صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

برنامج الاعمار المتوقع سوف لن يثقب جيب المواطن
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لابد من أصحاب الدخول المحدودة ( موظفين و اجراء)  السؤال عن تأثيرات برامج الاعمار الحكومية المزمع اتخاذها بعد التظاهرات التي عمت الوسط والجنوب على مستقبل دخولهم , لان احد تأثيرات زيادة عرض النقد ( زيادة النفقات الحكومية) في البلاد هو ارتفاع الأسعار (التضخم المالي) وتقليص القوة الشرائية للمواطن ولاسيما أصحاب الدخل المحدود (الثابتة) .

نظريا , ان ظهور التضخم المالي يأتي عن طريقين : اما زيادة الطلب العام على السلع والخدمات او زيادة في أسعار المواد الأولية الداخلة في انتاج السلع والخدمات . على سبيل , معظم حالات التضخم المالي سببه زيادة الطلب العام على السلع والخدمات اكثر من الطاقة الإنتاجية المتوفرة لها . فزيادة الطلب على محصول الطماطة في وقت الخريف والشتاء يزيد من أسعارها في السوق لان كمية انتاجها محدود بسبب الظروف الجوية في العراق ولا يمكن انتاجها الا في البيوت الزجاجية المحدود العدد . ولكن كثرتها غي أيام الصيف يؤدي الى انخفاض أسعارها , حتى تصل في بعض الأوقات الى اتلافها بدلا من حملها الى السوق لتجنب تكاليف النقل. المصدر الثاني للتضخم المالي هو زيادة أسعار المواد الرئيسية الداخلة في الإنتاج , وهذا ما حصل في الولايات المتحدة الامريكية والعالم وقت المقاطعة العربية للدول الداعمة للكيان الصهيوني , حيث ارتفعت أسعار النفط الى ثلاثة اضعاف , مما أدى الى ارتفاع الأسعار لجميع السلع والخدمات المصنعة في العالم .

هل سيصيب العراق تضخم مالي و يقلل من القدرة الشرائية للمواطن العراقي من أصحاب الدخول المحدودة  جراء زيادة عرض النقد في العراق في المرحلة الحالية والقادمة؟ بكلام ادق , هل سيؤدي البرنامج الحكومي للأعمار و حملة التعينات الحكومية الحالية  استجابة لمطالب تظاهرات الوسط والجنوب الى ارتفاع الأسعار , كما جرت في عام 1973 جراء تبني الحكومة آنذاك برنامج " التنمية الانفجارية" , حيث بسبب هذا البرنامج انفجرت الأسعار وبدء المواطن يلعن " التنمية" بعد ان ارتفعت الإيجارات , أسعار النقل , أجور الطب , والمواد الغذائية , والتي اثقب جيب المواطن العادي وافقرته؟

من اجل الجواب على هذا السؤال , نحتاج الى الرجوع الى الدراسات الإحصائية التاريخية عن علاقة عرض النقد و التضخم المالي , وطالما وان العراق يفتقر الى هذه الدراسات فلابد من استخدام طريقة البحث الوصفي والذي أساسه الاعتماد على سرد الوقائع (قصة) مقرونة مع تحليلات شخصية قد يختلف الاخر حولها, ولكن نامل من طلاب الدراسات العليا في العراق الخوض في هذا المجال واعداد دراسات إحصائية تمكن المحلل من استخدامها في المستقبل.

في السنوات العشرة الماضية , نمى الاقتصاد العراقي بوتائر متفاوتة بين نمو سالب ونمو موجب قدره 11%. ومع كل هذه النسب بقى التضخم المالي في العراق الأقل في الشرق الأوسط , ما بين 1% و 2% . هذا يعني ان هناك طاقة إنتاجية في العراق غير مستغلة . على سبيل المثال , ان باستطاعة العراق انتاج 100 سيارة سنويا , الا ان عدم وجود مشتري لهذه السيارات , اكتفت الشركة المصنعة لها الى انتاج 60 سيارة فقط , وبذلك , فان هناك طاقة إنتاجية غير مستعملة قدرها 40 سيارة . في مثل هذه الحالة , فان زيادة الطلب على هذه السيارات 40 , سوف لن يزيد من أسعارها , وان المنتج لهذه السيارات سيكون سعيدا جدا بإنتاجها وبيعها بنفس الأسعار السيارات الأخرى 60 , وبذلك يقلل من خسارة تعطيل المكائن , خزن المواد الأولية , تغيير الموديل , و تسريح العمال الفائضين عن العمل والذي يكلف الشركة أموال طائلة أيضا .

حال الاقتصاد العراقي الان , حال صانع السيارات والذي يملك طاقة إنتاج 100 سيارة , ولكن بسبب ضعف الطلب انتهى بتصنيع 60 منها . في السنوات الثلاث الماضية بلغ معدل النمو الاقتصادي في العراق بنحو 5% وهو نمو بطيء مقارنة مع قدرته في النمو والتي سوف نفترض بانها لا تقل عن 10% . وبذلك فان هناك فجوة ما بين نمو حقيقي قدره 5% و نمو ممكن التحقيق 10%, قدره  5% . بالأرقام , فان الإنتاج المحلي الوطني العراقي لعام 2017 كان 197.72 مليار دولار , وبنمو بدون تضخم مالي مقداره 10% , فان الإنتاج المحلي الوطني لعام 2018 , يجب ان يكون ما يقارب 217 مليار دولار. هذا الحجم من الإنتاج سوف لن يؤدي الى زيادة الأسعار في العراق وسوف لن يجفف جيب المواطن العادي والذي يعتمد على راتبه الشهري او أجرته اليومية المحدودة.

هل نسينا تأثير المضاعف الاقتصادي (Government multiplier) ؟ الجواب لا . والسبب وان كان هناك تأثير لهذا المضاعف , الا ان تأثيره سيكون محدودا بسبب ان معظم مشاريع التنمية العملاقة يتم هندستها وتصميمها وصناعتها خارج العراق , وبذلك فان القطاع الصناعي العراقي سوف لن يستفيد كثيرا من المصاريف الحكومية بقدرة الفائدة التي يجنيها المنتج الأجنبي. على سبيل المثال , لو بدأت الحكومة في بناء سد البصرة المنتظر وبقيمة 300 مليون دولار , فان مبلغ لا يقل عن 250 مليون سيصرف خارج العراق (لشراء مواد السد) ولن يستفاد الاقتصاد العراقي من هذا المبلغ الا 50 مليون دولار على شكل أجور ورواتب للعمال والموظفين العراقيين.

وعليه فمن المستبعد ان يتأثر دخل أصحاب الدخل المحدود من برنامج الاعمار الحكومي سلبا بسبب التضخم المالي , لان الاقتصاد العراقي سوف لن يصل الى حالة "الغليان" , كما يحذر منه الخبراء الاقتصاديون . وحتى لو وصل الاقتصاد العراقي الى حالة الغليان , فان هناك أدوات اقتصادية تستطيع من تبريده , ولكن لا نتوقع ان يصل الاقتصاد العراقي الى حالة " الغليان" في الوقت المنظور .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/28



كتابة تعليق لموضوع : برنامج الاعمار المتوقع سوف لن يثقب جيب المواطن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net