صفحة الكاتب : الشيخ محمد رضا الساعدي

توسعة مرقد الإمام الحسين وإشكالية الأملاك الشخصية
الشيخ محمد رضا الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مدخل:
من الموضوعات التي تصب في فقه الشعائر المعاصرة والتي أصبحت مثاراً للاختلاف على المستوى التنظيري والعملي, مسالة توسعة مراقد أئمة أهل البيت من الجهة الجغرافية, كما حصل من توسعة كبيرة في مرقد الإمام علي بن موسى الرضا×  في مدينة مشهد المشرفة، وكما حصل من توسعة في مكة المكرمة والمسجد النبوي المعظم لمرات عديدة,  وبما أن هذا التوسيع المكاني قد يتصادم مع الملكيات الخاصة المحيطة بالأضرحة المقدسة, إذ إن الأضرحة المطهرة ـ عادة ما تكون ـ محاطة بأسواق وفنادق وبيوت من كل جوانبه وجهاته، بل لعل بعض البنايات المحيطة بها يعلو بناؤها على بناء الأضرحة ويحجب عن النظر إلى قبة المرقد الشريف في بعض الأماكن المقدسة كما هو مشاهد لعموم المسلمين.
مبررات توسعة الحرم الحسيني
بعد التوسع العمراني والانفتاح الاقتصادي والشعبي  من جهة وانفتاح العراق على العالم الشيعي والإسلامي من جهة أُخرى وتزايد أعداد الموالين لأهل البيت في بقاع المعمورة أصبح التوسيع المكاني لأضرحة المعصومين وخصوصاً مرقد الإمام الحسين× ضرورة يفرضها الواقع ومطلباً إيمانياً ينادي به كل العقلاء من الموالين.
مبررات  الخوض في بحث  التوسعة:
والذي اضطرنا إلى الكتابة في هذا الموضوع هو اننا لم نر بحثا مستقلا في ذلك بل ولا تنظيراً فتوائياً فضلا عن البحوث الاستدلالية بالرغم من ابتلائية المسالة وجدليتها ومعاصرتها, مما استدعى ان نكتب في هذا الموضوع ما تيسر منه؛ عسى أن يكون باكورة تولد بحوثا اخرى في هذا المجال من الاخوة المتخصصين بالتنظير الفقهي , دفعا لما قد يثار من اشكالات حول التوسيع وليزداد الذين امنوا ايمانا في التوسعة وليشحذوا الهمم في ذلك بعد أن استوسقت الامور واصبحت العتبات بيد يؤمل منهم رفع البيوت التي أذن الله أن ترفع ويعظم شأنها مادياً ومعنوياً.
ضرورة إبراز دليلية التوسعة :
بما أن التوسعة التي نتحدث عنها إنما تكون على حساب الأملاك المجاورة للأضرحة المطهرة فيستدعي منا إبراز الأدلة والوجوه الفنية وبيان التكييف الفقهي لهذه المسالة؛ حلاً لإشكالية التصرف بالأملاك الشخصية المحيطة بالمراقد على حساب التوسع في العمران والخدمات العامة للمراقد المقدسة.
استعراض الأدلة والمؤيدات لجواز التوسعة
هناك مجموعة من الأدلة يمكن الاستعانة بها على إثبات ما نروم تحقيقه في هذا البحث، وسوف نفهرسها على نحو التتابع ثم نفصل الكلام في ذلك، ومجمل الأدلة في المقام هي: 
1ـ الروايات الدالة على: أن الأرض ملك للإمام×.
2ـ الروايات القائلة: إن الإمام× اشترى مساحة من أرض كربلاء.
3ـ ما دل على أن أرض كربلاء مفتوحة عنوة فلا تملك بالملكية الخاصة .
4ـ تعميم علة توسعة مكة المعظمة إلى توسعة حرم الإمام الحسين×.
5ـ الروايات المحددة لحرم الإمام الحسين× .
6ـ قاعدة تقديم المصالح العامة على الخاصة. 
7ـ ما يستفاد من قاعدة أداء حقوق أهل البيت عليهم السلام.
8ـ حاكمية العناوين الثانوية على الأولية
9ـ الاستفادة من أدلة ولاية الفقيه وصلاحياته 
هذه تسعة أدلة ومؤيدات دالة على جواز توسعة الحرم المقدس للإمام الحسين× على حساب الأملاك الخاصة المجاورة, ولا يخفى أن بعضها لا يصل إلى مرحلة الدليلية بمعناها الفني والدقي، وانما هي بمثابة المؤيدات أو أنها تصلح كحجج وقرائن انضمامية تجعل من الفقيه يطمأن إلى الحكم بجواز التوسعة, إلا أن بعضها صالح للاستدلال مستقلاً، ومن دون الحاجة إلى أي شيء آخر، خصوصاً الأدلة الثلاثة الأولى.
