بمشاركة 42 فنانا عراقيا: معرض «جدار ناطق»… الفن كمحاولة للحياة

علي لفتة سعيد

«باللون والفرشاة، تجمع فنانو كربلاء ليجعلوا الجدران الصمّاء ناطقةً، لحثّ الحياة على توفير مساحةٍ أكثر من الوعي ليظهر المختبئ عند المتلقّي … يأتي المعرض لإبراز الدور الحضاري عند الفنان، من أجل ترميم ما تبقّى مما أتلفه الفاسدون». (من بيان المعرض). 42 فنانًا عراقيًا أقاموا معرضا كبيرا بقاعة نقابة المعلمين في كربلاء، ضم أكثر من 115 عملًا فنيًا حمل عنوان «جدار ناطق»، وكأنه صرخة مكبوتة ورسالة لكلّ متعصب ينتمي لأي جهة أو فئة.

رسائل متنوّعة

يحمل المعرض رسائل عديدة، من خلال 95 لوحة، و17 عملا نحتيا. وتراوحت الأعمال حسب فنانيها بين الحداثة وما بعدها، حيث نرى أن الألوان تتسابق لتجسيد ما يريده الفنان من رسالته، سواء كان في التعبير عن حبّ الوطن أو حكي التاريخ عنه أو اللحمة الفنية الشعبية الثقافية، بما يعني أنها رسالة أخرى موجّهة لمن يريد قتل القيم الجمالية في الأداء اليومي عند المتلقين. فاللوحات تعبير عن المكنون وانفعالات فنان يرفض الساكن ويريد التطوّر والمتغيّر والبناء، إضافة إلى محاكاة هموم الناس اليومية، وكأن الفنان مراقبٌ كبيرٌ ليومياته الحسّية والبصرية كونه شاهدًا على الأحداث، من خلال ما ينقله عبر عمله الفني. ففي الأعمال المائية لجبار مهدي ومنصور السعيد وإياد زيني وفاضل طعمة، قدرة كبيرة وإمكانية في توظيف الأحداث والمشاهد اليومية، عبر تقنيات وأداء حِرفي في زجّ عناصر العمل الفني من اللّون والخطوط لأفكارٍ تقبض على مشاعرنا يوميا، حتى في الأعمال الزيتية الواقعية كانت بين الخروج من مأزق اللّون الى الفضاء، كما في أعمال الفنانين فاضل طعمة وميسون عبد الرزاق ومروة سامي وكذلك عماد جواد. أما الأعمال النحتية فالمكائن والفضلات الخشبية حثّت الفنان على إنتاج تماثيل تصميمية أدخل عليها طلاسمه ومحلياته وتاريخ بلاده. مثلما ابدع في سحرية شهرزاد وعلاء الدين والشناشيل وغيرها من الأيقونات المهمة والمزج بين اللون الأزرق والفيروزي والأصفر ليخرج السحر من بين أصابعه حين كان الطين عجينة صماء.

