صفحة الكاتب : مركز المستقبل للدراسات والبحوث

أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
مركز المستقبل للدراسات والبحوث

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

د. أحمد عدنان الميالي/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

اختار العراقيون ممثليهم في البرلمان يوم السبت 12 آيار، في ظل إنقسامات سياسية ناتجة عن تداعيات داخلية تتعلق بتعدد الطوائف والأثنيات والقوميات ونزاعات وصراعات إقليمية ودولية في المنطقة على النفوذ، وفي ظل توافق سياسي هش في بلد خرج تواً من حرب طاحنة ضد تنظيم داعش لازالت آثار عودتها ممكنة.

مع ذلك، إن مشهد الانتخابات النيابية ما بعد تنظيم داعش فرض نفسه رغم كل المشاكل والإنتقادات التي رافقت عملية الانتخاب، إذ يعد هذا الاستحقاق الانتخابي مرحلة مهمة على درب التحول الديمقراطي، لكن هذا الاستحقاق والتفاؤل نحو التحول لا يحجب مشاهد واحتمالات مقلقة عن ديمقراطية متوعكة نتيجة مشاكل بنيوية وطبقات سياسية منقسمة ليس بسبب إنتمائها الحزبي أو بسبب الزعامات الشخصية فحسب، بل تبعاً لإنقساماتها الطائفية والعرقية والإيديولوجية، ناهيك عن تدخلات خارجية وسلطانيّ المال والفساد وخاصة في موسم الانتخابات.

في ظل هذه المعطيات، ليس هناك من قناعة بالعبور نحو واقع سياسي يخرج البلاد من حالة متردية مفتوحة يتقاسمها أحزاب منذ ١٥ عام يحكمون بمنطق التوافق والمحاصصة والشعارات.

في ظل أي ديمقراطية نيابية سليمة يعد انتخاب أعضاء مجلس النواب الالية التي تضع البلاد على سكة الحكومة الرشيدة القائمة على أساس التنمية المستدامة وتطوير المؤسسات، كما تسمح الانتخابات بتعزيز اللامركزية، وزيادة إسهام المواطن في صناعة القرار وإدارة الشأن العام.

أما في العراق فالقضية مختلفة إذ كل المعطيات تشير إلى أن هذه الانتخابات لن تكون الحد الفاصل لترتيب المشهد السياسي الذي نتج عن تسويات وصفقات في تشكيل الحكومات السابقة وتقاسم السلطات والثروات، مع الشك بحصول أي اختراق يكسر المعادلة السياسية التي تتلخص رغم كل الإنقسامات بالمحاصصة السياسية والطائفية للمكونات الثلاثة، سواء في الرئاسات الثلاثة أو في بقية مفاصل العملية السياسية، فمن المتوقع أن تبقى القوى السياسية التقليدية تحت قبة البرلمان دون تغيير كبير على الأرجح في ميزان القوى لصالح أي طرف، سوى تخلل المعادلة داخل المكونات، فالتحالف الوطني انشطر إلى خمس تحالفات متنافسة وغير متفاهمة لحد الآن، مع تعقيدات داخل البيت السني والكُردي ليست أفضل حالا من البيت الشيعي، ولكن الأرقام ستكون كما كانت في السابق مع ميلان طفيف لصالح هذا الطرف أو ذاك.

ورغم كل هذه المؤاخذات، يبقى هنالك ترقب لدى العراقيين لتشكيل مشهد ما بعد دحر تنظيم داعش وقدرة رئيس مجلس الوزراء القادم على ترتيب أوضاع العملية السياسية وتشكيل تحالفات حاكمة قوية ومنسجمة ومرتبطة بنتائج الانتخابات تأخذ بنظر الاعتبار مشاكل الجميع بين الأطراف الثلاثة ذاتيا وعلاقتها مع الأطراف الأخرى وخاصة حل المشاكل بين بغداد وكُردستان.