والغرض من ذكرها جميعاً ـ مع تأملنا في بعضها من حيث صلاحية الاستدلال ـ إنما هو من باب ذكر كل ما يصلح أن يكون دليلاً أو مؤيداً لهذا الحكم؛ كون المسألة مستحدثة، وإلا فإن في ذكر بعضها كفاية في إثبات الحكم كما سيتضح .
الدليل الأول: أن الأرض ملك للإمام×
ورد في جملة من الروايات الكثيرة التي تفوق حد الاستفاضة والتامة دلالة أن الأرض ملك للإمام×, وقد أفتى بذلك جملة من الأعلام المعاصرين( )، فضلاً عن المتقدمين, وهذا ما يستدعي أن تكون أرض كربلاء من جملة مملوكاتهم صلوات الله وسلامه عليهم, فلو تعارضت مصلحة التوسعة للمرقد الشريف مع مصلحة مَن تصرف بالأرض بإذن الإمام أو نائبه فتُقدم مصلحة المالك الأصلي وهو الإمام×, إذ إن ملك المجاورين أو جواز تصرفهم في ظل ملك الإمام×، لا أنه مالك لها على نحو الاستقلال.
فقد ورد عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ:عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ×، قَالَ: «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ×: إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ، وَنَحْنُ الْمُتَّقُونَ، وَالْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا؛ فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْمُرْهَا وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا؛ فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا ، فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ، فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا  مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا، فَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ حَتّىٰ يَظْهَرَ الْقَائِمُ عليه السلام مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ، فَيَحْوِيَهَا وَيَمْنَعَهَا وَيُخْرِجَهُمْ مِنْهَا، كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ اللّٰهِ صلى الله عليه و آله، وَمَنَعَهَا، إِلَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا، فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلىٰ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَيَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ<( ).
فالواضح من الرواية ان المالك الحقيقي هو الامام عليه السلام والتصرف فيها من الاخرين مرهون برضاه حتى لو كان التصرف من مواليه وشيعته , فيكون ملك الاخرين مترتباً على اذن الامام في ذلك , فاذا وجدت مصلحة عامة ـ كمصلحة تعظيم مَواطِن الطاعة أو توفير أجواء أرحب للمومنين لممارسة الطاعات ـ  في ازالة هذا الملك المتزلزل والمعلق فيجوز الازالة غاية الامر ان يحرز رضا الامام او يراجع فيه لولي امر المسلمين ليحكم بذلك( ).
ويعضد هذه الرواية جملة من الأخبار الدالة أيضاً على ملكية الأرض لهم , وسوف نذكر بعضاً من ذلك وبدون تعليق عليها مراعاة للاختصار:
منها: ما رواه الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ رَوَاهُ قَالَ: >الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لِرَسُولِهِ وَلَنَا فَمَنْ غَلَبَ عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَ لْيُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لْيَبَرَّ إِخْوَانَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُ<( ).
ومنها: ما عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: >قُلْتُ‏ لَهُ أَمَا عَلَى الْإِمَامِ زَكَاةٌ فَقَالَ أَحَلْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَمَا عَلِمَتْ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ لِلْإِمَامِ يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَيَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَشَاءُ جَائِزٌ لَهُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِنَّ الْإِمَامَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَا يَبِيتُ لَيْلَةً أَبَداً وَلِلَّهِ فِي عُنُقِهِ حَقٌّ يَسْأَلُهُ عَنْهُ<( ). 
ومنها: ما عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ قَالَ: >كَتَبْتُ إِلَى الْعَسْكَرِيِّ× جُعِلْتُ فِدَاكَ رُوِيَ لَنَا أَنْ لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ@ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْخُمُسُ فَجَاءَ الْجَوَابُ إِنَّ الدُّنْيَا وَ مَا عَلَيْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ@<( ). 
 ومنها: عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ× قَالَ: >قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص‏ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَ أَقْطَعَهُ الدُّنْيَا قَطِيعَةً فَمَا كَانَ لآِدَمَ ع فَلِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ@<( ).
ومنها: عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: >إِنَّ جَبْرَئِيلَ× كَرَى‏  بِرِجْلِهِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ وَلِسَانُ الْمَاءِ يَتْبَعُهُ- الْفُرَاتَ وَدِجْلَةَ وَنِيلَ مِصْرَ وَمِهْرَانَ وَنَهْرَ بَلْخٍ فَمَا سَقَتْ أَوْ سُقِيَ مِنْهَا فَلِلْإِمَامِ وَالْبَحْرُ الْمُطِيفُ بِالدُّنْيَا لِلْإِمَامِ<( ).
