صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في..  مسرحية (الحسين عليه السلام واقف في يساري.. للشاعر محمد علي الخفاجي)
علي حسين الخباز

 سعى الشاعر والكاتب المسرحي محمد علي الخفاجي في مسرحية (الحسين عليه السلام واقف في يساري) بالارتكاز على شعريته العالية في صياغة النص المكثف القادر على اضاءة المعنى، وتوظيف الحقل الدلالي بخصوصية تعريفية لمقدمة مسرحيته، وضح فيها: (انها دراما شعرية تزاوج الشعر والنثر بصياغات جديدة ومعالجة تخرج عن الخط التقليدي للحدث؛ لأنها ترى أن الصراع الحقيقي انما هو صراع القيم لهذا أهمل ذكر السيف والرمح والدم والدموع)، استطاع الشاعر الخفاجي أن يستلهم المنجز الحداثوي، ويستثمر العمق الشعري وسعة الدلالة من أجل تأكيد الحضور الفكري، بواسطة ومضات شعرية شكلت حضوره المسرحي: 
 (قمم الظلمة مهما ارتفعت واطئة/ ص15)، وتأتي هذه الومضات منسجمة مع الاسترسال الجاملي، فهو يقوّم لنا معنى الواقعة بموجهات اشارية تعرف من خلال قصدية الإشارة، تحتكم الجملة الشعرية على ارتباطات المبنى الداخل النصي لنقل المعنى، تلعب الخبرة دوراً في إمكانية انتقاء ما يساير النص ليتمتع بعذوبة شعرية عبر الحوار النصي، ولينشط فاعلية السرد واحداث الواقع التاريخي وبناء النص بجمالية موقفه الإبداعي: (كيف ستخرج تلك البيعة من عنقي؟/ وهي على ذمة عهد لي / بين معاوية وأخي/ من قبل اتهموا بالصمت أخي/ وهم اليوم يتهموني لسكوتي/ كيف يتهم الشجر اليانع بالخضرة والورد بفتنته/ ص15).
 تغير المفردة الشعرية موقعها القاموسي، وتدخل داخل النص المسرحي بقيمة أخرى وبموقع آخر، وتبعث حيوية المعنى بايحاءات تتجاوز مكنونها الحرفي، وهذا ناتج اطلاع معرفي على ثقافة المفردة ليرفد جمل نصه المسرحي بتراكيب ودلالات جمالية تبهر المتلقي وتجذبه الى عوالم النظير الموضوعي، فنجده استخدم مفردة النضوج بتدفق شعري يكشف صلافة الفتنة: (فالفتنة قد نضجت في الناس/ وسالت كحساء ساخن ص21) ويترك فضاء وجدانيا غاضبا، يكشف عن خشونة العواطف في طف كربلاء هو لا يروي لنا الواقعة بل يعيشها من خلال أجواء الحوار، ليتقنع بإبطال السرد التاريخي يبوح بضمير شعري يستغرب مما يحدث فهو في حوار مسلم بن عقيل: (لماذا لون الدرب بدا في البعد كلون الحبر/ والناس به/ كظلال مشتبكة/ أم بصري زاغ وخف الرمش فصار يرف رفيف فراش في شبكة/ ص26).
 طوع الشاعر الخفاجي الومضة الشعرية الى نصه المسرحي؛ ليعتمد على أساليب متعددة، ومنها الازاحة التي ستسهم في خلق جمالية جذب وهي تجسد احداث الواقعة التاريخية، وليحقق بهذا الانزياح الدلالي روح التواصل مع المنجز النصي وهنا تكمن قدرة الكتابة لتمازج بين الفن الشعري بفنية النص المسرحي: (ولج الكوفة مرتديا ظل امام/ حتى ان صدقه/ ص32).
دلالات تعمقت بتوظيفها الفاعل للغة، أصوات تتفاعل داخل الحوارات وتفاعلها بنفس وجداني يستنكر على ما يحدث من اعمال سلبية ضد الحسين (عليه السلام): (ايتها الشمس/ كيف بوسعك ان تشعي/ على هذا الظلم الذي لا يطاق/ ص120).
يزيد الشاعر الخفاجي (رحمه الله) من فاعلية النص وتماسكه ويقوي بنية الحوار بفردانية إمكانية متميزة في صياغة المفردات التي تجسد حيويته الشعرية، لتكون للجملة اندهاشية كبيرة ففي حوار زينب (عليها السلام): (بماذا أخاطبهم؟/ وظهر عبارتي مكسور/ بماذا أخاطب هؤلاء/ الذين اطلقوا اللحى وكبلوا العقول/ ص117)، ونقرأ: (سيظل الباطل نطقا لا صوت فيه/ ص101)، ان تكون تلك الاستخدامات شعرية فهذه مقدور عليها، لكن أن تدخل تلك الشعرية في سرديات النص المسرحي الذي يمتلك طبيعة خاصة له افقية التنامي ليدخل الاحداث بمقومات حبكة تتبع استحكامات الواقع التأريخي المتعالق مع الوجدان العام، فلابد للمسرحي ان يستخدم التقنيات النصية المتاحة لتجسيد ذلك الواقع التأريخي مع ان الشاعر الخفاجي (رحمه الله) لا يريد نقل الواقع حرفياً ولا يريد للغته أن تكون معقدة وغامضة غير مفهومة، بل يريدها حية فاعلة، نجد بعض الحوارات تمتلك اكثر من فعل شعري مثلا كتب في حوار محمد بن الحنفية:ـ (برحيل أخي امتلأت غابتي بأوراق الضجر/ وصار صدري زقاقا مسدودا/ ليكاد قلبي يختنق فيه/ او يفر منه/ فرار طيور في الظلمة/ من أدخنة الحطابين/ ص76).
هذه الومضات لها إمكانية اخراج السرد عن اللغة الكانكانية المكرورة، والتي تعمل بصياغات توثيقية جديدة تعبر عن روح التأريخ، فيضفي جماليات شعرية اللغة المعبرة والقادرة على التجذر في الذاكرة الإنسانية: (في الحزن الغامق اللون/ ترتجل الشجاعة/ ص74) أو لنتأمل في شعرية هذه الجملة: (والطيور الاوابد/ هي تلك التي تستطيع/ أن تطير في الظل، وتعاند الريح/ ص71).
 لقد حمّل الشاعر الخفاجي نصه ومضات ايحائية تضمن قوة الجذب التأثيري والحضور الدائم في ذهنية متلقيه، قرصات شعورية اندهاشية تعبر عن لحظات تأملية انتثرت على طول جسد النص، منها ما تلمح لتفاصيل الحدث في حوارية الحسين (عليه السلام): (ظل الأمر لما بعد اليوم تعفن/ ص53)، ومضة اخرى في نفس الحوارية: (الوقت الآن يضع العمر على نهر يجري) او في حوارية مسلم بن عقيل: (سأمنح من يعرج منهم عكازا حين يهرب/ ص28) مع جمالية العنونة التي تحمل الكثير من جمالية التأويل، وهناك ومضات عالية القيمة لا يسعنا الاستشهاد بها لضيق المساحة، لكن تبقى عندي هذه اللغة تشكل مسرحاً لوحدها تحقق الفرجة الجمالية برؤى دلالية تخيلية قادرة على استظهار المكنون التأريخي لقراءة معاصرة، وتشكل صياغة الفكرة أثراً فنياً، رحم الله مبدعنا الشاعر محمد علي الخفاجي، وخير هدية له قراءة سورة الفاتحة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/31



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في..  مسرحية (الحسين عليه السلام واقف في يساري.. للشاعر محمد علي الخفاجي)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net