مع ذلك، سجلت الانتخابات مشهدا دراماتيكيا مهما تمثل بتراجع المشاركة السياسية للناخبين رغم أن هنالك تفسيرات تقول بتراجع الطائفية، خاصة مع بروز العديد من التحالفات متعددة الطوائف. لكن هذه الانتخابات طرحت جملة من الأسئلة تحتاج إلى إجابات:

1- هل تمكن العراقيون من إنتخاب مجلس نواب جديد هذه المرة يضم شخصيات سياسية جديدة قادرة على ضمان التغيير والإصلاح المطلوب؟.

2- هل ستسمح القوى السياسية للمواطن العراقي أن يسهم بفاعلية في المجال السياسي، بعد أن شارك في الانتخابات عبر احترام رغبته بالتغيير والإصلاح أم أنتهى دوره بعد الاقتراع؟.

3- كيف سيتمكن العراق من التواجد في ظل توازنات إقليمية جغرافية دقيقة تترجم إلى توازنات سياسية داخلية في ظل تزايد الصراع بين إيران وأمريكا وحلفاءها خاصة في الملف السوري؟.

4- هل مشهد التقاطعات والتدخلات الإقليمية والدولية سيكون حاضرا بقوة في الملف العراقي، وهل ستقوض الاجندات الخارجية خيارات المواطن ومساعي المرجعيات الدينية والمجتمع المدني في تشكيل الحكومة وفق الأسس السليمة وتجاوز العقبات؟.

وللإجابة عن هذه التساؤلات، لدى القوى السياسية الفائزة في الانتخابات وبالإمكان تحقيق المطالب السياسية والإجتماعية والإقتصادية للمواطنين عبر احترام نتائج الانتخابات واحترام الشخصيات الجديدة التي ستصل أول مرة للبرلمان بإعطائها الدور والمكانة في العمل السياسي دون مصادرة، لإيصال رسالة للمواطن بإيجابية المشاركة وتحقيق طموحاته بالتغيير، وهذا يتم عبر تخفيف منسوب المحاصصة والتوافقات في تشكيل الحكومة، وتقلد المناصب واحترام رأي وإرادة المواطن العراقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن يكون سياق العمل التشريعي والرقابي والحكومي ينسجم مع تلك المطالب والاستحقاقات لإستعادة ثقة المواطن الذي قاطع الانتخابات عبر جره للمجال السياسي، وهذا حقيقة لابد أن تعمل عليه القوى السياسية ولو نسبيا بإشعار المواطن بدوره في الفعل السياسي.

أما على صعيد التجاذبات الإقليمية والدولية إزاء العراق، فلابد أن تكون الإجابة استمراراً للنهج القائم على إحتواء المعطيات والمتغيرات الحاصلة في المنطقة مع توجيه وتحريك حذر تجاهها، بما ينعكس على حفظ مصالح العراق من تأثير تداعيات الصراع الإقليمي وعدم جره لتجاذبات المحاور المتشكلة ما يعمل على إضعاف موقف العراق ويجعله ساحة للتدخل وعدم الاستقرار.

 وهذا يكون عبر تقوية منظومة الرقابة على ملف العلاقات الخارجية، وتوسيع دائرة مشاركة القوى السياسية الوطنية بهذا الملف، وتوفير غطاء سياسي داعم وموحد مع توفير أدوات تنفيذ السياسة الخارجية العراقية، فالسياسة الخارجية هي إمتداد للسياسة الداخلية، وكلما كان هنالك تشاركية أوسع وتماسك أقوى داخليا إنعكس ذلك على صعيد الملف الخارجي، وهذه الإجابة ممكنة التحقق كون العراق دخل مرحلة مهمة على صعيد الحياد وكسب الجميع لقضيته، وهذا إذا ما استمر وحصل سينعكس على مسألة إعادة الإعمار والبناء والتنمية والاستقرار المطلوب لتجاوز التحديات واستثمار الفرص المتاحة عبر الأخذ بإجابات الأسئلة المطروحة بعد الانتخابات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مركز المستقبل للدراسات والبحوث
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/11



كتابة تعليق لموضوع : أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net