وغيرها من الروايات التي عقد لها أرباب الحديث أبواباً منفردةً( ).
فيستفاد من خلال هذه الروايات أن الأرض ملك للإمام× وأن التصرف المتداول بين الناس إنما يكون على نحو الترخيص من قبله×، فاذا كانت هناك مصلحة في إعادة الملك ورفع التسلط والاباحة التي اعطوها لشيعتهم, وجب إرجاعها ورفع اليد عنها؛ لأن سلطنة الملك أقوى من سلطنة الاباحة ومتى ما تعارضت قُدِّمت( )؛ فينتج لنا جواز التوسعة على حساب المجاورين مطلقاً ما دامت المصلحة قائمة في ذلك، كما أشرنا .
الدليل الثاني: ان الإمام الحسين اشترى أرض كربلاء
من الأمور التي يمكن ان يستدل بها على جواز توسعة مرقد الامام الحسين× على حساب الاملاك الشخصية المحيطة بالمرقد المقدس هو ما دل على أن حريم الامام الحسين يمتد بمساحة أوسع من مساحته الحالية, وأن هذا الحريم هو من أملاك الإمام الحسين× التي اشتراها قبل شهادته والتي جعل بعض الساكنين في كربلاء آنذاك قيمين عليها، بل ملكهم اياها بشروط معينة كما سيتضح ذلك فيما يأتي إن شاء الله.
وسوف نسلط الأضواء على رواية شراء الإمام الحسين× لأرض كربلاء من حيث الدلالة والسند . 
فالكلام في محورين :
المحور الأول: متن الرواية
فقد روى الشيخ البهائي في الكشكول، عن خط جده محمد بن علي الجباعي ، نقلا من خط ابن طاووس ، نقلا من كتاب الزيارات لمحمد بن أحمد بن داود القمي ، عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : >إن حرم الحسين× الذي اشتراه ، أربعة أميال في أربعة أميال ، فهو حلال لولده ومواليه ، حرام على غيرهم ممن خالفهم ، وفيه البركة<( ). 
وفي الكتاب نفسه قال: >روي أن الحسين× اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدق بها عليهم ، وشرط أن يُرشدوا إلى قبره ، ويُضيفوا مَن زاره ثلاثة أيام<( ).
وذكر السيد رضي الدين بن طاووس: أن هذه الأرض إنما صارت حلالاً بعد تصدّق بها عليهم، لتخلف الشرط الذي ذكره×، لأنهم لم يفوا بذلك، حيث قال: >وقد روى محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزيارات<( ).
كما أن الشيخ الطريحي روى الخبر الأول في كتابه مجمع البحرين أيضاً( ).
تقريب الاستدلال: 
بما أن الرواية المتقدمة دلت على أن الإمام الحسين× اشترى مساحة من أرض كربلاء بمقدار أربعة أميال في أربعة؛ فتكون المساحة سته عشر ميلاً مربعاً، أي: ما يساوي فرسخاً وثلثاً؛ لأن كل ثلاثة أميال تُعادل فرسخاً, فيكون مقدار الأربعة أميال سبعة كيلوات متر وربع الكيلو متر. 
والنتيجة المتحصلة من هذا الكلام هو: أن حاصل ضرب الأربعة أميال في أربعة تساوي 52 كيلو متراً مربعاً ونصف كيلو تقريباً.
وصريح الرواية تقول: قد أعطاها لهم بنحو المشارطة, وبما أنهم لم يفوا بالشرط كما صرح السيد ابن طاووس؛ فيكون الملك باقياً للإمام× ولا يصح تملكها إلا بإذن منه أو إذن نائبه في عصر الغيبة مع مراعاة الشروط.
وفي جميع الأحوال، إذا تعارض ملك الناس مع مصلحة توسعة الحرم المقدس فلا ثبات لملك الآخرين إزاء ملك الإمام×.
فالرواية تامة الدلالة على أن مساحة ملك الإمام أوسع من المرقد المقدس القائم حالياً, ولا مجال للتمسك بدعوى ملكية الغير إذا عارضت الملكية الأصلية للإمام×.
وبذلك يكون جواز التوسعة أمراً طبيعياً؛ لأنه توسيع في دائرة مِلْك الإمام×؛ فلا يحتاج إلى إذن من المجاورين.
دفع إشكال:
قد يجول في ذهن القارئ تساؤل يرتقي إلى مستوى الإشكال، وحاصله: أن هذه الرواية تنافي الدليل الأول القائل: إن الأرض مِلْك للإمام×؛ لأنها لو كانت مِلْكَاً له فما هو السبب الذي دفع الإمام إلى شرائها من الساكنين في ذلك الوقت؟!
