حرب ترامب العالميّة الأولى: معركة «آندرويد - غوغل» وأوروبا

هل ابتدأ فصل الختام لحلف الأطلسي من ساحة المعلوماتية والاتصالات المتطورة، تحديداً بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبة ببلايين الدولارات على نظام تشغيل الهواتف الذكية «آندرويد» الذي يملكه محرك البحث الأشهر «غوغل» (حاضراً شركة «آلفابيت»)؟ لم لا؟ أليس هناك شبه إجماع على أن ثورة المعلوماتية والاتصالات تكاد تحتكر أنها الملمح المُميِّز للقرن الـ 21 عما سبقه من القرون؟

الأرجح أن يسهل وضع عقوبة الـ 4.32 بليون يورو في سياق الحرب التجارية المستعرة بين شاطئيْ الأطلسي، بالأحرى بين الحليفيْن المكونيْن لـ «حلف الأطلسي» الذي صار مصيره في مهب رياح قوية مصدرها الرئيس الأميركي الشعبوي دونالد ترامب. لكن، ليس ذلك كل شيء، رغم ضخامة تلك المعطيات! لنتأمل قليلاً. هل صارت «غوغل» شركة عملاقة لها ممارسات تهدد قدرة الشركات الأخرى (خصوصاً الأوروبية) على منافستها، فجأة وبين ليلة وضحاها؟ ما الذي استجد ليعتبر الاتحاد الأوروبي أن نظام «آندرويد» لتشغيل الهواتف الذكية هو موضع احتكار؟ تستأهل تلك النقطة وقفة خاصة، لأنها تتضمن مفارقة كبرى تلقي ضوءاً كاشفاً على وجود إرادة سياسية في عقوبات الاتحاد الأوروبي، أبعد من كونها ضربة في الحرب التجارية بين أميركا ترامب وأوروبا. تكمن المفارقة في أن «آندرويد» هو نظام مفتوح المصدر، ما يعني أن «غوغل» لا تملكه فعلياً بل تتيحه للجميع ولا تفرض قيوداً على استعماله. ويصعب على متابع الشأن المعلوماتي ألا يوافق على ما لاحظه البيان الذي صدر عن شركة «آلفابيت» (التي يعتبر «غوغل» أبرز مكوناتها)، بأن «آندرويد» ولّد شركات ومساحات عمل بأعداد هائلة، ما يجعل الحديث عن كونه احتكاراً حجة واهية تماماً.

أبعد من ذلك، يصحُ أيضاً وصف الاتحاد الأوروبي لـ»آلفابيت» بأنها شركة عملاقة بحجم يهدد حرية المنافسة، لكن يصح القول أيضاً أنها نمت متمحورة حول النجاح الساحق الذي حققه محرك البحث «غوغل». ما الذي تسبب بنجاح «غوغل»؟ لم تكن أداة نجاحه سوى كونه مفتوحاً ومتاحاً ولا يفرض رسوماً وقيوداً على عمليات البحث، ولا على المواقع التي تظهر عند إجراء عمليات البحث. وبفضل كونه نموذجاً لقدرة المجانية على الوصول إلى الجمهور العالمي، سحق ذلك المحرك الذي صار إسمه صنواً (في لغات العالم كلها تقريباً) محركات بحث لم يعد إسمها سوى ظلاً باهتاً في ذاكرة الجمهور. وحتى عندما ضرب ترامب حرية الانترنت بنقضه قانوناً يحميها سنّه خصمه الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما (قانون ترامب يربط بين دفع الأموال وترتيب ظهور النتائج في عمليات البحث)، بقي «غوغل» بمنأى عن توجهات ترامب.



تجربة «درع الخصوصيّة» للبيانات

هل هناك من يريد الذهاب خطوة أعمق؟ منذ بداية عصر الانترنت، كانت البيانات تنتقل بين ضفتي الأطلسي من دون عوائق، ما كفل دوماً أن تكون الأسواق الأوروبية مفتوحة أمام الشركات الأميركية العملاقة في المعلوماتية والاتصالات المتطورة. وآنذاك، وقّع طرفا الأطلسي (حلفاً ومحيطاً) معاهدة «الملاذ الآمن» التي حمت مصالح الشركات الأميركية أساساً. وعام 2015، ألغى الاتحاد الأوروبي تلك المعاهدة تحت ضغوط من ناشطين في الحرية الإلكترونية. ولم يهتز طرفا الأطلسي، بل عقدا بسرعة معاهدة «درع الخصوصية» التي دخلت حيز التنفيذ قبل سنتين، رغم أنهما حرصا على إبقائها «مبهمة» كي تضمن للطرف الأميركي حرية العمل والحركة.

وخلال تلك السنوات كلها، لم تتوقف «غوغل» عن التحوّل عملاقاً، بل أخطبوطاً من شركات متداخلة بأذرع عملاقة يدعمها الذكاء الاصطناعي. لماذا لم يتذكر الاتحاد الأوروبي سوى الآن أن «آلفابيت» عملاق يصعب التنافس معه، بل كان المأخذ عليه هو «آندرويد» الذي هو مساحة مفتوحة للجميع كي يتنافس مع الجميع؟ الأرجح أن الأمر يتعلق بحرب ترامب التجارية مع أوروبا، وتحريضه الفاشل لبريطانيا ليكون خروجها من أوروبا شاملاً التنازع تجارياً معها، والتصدع المكشوف في قمة الأطلسي الأخيرة في بروكسيل، وقمة هلسنكي التي قرّبت ترامب من روسيا وزادته بعداً عن أوروبا التي وصفها بـ»العدو»، وما إلى ذلك.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/19



كتابة تعليق لموضوع : حرب ترامب العالميّة الأولى: معركة «آندرويد - غوغل» وأوروبا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net