صفحة الكاتب : د . عادل عبد المهدي

الحكومة الناجحة القوية.. حكم المؤسسات والدستور والقوانين
د . عادل عبد المهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

باعلان النتائج الانتخابية النهائية انجزنا مرحلة خطيرة ومهمة.. وتواجهنا الان مرحلة اكثر خطورة وصعوبة. كنا ندرك منذ المعارضة، ان عملية التغيير في اي بلد تتطلب امرين متناقضين، لكنهما متكاملين.. أ) الانقطاع عن كل ما هو طالح ولم يعد نافعا من الماضي.. ب) الاستمرارية مع كل ما هو فاعل ونافع وضروري.
لهذا عند اعداد الدستور كانت هذه الرؤية حاضرة، فخُصص الباب الاول للمبادىء الاساسية، والباب الثاني بفصلين، الاول للحريات واخر للحقوق (الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).. لتخصص باقي الابواب للسلطات والاختصاصات والسياقات،الخ. فهناك مرجعية دستورية توضح علامات الانقطاع عن الفلسفة القديمة، وعلامات الاستمرارية الحاملة لكل ما يتجاوز الظرف والزمان من تراكمات تمثل مكاسب موروثة.
ولعل اغلبيتنا لم تدرك اهمية هذه المعادلة، بل لعل البساطة او حتى التسطح الفكري قاد لمقلوب المطلوب. فحافظنا على الكثير من سلبيات الماضي، ولم نؤسس بعزم لحاضر ومستقبل جديد. فصارت الاشياء تتضارب وتعطل بعضها.. فبقيت تشريعات ومؤسسات الماضي لتتضارب مع دستور ومؤسسات الحاضر.. وتصور البعض ان ادارة الدولة يمكن ان تتم بنفس اساليب وادوات وعقلية ولغة المعارضة. ففي معارضة الاستبداد والنظم اللاديمقراطية، يتوجه الجميع نحو هدف واحد، وهو إضعاف النظام وكسر القانون، لان الهدف هو كسر قيود القوانين والانظمة التي وضعت لاسر الناس واضطهادهم وكبت حرياتهم وانتزاع حقوقهم. فكان يمكن ان تستمر وحدة الحراك، حتى ان اختلف الفرقاء، وتصادموا وادان بعضهم بعضاً، وكانت لكل منهم وسائله وادواته ومواقفه ولغته، التي يعتقد انها الاصلح لاضعاف النظام وتغييره. فهذا يحمل السلاح.. وذاك يداهن ويفاوض ويضغط  ليخترق النظام.. واخرون يلجأون للحل الخارجي.. وغيرهم  للتظاهر والتنظيمات والمطالبات القانونية وحقوق الانسان، الخ. فوحدة الهدف، كانت كفيلة بتحقيق وحدة الحراك، فكان بالامكان التقدم وتحقيق النجاح رغم كل الظروف. اما في ادارة الدولة فالامر يختلف جذرياً. فبدون رؤية موحدة للسياسة والامن والاقتصاد والاجتماع سيكون من المتعذر ادارة الدولة. فلا البرلمان يستطيع ان يتفق على منطلقات وخلفيات تسمح بالتشريع المنسجم، ولا السلطة التنفيذية او القضائية تستطيع ان تعمل على تحقيق اهدافها.
تعني الدولة النظام وتطبيق القوانين التي يحترمها الجميع، فلا تقبل خرقاً لا في الوسط الاجتماعي ولا في مؤسسات الدولة ولا في العلاقات الخارجية. فوحدة الحراك ووحدة الرؤى تتطلب هنا احترام القانون والنظام والانصياع له وقبوله، لا الخروج عليه. ووحدة الحراك هنا لم تعد الاختلاف في الفلسفة والخلفيات التي تنظم رؤى الدولة بل في احترامها ووحدتها، لا يغير من ذلك الاختلافات الايديولوجية والسياسية في اطار الحريات والحقوق العامة المقرة قانونياً ودستورياً. فلتحقيق التغييرات لا سبيل الا بما يسمح به القانون المتطابق مع الدستور، لتتوقف كل الاعمال خارج القانون او النظام او ضدهما. لهذا نقول ان العملية التاريخية للانقطاع والاستمرارية لم تتحقق. فاستمرت اغلبيتنا تزرع الفوضى واللانظام في المجتمع والدولة.. ولم تحدث عملية الانقطاع عن كثير من تشريعات وممارسات الماضي، مما جعل الوضع يبدو لكثيرين وكأن الماضي هو افضل من الحاضر، إذ كان يحقق على الاقل امراً ما، بينما الحاضر مملوء بالفوضى والتناقضات وعوامل الفشل.
هذه امور اساسية لقيام حكومة ناجحة ودولة قوية. فالأهم في العملية اليوم ليس الاشخاص، رغم ان اختيار الاشخاص الذين يفهمون عمل الدولة ويحترمون الدستور والقانون امر ضروري، نقول ان الاهم هو اقرار وتفعيل القوانين والمؤسسات والتشريعات السابقة والجارية المطابقة مع الدستور، لتكون هي محور الحركة.. والتوقف عن جعل عقل وقرارات وسياسات ومصالح الفرد هي المحور الذي تدور حوله الحركة.. فعندما نعرّف الحق الذي يجب ان يجسده الدستور والقوانين، يصبح امراً واضحاً وسهلاً نسبياً تمييز المناهج الصحيحة عن الخاطئة.. وتمييز الاكفاء والصالحين عن غيرهم.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عادل عبد المهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/23



كتابة تعليق لموضوع : الحكومة الناجحة القوية.. حكم المؤسسات والدستور والقوانين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net