهبون انفسهم بعد سقوط الطاغية صدام التكريتي . فلم يبقوا ولم يذروا . واتذكر جيدا انني تسمرت امام الجهاز وانا اشاهد امراة بعباءتها السوداء كانت تحمل على راسها الصندوق الضوئي الذي تستخدمه سيارات الشرطة على سقوفها في حالات الانذار القصوى ، وعندما سالها المراسل عن الانفال التي ظفرت بها قالت : ما أدري ، شفت الوادم تفرهد ، آنه هم حالي حالهم . هؤلاء نحن وهذه الفاكهة الشهية التي نتلذذ باكلها اليوم هي حصاد ستة آلاف سنة حضارة لا يستحي الجهلة من التفاخر بها بمناسبة وغير مناسبة ، وهذه الالاف الستة هي شريط متصل من اللعنات التي تدمغنا على يوافيخنا في كل آن لاننا اسأنا ونسىء لحرمتها في كل آن

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/04



كتابة تعليق لموضوع : طهران ... عقدة العلم السفارات 1-2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net