إلا أن الإجابة عن ذلك تكون كالتالي: إن شراءها كان شراءً ظاهرياً؛ لأن الحاكم ـ أو المجتمع ـ في زمانه يمنع من تصرف الإمام بها؛ إذ إنهم لا يعون معنى لكون الأرض ملكاً له؛ لعدم اعتقادهم بأنه الإمام الشرعي، أو لعدم إيمانهم بأن الأرض ملك له, فيرون أن وجود مَن تملكها يمنعه من التصرف بها؛ ولذا بادر الإمام إلى شرائها ليثبت ملكه ظاهرا فضلاً عن الثبوت الواقعي؛ لكي لا يحتج عليه أحد بأنه استحوذ على أرض الآخرين وأنه تصرف في حق وملك غيره.
وعليه؛ فدلالة الرواية واضحة في إثبات ملك الأرض له× واقعاً وظاهراً؛ فلا يصح تملكها إلا بإذنه أو إذن نائبه, فإذا رأى الإمام ـ أو نائبه في زمن الغيبة ـ مصلحة في عود الملك ورفع يد مَن استخدم الأرض فلا إشكال في جواز التصرف لأجل مصلحة عامة تعود للدين أو المسلمين.
ومع ذلك كله، فإن للولي الشرعي أن يعوض الناس بسبب التضرر من رفع مبانيهم وهذا موكول إلى قوله وحكمه.
المحور الثاني: سند الرواية 
بعد تمامية الرواية دلالة يقع الكلام في سندها, وهل هي معتبرة السند بحيث يمكن التمسك بها والاعتماد عليها في الاستدلال على هذه المسألة.
واضح مما ذكر أن الرواية يرويها الشيخ البهائي عن جده عن ابن طاووس , وابن طاووس ينقله من كتاب الزيارات، وهذا الكتاب مشهور في زمان ابن طاووس، فهو من مؤلفات محمد بن أحمد بن داوود القمي, عالم المذهب وشيخ القميين في زمانه.
ولا إشكال في وثاقة كل هؤلاء وجلالتهم, وإنما الكلام في أن الرواية فيها إرسال بين محمد بن أحمد بن داوود وبين الإمام×؛ لأن ابن داوود يرويها مباشرة من دون ذكر الوسائط, ولا ندري هل أنه ذكر الوسائط في كتابه أم أنه أرسل الرواية.
ولكن يمكن القول: إن هذا الإرسال لا يضر في اعتبار الرواية؛ لأن المرسِل من علماء المذهب الكبار الذين لهم مصنفات في الجرح والتعديل، بل إنه من المتحرجين من النقل عن الموثوقين كما هو ديدن القميين( )، ولا أقل من اعتقاده بصدور الرواية عنهم.
فإذا حصل اطمئنان بالصدور لهذه القرينة؛ فتكون النتيجة هي إمكان الاستدلال بهذه الرواية.
وبذلك يكون ملك الإمام مقدماً على سائر الملكيات الأُخرى، وذلك فيما لو كانت هناك مصلحة تعود إلى ضريحه المقدس وعموم شيعته ومواليه, خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الانتقال بالتصرف لمَن اشترى منهم لم يحصل؛ لأنهم لم يوفوا بالشروط.
الدليل الثالث :أن أرض كربلاء مِلْكٌ لعامة المسلمين
لقد ثبت في الكتب الفقهية ـ الاستدلالية منها والفتوائية ـ وكذا في الموسوعات الروائية أن الأرض المفتوحة عنوة لها أحكام خاصة تميزها عن بقية الأراضي، ومن بين ذلك أنها لا تملك مِلكاً خاصاً، بل هي عامة لعموم المسلمين، وقد ثبت أيضاً أن أرض العراق أرض مفتوحة عنوة فهي لا تملك ملكاً شخصياً...
وكما هو واضح، فإن هذا الدليل يحتوي على مقدمة صغرى وكبرى:
والكلام تارةً في الكبرى، وهي : أن الأرض المفتوحة عنوة لا تُملك على نحو الملكية الشخصية.
وأُخرى في الصغرى، أي: أن أرض العراق مفتوحة عنوة، ومنها أرض كربلاء .
أما الكبرى: فقد ذهب الأعلام إلى أن الارض المفتوحة عنوة لا تملك ملكاً خاصاً؛ ففي ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار ـ بعد نقل مسائل في الكلام عن أرض العراق وبيان كونها مفتوحة عنوة ـ قال الشيخ رحمه الله: >والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس، وأربعة الأخماس الباقية يكون للمسلمين قاطبة، الغانمين وغيرهم سواء في ذلك، ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين، وما ينوبهم من سد الثغور وتقوية المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك<( ).
