صفحة الكاتب : د . محمد ابو النواعير

بين ستانلي ميلغرام وأحزاب الاعتدال في العراق- من سيطرة السلطة, إلى سيطرة الوعي (مقاربة سلوكية) !
د . محمد ابو النواعير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تُمثل السياسة في زمننا المعاصر, محورا مهما من محاور الصراع الذي تتناوله نظريات علم الإجتماع السياسي بإسهاب وتفصيل, حيث باتت في جزئها الظاهر تمثل, أو تعني المعركة أو الصراع على السلطة بين جماعات مختلفة أو بين جماعات وأفرادا.

وعادة ما يتميز هذا النوع من الصراع, بتأسيسه إبتداءا على أسس نظرية قيمية أخلاقية عالية, تمثل الدافع أو المشروع الأساس الذي تنطلق منه عملية الصراع السياسي؛ إلا أن الجزء الأكبر من هذا الصراع, إتخذ نمطية المصالح النفعية لأصحابه, مع عدم إنكار وجود مشاريع سياسية سلطوية حقيقية, يمكن عدها مشاريع بناء فعالة في تأريخ السياسة المعاصر.
انقسم مفهوم السلطة في السياسة المعاصرة إلى أقسام كثيرة ومتعددة, لكن هناك نمطين رئيسيين يمثلان الأساس الذي انبثق منه مفهوم السلطة, أو اللذان تمحور وتركز حولهما مفهوم الصراع على السلطة, وهما : السلطة المنبثقة من إرادة السيطرة الفردية أو الاستبدادية التسلطية, والنمط الثاني هي السلطة المنبثقة من حراك مجتمعي سياسي, ناتج عن وعي جماهيري غير مسيطر عليه من الطرف الأول.
أثبتت نظرية ستانلي ميلغرام (عالم الاجتماع السياسي الأمريكي) في دراسة سلوكية للطاعة الناتجة عن شكل السلطة, بأن هناك عملية انصياع مباشرة لأفراد المجتمع تجاه الأوامر السلطوية التي تصدر لهم, حيث أثبتت نظريته, بأنه وكلما كان نمط وشكل الأوامر الصادرة, أو الإيحاءات الصادرة عن سلطة ذات شكل أو جوهر صارم واستبدادي, فإن ردة فعل الأفراد ستكن طاعة إيجابية, حتى وإن كانت هذه الأوامر تقود الأفراد إلى ارتكاب أخطاء إنسانية تصل للتعذيب اللإنساني, والقتل في بعض الأحيان, دون أن يكون هناك مبرر عداء أو انتقام أو طمع لهؤلاء الأفراد, لكي يقوموا بهذه الأفعال, سوى أن الأوامر التي أتتهم, أو التي أوحي لهم بها, هي التي قادتهم لهذا الفعل !
في مجتمع كالمجتمع العراقي, نجد أن مفهوم السلطة لديه, يعيش في كل أدبياته العقلية والتربوية والوجدانية, فمعادلة الإنسان في هذا البلد قائمة على وجود (آمر- مأمور), لأن الوعي المجتمعي (الثقافي والسياسي) لم يصل لمرحلة التكامل الذاتي, والنظر إلى الذات الفردية على أنها مشروع (إلهي, أولا؛ ووطني, ثانيا) , بل كل فرد منا إلى الآن يحتاج إلى أن يكون تابعا لسلطة أمر أو كبح خارجي (خارج ذاته), لتعديل أو ترويض الإرادات والأفعال, والمقصود هنا كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية.
تجربة جديدة جدا, أن يكون هناك تيار سياسي شبابي عراقي, حاول أن يعبر مراحل هذه التراتبية السلطوية, من خلال إيمانه بأن الفرد هو مشروع إلهي متكامل, ومشروع وطني متكامل, حيث ان مبدأيته السياسية قد قامت على مبدأ أن الحزبية في هيكلته, هي حزبية تمكين وليست حزبية سيطرة أو تسلط الآمر والمأمور (كالنمط الأول الذي ذكرناه في بداية المقال), بل يحاول (وإن كانت عوامل الفشل الاجتماعي والسياسي, تحيط بمشروعه أكثر من عوامل النجاح) أن يجعل من الفرد السياسي في العملية السياسية في هذا البلد, عبارة عن سلطة بذاتها, يقودها وعي متقدم, لا يمكن رهنه بقرارات سلطوية عليا تتحكم به من خلال مؤثرات دينية أو كارزمية أو عرفية أو حتى علمية.
قد لا يعي الكثير من المثقفين أهمية وخطورة هذا النمط من العمل الحزبي السياسي, لأنه وبصراحة نمط جديد كليا على أدبيات العمل السياسي في العراق بل وفي المنطقة, لأن هذا النمط من العمل الحزبي (في حالة كتب له النجاح المستقبلي), سيحول المجتمع السياسي إلى مجتمع (وعي) مكتفي بذاته, يستطيع إدراك الحقيقة السياسية دون الحاجة إلى مؤثرات سلطوية آمرة, تجعله بخانة المأمور الذي يطبق دون وعي أو فهم, أي من المفترض أن يتحول إلى مجتمع سياسي ليس بحاجة إلى أبطال يقودونه ! فقد توصل ستانلي ميلغرام إلى أن المجتمع الذي ليس بحاجة إلى أبطال (حالة من أسر الوعي والذهن والسلوك), هو أفضل بكثير من المجتمع الذي يكون بحاجة إلى أبطال كُثر !
*دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد ابو النواعير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/29



كتابة تعليق لموضوع : بين ستانلي ميلغرام وأحزاب الاعتدال في العراق- من سيطرة السلطة, إلى سيطرة الوعي (مقاربة سلوكية) !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net