صفحة الكاتب : لطيف عبد سالم

ذاكرة العيد
لطيف عبد سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا رَيْبَ أَنَّ مَا بَيْنَ أمسنا البعيد ويومنا الحالي، مساحة واسعة مِن ذكريات مفعمة بشوقٍ مؤطر بحنين إلَى ماضٍ فيه مِن الألم الممزوج بالجمال مَا لا تدركه الأجيال الجديدة، ولعلَّ مِنْ بَيْنَ أبرز تلك الذكريات أيام العيد الَّتِي كان لها طعم خاص مستمد مِنْ العاداتِ والتقاليد الَّتِي جبل عليها أهل العراق، فالفقر المدقع الَّذِي عاشه أهلينا جعل لفعاليةِ شراء دشداشة العيد المقلمة أو تفصيلها وخياطتها، فضلاً عَنْ بقية اللوازم الَّتِي يحرص الآباء عَلَى تأمينها لأطفالهم يومذاك حلاوة ومذاق عَلَى الرغمِ مِنْ تواضعِ نوعيات تلك المواد؛ لأنَّها كانت تعبر عَنْ الشعور بفرحةٍ عامة تفرض عَلَى الجميع تأدية طقوسٍ تنحى صوب التكافل والتسامح وإدامة صلة الرحم، حيث كان الناس فِي بلادنا متمسكين بقيم التكافل الَّتِي تلزمهم التكفل بتأمين احتياجات العوائل الفقيرة، وَلاسيَّما أرحامهم، حتى لو تطلب الأمر بيع بعض الحاجيات البيتية أو اقتراض المال مِن المعارف.         
المثيرُ للاهتمامِ أَنَّ التسوقَ قبل حلول العيد كانت له لذة، وارتداء الملابس الجديدة أول أيام العيد كان يتم بفرحةٍ غامرة لا حدود لها؛ لأنَّها تعكس مشاركة وجدانية لأبناء الحي أو الزقاق، طالما أنَّ هناك شعور جمعي يوحي بأجواء مناسبةٍ جميلة اسمها "العيد"، فالعائلة كانت تتجمع منذ صباح يوم العيد فِي بيت الجد أو الأخ الأكبر، فتمتلئ الدار "الحوش" عَلَى الرغمِ مِنْ صغرها بأفراد العائلة، والأكثر جمالاً اجتماعهم عَلَى سفرة الطعام، والأطفال يمرحون وسط أجواء عائلية أنْستنا إياها فِي عالم اليوم ملوثات "العولمة" الَّتِي أفضت سموم آلياتها وقذاراتها إلى تغليب المادة وقبح تداعياتها عَلَى كُلِّ ما هو جميل وإنسانيّ؛ إذ كان كُلّ نشاط يجري فِيما مضى عَلَى الفطرة، فالناس متحابين لبعضهم، والجميع انصهر فِي روح المستعمرة البشرية الواحدة أو ما يسمى الطرف أو "العكَد"، فلا عجب مِنْ سمو الحب فِي نفوسهم، ما دامت الطيبة تتناغم مع بساطةِ حياتهم.
بالأمس كانت الروح تسري فِي أيام العيد، عَلَى الرغمِ مِن بساطة ما متاح أمام الأطفال مِنْ مباهج الفرح، وَالَّتِي لا تتجاوز المتعة - مِن الضحى الى المغرب – فِي اللهو بركوب العربات التي تجرها الخيول أو "المراجيح" الَّتِي يجري تصنيعها بآلياتٍ محلية بسيطة مِن الحديد والخشب، ويصار إلى نصبها فِي الساحات العامة، فضلاً عَنْ الاستمتاع بركوب الخيول والحمير أو الذهاب عَلَى شكل مجاميع إلى دور السينما لمشاهدة أفلام الإثارة كفيلم طرزان وما عَلَى شاكلته؛ إذ لم يكن للعنة الألعابِ الالكترونية وجوداً يومذاك. أما اليوم فأنَّ وسائل التسلية كالبلاي ستيشن وسواه، أفقد العيد روحية متعة الصغار، بالإضافةِ إلى تسببه فِي أغفال الكبار لصلة الرحم. 
خلاصة القول أننا فقدنا روح مناسبة العيد الذي أصبح فِي عالم اليوم، يعكس الرديء مِن طقوس الحداثة والمعاصرة الَّتِي تقبلناها وانغمسنا فِي ظلمات أنفاقها بفعلِ قلة وعينا وتفشي "الأنا".
فِي أمَانِ الله.      
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف عبد سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/26



كتابة تعليق لموضوع : ذاكرة العيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net