الواقع واللوحات

في اللوحات نجد تلك المعاندة لرسم الحياة ومواجهة التعصّب ومن يريد سرقة الألوان لصالح القوانين التي يصدرها سياسيون يريدون تقديم الظلمة على النور، وهو ما نجده في تلك الألوان التي تتقاطع، أو التي تتصاعد إلى الأعلى مثل شلال في لوحة حسن عبد ضامد، أو التي تتركّب في حركات تتمايل مع حركة الفرشاة لترتيب الواقع، كما في لوحة رزاق الطويل، الذي يمثله الطريق والرأسين المقطوعين بسلك التعصّب، حيث يصعد الضوء مثل شجرة لبلابٍ، كما في لوحة حيدر صاحب، أو تلك الرؤوس التي تتمدّد وتتقاطع وتنكس وتراقب وتعاند اللون الأسود، حسب معاني الكفوف التي ترافق حركة الفكرة، كما في لوحة شوقي الموسوي، أو تلك المعاني المخبوءة في دهاليز حركة الألوان الهادئة، كما في لوحة فاضل ضامد، أو حتى استغلال انعكاس الملكة شبعاد بذراعيها الغائبين، كما في لوحة الفنان ثامر الشيباني. وقد نجد الأمل ذاته متوهجًا في لوحة الفنانة زينب علي عبد، حيث يكون البياض الخارج من عنق السواد وهو يتطلّع بمدّ أكفه إلى الورد المتدلّي من الأعلى كأنها السماء، كلّ شيء في اللوحات يرمي إلى الحياة حتى في السواد، وكلّ لوحة تنطق بالأمل حتى حين تناجي أو تصارع الحلم. أما اللوحات الواقعية أو الطبيعية فتعكس هذا التوجّع في استذكار الحياة الحقيقية، كما في لوحة الفنان عماد جواد، وبائع عرق السوس أو الحارة الكربلائية القديمة في لوحة الفنان فاضل طعمة، أو محمد الخفاجي في لوحته المرأة التي تطحن في رحى الشعير أو بائع السبح والمحابس المختلفة في لوحة جبار مهدي.

نحت ومشهدية جديدة

في النحت ثمة أيقونات جسّمت ما يمكن القول عنه إنه محاولةٌ لتفتيت المشهد المعتاد وتجميعه تجسيميًا، وربما هو أسلوبٌ جديدٌ أن ترى المجسم بدرجة تعدّد المشاهد للاتجاه الواحد أو الزاوية الواحدة. وهو ما تميّز به الفنان حسين الإبراهيمي الذي أراد قلب معادلة إن الفن لا يحقّق شيئا وإنّه غير مهمٍّ، حيث أظهر الفنان جمال المدينة وقدسيتها الحقيقية بدون قوانين وإملاءات. وعن أعماله الخمسة يقول الإبراهيمي لقد جربّت أسلوبًا جديدًا لم أتناوله سابقًا، وهو اللوحة المجسمة أو اللوحة المنحوتة، حيث أن العمل ممكن أن يشاهد من جميع الجهات بدرجة 360 ولكلّ زاويةٍ يشاهد المتلقّي شكلًا جديدًا يختلف عن الزاوية التي قبلها والزاوية التي بعدها، وهذا أولًا من باب التغيير، وثانيًا يُعطي للفنان القدرة على إدخال ثيمات متعدّدة في اللوحة، بمعنى تطويع المكان وتغيير السطوح، فضلًا عن محاولة التأكيد على إن هناك مزجًا مابين النحت من حيث التكوين، واللوحة من حيث التجريب.

هموم وتحدٍ

ويتحدث الفنان فاضل ضامد، المشرف على المعرض قائلا، إن الهدف هو أن نعمل جاهدين ونكون فكرةً خالصةً على اننا نحمل همومًا لوطننا أكبر من همومنا الشخصية، وأن نكون لحمةً قوية مثالًا يحتذى، وهذا المعرض هو الثاني بعد الأول، الذي حمل عنوان (أطياف بلا خرائط) قبل أربع سنوات وكان هناك معرض (تخاطر) لأربعة فنانين وأعتقد إن هذا المنجز هو تاريخ كربلائي مشرّف وتاريخ عراقي كبير. فالهدف الأسمى من كلّ هذا اننا نريد الاستمرارية للحركة التشكيلية وأن نقول إن هناك حراكًا للفنان من أجل خلق جوّ فني مثابر يكسر به طوق الفروض المتعصّبة وخلق بيئةٍ جماليةٍ وبصريةٍ عند المتذوق المتلقّي.. مثلما هو رفضٌ كاملٌ لكلّ متزمّت ومتكابر لحملة المفاهيم الخاطئة للفن وإن علينا الحدّ منها فهي تطمر كلّ أروقة ومجالات الفنون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/12



كتابة تعليق لموضوع : بمشاركة 42 فنانا عراقيا: معرض «جدار ناطق»… الفن كمحاولة للحياة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net