وعليه؛ فهي لا تملك ملكاً شخصياً، بل تكون على نحو الملكية العامة للمسلمين، والذي له التصرف بها الإمام× أو مَن ينوب عنه, وبما أننا في زمن الغيبة؛ فتكون ولاية التصرف للفقيه الجامع للشروط؛ إذ إنه القدر المتيقن في إدارة الأُمور الحسبية؛ بناءً على القول بها , أو أنه نائب عام عن الإمام بناءً على القول بولاية الفقيه المطلقة .
فللفقيه أن يتصرف في تلك الأراضي مع موافقة ذلك للمصالح العامة للمسلمين, ولا شك في أن التوسعة فيها مصلحة عامة عائدة للمسلمين بصورة عامة, فلا تعارضها ملكية المجاورين الظاهرية لانها منافية للملك الواقعي لعامة المسلمين.
تنقيح الصغرى: أن أرض العراق مفتوحة عنوة 
وردت روايات تدل على أنّ أرض العراق ـ والتي تُسمى بأرض السواد في المصطلح الرائج آنذاك ـ ملك للمسلمين لأنها مفتوحة عنوة ومن تلك الأرض هي أرض كربلاء المقدسة, كما جاء في صحيحة الحلبي، قال: >سئل أبو عبد الله× عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يُخلق بعد ...»( ).
وكذا ما جاء في رواية أبي الربيع الشامي عنه× أيضاً قال: «لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلا مَن كانت له ذمّة فإنّما هو في‌ء للمسلمين»( ). 
وغيرهما من الروايات الأُخرى التي أدرجها أئمة الحديث في موسوعاتهم الروائية( ).
وحيث إنّه يشترط في صيرورة الأرض ملكاً للمسلمين ـ بمعنى أنّها ملك للأُمّة على امتدادها التاريخي وأمرها عائد إلى الإمام× يقبّلها ممّن يشاء بما يشاء، ثمّ يصرف حاصلها في المصالح العامة ـ كونها مفتوحة عنوة أن يكون الفتح بإذن‌ الإمام وأن تكون عامرة حين الفتح؛ فيقع الكلام في أنّ أرض السواد متوفّرة على هذه الشرائط أم لا؟
الظاهر أنّه لا كلام بين الإمامية في أنّ أرض السواد فتحت عنوة، وحكي ذلك في التواريخ المعتبرة ( ). 
ويلحق بالأرض المحياة حال الفتح ـ من حيث الحكم ـ الأرض الموات حال الفتح، فإنّها ملك الإمام× فيملكها مَن أحياها( ). 
وبما أن المشاهد المشرّفة وجملة من بلاد العراق الجديدة كذلك, فتكون ملكاً لعامة المسلمين والذي يديرها وليهم الشرعي.
ومنها: الأرض التي باعها الإمام× ومَن ينفذ منه البيع؛ لمصلحة راجعة إلى نوع المسلمين.
وهذه أيضاً مصداقها أرض كربلاء؛ فإن الإمام قد وهبها لساكنيها بعد أن اشتراها منهم بشرط أن يقوموا بمصالح لعامة المومنين، كتعهد الزوار ورعايتهم وتوفير المأوى المجاني لهم, إلا أن ذلك لم يفِ به سكان كربلاء آنذاك كما عبر ابن طاووس, فتكون الأرض باقية على ملك الإمام ولا عوض لهم؛ لأنه وهبها هبة مشروطة لم يفوا بشرطها, فتستخدم الأرض بما يعود على مصلحة الزائرين, وهل هناك مصلحة أكبر من مصلحة توسعة الحرم الشريف وبناء مؤسسات خدمية وسكنية ورعائية لعموم الزائرين؟
فيتم بذلك جواز التصرف بأرض كربلاء وتوسعة الحريم مطلقاً بإذن الفقيه الجامع للشرائط؛ لكي يقوم على المصالح العامة.
