صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

أمر ونهي ... في (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى في مُحكم كتابه العزيز: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
أن القرآن الكريم كله حكمة فهو يمنح البشرية أُصول الحياة ولو أنها تمسكت بها لعاشت عيشة راضية في الدنيا، ولتمنّت القرب من الخالق الحكيم عزوجل. والحكمة قد تختص بالطعام والشراب، فتقول كلمة واحدة تحوي جميع أصول هذين الأمرين وهي ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾. المصدر: في رحاب القران، ص17. ففي الآية أمر ونهي وكل من هذا الأمر والنهي ضروري لاستمرارية الحياة بشكل صحي سليم بعيداً عن نقص التغذية وبعيداً عن السمنة المفرطة وإمراضها. المصدر: الأعجاز العلمي في القران الكريم، ص25.
وعليه إنّ عبارة ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ وإن كانت تبدو للنظر أمراً بسيطاً جدّاً، إلاّ أنّه ثبت اليوم أنّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصحية، وذلك لأنّ تحقيقات العلماء توصلت إلى أنّ منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة الإضافية الزائدة التي تبقي في بدن الإنسان إنّ هذه المواد الإضافية تشكل من جانب عبئاً ثقيلاً على القلب وغيره من أجهزة الجسم، وهي من جانب آخر منبع مهيَّأ لمختلف أنواع العفونات والأمراض، ولهذا فإنّ الخطوة الأُولى لعلاج الكثير من الأمراض هو أن تحترق هذه المواد الزائدة التي تمثل ـ في الحقيقة ـ فضلات الجسم، وتتم عملية تطهير الجسم منها عملياً.
إنّ العامل الأصل في وجود هذه المواد الزائدة هو الإسراف، والإفراط في الأكل والبطنة، والطريق إلى تجنب هذه الحالة ليس إلاّ رعاية الاعتدال في الأكل، وخاصّة في عصرنا هذا الذي كثرت فيه أمراض مختلفة مثل السكري، وتصلب الشرايين، وأنواع السكتة، وما شابه ذلك من الأمراض التي يُعدّ الإفراط في الأكل مع عدم الحركة البدنية بالمقدار الكافي أحد العوامل الأساسية لها، وليس هناك من سبيل لإزالة هذه الأمراض وتجنبها إلاّ الحركة البدنية الكافية، والاعتدال في المأكل والمشرب. المصدر: تفسير الأمثل.
وقد نقل العلامة الطبرسي في مجمع البيان قصة رائعة في هذا المجال وهي أنّه: حكي أنّ هارون الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان.
فقال له علي: قد جمع الله الطب كلَّه في نصف آية من كتابه وهو قوله: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ وجمع نبيّنا(ص) الطب في قوله: المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء، وأعط كل بدن ما عودته. فقال الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً.
ولهذا فان الغذاء في اعتبار القرآن الكريم وسيلة لا غاية، فهو وسيلة ضرورية لابد منها لحياة الإنسان، وجعل الله في غريزة الإنسان ميلاً للطعام، وقضت حكمته أن يرافق هذا الميل لذة لتمتع الإنسان بطعامه ولتنبيه العصارات الهاضمة وأفعال الهضم، فليست اللذة والتمتع في الطعام والشرب إنما بالإنسان إلى مستوى الحيوان، وهذا من صفات الكافرين الجاحدين.
ومن الوجهة الغريزية فإنه الأصل في الأغذية أنها لبناء الجسم وإعاضة ما يندثر من أنسجته ولتقديم القدرة الكافية التي تستنفذ في الحفاظ على حرارته و في قيام أجهزته بأعماله.
كما إن الاعتدال في أي أمر هو أسمى درجاته، والاعتدال في أمر الطعام والشرب هو المقصد الذي ذهبت الآية الكريمة ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ ففي هذه الآية دعوة للإنسان إلى الطعام والشرب، ثم يأتي التحذير مباشرة عن الإفراط في ذلك. 
ولقد كان الاعتدال واقعاً في حياة الرسول(ص) وحياة صحابته، فلم تقتصر توجيهات على عدم الإفراط في الطعام بل حذر أيضاً من التقتير فيه، ومنع أقواماً عن الصوم أياماً متتاليات دون إفطار.
وقد اتفق على مبدأ الاعتدال في الطعام والشراب كل من مر على الأرض من الأنبياء وحكماء وأطباء، فهذا لقمان الحكيم يوصي ولده بقوله: وإذا كنت في الطعام فأحفظ معدتك. المصدر: مع الطب في القران، ص128.
قيل: اجتمع عند الملك كسرى أربعة من الحكماء: عراقي ورومي وهندي وسوادي، فقال لهم كسرى: كل واحد منكم يصف لي دواء الذي لا داء معه! 
فقال العراقي: الدواء الذي لا داء معه أن تشرب كل يوم ثلاث جرع على الريق من الماء الساخن. 
وقال الرومي: الدواء الذي لا داء فيه أن تبلع كل يوم قليلا من حب الرشاد. 
وقال الهندي: الدواء الذي لا داء معه أن تأكل كل يوم ثلاث حبات من الهليلج الاسود، والسوادي ساكت، وكان أحذقهم. فقال له الملك: لم لا تتكلم؟ 
فقال: يا مولانا الماء الساخن يذيب شحم الكلى ويرخي المعدة، وحب الرشاد يهيج الصفراء والهليلج الأسود يهيج السوداء، قال فما الذي تقول أنت؟ 
قال: يا مولانا الدواء الذي لا داء معه أن لا تأكل إلا بعد الجوع، وإذا أكلت فأرفع يدك قبل الشبع فانك لا تشكو إلا علة الموت ولا يخفى إن صحة البدن من أعظم نعماء الله على العبد ولا يدانيها شيء ولا يعرف قدرها إلا بعد فقدها. 
ولذا ورد في الخبر نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان، وانفع الأدوية للصحة لمن أراد السلامة في أيام حياته قلة الأكل، وان كان الموت حقاً ولا يمكن دفعه بعلاج ودواء ولكن ترى الإنسان يستعجل به من غاية حبه الطعام وإفراطه في الأكل على إنه لا تطيب الحياة مع العلة والمرض.
قال الأصبغ بن نباته: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لابنه الحسن (عليه السلام): يا بني ألا أعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب؟ فقال بلى يا أمير المؤمنين، قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع، ولا تقم عنه إلا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، واعرض نفسك على الخلاء إذا نمت، فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطب. المصدر: الخصال للصدوق، ج1، ص229.
وهذه الآية ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ هي أساس الطب الوقائي والعلاجي، وما من مرجع طبي إلا فيه التأكيد على ضرورة التوسط وعدم الإسراف في تناول الطعام .. فالإسراف في الطعام يؤدي إلى السمنة وأمراض القلب والبول السكري والشيخوخة المبكرة.
والمعدة بيت الداء لأنها أول الأعضاء الحيوية والهامة التي تستقبل الطعام،و إجهادها بالطعام والشراب يؤدي إلى التخمة والرسول(ص) يقول: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
ولنقف على مضار الشره كما جاءت في كتاب مع الطب في القران الكريم اذ ذكر مجموعة من النقاط حول ذلك ومنها:
آـ على جهاز الهضم: التخمة، وعسر الهضم، وتوسع المعدة، وهي حالات تسبب للشخص شعوراً مزعجاً في الشر سوف إثر كل وجبة طعام.
ب ـ إن ازداد وجبة كبيرة من الطعام قد تؤدي إلى:
1ـ هجمة خناق صدر وخاصة إذا كانت الوجبة دسمة، وهي حالة من اللم الشديد والحاقة خلف القص يمتد للكتف والذراع الأيسر والفك السفلي بسبب نقص التروية القلبية، تظهر هذه الحالة عادةً عند المصابين بأمراض الأوعية القلبية إثر الجهد، فالوجبة الغذائية الكبيرة تشكل على القلب عبئا يماثل العبء الناتج عن الجهد العنيف.
2ـ ازدراد كمية كبيرة من الطعام تعرض الإنسان للإصابة ببعض الجراثيم، كضمات الكوليرا وعصيات الحمى التيفية، والأطوار الاغتذائية للاميبا وذلك لعدم تعرض كامل الطعام لحموضة المعدة وللهضم المبدئي في المعدة حيث إن حموضة المعدة هي المسؤولة عادة عن القضاء على مثل هذه الجراثيم.
3ـ توسع  المعدة الحاد، وهي حالة خطيرة قد تؤدي للوفاة إذا لم تعالج.
4ـ إنفتال المعدة، وهي إصابة خطيرة ونادرة تحدث بسبب حركة حويّة معاكسة للأمعاء بعد امتلاء المعدة الزائد بالطعام.
5ـ المعدة الممتلئة بالطعام أكثر عرضةً للتمزق إذا تعرضت لرض خارجي من المعدة الفارغة، وقد يتعرض المرء للموت بالنهي القلبي إذا تعرض لضرب على الشرسوف فوق المعدة.
ج ـ الشره ضار بالنفس والفكر: فكثرة الأكل تؤدي إلى همود في النفس، وبلادة في التفكير، وميلٍ إلى النوم، قال لقمان الحكيم يا بني، إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة، كما أن الشره يزيد الشهوة الجنسية، وكنا نرى عموماً أن الشره يغير من نفسية الإنسان فيجعلها أقرب إلى نفسية الحيوان رغماً عنه. المصدر: مع الطب في القران، ص130.
وعليه لقد اكتشف باحثون من فنلندا معادلة غذائية يمكن أن تزيد من عمر الإنسان بنسبة 20%، ويقولون إن الإنسان بمجرد أن يتبع نظاماً غذائياً لا يُسرف فيه ويعتمد على نسب محددة من الغذاء وبخاصة الغذاء النباتي، فإن ذلك سيساهم في خفض نسبة الكوليسترول ويخفض ضغط الدم، وهذان هما السببان الرئيسيان للموت المفاجئ، وسبحان الله تعالى الذي جعل عدم الإسراف عبادة يُثاب المؤمن عليها عندما أمرنا بذلك، يقول تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، ولو طبق الناس هذه الآية لاجتنبوا الكثير من الأمراض!.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/08



كتابة تعليق لموضوع : أمر ونهي ... في (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net