الدليل الرابع : تعميم علة توسعة مكة المعظمة الى حرم الحسين×
من الأدلة التي يمكن أن يُستدل بها على جواز التوسعة للحرم الحسيني هو ما حصل من توسعة لمكة المكرمة في زمن الأئمة^ إذ إنهم جوزا ذلك على حساب الملكيات الخاصة للناس، فمن خلال إبراز وحدة العلة التي من أجلها أجاز الامام في التوسعة للحرم المكي, وهي اسبقية وجود مكة على مجاوريها وأسبقية وجود الحرم الحسيني على مجاوريه, وهذه  التوسعة حدثت لمرات عديدة في زمن الإمام الصادق والكاظم‘؛ حيث عللوا جواز التوسع بسبق مكة على ملكهم, فيكون الكلام ساريا لتوسعة الحرم الحسيني في كربلاء؛ وذلك لسبق ملك الإمام لأرض كربلاء قبل المجاورين لها اليوم، أو لا أقل لوجود المرقد الشريف قبل وجود كل المجاورين له الآن. وإليك بعض الروايات في هذه الجهة:
الرواية الأُولى: عن عَبد الصّمَدِ بن سَعد، قال: >طَلَبَ أبو جَعفَرٍ (المنصور العباسی) أن يَشتَرِيَ مِن أهلِ مَكّةَ بُيوتَهُم أن يَزيدَهُ فِي المَسجِدِ فَأَبَوا، فَأَرغَبَهُم فَامتَنَعوا، فَضاقَ بِذلِكَ، فَأَتى‏ أبا عَبدِاللّهِ× فَقالَ لَهُ: إنّي سَأَلتُ هؤُلاءِ شَيئاً مِن مَنازِلِهِم وأفنِيَتِهِم لِنَزيدَ فِي المَسجِدِ وقَد مَنَعوني ذلِكَ، فَقَد غَمّني غَمّاً شَديداً. فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ×: أيَغُمّكَ ذلِكَ وحُجّتُكَ عَلَيهِم فيهِ ظاهِرَةٌ؟ فَقالَ: وبِمَ أحتَجّ عَلَيهِم؟ فَقالَ: بِكِتابِ اللّهِ. فَقالَ: في أيّ مَوضِعٍ؟ فَقالَ: قَولُ اللّهِ: {إنّ أوّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذي بِبَكّةَ}( )، قَد أخبَرَكَ اللّهُ أنّ أوّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ هُوَ الّذي بِبَكّةَ، فَإِن كانوا هُم تَوَلّوا قَبلَ البَيتِ فَلَهُم أفنِيَتُهُم، وإن كانَ البَيتُ قَديماً قَبلَهُم فَلَهُ فِناؤُهُ. فَدَعاهُم أبو جَعفَرٍ، فَاحتَجّ عَلَيهِم بِهذا، فَقالوا لَهُ: اِصنَع ما أحبَبتَ‏<( ). 
الرواية الثانية: عن الحَسَن بن عَلِيّ بنِ النّعمان، قال: >لَمّا بَنَى المَهدِيّ فِي المَسجِدِ الحَرامِ بَقِيَت دارٌ في تَربيعِ المَسجِدِ، فَطَلَبَها مِن أربابِها فَامتَنَعوا، فَسَأَلَ عَن ذلِكَ الفُقَهاءَ، فَكُلّ قالَ لَهُ: إنّهُ لا يَنبَغي أن يُدخِلَ شَيئاً فِي المَسجِدِ الحَرامِ غَصباً. فَقالَ لَهُ عَلِيّ بنُ يَقطينٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ، لَو كَتَبتَ إلى‏ موسَى بنِ جَعفَرٍ× لأَخبَرَكَ بِوَجهِ الأَمرِ في ذلِكَ. فَكَتَبَ إلى‏ والِي المَدينَةِ أن يَسأَلَ موسَى بنَ جَعفَرٍ عَن دارٍ أرَدنا أن نُدخِلَها فِي المَسجِدِ الحَرامِ، فَامتَنَعَ عَلَينا صاحِبُها، فَكَيفَ المَخرَجُ مِن ذلِكَ؟ فَقالَ ذلِكَ لأَبِي الحَسَنِ×. فَقالَ أبُو الحَسَنِ×: ولا بُدّ مِنَ الجَوابِ في هذا؟ فَقالَ لَهُ: الأَمرُ لا بُدّ مِنهُ. فَقالَ لَهُ: اُكتُب: بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، إن كانَتِ الكَعبَةُ هِيَ النّازِلَةَ بِالنّاسِ فَالنّاسُ أولى‏ بِفِنائِها، وإن كانَ النّاسُ هُمُ النّازِلونَ بِفِناءِ الكَعبَةِ فَالكَعبَةُ أولى‏ بِفِنائِها. فَلَمّا أتَى الكِتابُ إلَى المَهدِيّ أخَذَ الكِتابَ فَقَبّلَهُ ثُمّ‏َ أمَرَ بِهَدمِ الدّارِ، فَأَتى‏ أهلُ الدّارِ أبَا الحَسَنِ× فَسَأَلوهُ أن يَكتُبَ لَهُم إلَى المَهدِيّ كِتاباً في ثَمَنِ دارِهِم، فَكَتَبَ إلَيهِ أن أرضَخَ‏ لَهُم شَيئاً، فَأَرضاهُم<‏( ).
وواضح من الإمام أنه أبرز الوجه الشرعي للتوسيع وهو أسبقية وجود مكة المكرمة على وجودهم وبين لهم إعطاء تعويضات لإرضائهم على أن يرحلوا.
تقريب الاستدلال
بما أن العلة التي نصت عليها الروايتان المتقدمتان وفي واقعتين مختلفتين هي كون الحرم المكي سابقاً على سكن الناس في تلك الأراضي المجاورة له، فيقع الكلام بعينه في توسعة الحرم الحسيني في كربلاء المقدسة، بعد تسليم وإقرار كل المجاورين على سبق وجود مرقد الإمام على وجودهم ووجود أملاكهم, فالعلة في حاصلة، والعلة توسع الحكم في الجواز إلى أرض كربلاء؛ إذ لا خصوصية لأرض مكة المطهرة في هذه العلة، فيصنع في كربلاء كما صنع مع أهل مكة؛ فيتم الكلام حول توسعة الحرم الحسيني، ويعوضون عن بيوتهم لدفع الضرر عنهم.
الدليل الخامس: الروايات المحددة لحرم الإمام الحسين ×
هناك مجموعة روايات بينت أن هناك حريماً لمرقد الإمام الحسين×، وهذه الروايات وإن اختلفت في تحديد الحريم سعةً وضيقاً ـ ولعل الاختلاف ناشئ من تفاوت مقامات البقع قرباً وبعداً من مكان الجسد الطاهر ـ إلا أنها مجتمعة على وجود حريم لمرقد الإمام×, وكما هو متعارف بين العقلاء أن هذا الحريم تابع لصاحبه، كما في حريم الدار وحريم البستان، فلا يجوز لغيره أن يتعدى عليه أو يتصرف فيه.
فمن تلك الروايات ما حددت الحرم بفرسخ من كل جانب، ومنها بخمسة فراسخ، وغير ذلك .
ولا تنافي بين الروايات التي حددت الروضة الحسينية بمساحة أقل من الفرسخ أو الخمسة فراسخ؛ لأنها في مقام تحديد قبر الحسين وضريحه، وهذا أمر مغاير لعنوان الحرم الذي هو أوسع منه دائرة. 
وعليه، فنحن نختلف مع من جعل روايات الحرم وروايات موضع القبر من موضوع واحد.
وكيف كان، فإن الروايات المحددة لعنوان الحرم تقتضي تقديم مصلحة صاحب الحرم إذا ما زاحمتها مصالح الآخرين من المجاورين للمرقد, فيثبت جواز التوسعة لصاحب الحرم على حساب الساكنين هناك.
وكما هو واضح فإن الروايات المحددة لعنوان الحرم دائرة بين السعة والضيق، إلا أن أضيقها تحدد الحرم بمساحة أكبر من الحدود الحالية بكثير، وهذا الأمر يسوغ لمن يريد توسعة المرقد الشريف وتوابعه بحد الحرم الذي ذكرته الروايات، وهو الفرسخ الواحد على أقل تقدير .
وبذلك يتم جواز التوسعة للمرقد بمساحة فرسخ اي ما يساوي خمسة كيلوات متر مربع ونصف الكيلو.
الدليل السادس: تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة
من الأمور المتسالم عليها بين العقلاء أن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة فيما لو وقع تعارض بينها، وكل ذلك يراعى بجبر ما أنكسر من المصلحة الخاصة، وذلك لنكتة الحفاظ على مصلحة وملاك النوع مقابل مصلحة الفرد, وهذا نظير تعارض الحريات العامة مع الحريات الخاصة, فان حرية النوع تقدم على حرية الفرد.
ويمكن تطبيق ذلك على توسعة الحرم المطهر، في مقابل الملكيات الشخصية؛ وذلك لأن التوسعة تعود بالنفع على نوع المؤمنين الذين يفدون إلى زيارة إمامهم، وهذه المصلحة أمر مهم؛ فلا تقاومها المصلحة الفردية العائدة إلى بعض المؤمنين، خصوصاً وأن حق الفرد محفوظ لا ضياع فيه من خلال التعويض المناسب لحجم خسارته كما هو حاصل من تعويض المجاورين للإمام من خلال تقييم البيوت أو الدكاكين من قبل لجان خبيرة بالعقارات.
الدليل السابع: حقوق ال البيت 
من المفاهيم التي أكدها القران الكريم والروايات الواردة عن النبي@ هو حفظ حقوق الأئمة, وأن ذلك فرض في أعناق الأُمة؛ إذ إن النبي@ جعل أجر الرسالة مرتهن بالمودة لهم، وذلك في قوله تعالى : {قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة بالقربة ...}( )، وليست المودة هي الحب الذي يكون من عمل الجنان، بل إنها تفوقه وتتخطاه إلى الموقف العملي في نصرتهم ورفع مقامهم بالكلمة والسيف ورفع الشأن وغير ذلك...
ولعل من أبرز تلك الحقوق هو إعلاء مقاماتهم وجعلها منارات للهدى في كل آن ومكان؛ لأن بها تكون كلمة الله هي العليا، كونها محالاً لطاعة الله وتعظيم دينه.
وهذه الحقوق ثابتة على جميع المسلمين وبالأخص الموالين منهم, وبما أن المجاورين لمرقد الإمام الحسين× من الموالين له فالمفترض منهم ألا يمانعوا في توسعة الحرم الشريف؛ إذا ما كان توسيع المرقد فيه إعلاء لمقامه ومحلاً لرضاه ورضى الوافدين إليه؟
إن مَن يتفكر في لبِّه يرى أن من أبسط حقوق الإمام علينا أن نعظمه ونعظم بنيانه ونرفع البيوت التي أذن الله أن تُرفع؛ ففيها يذكر اسمه ويعلو دينه وترتكز عقيدته ويزداد حب أوليائه وينكسر أعداؤه الذين يحاولون إطفاء نور محمد وآل محمد بكل الأشكال.
الدليل الثامن: حاكمية العناوين الثانوية على الاولية
لا شك في أن العناوين الثانوية ـ والتي يجعلها الشارع المقدس في الحالات التي تحصل فيها ظروف استثنائية لبعض المواضيع ـ حاكمة على العناوين الأولية؛ فتكون مقيدة أو مخصصة لها, فإذا توفر عنوان ثانوي كعنوان الضرر أو الحرج أو وجوب تعظيم الشعائر وإبرازها بمظهر لائق يؤكد عزتها وعظمتها, هذه العناوين إذا توافرت فهي حاكمة على الحكم الأولي.
وفي محل بحثنا، إذا أمكن تطبيق ذلك بأن نقول: إن عنوان دفع الحرج والعسر على الزائرين بسبب ضيق محل الزيارة والعبادة من جهة، وتعظيم المراقد ورفعها من خلال التوسيع من جهة أُخرى هما عنوانان ثانويان، يفوقان مصلحة إبقاء الملك الخاص المانع من التوسعة للحرم؛ فيكون عنوان التوسعة للحرم مقدماً على عنوان إبقاء الملك الخاص.
الدليل التاسع: ولاية الفقيه
هناك نظريات عديدة في حجم سلطة الفقيه وولايته على شؤون المسلمين ومقدار تصرفه بتلك الطاقات والموارد التي تواجه المجتمع الإسلامي بما يعود على قوة وهيبة الاسلام واهله وضمن ضوابط محددة لا يتعداها الفقيه نفسه.
وهذه الموضوعة تحتاج إلى بيان واسع إلا أننا نأخذها كأصل موضوعي، فلا نخوض البحث فيها.
وبناءً على ثبوت الولاية العامة للفقيه؛ فإذا اقتضت المصلحة أن يتصرف في بعض الأملاك الخاصة على حساب تقديم مصالح العباد ودينهم فلا ضير في ذلك, والشواهد على ذلك كثيرة منها تسعير الحاكم على التجار حال الاحتكار( )، وفرض الزكاة على الأعيان غير الزكوية وغير ذلك من الأحكام( ), فإذا رأى الولي الفقيه مصلحة عامة في توسيع الأضرحة المقدسة على حساب الأملاك الخاصة مع عدم الإضرار بهم وتعويضهم فلا مانع من ذلك؛ إعمالاً لولايته على عموم المسلمين.
تتمة :توسيع للحكم لكل المراقد: 
بعد أن اتضح لنا تمامية بعض الأدلة على جواز التوسعة لمرقد سيد الشهداء× على حساب الأملاك المجاورة له ـ وفق الضوابط والمعايير الخاصة ـ نود أن نتطرق إلى هذا الحكم بالنسبة إلى بقية المراقد المطهرة، فهل يمكن التعميم إليها أم لا؟
وفي صدد الإجابة عن هذا السؤال نقول: لا يخفى أن كثيراً من الأدلة المذكورة في المقام عامة وغير مختصة بموضوعة توسعة الحرم الحسيني ما عدا الدليل الثاني منها, ولا أقل من القول بتمامية الدليل الأول لكل أضرحة الأئمة في المعمورة وتمامية الدليل الثالث لكل الأضرحة في العراق وتمامية الدليل الرابع لكل الأضرحة في المعمورة بعد الغاء خصوصية مكة وأسبقية وجود الأضرحة قبل سكنى الناس بجوارها، كما هو واضح.
فالصحيح هو الحكم بجواز التوسعة للحرم الحسيني وللأضرحة المقدسة أدامها الله تعالى وبالكيفية المذكورة آنفاً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد رضا الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/09/13



كتابة تعليق لموضوع : توسعة مرقد الإمام الحسين وإشكالية الأملاك الشخصية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net